أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - العبادة البديلة















المزيد.....

العبادة البديلة


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7170 - 2022 / 2 / 22 - 02:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في عالم الأديان كما هو في عالم الفكر المعرفة هناك ميل بشري دائم يحاول أن يتجاوز القاعدة المؤسسة له أو السبب المباشر لصناعة الإيمان بالفكرة، هذه الحقيقية ليست رأيا شخصيا ولا هو أستنتاج قابل للإثبات والنفي يقدر ما هو حقيقية عاشها الإنسان منذ أن أصبح التفكير والتقليد جزء من إيمانه بوجوده، حتى في نصوص الدين للذين يؤمنون به هنام إشارات حدثت وتأريخ كتب محاولات في أستبدال العبادة بشكل أو بأخر، ومنها قصة السامري وطلب بني إسرائيل من نبيهم أن يجعل لهم إله بديل ليؤسسوا دين بديل وإيمان بديل عما هم عليه، هنا لا يهمني من الفكرة كونها أسست على خطأ بشري تقديري أو أنها منهج معتمد يتلاءم مع سيكولوجية الإنسان الملول والبحث عن جديد لعله يجد فيه غاية أو هدق يبحث عنه، ولكن هدفي من إيراد الفكرة أن الموضوع لا يقتصر على دين أو فكرة حتى لو كان من يؤمن بها أنها من عند الله وما يستتبع ذلك من إلتزام حازم وحاسم لأنها من الله.
العبادة البديلة بالمختصر هي رؤية بشرية لموضوع محدد من قواعد الدين يستبدل فيها المتدين مسميات أو أفكار محددة بدل ما هو أصلا موجود قبل تدينه (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) ﴿٥٩ البقرة﴾، أو قد تكون المستبدلات جزء هام من منظومة الدين أساسا من أسسه التي قام عليها، وقد يكون المستبدل قد حدث بمرة واحدة أو نتيجة تراكم ميلي أدى إلى زوال الفكرة المستبدلة وحلول الفكرة الجديدة محلها (قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) ﴿٦١ البقرة﴾، وقد تكون بوعي مراد أو نتيجة غياب المراقبة اللا وعي فتتسلل الأفكار المستبدلة بدون ملاحظة لها (قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ) ﴿١٥ يونس﴾، إذا القضية ليست تجري بنمط واحد أو بنسق واحد ولا حتى لهدف واحد، إنما قلنا هي ميل بشري أصلي ورغبة تجتاح الكثيرين لأسباب وعلل مختلفة.
هذا الأمر ليس حصرا في الموضوع الديني فقط فقد عانت الأفكار المعرفية والفلسفية والعقائدية من هذا الميل، لكن الفرق بين الدين وعملية الأستبدال في القضايا داخل فكرته تختلف عنها في باقي المعارف البشرية، أولا لطبيعة الدين كونه مؤسس على قضايا تحت أطر متلازمة منذ البداية فيما بينها بما يعرف وحدة الأعتقاد، فمثلا عندما تستبدل جماعة أو تستبدل مجموعة دينية مفهوم التوحيد بترتيب بديل تأويلي أو تصوري أو تأملي بحيث يجعل من دائرة التوحيد غير مطابقة للأصل الديني، هنا ستكون النتيجة أن هذه الدائرة ستتفرع وتتنوع وتنتج مقاسات وأفكار أخرى تنسف وحدة الأعتقاد والعقيدة، لكنها في المعارف الغير دينية تفتح الباب واسعا للمزيد من التنوع الفكري ليس لأنها فقط تنتج المزيد من الأفكار الجديدة، لكن هذه المعارف الأخير أساسا لا ترتبط بوحدة حتمية أو وحدة ضرورية تلازمية.
الموضوع إذا بهذا التحليل من الأمور الطبيعية أن تحدث وحدثت فعلا ولكن يبقى التساؤل حول لماذا نؤمن بشيء ثم نحاول أن نستبدل بعض مضامينه أو عناوينه؟ هل الأمر يعود لنقص جوهري في تكوين الدين يتم التعويض عنه بالاستبدال؟ أم هو نقص وتناقض في الإيمان البشري الذي يجعل طبيعية الإيمان عنده مهزوزة قابلة لأن تتحول مع أو دافع أو مؤثر؟ طبعا لا يمكن أن الجواب بشكل مباشر وتلقائي ما لم نحلل ونفكك القضية بحسب دوافعها وأسبابها وظروفها، وبالعودة للمثال الأول قصة السامري وطلب بني إسرائيل نجد إن التراث الإيماني الذي عاشه القوم في مصر المكان والزمان والحال الذي أعتمد في كثير من بنائه الإيماني على تعدد الآلهة والقرب المباشر بينها وبين الناس، قد يكون هو الدافع الذي دفع تلك المجموعة في الرغبة إلى إله أو معبود يكلمونه بالمباشر وقريب منهم، لا كالمثال الذي جاء به موسى من أن الرب لا يمكن التكلم معه عن قرب ولا يمكن حتى تصور شكله أو ماهيته، إذا قد يكون الباعث أو الدافع الرغبة في الحسية بالمعبود.
ولكن أيضا لا يمكن أعتماد هذه النتيجة كقانون خاصة وأن الرغبات والأسباب كثيرة للإستبدال كما نرى في التجربة البشرية الدينية التي مر بها الإنسان، فمثلا لو راجعنا النص القرآني التالي (قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ) ١٥ يونس، هنا السبب مختلف والعلة الظاهرة في النص تشير إلى التبديل ليس في موضوع جزئي أو مخصوص لزاوية معينة، بل يشير إلى أستبدال كلي بما يعني رفض كامل لشريعة الدين وأساس الإيمان به وهو القرآن الكريم، إنهم لا يريدون هذا النموذج تحديد بكل محتواه وما يحمل من شكلية أو جوهرية إيمانية، المثال الأول والمثال الثاني يؤكدان أن الأستبدال الإيماني ليس محصورا في طائفة أو في دين محدد ولا تحت علة أو سبب محدد، بل هي قضية إشكالية تتعلق أولا برغبة الإنسان في أن يعيد صياغة إيمانه بالطريقة التي تناسبه بالرغم من أنه أصلا سلم بقواعد الإيمان التي تمنعه من أن يخرج من حدودها نحو حدود أخرى (وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) ﴿٣٤ الأنعام﴾.
