أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهند البراك - ذكريات الصبا..اعتداءات و تشريد .6.















المزيد.....


ذكريات الصبا..اعتداءات و تشريد .6.


مهند البراك

الحوار المتمدن-العدد: 7152 - 2022 / 2 / 4 - 20:42
المحور: الادب والفن
    


اعتداءات و تشريد

و فيما انتشرت اخبار عن قلق الزعيم مما حدث في مسيرة الاول من أيار، و خوفه من الحزب الشيوعي الذي قد يستولي على السلطة بتقديره، و اجج ذلك التقدير عدد من كبار الضباط المحيطين به من تابعيه و من القوميين المتنوعين . .
انتشرت اخبار معاكسة سببت عدم ارتياح الاوساط اليسارية، عن حدوث اختلاف في قيادة الحزب الشيوعي ادىّ الى اتخاذها قراراً بإبعاد السكرتير العام سلام عادل و عدد ممن وُصفوا بكونهم مُقرّبين له و متكتّلين معه في القيادة (التي ثبُت بطلانها لاحقاً)، فأُرسل السكرتير العام و عضوا المكتب السياسي جمال الحيدري و محمد صالح العبليّ الى الدراسة الحزبية في الإتحاد السوفيتي لـ (تحسين مستواهم الفكري و النظري) كما وُصفت، و بتهم متعددة تمحورت على انهم متطرفون يساريون، و تشكّلت هيئة سكرتارية لقيادة الحزب . . . في خطوة وُصفت حينها و انتشرت انباؤها بكونها كأنما كانت لتهدئة الزعيم، لأن ذلك القرار كان لابد ان يصل الى الزعيم . .
من جهة اخرى، اتّخذ الزعيم قرارات هدفت الى (قصقصة) اجنحة الحزب الشيوعي النشيطة بتعبير ضباط من مكتبه، و بالتالي محاولة اضعافه و الحدّ من نشاطه، و قرارات أُخرى هدفت الى غض النظر عن نشاط و اعمال الجهات القومية المتنفذة (خاصة الاستقلال و البعث) . . استغلتها الأخيرة بالعمل على إستمرار تدفق الاسلحة المتسربة التي دأبت عليها تلك الجهات بلا انقطاع و خاصة البعث و الإستقلال، لتخطيطهما و تقديرهما بانها ستكون فاعلة لأية فعالية او تغيير قادم سيقومون به، خاصة بعد استغلال احداث كركوك للاحتفال بالذكرى الأولى للثورة هناك لاحقاً، و ما حصل فيها من صدامات مؤسفة و سقوط قتلى و جرحى بسببها . .
فيما اكّدت اكثر من جهة رسمية و دولية معروفة بالنزاهة و الموضوعية و الإستقلالية . . بكونها دُبّرت بليل من مأجورين لشركات النفط و الإقطاع، و رتّبوا صوراً مُرّرت للزعيم من ضباط كبار من طاقمه و من مكتبه، عن حدوث اعمال وحشية بحق اناسٍ أُخذوا أسرى، لُصقت بالحزب الشيوعي و نشطائه، تبيّن لاحقاً بكونها صور لأسرى من رجال منظمة التحرير الجزائرية، و ماكانوا يعانوه في سجون الإستعمار الفرنسي البغيض . . حتى و صلت مواقف الزعيم في قمّة هجومه على اليسار في خطابه في كنيسة مار يوسف في 29 تموز 1959 ، حين اتّهم علناً الحزب الشيوعي بإرتكابه اعمال و جرائم لاإنسانية خارجة عن القانون . .
و كأنها كانت الضوء الأخضر للقوميين و البعثيين للقيام بأعمال انتقامية من عموم اليساريين و الديمقراطيين بدعم و اسناد ضباط جيش و شرطة من قوميين كبار و موظفين كبار باجهزة الدولة السعيدية السابقة التي لم تُنظّف من اعداء الجمهورية، فبدأت اعمال الإغتيال شبه المنظم بحق اليساريين و الديمقراطيين . . راح المئات ضحايا لها، بأنواع الحجج حتى وصلت الى استهداف ما اصطُلحَ عليه : كل (مصلاوي مسيحي، هو شيوعي) و كل (شيعي شركاوي، هو شيوعي) اصطلح على الاخير اختصاراً بـ (شين تكعيب) . .
