أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عاهد جمعة الخطيب - السياسة الجنائية من النشأة والتطور الى الواقع تشمل النشأة والواقع والازمة















المزيد.....


السياسة الجنائية من النشأة والتطور الى الواقع تشمل النشأة والواقع والازمة


عاهد جمعة الخطيب
باحث علمي في الطب والفلسفة وعلم الاجتماع

(Ahed Jumah Khatib)


الحوار المتمدن-العدد: 7192 - 2022 / 3 / 16 - 23:17
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


مقدمة:
يتناول هذا البحث استعراضا للسياسة الجنائية ضمن النسق التاريخي, ومراحل تطورها, واهم المنحنيات الفكرية وجهود العلماء في تلك المراحل المختلفة. وكذلك تم التعريج على واقع السياسة الجنائية وازماتها.
نشأة السياسة الجنائية وتطورها
مرت السياسة الجنائية بمجموعة من المراحل، عرفت خلالها تطورا ملحوظا، وبالرغم من أن هذه السياسة لم تكن في البداية ترتكز على فكر علمي محض بل ارتكزت على أساس فلسفي فإنها أغنت الفكر الجنائي في مختلف نواحيه إلا أن الملاحظ خلال المراحل الأولى هو اهتمام المشرع الجنائي بجانب العقوبة وإغفال جانب المجرم أو الجاني (الشرقاوي, 2004).
وهكذا فقد ظل الفكر السياسي ينظر إلى السياسة الجنائية بالاستناد إلى العقوبة التي اختلف تبريرها من فيلسوف لآخر، حيث اعتمد فيكاريا في ذلك على نظرية العقد الاجتماعي وسايره في هذا التوجه كل من الفيلسوف فيروباخ في ألمانيا وبنتام في انجلترا، هذا الأخير الذي يعد أحد أقطاب نظرية النفعية الاجتماعية والتي مفادها أن الإنسان يتمتع بخاصية الحساسية ومن ثم فهو يميل إلى اللذة ويهرب من الألم ودور المشرع هو الملائمة بين لذات الأفراد داخل المجتمع لتفادي الاصطدام والصراع وتحقيق المنفعة العامة. وقد أثرت هذه النظرية في السياسة الجنائية معتبرة بأن سيطرة الدولة على العقاب جاء نتيجة تنازل الأفراد عن بعض حقوقهم،مقابل حماية الدولة لباقي الحقوق الغير المتنازل عنها، وبناء عليه تأسس حق الدولة في العقاب بغض النظر عن طبيعة العقوبة التي اتسمت في غالبها بالقسوة. وقد أدت هذه الأفكار الفلسفية إلى بروز أهم المبادئ التي لا زالت تقوم عليها السياسة الجنائية وإلى حد الآن هي مبدأ الشرعية ومبدأ المسؤولية الشخصية ومبدأ الحرية، ومبدأ المنفعة (سرور, 1972).
وهكذا فبالنسبة لمبدأ الشرعية الذي يعني أنه لا عقاب بدون نص تشريعي فإن الهدف منه تجلى في الحيلولة دون تعسف القضاة في تجريم أفعال لا يعاقب عليها القانون وذلك بغية تحقيق المساواة بين المجرمين وتبرير حكم الدولة في العقاب.أما مبدأ المسؤولية الشخصية فقد كان الغرض منه تسلط الدولة على الحد من حرية الأفراد وذلك للحيلولة دون عقاب الجاني إلا إذا توفرت لديه الإرادة الحرة الكاملة.
