أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عاهد جمعة الخطيب - علم الجريمة التكويني















المزيد.....

علم الجريمة التكويني


عاهد جمعة الخطيب
باحث علمي في الطب والفلسفة وعلم الاجتماع

(Ahed Jumah Khatib)


الحوار المتمدن-العدد: 7184 - 2022 / 3 / 8 - 05:09
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ويندرج تحت هذا الباب نظرية نظرية التكوين أو الاستعداد الإجرامي
نظرية التكوين أو الاستعداد الإجرامي
- مضمون النظرية
لم تقتصر هذه النظرية على فكرة تعدد الأسباب التي تؤدي إلى تحقق السلوك الإجرامي، وإنما بينت الكيفية التي من خلالها يحدث التفاعل بين هذه الأسباب المتعددة في إنتاج الظاهرة الإجرامية.
وتقوم هذه النظرية على أن المجرم يتوافر لديه استعداد بعدم تقبل قواعد السلوك الاجتماعي واحترام الآخرين في المجتمع، وهو ما يمكن أن يطلق عليه الاستعداد الإجرامي لدى الفرد. ولكن هذا الاستعداد الإجرامي يعتبر حالة ساكنة لا تؤدي بالضرورة إلى ارتكاب الجريمة وإنما تخلق لدى الفرد ميلاً تجاه الإجرام. هذا الميل لا يتحول إلى تنفيذ فعلي للجريمة إلا إذا اقترن وتفاعل مع عوامل أخرى خارجية، بحيث يمكن القول أن الجريمة ما هي إلا نتيجة تفاعل عوامل داخلية تتعلق بتكوين الشخص وعوامل خارجية تتعلق بالبيئة المحيطـة بـه.
وذهب دي توليو إلى أن الكشف عن الاستعداد الإجرامي لدى الفرد يتطلب دراسة متكاملة لتكوينه وشخصيته من ثلاث نواحي.
الناحية الأولى تتعلق بدراسة الأعضاء الخارجية لجسم الإنسان للتعرف على ما يتوافر لديه من شذوذ، حيث لاحظ دي توليو تميز المجرمين عن غير المجرمين بنسبة كبيرة من العيوب الجسمانية. الناحية الثانية تتعلق بدراسة وظائف الأعضاء والأجهزة الداخلية للجسم كالجهـاز الدوري والتنفسـي والبولي والهضمي والتناسلي، ودراسـة إفرازات الغـدد إلى غير ذلك، وقد لاحـظ دي توليو وجود خلل فى الجهاز البولي والعصبي والبولي لدي المجرمين بنسبة أكبر من نسبتها لدى غير المجرمين. الناحية الثالثة تتعلق بدراسة الناحية النفسية للفرد للوقوف على مدى نشاط غرائزه وحاجاته. وقد لوحظ أن المجرم غالباً ما يكون مصاباً بشذوذ في بعض الغرائز مثل الشذوذ الذي يصيب غريزة التملك فيدفع الفرد إلى ارتكاب جرائم اعتداء على الأموال، والشذوذ الذي يصيب غريزة الدفاع فيؤدي بالفرد إلى ارتكاب جرائم اعتداء على الأشخاص، والشذوذ الذي يصيب الغريزة الجنسية فيرتكب الفرد نتيجة لذلك جرائم اعتداء على العرض.
وذهب دي توليو إلى أن الاستعداد الإجرامي لدى الشخص يظل كامناً بداخله إلى أن يوقظه ويتفاعل معه بعض العوامل والمؤثرات الخارجية مما يدفع الفرد إلى ارتكاب الجريمة. ويقرر دي توليو أن هذا الاستعداد الإجرامي لا يتوافر لدى جميع الناس، بدليل أن العوامل الخارجية التي تدفع المجرم لارتكاب الجريمة لا تحدث هذا التأثير لدى غير المجرمين.
والعلة في ذلك أن السلوك الإجرامي أشبه بالمرض الذي تتوقف إصابة الجسم به على قدر ما يتمتع به من مناعة وقدرة على مقاومة جراثيمه. فلذلك الوضع بالنسبة للسلوك الإجرامي حيث يتوقف ارتكاب الجريمة على ضعف قدرة الشخص على التكييف مع مقتضيات الحياة الاجتماعية بسبب ما يصيبه من خلل عضوي ونفسي أدى إلى توافر الاستعداد الإجرامي لديه.