من مظاهر الأستبدال في تراثنا الديني كمسلمين وهنا أحدد الإطار الذي أتكلم به ليكون والضح الهدف من طرح الإشكالية، فبعض صور الأستبدال تتعلق بتبديل محتوى الفكرة من قاعدتها التشريعية أي من النص الذي أنشأها إلى دليل أخر، فمثلا جعل بعض المحرمات في دائرة الحلال وبالعكس بناء أما على فكرة ألناسخ والمنسوخ المفترية أصلا في المعنى الدلالي وفي التطبيقات، أو من خلال جعل الحديث النبوي مثلا ناسخا للنص القرآني مع إيمان المسلمين العام بأن القرأن الثابت الحكم والدلالة لا ينسخ بالحديث لا من جهة الحكم والإلزام ولا من جهة اليقين والظنية، لكن مع ذلك هناك من أستبدل الأحكام وفق هذه القواعد المحرفة.
صورة أخرى من الاستبدال حين عمد البعض في التفسير والتأويل على ما هو حارج الأساس العقائدي للدين الإسلامي، فمثلا يشرعون أو يفسرون أو يعللون أحكام قرآنية بناء على روايات من أديان ومذاهب أخرى متعللين أو معللين أن القرآن أمر بذلك من خلال نص (وأسالوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ولنا في هذا بحث مفصل، لكن النتيجة أن مخرجات التفسير والتأويل تأت بنتائج لا تتوافق مع الرؤية الإسلامية القرآنية مما يشكل أستبدال في جزء أو ركن أو قضية أساسية تتعلق بالإيمان الإسلامي بحكم القرآن ومرادته الأصلية.
أحيانا يكون السبب الرئيسي في الأستبدال مرده الصراعات الفكرية والسياسية وحتى القبلية التي تتمظهر بنوع من التنازع الفقهي وربما العقائدي داخل منظومة الفكر الإسلامي أو تحديدا داخل حركة تاريخ المسلمين، ولو رجعنا في البحث عن الإستبدلات تلك لا نجد لها وجود حقيقي ولا حتى ظني في أصل الفكرة القرآنية، هذا النوع من الأستبدال يتعلق في حوادث وأشخاص ووقائع أختلف الأولون فيها، فأنسحبت بأثرها مع تأريخ المسلمين لتشكل قواعد عقائدية إيمانية أستبدلت بالشكل والموضوع تحت وقع الصراع، ومن أمثال تلك الإستبدلات ما وقع مثلا في مفهوم الصحابة و الإمامة عند طوائف المسلمين.
تبع نلك الإستبدلات ظهور عبادات أو أشكال من الطقوس العبادية التي ر وجود لها في حكم النص القرآني ولا مما تعبد به أو أمر القرآن والنبي في ن تؤتى بهذه الشكلية أو الكيفية، مما شكل ولادة تدينات داخل التدين الواحد يتمسك بها البعض أكثر من أصول الدين المطلوبة تحت تبرير أن هذا التعبدات تشكل هوية إيمانية صحيحة لا بد من ممارستها وبهذه الطريقة وإلا لم يعد لباقي التعبدات والعقائد والطقوس قيمة تذكر بغيابها، الحركات الدينية والمذاهب المقموعة داخل المجتمع الإسلامي تشهد هذا النوع المتزمت من التدين البديل نتيجة إنكفائها على نفسها ونتيجة إحساسها بالظلم والتفرد ومحاولة حماية وجودها الذاتي بها، هذا لا يعني أن القوى المسيطرة والغالبة في الواقع السياسي بريئة من هذا الأستبدال وبالواقع هي أول من بادرت به وأشعلت صراع الأستبدال داخل المجتمع الإسلامي، وهي المدانة أصلا لأنها ما رست الدين بروح السلطة والتعصب لتقابل بردة فعل من جهة الأضعف والأقل قدرة على المقاومة والصراع.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نداء ... للعقل والحرية
- صباحك يلا منجل ولا مطرقة
- كأسي الأخير في الليلة الأخيرة وحديث الروح
- هذيان الرب
- فصة المسيح الضال
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 30
- زمن القبائل بدائية
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 29
- رغبة قهرية
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 28
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 27
- أنت فاسد
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 26
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 25
- وجه أخر لعالم جديد
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 24
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 23
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 22
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 21
- الغباء السياسي في عراق عصر بريمر...


المزيد.....




- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- لوموند: المسلمون الفرنسيون وإكراهات الرحيل عن الوطن
- تُلّقب بـ-السلالم إلى الجنة-.. إزالة معلم جذب شهير في هاواي ...
- المقاومة الإسلامية تستهدف تحركات الاحتلال في موقعي المالكية ...
- مكتب التحقيقات الفيدرالي: جرائم الكراهية ضد اليهود تضاعفت ثل ...
- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما
- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- سلي أولادك وعلمهم دينهم.. تردد قناة طيور الجنة على نايل سات ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - العبادة البديلة