أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عاهد جمعة الخطيب - التطرف في الصحف الإلكترونية العربية (1)















المزيد.....


التطرف في الصحف الإلكترونية العربية (1)


عاهد جمعة الخطيب
باحث علمي في الطب والفلسفة وعلم الاجتماع

(Ahed Jumah Khatib)


الحوار المتمدن-العدد: 7196 - 2022 / 3 / 20 - 01:53
المحور: الصحافة والاعلام
    


تبحث هذه الدراسة في التطرف في الصحف العربية الإلكترونية حيث ان التطرف قد اصبح منتشرا ويؤثر على استقرار حياتنا. وقد وجد المتطرفون في الصحف الإلكترونية المجال الواسع لعرض أفكارهم وأرائهم. وقد اجريت هذه الدراسة لتحقيق الأهداف التالية: تحديد أشكال التطرف في الصحف العربية الإلكترونية, تحديد معدلات أخبار التطرف في الصحف العربية الإلكترونية, ودراسة بعض النماذج من أخبار التطرف في الصحف العربية الإلكترونية وتحليلها كيفيا. وقد افترضت الدراسة الفرضيات التالية: توجد أشكال مختلفة للمادة الصحفية تتعلق بالتطرف في الصحف العربية الإلكترونية, يتفاوت البعد التحليلي للمادة الصحفية المتعلقة بالتطرف في الصحف العربية الإلكترونية حسب الشكل الصحفي للمادة الصحفية مابين الخبر الصحفي والمقال, تتفاوت اشكال التطرف الصحفية في الصحف العربية الإلكترونية مابين التطرف الديني والسياسي والإجتماعي.
اعتمدت منهجية الدراسة على تحليل المضمون من أجل اكتشاف المعاني التطرفية الكامنة في المحتوى ؛ والعلاقات الارتباطية بهذه المعاني؛ من خلال البحث الكمي الموضوعي والمنظم للسمات الظاهرة في هذا المحتوى. تم دراسة التطرف في الصحف الالكترونية في خمسة دول عربية هي الاردن, مصر, تونس, البحرين والكويت. ومن كل دولة, تمت دراسة ثلاث صحف الكترونية. تم جمع بيانات الدراسة من خلال استمارة صممت لكل صحيفه بحيث تضمنت تلك الاستمارة عدد الأخبار المتعلقة بالعنف بالإضافة الى الأخبار الأخرى كالأخبار الرياضية وغيرها. وقد تضمنت هذه الإستمارة جدولاً لكل جريدةٍ بحيث يسجل الخبر الصحفي الذي يتعلق بالتطرف, ونوع هذا الخبر فيما إذا كان محلياً, أو عربياً, أو دولياً. وكذلك تضمنت الإستمارة الشكل الصحفي للخبر من حيث كونه خبراً أو مقالاً تحليلياً. وقد وضع الباحث استمارة لكل شهر لكل صحيفة.
وقد بينت نتائج الدراسة أن أخبار التطرف تتفاوت من صحيفة إلكترونية إلى أخرى. كما بينت نتائج الدراسة ايضا أن أخبار التطرف تفاوتت بين الخبر المحلي والعربي والدولي. وكانت أخبار التطرف المحلية أقرب أن تكون إلى مصدرها, بينما كانت المقالات التحليلية تعكس وعي الكتاب لما يدور حولهم من أحداث. تأثرت اخبار التطرف بالأوضاع المحلية والإقليمية, وهذا قد انعكس من خلال المقالات التحليلية. وقد قدم بعض المحللين وجهات نظر تشخص أسباب التطرف من حيث الأوضاع الاقتصادية وماترزخ به من ثقل على كواهل المواطنين.
شهدت السنوات الأخيرة موجات من التطرف اجتاحت العالم العربي والإسلامي. وكنتيجة لذلك, يكثر الحديث في هذه الأيام عن التطرف والإرهاب وخلط المفاهيم (بحيث يسمى من يدافع عن وطنه إرهابيا ومن يقوم بالإعتداء كمن يحارب من أجل القيم), بالإضافة إلى غياب المنطق وعدم تغليب العقل في الحكم على الأمور. ومما زاد في ارتفاع حدة هذه الوتيرة (خلط المفاهيم) ظهور الصحافة الالكترونية والتي جعلت من المتلقي شريكا في صنع الخبر وإعادة صياغته وتعديله.