وقد قسم دي توليو الاستعداد الإجرامي إلى نوعين، الأول استعداد إجرامي أصيل والثاني استعداد إجرامي عارض. فالاستعداد الإجرامي الأصيل يتميز بالثبات والاستمرار ويرجع إلى وجود خلل عضوي ونفسي لدى الفرد ويجعله يميل إلى ارتكاب الجريمة وقد يصل ذلك إلى حد الاعتياد على ارتكابها والإقدام على ارتكاب أشدها خطورة. أما الاستعداد الإجرامي العارض فهو ذو صفة عارضة ويرجع إلى عوامل داخلية تتعلق بتكوين الفرد وإلى عوامل خارجية تؤثر عليه وتضعف من قدرته على التحكم في نزعاته الفطرية فيرتكب الجريمة على سبيل المصادفة.
واستناداً إلى فكرة الاستعداد الإجرامي قسم دي توليو طائفة المجرمين المجانين إلى نوعين: المجرم المجنون، والمجنون المجرم.
فالمجرم المجنون هو شخص يرجع ارتكابه للجريمة إلى تكوين كامن فيه وسابق على إصابته بالجنون، ولذلك فإن شفاء هذا المجرم من جنونه لا يمنع من احتمال عودته إلى ارتكاب الجريمة لأن لديه الاستعداد الإجرامي لذلك، وهذا الاستعداد يتصف بالثبات والاستمرار. أما المجنون المجرم فيرجع سبب ارتكابه للجريمة إلى إصابته بالجنون فقط، ولذلك فإن شفاء هذا المجرم من جنونه يؤدي إلى زوال سبب إجرامه نظراً لعدم توافر استعداد إجرامي لديه سابق على حالة الجنون.
- تقدير النظرية
تميزت هذه النظرية بالنظرة التكاملية في تفسير الظاهرة الإجرامية مستندة في ذلك إلى العوامل الفردية المتعلقة بتكوين المجرم وشخصيته وإلى العوامل الخارجية المحيطة به، وهي بذلك تجنبت التطرف الذي اتسمت به نظريات كل من الاتجاه الفردي والاتجاه الاجتماعي كما سبق بيانه.
ومع ذلك فقد أخذ على هذه النظرية بعض الملاحظات:
أولى هذه الملاحظات، أن فكرة الاستعداد الإجرامي يصعب التسليم بها لكونها لا تصدق على جميع أنواع الجرائم، لأن الجريمة كواقعة قانونية تختلف من زمان لآخر ومن مكان لآخر حسب ما يسود مجتمع ما في زمان ما من قيم ومصالح تدفع المشرع إلى التدخل لحمايتها وهو ما يطلق عليه "الجريمة المصطنعة"، وعليه فإن فكرة الاستعداد الإجرامي لا تصلح لتفسير هذه النوعية من الجرائم. ولذلك قيل بأن فكرة الاستعداد الإجرامي تصلح فقط لتفسير ما يطلق عليه تعبير "الجريمة الطبيعية" التي قال بها جاروفالو وهي الجريمة التي تتعارض مع القيم الأخلاقية والاجتماعية الراسخة في الضمير الإنساني مثل جريمة القتل وجريمة السرقة.
وثاني هذه الملاحظات، أن هذه النظرية تقود إلى اعتبار العوامل الاجتماعية غير كافية بمفردها لدفع الفرد إلى ارتكاب الجريمة، باعتبار أن ذلك لا يتم إلا إذا تفاعلت مع استعداد إجرامي كامن لدى الشخص وما عليها إلى أن توقظه لتحدث الجريمة.
ولا شك أن هذه القول لا يمكن التسليم بصحته في جميع الفروض، لأنه قد ترتكب الجريمة تحت تأثير العوامل الخارجية وحدها كما هو الحال بالنسبة للزوج الذي يفاجأ زوجته متلبسة بالزنا فيقتلها في الحال هي ومن يزني بها. في هذه الحالة يرتكب الزوج جريمته تحت تأثير ظروف وعوامل خارجية دون أن يتوافر لديه استعداد إجرامي سابق.