وبالنسبة لمبدأ المنفعة فكان يقضي بوجوب تناسب العقوبة مع مقدار الضرر الذي تحدثه، وأن تؤدي العقوبة دورها في تحقيق المنفعة الاجتماعية، وقد كان الفكر الفلسفي خلال هذه المرحلة يتوخى منها تحقيق غايات تربوية أكثر منها تسلطية (الشرقاوي, 2004).
وقد انتقد مفكروا الفلسفة الكلاسيكية الجديدة الأفكار التي تبنتها المدرسة التقليدية في السياسة الجنائية التي كانت تنظر إلى العقوبة استنادا إلى خطورة الجريمة أو المجرم، وتوصلوا إلى نظرية العدالة التي تعني أن معيار التجريم والعقاب لا ينبغي أن يقتصر على تحقيق المصلحة الاجتماعية بل يجب أن يمتد هذا الدور إلى تحقيق العدالة، فالدولة عند وضعها لقانون التجريم والعقاب ينبغي عليها أن تراعي تحقق الخطأ الجنائي فيمن يرتكب الجريمة قبل أن تسائله جنائيا. فالمسؤولية الجنائية ينبغي أن ترتبط بالإدراك التام، وعند وجود نقص في الإدراك أو الحرية أو نظرا للحالة الصحية أو العقلية فإن المسؤولية حينئذ تخفف عن الجاني وهو ما يؤدي إلى تقرير مبدأ تفاوت المسؤوليات (سرور, 1972).
وتتحقق العدالة عندما يراعي المشرع والقاضي التوازن في العقوبات من حيث القوة والضعف واعتماد الحد الأدنى والأقصى سواء في مرحلة التشريع أو في مرحلة التقاضي وإعطاء القاضي سلطة تقرير العقاب وحرية التقدير وعند التنفيذ تراعى ملاءمة العقوبة شخص المحكوم عليه.
بعد هذه المرحلة اعتمدت السياسة الجنائية على المنهج العلمي الذي واكب ظهور المدرسة الوضعية التي برزت على إثر الانتقادات التي وجهتها لأنصار الفكر الميتافيزيقي لهذه السياسة.
وهكذا نادى أنصار هذا التوجه على وجوب تخلي الدولة على الجانب التسلطي في العقاب، وضرورة قيامها بمراقبة مؤسساتها الاجتماعية والسياسية قبل لجوئها إلى القانون الجنائي كأداة لقمع الأفراد في حالة فشلها في هذه المراقبة. وقد كان ظهور هذا الفكر الفلسفي العلمي على يد ثلاثة من الإيطاليين: الطبيب والعالم لومبروزو والعالم جارونالو والعالم أنريكو فيري والذي أسس كل واحد منهم نظرية خاصة به (الشرقاوي, 2004).
وقد صاغ لومبروزو نظريته التي أسسها على تقسيم المجرمين إلى خمس فئات: - المجرم الفطرة و الميلاد – المجرم المجنون – المجرم بالصدفة – المجرم بالعاطفة – والمجرم بالعادة.
أما فيري فإن أهم ما يميز نظريته هو اهتمامها بتأثير العوامل الاجتماعية والتأكيد على تفاعل العوامل الداخلية والخارجية لوقوع الجريمة، كما يرى بأن إصلاح المجرم ليس كافيا بل ينبغي بذل المجهود لإصلاح وسطه الاجتماعي.
في حين يعتبر كاروفالو أن المجرم الحقيقي هو ذلك الشخص الذي يرتكب الجريمة التي يستنكرها كل أفراد المجتمع المنافية لقيم العدل والخير، ونادى وفقا لذلك بضرورة التمييز في العقاب بين من يرتكب مثل هذه الجرائم الطبيعية وبين مرتكب الجرائم المصطنعة ولم ينس دو ر العوامل الاجتماعية وتأثيرها على وقوع الجريمة وإن قلل من أهمية تأثيرها.