ومن الملاحظ أن العالم يشهد اليوم تطورات سريعة في ميدان الاتصال، انعكست بصورة كبيرة على ميدان الإعلام بشكل عام، والذي جمع بين تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا الاتصال، مما أدى إلى ظهور سوق حقيقي للوسائط المتعددة، التي تسمح بإدماج الكثير من المعطيات من مصادر مختلفة ، كالنصوص والصور والأصوات والبيانات والرسومات والفيديو؛ هادفة بذلك إلى تطوير الأشكال الجديدة لمنتجات الوسائط المتعددة التفاعلية، ودفع المستخدم لاقتنائها في وقت كان استعمالها يقتصر على وسائل الإعلام التقليدية، في ظل بحث المستخدم نفسه عن فضاءات أفضل للتعبير والاتصال. وكان في مقدمتها وسائل التواصل الاجتماعي والصحف الإلكترونية كأشكال للإعلام الإلكتروني، والتي باتت ترسم له علاقته بالبيئة المحيطة وتحدد نمط وشكل مشاركته الاجتماعية والسياسية والثقافية (معالي, 2008).
ومثل التزامن في ظهور شبكات التواصل الاجتماعي الإلكتروني والصحف الإلكترونية نقلةً نوعيةً اوصلت الإعلام إلى آفاق غير مسبوقة، وأعطى مستخدميه فرصا أكبر للتأثير والانتقال عبر الحدود بلا قيود ولا رقابة إلا بشكل نسبي محدود. كما أعطى قنوات للتعاطي المباشر والحي والفوري مع جمهورها في تطور يغير من جوهر النظريات الاتصالية المعروفة ويوقف احتكار صناعة الرسالة الإعلامية لينقلها إلى مدى أوسع وأكثر شمولية وبقدرة تأثيرية وتفاعلية لم يتصورها محللو وخبراء الإعلام والاتصال (محمود, 2011).
ولقد وجد الباحث من خلال متابعته لحركة الصحافة الالكترونية بأن المتطرفين قد وجدوا ضالتهم في وسائل الإعلام المفتوحة للفت الانتباه إلى قضاياهم وتحقيق أهدافهم. ولكن قبل المضي قدما لابد من الوقوف على التطرف والتعرض له لغة واصطلاحا.

1.2 مشكلة الدراسة
لقد وفر الإعلام الالكتروني مساحة واسعة للتعبير وحرية الرأي وإعادة قولبة وصياغة الخبر. ولقد تزامن الإعلام الالكتروني بميزتين هامتين هما: الشعور بالامان عند الكتابة بحيث أن أيدي الرقابة لا تطال الكاتب أو تؤثر عليه أو على المادة التي يقدمها. وأما الميزة الثانية فهي الغاء عنصر ألجغرافية فلم يعد للمكان والبعد حسابات تذكر, فبإمكان الفرد أن يتصل مع اشخاص يشاركونه الاهتمام في عدة دول او مناطق مختلفة من العالم بينما يجلس أمام شاشة كمبيوتره وكل مايلزمه اتصال عبر الانترنت.
لقد ترافق الاعلام الالكتروني بما قدمه من إمكانيات مختلفة بظهور موجات التطرف, سواء كان التطرف فكريا أو دينيا او سياسيا. وقد أخذ هذا التطرف بالنمو ويضرب في الامة وقيمها وكأنما هو المرض العضال الذي يصيب عضوا في الجسم ويحدث أثرا في الجسم كله.
إن هذه الظاهرة رغم كثرة الحديث عنها لم تحظى بالقدر المناسب من البحث والدارسة مما أوجد لديه القناعة والرغبة في خوض هذا المجال, حيث توجد حاجة ماسة لدراسة هذه الظاهرة والعوامل المؤثرة فيها بالإضافة الى دراسة البيئة المناسبة لظهورها وكيفية دراسة امكانية الصحافة الالكترونية لمواجهة التطرف نفسه.
وفي ضوء ما تقدم, فإن هذه الدراسة تطرح السؤال الرئيسي في هذه الدراسة:
ويتفرع من السؤال الرئيسي أسئلة فرعية أخرى:
6.1 أهداف الدراسة
يتمثل الهدف الرئيسي للدراسة في التعرف على التطرف في الصحافة الالكترونية العربية.