ومع ذلك يمكن القول أن هذا الزوج قد توافر لديه استعداد إجرامي عارض تم إثارته بهذا المؤثر الخارجي ثم حدث تفاعل بينهما أدى إلى ارتكابه للجريمة.
وعلى أية حال فإن هذه النظرية لاقت تأييد واسع من جانب الفقه الحديث الذي يفضل تسميتها بنظرية "الاستعداد اللا اجتماعي أو الانحرافي" ذلك أن هذه التسمية تعتبر أكثر شمولاً من تعبير "الاستعداد الإجرامي"، ويسمح بتفسير الجريمة كواقعة قانونية متغيرة بحسب الزمان والمكان.
كما يطلق جانب من الفقه على هذه النظرية تعبير "نظرية العقلية اللااجتماعية". وهو تعبير يتفق في معناه مع فكرة الاستعداد اللا اجتماعي.
ومجمل القول أن تفسير الظاهرة الإجرامية تفسيراً علمياً يجب أن يستند إلى الجمع بين العوامل الفردية والعوامل الخارجية.
وكان من نتيجة الأبحاث التي قام بها لومبروزو أن نشر كتاب في عام 1876 بعنوان "الإنسان المجرم"، وذكر أن هذا الإنسان المجرم يتميز بخصائص تكوينية جسدية تختلف عن تلك التي تلاحظ لدى غير المجرمين، وأرجع ذلك إلى أن المجرم يرتد بالشبه إلى الإنسان البدائي الذي اتخذ منه نموذجاً أو نمطاً للإنسان المجرم. وقد خلص لومبروزو كذلك إلى أن الإنسان المجرم مصاب بخلل في سير أجهزة جسمه الداخلية وإلى أنه يعاني من اضطرابات نفسية وعقلية ترتد به إلى الإنسان البدائي.
ونتيجة لما تعرضت له نظرية لومبروزو من انتقادات، خاصة فيما يتعلق بفكرة. الإنسان المجرم وفيما يتعلق بإهمال دور العوامل الاجتماعية في ارتكاب الجريمة، فقد حاول كل من جاروفالو وفيري تطوير أفكار المدرسة الوضعية الإيطالية وذلك لإنقاذها من التطرف الذي اتسمت به هذه النظرية، وقد أدى ذلك إلى تطور الدراسات المتعلقة بعلم الإجرام. فذهب جاروفالو في مؤلفه الذي أصدره عام 1885 إلى أن الجريمة ترتكب نتيجة خلل عضوي ونفسي لدى المجرم، ولكنه أضاف إلى ذلك أن العوامل الخارجية المحيطة بالفرد تلعب دوراً في ذلك وإن اعتبر جاروفالو هذا الدور ضئيلاً وهامشياً.
أما فيري فقد اعتبر الجريمة نتاجاً لعدة عوامل وهي:
• عوامل داخلية مثل السن والجنس والتكوين العقلي والبدني للمجرم، وعوامل اجتماعية كالوسط العائلي والحرفة والظروف الاقتصادية من فقر وبطالة، وعوامل بيئية طبيعية مثل المناخ. وقد أعطى فيري للعوامل الاجتماعية أهمية كبيرة. وقد ضمن فيري أفكاره هذه مؤلفه الذي أصدره عام 1893 عن "علم الاجتماع الجنائي".
• وفي المرحلة التالية لظهور المدرسة الوضعية، اهتمت الدراسات الإجرامية بعلم الاجتماع الجنائي اهتماماً كبيراً؛ حيث تركزت الدراسات حول دور البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد في دفعه لارتكاب الجريمة.
• ولا شك أن تقدم الأبحاث الخاصة بعلم الإجرام كان مرتبطاً بتقدم العديد من العلوم الأخر التي تمد الدراسات في علم الإجرام بالعديد من البحوث والمادة العلمية اللازمة لمعرفة شخصية المجرم وتكوينه وتأثره بالبيئة المحيطة به، ومن هذه العلوم علم الطب وعلم النفس وعلم الاجتماع، وكان نتيجة تقدم هذه العلوم أن تقدمت البحوث الإجرامية ونشأت علوم متفرعة عن علم الإجرام مثل علم البيولوجيا الجنائية، ثم علم النفس الجنائي وعلم الاجتماع الجنائي.