وقد ركزت أفكار هذا الاتجاه في تفسير السلوك الإجرامي بالاعتماد على أسباب تتصل بشخصية المجرم بما تتضمنه من خصائص عضوية ونفسية، وحماية المجتمع من الظاهرة الإجرامية بالقضاء على خطر الإجرام وإزالة أسبابه (الغياط, 2006).
بعد هذه المدرسة نشأت حركة الدفاع الاجتماعي على يد الأستاذ "جراماتيكا" وتهدف هذه المدرسة أساسا إلى حماية المجتمع والمجرم جميعا من الظاهرة الإجرامية، ويقوم الفكر الفلسفي لهذه المدرسة على عنصرين هما: إنكار حق الدولة في العقاب لكون العقاب لا يتفق مع الطبيعة الحرة للإنسان، ويبقى عاجزا عن إصلاح المجتمع ولذلك فإن الدولة ملزمة – كعنصر ثان- بأن تقوم بواجبها في التأهيل الاجتماعي. من خلال ما سبق خلص كراماتيكا إلى أن الدولة من واجبها إعادة تأهيل الفرد الاجتماعي دون اللجوء إلى معاقبته باعتبارها مسؤولة عن سلوكه المنحرف وبذلك يتعين عليها تطبيق التدابير الاجتماعية للحفاظ على كرامة الأفراد المنحرفين اجتماعيا وقد تعرضت نظرية كراماتيكا للعديد من الانتقادات خصوصا فيما يتعلق بتصوراته حول إلغاء العقوبة لما في ذلك من مس بمبدإ الشرعية وبوظيفة الردع العام والخاص وتحقيق العدالة، وقد استفاد المستشار "مارك أنسل" من هذه الانتقادات ليعمل على صياغة نظرية جديدة ومتميزة حيث أصدر خلال سنة 1954 مؤلفه:الدفاع الاجتماعي الجديد" فهو لم ينادي بإلغاء قانون العقوبات والتجريم والمسؤولية الجنائية كما فعل زميله "كراماتيكا" بل أسس حق العقاب على مبدأ تأهيل المجرم وإدماجه اجتماعيا.
وتتميز نظريته بمعالجتها للسياسة الجنائية بجميع فروعها "المنع والتجريم والعقاب" .وعموما فقد تميزت حركة الدفاع الاجتماعي الجديد بالاعتراف بالقانون الجنائي والمسؤولية الجنائية القائمة على أساس حرية الاختيار وتمسكت بمدأ الشرعية الجنائية وكذلك بتوحيد السياسة الجنائية لمواجهة الجريمة بالوقاية والمنع والعقاب عن طريق التصدي للجريمة بانتهاج سياسة تأخذ نتائج العلوم الإنسانية والاجتماعية وتجمع بين القانون الجنائي وعلم الاجتماع وعلم الإجرام، وبدورها لم تنج حركة الدفاع الاجتماعي الجديد من الانتقادات لخلطها بين العقوبة والتدابير الاحترازية واهتمامها بالردع الخاص على حساب الردع العام وتحقيق العدالة.
وعموما فإن المنهج العلمي للسياسة الجنائية بجميع توجهاته لم يكن يعتمد على منهج محدد في تجريم الأفعال أو العقاب عليها بل اكتفى فقط بالنتائج العلمية التي كان ينتهي إليها علم الإجرام.
تختلف المواقف بخصوص الحديث عن وجود سياسة جنائية من عدمها وهو ما جعل هذا الموضوع مثار نقاش وجدل كبيرين كما أثار إشكالا قانونيا عميقا، ومحاولة منا لمقاربة هذا الموضوع سوف نعمل على الوقوف عند نشأة السياسة الجنائية بالمغرب وتطورها أولا وبعد ذلك سنحاول تلمس واقع هذه السياسة في الميدان العملي للوقوف عند حقيقة وجود هذه السياسة لنختم هذا المبحث بالوقوف عند مظاهر الخلل التي عرفتها السياسة الجنائية (الغياط, 2006).
إن الحديث عن السياسة الجنائية في بلد ما وتحديد طبيعتها وبيان أهميتها ونجاعتها في مكافحة الجريمة، لا يمكن أن يتم إلا في ضوء طبيعة التشريع الجنائي وقانون الإجراءات الجنائية وأيضا في ظل طبيعة المؤسسات الجنائية.وانطلاقا من هذه المعادلة فإن حديثنا عن نشأة السياسة الجنائية وتطورها سيتم من خلال هذه المكونات في ارتباطها بالظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي أثرت في كل مرحلة على حدة.