و بغض نظر و سكوت من مكتب الزعيم الذي بدأ بالتعبير عن موقفه بكونه (فوق الميول و الإتجاهات) و السير على سياسة محاولة ايجاد توازن بين اليساريين و القوميين المتنوّعين، و على سياسة اهمال و غض النظر عن الدعاوى المرفوعة من ضحايا اعمال العنف القومي و البعثي . . و قام ضباط مكتبه بنشاطات هدفت الى (تقليم اظافر) الطرفين وفق تقديرهم و رؤاهم و لكن بالإبقاء عليهما شرط ان يبقيا متناحرين مشغولين ببعضهما البعض بعيداً عن الزعيم، و هدفت الى التعقيد و التسويف بقوانين الإصلاح الزراعي . .
من جهة اخرى اثار نهوض النساء اثر الثورة و دخولهن الواسع في دوائر الدولة و المدارس و المعاهد التعليمية و الاكاديمية، اثار الاوساط الدينية المحافظة و مؤيديها و وصلت القمة في مواجهة المناقشات العلنية لمسودة قانون الاحوال الشخصية اواخر عام 1959 الذي انصف المرأة . . و الذي ووجه باعمال سوداء سريّة لتوريط الحزب الشيوعي و لتجريمه و كأنه هو الحزب الحاكم و كأن الحكم بيده، فقاموا بأعمال حرق القرآن في الشوارع، قام بها فريق خاص من البعثيين و اتهم بها الحزب الشيوعي (شرحها بتفاصيل لاحقاً الكادر البعثي السابق حسن العلوي) . .
و نظّموا مظاهرات حملت شعارات (ماكو مهر بس هالشهر)، مدّعين بأنه (هدف الشيوعيين المعادين للدين و للعائلة و للأخلاق)، و بدأ العمل على تكوين احزاب اسلاموية لـ (الدفاع عن المجتمع من الخطر الشيوعي) : شيعية (حزب التحرير ثم حزب الدعوة . .) بدعم من دوائر شاه ايران التي دفعت لإصدار فتوى (الشيوعية كفر و الحاد)، و سنيّة بدعم من مراكز الأخوان المسلمين في السعودية و مصر (الحزب الإسلامي، الإخوان المسلمين . .)، و بتحريض و تشجيع دوائر عائدة لعبد الناصر بعناوين متنوعة . . فاتحين بذلك جبهة جديدة للهجوم على الحزب الشيوعي و على الحركة التقدمية و الحداثة التي اطلقتها ثورة 14 تموز . . و امتلأت الحيطان بشعارات القرآن دستورنا، تحرير القدس طريقنا الاوحد، دين و عروبة و اسلام يا زعيم للامام . . و ازدادت البرامج الدينية في الإذاعة و التلفزيون و ازداد الصرف على الوفود الدينية . .
و سار كل ذلك على خطى و برامج الشركات النفطية و دوائر الغرب بإستهداف الحزب الشيوعي العراقي و محاولتها لتحطيمه . . بتقييم و استنتاج عدد كبير من الباحثين في شؤون الشرق الأوسط و المؤرخين المحايدين.
. . . .
. . . .
من جهة اخرى، و بدلاً من النقاشات الهادئة البنّاءة لتحقيق شئ على طريق الخبز و الحرية في مقاهي الاعظمية . . . بدأت الشجارات التي كانت تتحوّل من صراخ فقط الى صراخ ينتهي بالتراشق بالكراسي وتحطيمها او تصل الى اطلاق الرصاص، بين مجاميع متنوعة : قومية عربية واسلامية وبعثية، لتقرير و فرض من هو زعيم المنطقة و ماهية حدود تلك المنطقة في خضوعها لسيطرته . .