وتهدف الدراسة الى تحقيق الأهداف الفرعية التالية:
1- تحديد أشكال التطرف في الصحف العربية الالكترونية.
23- بيان بعض النماذج من اخبار التطرف في الصحف العربية الإلكترونية وتحليلها كيفيا.

1.3 أهمية الدراسة
تكمن أهمية الدراسة في كونها تدرس التطرف الذي يهز المجتمعات العربية ويؤثر على مستقبل الدولة فيها كما يؤثر على الفئات الشابة والمنتجة, وبالتالي يؤدي الى اندحار الدور الفاعل للفئة الشابة وتصبح ناقمة على مجتمعها. وكذلك تعرضت هذه الدراسة لموضوع التطرف على امتداد خمسة دول عربية وخمسة عشر صحيفة عربية الكترونية متنوعة.
إن التطرف مرض اجتماعي ولابد من التعامل معه بهذه الخصوصية, ومن هنا يأتي دور المتخصص في العلوم الاجتماعية ليقدم الحلول الاجتماعية الاستقصائية لخدمة المجتمع. فإذا كان المريض يذهب الى الطبيب للتشخيص والعلاج, فإن المتخصص في العلوم الاجتماعية هو طبيب المجتمع يشخص الظواهر الاجتماعية ويتنبأ بسيرها ويقدم لها الحلول المناسبة.
1.4
1.5 تعريف التطرف لغة
1.5.1 معنى التطرف في اللغة:
التطرف لغة مشتق من الطرف أو نهاية الشئ. فإذا قيل تطرف جاوز حد الاعتدال ولم يتوسط . وطرف الشئ جوانبه وورد هذا المعنى في القران الكريم فقال تعالى:" أقم الصلاة طرفي النهار و زلفا من الليل" (هود: .(114 وقال أيضا في سورة الرعد:" او لم يروا إنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها" . والتطرف بهذا المعنى يستعمل في الحسيات إلا إن له معنى آخر في المعنويات فيقال التطرف الفكري وهو ما جاوز حد الاعتدال أو الوسطية لجهة اليمين أو اليسار(الطريفي, 1999.(
فإذا كان العدل يعني الوسطية فينبغي على الفرد إن يكون كذلك في علمه وعمله وفي فكره ومعتقده وفي سلوكه. وإذا كان الأمر كذالك فالفضيلة هي الوسط والرذيلة هي تجاوزها إلى طرفي اليمين أو الشمال أو بالإفراط أو التفريط. ينبني على ذلك إن ما يقابل كل فضيلة في حالة تجاوزها رذيلتان. إلا إن الملاحظ وجدان الوسط الحقيقي أمر ليس بالسهل وإذا وجد فالثبات عليه أصعب. وبهذا فالوسط إما إن يكون حقيقيا بحيث تكون نسبته إلى طرفيه متساوية كالأربعة بين الاثنين والستة، أو يكون غير حقيقي ولكنه الأقرب إلى الحقيقي لتعذر وجدان الحقيقي وهو ما عليه غالبية الناس. فلو أخذنا الحكمة، فبما أنها فضيلة ولاشك، فإنها تحتل الوسط وان تجاوزها إلى احد الطرفين يكون إما إفراطا أو تفريطا. فإذا كان التجاوز إلى جهة الإفراط فستكون الجربزة) وتعني استعمال العقل فيما لا ينبغي أن يستعمل أو استعمال العقل بشكل زائد عما ينبغيه الاستعمال) . وهنا نكون أمام موضوع آخر يختلف تماما عن الموضوع الأول الذي هو الحكمة. أما إذا كان تجاوز الحكمة إلى الطرف المعاكس للأول وأعني به طرف التفريط, وفيه يكون الجهل والبله وهو عدم استعمال الفكر فيما ينبغي إن يستعمل فيه أو بأقل مما ينبغي إن يستعمل فيه. وفي كلتا الحالتين الإفراط أو التفريط استعمال للعقل مما يذم عليه صاحبه أو على الأقل مما يندم عليه. وموضوع التفريط هذا يختلف تماما عن موضوع الحكمة التي تمنع صاحبها فيما يذم فيه أو يندم عليه) النراقي, 1963.( ونفس الأمر ينطبق على الشجاعة وغيرها من الفضائل ماعدا فضيلة العدل فلها طرف واحد هو التفريط حيث الظلم . فإذا كان الظلم وضع الشيء في غير موضعه وهو موضوع يختلف عن موضوع العدل الذي يعني وضع الشيء في موضعه ومهما غالى الإنسان في ذلك فسيبقى عادلا.