واقع السياسة الجنائية:
أثر السياسة الجنائية على الظاهرة الإجرامية:
تعتبر الظاهرة الإجرامية ظاهرة سياسية كما يمكن اعتبارها ظاهرة قانونية أو اجتماعية، فالظاهرة الإجرامية تكون سياسية عندما تنصرف الدولة عن توفير الضمانات الكافية لعيش المواطن في سلام واطمئنان وعن تدخلها في إصلاح مرافقها العامة، فإذا لم تقم الدولة مثلا بتوفير فضاءات التدريس والتطبيب والعمل فإن ذلك سيؤدي حتما إلى تفشي السلوكات الإجرامية من قتل وسرقة وتسول وتشرد...
وتكون الجريمة ذات طبيعة قانونية إذا أخذنا بعين الاعتبار تدخل الدولة في تجريم الأفعال المرتبطة بالقضايا الاقتصادية أو السياسية أو الإدارية. وهذا ما يمكن أن نستشفه فيما نصت عليه القوانين الجنائية في بعض الدول بخصوص السماح لبعض الفئات بممارسة بعض الأفعال التي يحرمها التشريع الإسلامي كبيع الخمور وممارسة لعب القمار ، دون الفئات الأخرى، فالجرائم التي ترتكب في مثل هذه الحالات تعتبر جرائم قانونية لا علاقة لها بالحياة الاجتماعية.
ومن خصائص هذه الجرائم أنها لا تتوافق مع أهم المبادئ التي تبرر التشريع الجنائي كمبدأ الأصل في الأشياء الإباحة، ومبدأ الشرعية الجنائية.
وهكذا فقد أصبحت السياسة الجنائية بخصوص المبدأ الأول تتجه نحو تضييق الخناق على حرية الأفراد وتصرفاتهم حيث أصبح مبدأ "الأصل في الأشياء الإباحة" لا يساير التطور الذي تعرفه السياسة الجنائية لكونه جاء نتيجة المذهب الليبرالي الذي رافق تقديس الحرية الفردية، بحيث كانت السياسة الجنائية خلال هذه المرحلة تفترض دائما في الشخص مرتكب الجريمة حرية الاختيار في التصرف الغير المشروع الذي صدر منه. هذا التصور الذي ظل يتهاوى -كما سبق بيانه- أمام انتقادات المنهج العلمي في دراسة أسباب الجريمة ونتائجها من جهة، وأمام تدخل الدولة في تنظيم تصرفات الإنسان من جهة أخرى.
ونفس الشيء يصدق على المبدأ الثاني لكونه مجرد وسيلة لتبرير تدخل الدولة في تجريم الأفعال التي لا علاقة لها بالجرائم الاجتماعية التي غالبا ما يتم التجريم فيها انطلاقا من المبادئ الدينية أو الأخلاقية السائدة في المجتمع.
واقع السياسة الجنائية من خلال النصوص القانونية والممارسة القضائية
تحدد معالم السياسة الجنائية من خلال الخطوط العريضة للتشريع الجنائي وتطبيقاته، وهكذا يمكن القول بأن حدود تدخل القانون الجنائي اتسعت بحكم التطور الحاصل في مختلف مرافق الحياة وما صاحب هذا التطور من اضطرابات مما أدى لتدخل القانون الجنائي ليساعد على التنظيم وعلى حماية المصالح الجديدة التي تستقر في المجتمع.
وتبعا لذلك فقد عرفت الترسانة القانونية الزجرية خلال نهاية العقد الأخير من القرن الماضي تحسنا ملحوظا من خلال إدخال تعديلات همت مجموعة من النصوص القانونية وخلق قوانين جديدة، شكلت منعطفا تاريخيا في المشهد القانوني والحقوقي، ومن أهم التعديلات التي عرفتها القوانين الزجرية نجد ما يتعلق بالتشريع الجنائي الذي هم إصدار قانون جديد للمسطرة الجنائية والذي يعتبر أهم الركائز التي تقوم عليها السياسة الجنائية لارتباطه بحقوق وحريات الأفراد كونه يحدد المقتضيات المتعلقة بكيفية بحث الجريمة، ومتابعة المجرمين وكيفية تطبيق العقوبات والتدابير، غير أن عدم وضوح الصياغة التشريعية لنصوص المسطرة أدى بالبعض إلى اعتبار السياسة الجنائية سياسة عقابية أكثر مما هي وقائية من خلال الخطاب الموجه للقاضي في النص الجنائي الذي يتضح من خلاله وجوب متابعة من ارتكب الجريمة، ومعاقبته بالعقوبات المنصوص عليها ولو كان ذلك على حساب حقوقه أو حقوق غيره وهو ما يفسر أن قانون المسطرة الجنائية لا يراعي مبدأ الشرعية الإجرائية (شرح قانون المسطرة الجنائية, 2005).
كما همت هذه التعديلات أيضا نصوص القانون الجنائي وخصوصا المقتضيات المتعلقة بالمرأة والطفل عاكسة بذلك توجهات المشرع الجنائي الذي اتجه من خلالها لإيجاد إجابات جنائية لمختلف الأوجه الحديثة للظاهرة الإجرامية-التي ما فتئت يم بعد يوم- تتسع رقعتها لتشمل بعض المواضيع التي كانت إلى وقت قريب في مأمن من أي تهديد تشكله في مواجهتها الظاهرة الإجرامية.
أزمة السياسة الجنائية
من السهل أن نتحدث عن أزمة للسياسة الجنائية في أي تشريع وضعي، لكن من الصعب الحديث عن وجود سياسة جنائية فعالة، وإيجاد حلول للأزمة أو الأزمات التي تصيب سياسة التجريم والعقاب، ذلك أن الوقوف عند العيوب يسهل على المتتبع رصدها ومراقبتها في حين أن إيجاد الحلول لفشل السياسة الجنائية سواء تعلق الأمر بالوقاية أو التجريم أو المنع يحتاج إلى رصد لمظاهر الفشل ومحاولة وضع إستراتيجية فعالة تأخذ في الاعتبار مجموعة من العوامل المتداخلة للحيلولة دون تفشي الجريمة.
إن أزمة السياسة الجنائية لا يمكن الحديث عنها من منظور أحادي، بل إن هاته الأزمة تتداخل فيها مجموعة من العوامل منها ما يرتبط بالجانب الهيكلي التنظيمي ومنها ما هو مرتبط بالجانب الموضوعي، ولذلك فإن ارتفاع نسبة الجريمة وبروز أنواع جديدة من الجرائم وتنامي الإحساس بانعدام الأمن أصبح يسيطر على انشغالات الرأي العام، وجعل نظام العدالة الجنائية في قفص الاتهام إثر التشكيك في النظام الجنائي وفي قدرته على احتواء ظاهرة المد الإجرامي، وقد ذهب بعض الباحثين1 إلى رصد مظاهر السياسة الجنائية وحصرها في :