#عاهد_جمعة_الخطيب (هاشتاغ)       Ahed_Jumah_Khatib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التسويق الاجتماعي والتباعد الاجتماعي: تجربة الأردن في مكافحة ...
- الأساليب الجديدة في تسويق الرعاية الصحية
- الجوانب المالية المرتبطة بالإفراط في استخدام الموارد الصحية
- التدخين وفايروس كورونا: دليل محتمل من عملنا
- دور تورط الجهاز العصبي في الأنسجة الخبيثة: تدهور العمارة الن ...
- الأدوار غير الكلاسيكية للميكروبات
- المنظورات الثقافية لنماذج التدخين: تدخين السجائر وتدخين الشي ...
- انخفاض الوعي الذاتي والقهر: فرضية طبية نفسية جديدة
- السكري والاعتلال العصبي السكري حدثان مستقلان: فرضية طبية جدي ...
- الاستخدام المناسب للفحم المنشط في الأساليب الصيدلانية والسمي ...
- الجوانب العصبية والفسيولوجية للمرض: الدماغ كمفتاح متعدد الرو ...
- هل الدين هو الجزء المفقود في نظريات سلوك المواطنة والقيادة و ...
- تحديثات فيروس كورونا: التحقيقات الأساسية والسريرية
- توقع تحليلات البيانات الضخمة (BDA) على وسائل التواصل الاجتما ...
- فلسفة الحياة اليومية الشاملة (Tdlp): المفاهيم والأساسيات الج ...
- أوهام الأمل-قصة قصيرة
- قصة قصيرة: ولهذا صنع لي حسان فنجان القهوة
- قصة قصيرة: لزقة جرح
- قصة قصيرة: فرصة حب
- قصة فلسفية قصيرة: -خريف العمر-


المزيد.....




- تسببت بوميض ساطع.. كاميرا ترصد تحليق سيارة جوًا بعد فقدان ال ...
- الساحة الحمراء تشهد استعراضا لفرقة من العسكريين المنخرطين في ...
- اتهامات حقوقية لـ -الدعم السريع- السودانية بارتكاب -إبادة- م ...
- ترامب ينشر فيديو يسخر فيه من بايدن
- على غرار ديدان العلق.. تطوير طريقة لأخذ عينات الدم دون ألم ا ...
- بوتين: لن نسمح بوقوع صدام عالمي رغم سياسات النخب الغربية
- حزب الله يهاجم 12 موقعا إسرائيليا وتل أبيب تهدده بـ-صيف ساخن ...
- مخصصة لغوث أهالي غزة.. سفينة تركية قطرية تنطلق من مرسين إلى ...
- نزوح عائلات من حي الزيتون بعد توغل بري إسرائيلي
- مفاوضات غزة.. سيناريوهات الحرب بعد موافقة حماس ورفض إسرائيل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عاهد جمعة الخطيب - علم الجريمة التكويني