مما تقدم نصل إلى الحقيقتين التاليتين:
إن الاعتدال في الوسط وبالعدل تُرد الإطراف إلى الوسط. أي أن العدالة هي الضابط بين الإفراط والتفريط من جهة وبين الوسط من جهة أخرى سواء الوسط كان حقيقيا أو ما هو اقرب إلى الحقيقي. هذه الحقيقة لا تقتصر على جانب من جوانب الإنسان فكما لها دور في الأخلاق لها نفس الدور في الأفعال والأحكام والسياسة والمعاملات وفي علاقات الأفراد سواء مع الخالق أو مع المخلوق.
الحقيقة الثانية أن كمال الفرد لايكون في تطرفه ذات اليمين أو ذات الشمال إنما في اتخاذ الوسطية لأن العدل والفضيلة لا يكون إلا في الوسط. ونجد تفسير ذلك في قوله تعالى " :وكذلك جعلناكم امة وسطا" (البقرة .(143 : ويذهب فريق من المفسرين إلى أن الوسطية التي تعنيها الآية الكريمة هي إن تتخذ الأمة الإسلامية سبيلا وسطا بين الوثنيين الذين يذهبون إلى تقوية الجانب المادي في الإنسان وهو الجسم ولا ينشدون إلا الحياة الدنيا دونما التفات إلى الآخرة. وبين اولئك الذين يرفضون الكماليات الجسمية ويتوجهون إلى الروح فقط ويدعون إلى الرهبانية وكلا الطرفين لم يصل إلى النتيجة التي يبتغيها . فالذين يؤكدون على الروح أبطلوا النتيجة بأبطال سببها الذي هو الجسم . والفريق الثاني أبطل النتيجة بالوقوف على السبب الذي هو الجسم والجمود عليه) الطباطبائي, 1971).

1.5.2 التطرف إصطلاحاً:
لا يكاد يخرج المعنى الاصطلاحي للتطرف عن معناه اللغوي. فيعني التطرف حسب الاصطلاح كما يراه البعض بأنه مجاوزة حد الاعتدال . فيما يراه آخرون تفكير مغلق لا يقبل الرأي الأخر ويرفض التسامح مع المعتقدات والآراء المخالفة له.
ويرى معتنقوا الفكر المتطرف أن:
-1 أفكارهم صحيحة وصادقة ولا يتطرق إليها الشك كما أنها أبدية.
-2 وبما إن أفكارهم صادقة فأنهم ليسوا بحاجة إلى البحث عن أدلة تنفيها أو تؤكدها.
-3 أفكارهم صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان.
-4 كل معتقد آخر يتعارض مع أفكارهم مدان.
-5 يترتب على ذلك ترك الحوار واتخاذ العنف وسيلة بديلة له لمواجهة الأفكار الأخرى , وهذا يعني فرض معتقداتهم على الآخرين بالقوة . وكما إن الإرهاب ظاهرة إجرامية فان التطرف ظاهرة مرضية على المستويات التالية:
-1 على المستوى العقلي حيث تنعدم القدرة على إعمال العقل بما ينبغي.
-2 على المستوى العاطفي أو الوجداني لما يتصف به المتطرف من شدة الانفعال
والكراهية لمن خالفه في الرأي.
-3 على المستوى السلوكي بما إن العمل هو نتيجة العلم ولإعمال العقل بما لاينبغي فيكون السلوك كذلك خارجا عما ينبغي ( احمد،(1990. ويرى شلبي أن التطرف هو الاتجاه إلى الطرف بدلا من الاعتدال والوسطية (شلبي، .(1993 فيكون التطرف- والحالة هذه- اتخاذ جانب الإفراط أو التفريط وتختلف شدته بحسب قربه وبعده عن خط الاعتدال. وينشئ التطرف نتيجة الفهم السطحي للمعارف التي يتلقاها المتطرف وعدم قدرته على الوقوف على الفهم الصحيح لها. أو نتيجة حصوله على العلم من غير مصادره الصحيحة مما ينجم عنه عدم إدراكه لحقيقة العلم وسقوطه في مفاهيم خاطئة. فإذا كان العلم الذي حصل عليه المتطرف يتعلق في المعتقد نتج عنه سلوكيات لا تتناسب ومايهدف إليه المعتقد الحقيقي. ومن لايقف على حقيقة المعتقد ويذهب يمينا أو شمالا سيتخذ العنف وسيلة له لفرض أرائه على الآخرين، ويكون بذلك سلك مسلك الإرهاب. لأن للإرهاب مقدمات ومقدماته الأفكار الخاطئة.