• تصاعد ظاهرة الجريمة مع ما يلاحظ من تصور في محاربتها والوقاية منها.
• انتقاد سير العدالة الجنائية بسبب عدم السرعة والفعالية نتيجة تضخم عدد القضايا المعروضة على المحاكم وهو ما أضر بنجاعتها وفعاليتها.
• تصاعد وثيرة الاعتقال باعتماد نظرة مفادها أنه وسيلة ناجعة للحد من الجريمة وهو ما أدى إلى اكتظاظ مهول داخل المؤسسات السجنية التي لم يعد بإمكانها مواكبة أهدافها التربوية والإصلاحية.
• إن العقوبات البديلة لم تؤد دورها في إصلاح الجاني، الأمر الذي دفع ببعض المدارس الفقهية وبأنظمة جنائية إلى التفكير في إقرار سياسة جنائية تهدف إلى إعادة الوظيفة العقابية للعقوبة.
• التأكيد على اعتبار السجن وسيلة لحماية المجتمع عوض الدفاع عن المنحرف في مواجهة الدولة.
• غياب الشروط الكفيلة بحماية ضحايا الجريمة وتقديم المساعدات الممكنة لهم منذ وقوع الجريمة إلى نهاية المحاكمة.
• عدم تفعيل دور المؤسسات المخصصة لإيواء ذوي العاهات العقلية أو الأحداث.
ويمكن أن نشير إلى بعض ملامح هذه الأزمة من خلال ظاهرة الجنوح البسيط إذ تشير الإحصائيات إلى أن هذا الصنف من الجرائم أصبح يشغل حيزا واسعا من المنظومة التشريعية الجنائية، فالجرائم البسيطة المعاقب عليها بالغرامة أو الحبس أقل من سنتين تبلغ حوالي 40 في المائة من المجموع العام للجرائم، وهو ما يعكس قصور السياسة الجنائية المغربية في معالجة هذا الصنف، ووجود خلل في استيعاب مضامين توجهات السياسة الجنائية المرسومة والتطبيق السيئ لاستراتيجياتها والذي يتمظهر أساسا في غياب التنسيق بين جهاز النيابة العامة وقضاء الحكم في تطبيق السياسة الجنائية. ففي الوقت الذي أصبح التفاؤل يعم الأوساط الحقوقية والمهتمة ببداية تفهم سلطة الاتهام لجديد السياسة الجنائية ، كما هو الأمر بشأن تراجع معدلات الاعتقال وسلوك مساطر الصلح بين أطراف الخصومة الجنائية وتفعيل إجراءات الكفالات المالية والعينية لضمان الحضور، نجد أنفسنا أمام قضا الحكم لا يساير هذا التوجه الجديد ويعطي الأولوية للعقوبات السالبة للحرية عوضا عن إيجاد بدائل جديدة لها كالعقوبات المالية والإدارية...
ومن مظاهر الخلل أيضا في استيعاب مضامين السياسة الجنائية عدم تفعيل تقنية التواصل مع المجرم باعتباره محور وأساس الظاهرة الإجرامية (الشرقاوي, 2004).
لقد تبين لنا من خلال تتبع المراحل التي مرت بها السياسة الجنائي في معالجتها لظاهرة الجريمة أن الدولة وحدها لا تستطيع النهوض بهذه المسؤولية، وأن التصدي للظاهرة الإجرامية يقتضي إشراك المجتمع بمختلف فعالياته.وهذه التصورات تجد أساسها في حركة الدفاع الاجتماعي التي تركز على ضرورة تجاوز التصور التقليدي الذي يلقي عبء مكافحة الجريمة على الدولة وحدها.
ويبدو أنه رغم التطور الذي عرفته السياسة الجنائية في معالجتها للظاهرة الإجرامية فإن نتائجها بقيت محدودة الشيء الذي تؤكده الإحصائيات التي تشير إلى ارتفاع نسبة الإجرام، مما دفع بعض المهتمين إلى المناداة بضرورة الرجوع إلى السياسة العقابية التقليدية التي تعتمد أسلوبي الزجر والردع. ونعتقد أن السياسة الجنائية بفروعها الثلاثة المتمثلة في التجريم والعقاب والمنع لا يمكن أن تصل إلى القضاء على الظاهرة الإجرامية بالنظر إلى ارتباط الجريمة وتطورها بتغير الظروف والبيئات واختلاف الزمان والمكان (الغياط, 2006).

الخاتمة:
تناول هذا الموضوع السياسات الجنائية في سياقها التاريخي. وكيف ينظر اليها كحاجة اجتماعية فلسفية وعلمية في نفس الوقت. ان التطور الذي حصل في السياسات الجنائية قد واكب التطور الحضاري للبشرية. ولقد بينا كيف سار التشريع الجنائي من تعسف يمارسه القضاة الى ان اصبح المجرم والضحية يخضعون لمنظور الدفاع الاجتماعي.
المراجع:
1- الطيب الشرقاوي السياسة الجنائية: مفهوم وآليات وضعها وتنفيذها والخطوط العريضة للسياسة الجنائية القائمة بالمغرب مداخلة في إطار أشغال المناظرة الوطنية التي نظمتها وزارة العدل بمكناس أيم: 9و 10 و 11 دجنبر 2004 الطبعة 1 منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية ص: 31.
2- أحمد فتحي سرور "أصول السياسة الجنائية" دار النهضة العربية مصر 1972
3- (شرح قانون المسطرة الجنائية (الجزء الثاني) منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية، الرباط الطبعة الثانية، يوليوز 2005.
4 - محمد الغياط "السياسة الجنائية وحماية حقوق الحدث الجانح بالمغرب" دراسة قانونية تربوية اجتماعية –طوب بريس- الرباط، الطبعة الأولى غشت 2006.