ويشير (الحلو، 2007) إلى إن هناك اختلاف بين التطرف والتدين المعتدل. ويفسر ذلك بأن التطرف هو المغالاة في فهم النصوص الدينية دون علم ودراية بحقيقة ما تقصده النصوص مما يؤدي إلى سوء فهمها. في حين إن التدين ظاهرة ايجابية مرغوبة اجتماعيا لأن الملتزم به عارف بمقاصد النصوص والقيم الأخلاقية لها . سالك على هدى ما فهمه من النصوص وبذلك يكون قدوة لغيره.
وعلى هذا يسبق التطرف الفكري التطرف العملي ويكون مقدمة له فلا يمكن للإنسان إن يكون منحرفا في سلوكه صادقا في عقيدته. كما إن التطرف الفكري أهون شرا من التطرف العملي. فإذا ما خضع المتطرف فكريا إلى تربية من قبل تنظيم متشدد, زادت هذه التربية من ترسيخ الأفكار المتطرفة وتقويتها وتصل به إلى حد القناعة والتي بها يسقط التسامح من حساباته ويرفض الرأي الآخر دون إن يكون بحاجة إلى مناقشته. فهو قد وصل إلى صلب الحقيقة حسب فهمه. حقيقة لا يأتيها الباطل من خلفها ولا من بين يديها . وبما أنه وصل حد القناعة بصحة أفكاره فيجب أن تسود هذه الأفكار المجتمع وإن اقتضى الأمر بالقوة. فيلجأ عندئذ إلى العنف لإفزاع المجتمع وإخافته حتى يتخلى عن أفكاره القديمة ويتبنى الأفكار الجديدة التي جاء بها المصلح الجديد المتطرف .
وهكذا يكون التطرف مقدمة إلى الإرهاب وتكون المجتمعات المتطرفة حواضن للحركات الإرهابية. وهذا ما يذهب إليه نجيب محفوظ حيث يرى أن الإرهاب مشكلة تتفاقم وله عواقب تصيب الاقتصاد والاجتماع. وأصل الإرهاب هو التطرف ولا توجد مشكلة في الفكر المتطرف. ففي كل رأي أو مذهب تطرف واعتدال ولكن التطرف ينحرف فيصبح إرهابا. ويرى إن من أهم أسباب الإرهاب هو إنسداد القنوات الشرعية الموصلة للسلطة وما ينتج عن ذلك من إحباط وضيق لجيل صاعد يتطلع إلى حقوقه في الحياة، ومن بينها –وربما في مقدمتها- حق تبؤ السلطة) خالد، 2007(.
والتطرف بهذا المعنى لا يوجد في بلد دون آخر ولا يقتصر على دين دون غيره. إنما هو ظاهرة منتشرة في دول الشمال والجنوب وفي كل الأديان. فهذا القرآن الكريم يحدثنا عن هذه الحقيقة وإن صم عنها البعض آذانهم وأغمضوا عيونهم حتى لا يروا أنهم منبت لها ومصدر يقول تعالى عن الغلو الذي سبق إليه اليهود والنصارى "وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يُضاهؤون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يُؤفكون" (التوبة .(30: وهنا تشبيه لليهود والنصارى بمن سبقهم في المغالاة والتطرف وهو دليل عدم إلمامهم بالحقيقة كاملة وذهابهم إلى ما يخالفها فوقعوا نتيجة ذلك في الجهل لبعدهم عن الحقيقة.
وإذا كان الغلو والتطرف عند من سبق اليهود والنصارى فقد وقعوا هم فيه أيضا كما أشار القران سابقا وكما أكد هذه الحقيقة في آية اخرى وهي قوله تعالى: " وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شئ) "البقرة: (113 , وأدى هذا الغلو الى استباحة كل طرف لدماء وإعراض الطرف الأخر.