#عاهد_جمعة_الخطيب (هاشتاغ)       Ahed_Jumah_Khatib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلاقة بين نقص فيتامين د والاكتئاب والإدمان
- مفهوم التغير وعوامله واشكاله وانواعه والفرق بين التغير والتغ ...
- نهج فلسفي جديد في فهم السياق من خلال تطبيق نظرية الاحتمالات ...
- مميزات الاصلاح المجتمعي وعيوبه واهم التحديات التي تواجهه في ...
- الاكتئاب لدى مرضى الإدمان في الأردن
- مراجعة كتاب طبائع الاستبداد لعبد الرحمن الكواكبي والتركيز عل ...
- النظريات العاملة في التغيير الاجتماعي
- فلسفة السياسة الجنائية كمفهوم مقارنة مع المفاهيم الاخرى
- علم الجريمة التكويني
- التسويق الاجتماعي والتباعد الاجتماعي: تجربة الأردن في مكافحة ...
- الأساليب الجديدة في تسويق الرعاية الصحية
- الجوانب المالية المرتبطة بالإفراط في استخدام الموارد الصحية
- التدخين وفايروس كورونا: دليل محتمل من عملنا
- دور تورط الجهاز العصبي في الأنسجة الخبيثة: تدهور العمارة الن ...
- الأدوار غير الكلاسيكية للميكروبات
- المنظورات الثقافية لنماذج التدخين: تدخين السجائر وتدخين الشي ...
- انخفاض الوعي الذاتي والقهر: فرضية طبية نفسية جديدة
- السكري والاعتلال العصبي السكري حدثان مستقلان: فرضية طبية جدي ...
- الاستخدام المناسب للفحم المنشط في الأساليب الصيدلانية والسمي ...
- الجوانب العصبية والفسيولوجية للمرض: الدماغ كمفتاح متعدد الرو ...


المزيد.....




- بدول أوروبية.. اشتباكات واعتقالات مع توسع الاحتجاجات الطلابي ...
- للتعامل مع طالبي اللجوء.. الشرطة الأميركية تستعين بالذكاء ا ...
- أمريكا تدعو إسرائيل إلى اعتقال المسؤولين عن مهاجمة قافلة الم ...
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تصوت الجمعة على عضوية فلسطين ال ...
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تصوت الجمعة على عضوية فلسطين ال ...
- النيابة التونسية -تتحفظ- على مدافعة بارزة عن حقوق المهاجرين ...
- تونس: توقيف رئيسة منظمة -منامتي- التي تناهض العنصرية وتدافع ...
- رئيس البرلمان التونسي: الادعاءات بالتعامل غير الإنساني مع ال ...
- أزمة مياه الشرب تزيد محنة النازحين في القضارف السودانية
- الأمم المتحدة: غوتيريش سيوجه رسالة إلى بوتين بشأن تنصيبه


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عاهد جمعة الخطيب - السياسة الجنائية من النشأة والتطور الى الواقع تشمل النشأة والواقع والازمة