على إن التطرف لا ينحصر بالإفراد ولكن يتعداه إلى الدول وهو ما يمكن أن نطلق عليه بالتطرف الرسمي. وكما أن إرهاب الدولة يكون على المستوى الداخلي ضد مواطنيها أو على المستوى الخارجي ضد دول أُخرى فكذلك الحال بالنسبة للتطرف الرسمي. فإنه يكون تطرف تمارسه الدولة ضد المواطنين وما ينجم عن هذا التطرف من سلوك عنيف ضد المعارضين لها والذي يصل إلى حد فرض حالة الطوارئ أو الإحكام العرفية. وما لهذين الاجرائين من تأثير سلبي على حقوق الإنسان.
هذا التطرف الرسمي في الفكر والعمل سيقابله حتما تطرف مشابه له من الجانب الأخر، وهذه حقيقة لا يريد أصحاب التطرف الرسمي فهمها, فهم كما سبقت الإشارة إليه يريدون فرض ما يفهمون على الآخرين حتى لو كان ذلك بالقوة. وللتطرف أسباب وهي لا تختلف عن أسباب الإرهاب التي تمت الإشارة إليها سابقا. فهناك دراسة أجريت على عدد من الطلاب في مصر والكويت لخصت أسباب التطرف بما يلي (الحلو, 2007):
-1 الخلل التربوي.
-2 الاتجاهات الرافضة للسلطة أو الواقع أو المحيط. والمنتمون لهذه الاتجاهات قد يكونون من المتطرفين دينيا أو من الراغبين في التمرد على السلطة. ولم تذكر الدراسة المعارضين للسلطة والتي سُدت في وجوههم كل أبواب الحوار واتبعت الدولة في إسكاتهم القوة.
-3 المشاكل السياسية والاقتصادية.
-4 المشاكل الاجتماعية.
-5 العوامل الخارجية كالأفكار التي تقوم جهات أو دول ببثها في دول أخرى رغبة منها في تقوية نفوذها وفرض أو زيادة هيمنتها في تلك الدولة. أو لغرض زعزعة النظام فيها كما يحصل ألان في العراق من عدم استقرار والذي أحد أسبابه الأفكار التي تقوم دول الجوار ببثها بين العراقيين لإفشال التجربة الأمريكية في العراق حتى لا يعاد تطبيقها عليهم.
بينما يرجع البعض الآخر سبب التطرف وما يصحبه من إرهاب الى:
-1 إخفاق نظريات القومية العربية في تحقيق الأهداف التي وجدت من اجلها ونادت بها طيلة عشرات السنين . وما حدث هو عكس ما أرادته هذه النظريات حيث تجذرت القطرية وأصبح لكل دولة هويتها وسيادتها.
-2 سقوط جدار برلين وتفكك دول الاتحاد السوفيتي السابق بعد أن تبين إخفاق النظريات الماركسية في تأسيس مجتمعات اشتراكية.
-3 فشل نظام الاقتصاد الحر في تلبية ما تطمح اليه الدول النامية وانعكاس ذلك سلبا على المستوى المعيشي للمواطنين (الحلو, 2007).
وفي دراسة اجراها سالم (2011) حول الانحراف والتطور الفكري, اورد الباحث مجموعة من الاسباب التي تؤدي الى التطرف نوجزها بالنقاط التالية:
1- اﻟﺠﻬﻞ ﺑﺎﻹﺳﻼم: وهو ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻼﻧﺤﺮاف اﻟﻔﻜﺮي، واﻟﻀﻴﺎع اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻋند اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، وﻳﻨﺘﺞ ﻋﻦ هذا اﻟﺠﻬﻞ اﻟﻌﺎم ﺑﺎﻹﺳﻼم ﻓقدان اﻟﺤﺎﺟﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ واﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ اﻟﻤﺸﺎكل واﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ اﻟﻤﺴﺘﺠدة ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻹﻧﺴﺎن، وسبب هذا اﻟﺠﻬﻞ هو اﻟﺘﺨلف اﻟﺬي ﻋﺎﺷﻪ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ردﺣﺎ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن، واﻟﺬي أدى إﻟﻰ ﺿﻌﻒ ﻓﻲ نقطة اﻻرتكاز لدى اﻟﺸﻌﻮب اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، واﻟﺘﻲ ﻳﺘﻤﻜّﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻻﻧﻄﻼق ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﺘﻐﻴﺮات ﺑﺜﺒﺎت ودون اﻧﻜﺴﺎر واﻧﺤﺮاف.
2. اﻟﻔﺮاغ اﻟﻔﻜﺮي، والتوقف ﻋﻦ الابداع واﻹﻧﺘﺎج: وهو اﻟﺬي يسد اﻟﺤﺎﺟﺎت اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة
ﻟﻠﻔﻜﺮ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ، وعدم اﻻهتمام ﺑﺸﺆون اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ، وﺻﺪ اﻟﺘﻴّﺎرات اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ اﻟﻤﺎدّﻳـــــﺔ اﻟﺘﻲ ﻏﺰت اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، وﻋﺪم التطوير ﻟﻠﺪراﺳﺎت اﻟﻔﻘﻬﻴﺔ واﻷﺻﻮﻟﻴﺔ واﻹﺑﻘﺎء ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻠﻬﺎ التقليدي، دون أن ﻳﻨﻈﺮ ﻓﻲ دراﺳﺘﻬﺎ وﺗﺪرﻳﺴﻬﺎ، وﺑﺤﻮﺛﻬﺎ وﻣﻮﺿﻮﻋﺎﺗﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺠﺪ ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺎت ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻠﻔﻜﺮ، واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ، واﻟﺤﻴﺎة اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ.

وما ذكر من أسباب للتطرف رغم صحتها الجزئية فهي ليست كل الأسباب وراء الظاهرة وبما أن التطرف مقدمة ضرورية إلى الإرهاب فأسبابهما واحدة كما أسلفت.
والمشكلة لم تعد قاصرة على المتطرفين الإفراد بل تشمل الدول أيضا وبذلك أصبحت
مشكلة التطرف عالمية ولم تعد كما يزعم البعض قاصرة على شعب أو دين أو بلد معين. ونظرا لتعقيدها وزيادة مخاطرها ولكونها مقدمة للإرهاب الدولي الذي تُعلن ضده حرب لا هوادة فيه, ولذا ينبغي وضع الحلول اللازمة لهذا المرض قبل إن تتوسع ارتداداته فتشمل الجميع.



#عاهد_جمعة_الخطيب (هاشتاغ)       Ahed_Jumah_Khatib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- COVID-19 والفطر الأسود: رؤى جديدة توضح سبب المرض
- بناء نماذج رياضية حركية للتنبؤ بسلوك السرطان: صورة معكوسة جد ...
- السياسة الجنائية من النشأة والتطور الى الواقع تشمل النشأة وا ...
- العلاقة بين نقص فيتامين د والاكتئاب والإدمان
- مفهوم التغير وعوامله واشكاله وانواعه والفرق بين التغير والتغ ...
- نهج فلسفي جديد في فهم السياق من خلال تطبيق نظرية الاحتمالات ...
- مميزات الاصلاح المجتمعي وعيوبه واهم التحديات التي تواجهه في ...
- الاكتئاب لدى مرضى الإدمان في الأردن
- مراجعة كتاب طبائع الاستبداد لعبد الرحمن الكواكبي والتركيز عل ...
- النظريات العاملة في التغيير الاجتماعي
- فلسفة السياسة الجنائية كمفهوم مقارنة مع المفاهيم الاخرى
- علم الجريمة التكويني
- التسويق الاجتماعي والتباعد الاجتماعي: تجربة الأردن في مكافحة ...
- الأساليب الجديدة في تسويق الرعاية الصحية
- الجوانب المالية المرتبطة بالإفراط في استخدام الموارد الصحية
- التدخين وفايروس كورونا: دليل محتمل من عملنا
- دور تورط الجهاز العصبي في الأنسجة الخبيثة: تدهور العمارة الن ...
- الأدوار غير الكلاسيكية للميكروبات
- المنظورات الثقافية لنماذج التدخين: تدخين السجائر وتدخين الشي ...
- انخفاض الوعي الذاتي والقهر: فرضية طبية نفسية جديدة


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عاهد جمعة الخطيب - التطرف في الصحف الإلكترونية العربية (1)