في وقت بدأت تظهر فيه وجوه غريبة عادت لأشخاص ذوي سحنات وشعور ولحى، فُسّرت في البداية على اساس انهم مساكين لااحد لهم او على اساس انهم من النسّاك المتعبدين لله، تبيّن لاحقاً انهم من عصابات خطف الأطفال، و قد فُضح ذلك اثر اختطاف صبي في ليلة علا صراخه فيها طالباً النجدة و انقاذه من الوحوش !! و التمّ الناس على موقع الصراخ كان بينهم محمد الكاولي الذي عرف احد الخاطفين و شخّصه بكونه من خطّافي الاطفال، بمشاهدته ايّاه في حياته مع الغجر و قال : انهم يختطفون بطلب من احد او لتهديد احد !!
و بدأت الإعتداءات على الوجوه الإجتماعية في الأعظمية، الوجوه التي عُرفت بالطيبة و دعم الفقراء، و قد بدأت بالإعتداء على الحاج نعمان الأعظمي وابنه الدكتور عبد الصمد نعمان، حيث ضُرب الحاج المهيب بطاسات اللبن وسط السوق، و حاولوا قتل د. عبد الصمد بالهجوم على عيادته في احدى الليالي و استطاع الإفلات، و ضُرب الحاج احمد سامح بالهراوات، و جرت محاولة قتل المحامي كرامة الريّس الذي كان من اهالي الأعظمية الأصلاء بالخناجر . .
في وقت هرب فيه استاذ كلية الصيدلة عبد الفتاح الملاح من المحلة، و هروب و انتقال بيت ست زكية الموصلية ام نزار وزوجها مكي الدباغ و العائلة بكاملها في احدى الليالي اثر تهديدات تلقوّها باختطاف الابنة الصغرى رائفة ان لم يتركوا المحلة، و جرت اكثر من محاولة اعتداء و تحرّش على بنات شيخ رشيد الجميلات، بتهمة ان اخوهن الضابط الحقوقي يعمل في محكمة الشعب، و بدأ ضربنا بالحجارة بمرورنا في عدد من الشوارع من صبيان غرباء، و حاول الطيبون هناك حمايتنا و ذودهم عنّا . . . لقد بدأت حملة مكافحة الشيوعية في الأعظمية كما اعلنوا !! و تعمّقت و ازدادت بحرق مقاهي الديمقراطيين و المكتبات التي كانت تبيع جريدة " اتحاد الشعب " ، و منازل اليساريين و عدد من مؤيدي الزعيم . .
في نفس الوقت كان مثيراً مايدور في دربونة نجية الخبازة الضيّقة غير النافذة (المسدودة) و الواقعة مقابل معرض قرطاسية "الحاج ياسين " في السوق القديم المسقوف، الدربونة التي كانت تؤديّ الى عدد من المنازل القديمة ذات الشناشيل شبه الفارغة وكان اشهر من يلتقي فيها : الشيخ عزوّز النجدي بكوفيته البيضاء (المقدسة) بعد ان عملوه و لقّبوه بالشيخ، سعدون شاكر، برزان من تكريت بملابس الجندي، ابو الطرشي، ابن عبد الشهيرة و عزّوز الاقجم وغيرهم . .
ممن كان غالبيتهم من المحكومين والفاريّن من العدالة، او المسوّاة قضاياهم الإجرامية عبر عدد من معاوني الشرطة و محامين، كما روى حينها الشقي منعم ابو الجاج الذي وجد مقتولاً في عشّ الطيور لدار في محلة الحمّام، ثم في مزبلة هناك . . الدربونة التي كانت تُفَضّ فيها نزاعات الأشقياء حول الزعامة وخاصة مع منعم ابو الجاج و ولد الصفره و غيرهم، في تلك الفترة . .
و قد لاحظ بقّالون في السوق مجئ ضابط من ديوان مجلس السيادة و هو من الاعظمية، و قد شاهدوه لمرات في التلفزيون في مراسيم الديوان التي كان ينقلها تلفزيون بغداد . . لاحظوا مجيئه الى تلك الدربونة بملابس ريفية ( دشداشة و سترة)، و كوفية عراقية ملفوفة على رأسه، كل رأس شهر و كلّما حصل شجار عنيف و تهديدات بصوت عالي بينهم، فسّره البقالون المجرّبون و ممن لهم صلات و ما شاهدوه، بأنه كان يقوم بدور ضابط ارتباط بين اولئك الأشقياء و ديوان مجلس السيادة، حيث كان يدفع لهم خرجية و مصاريف و مكافئات لـ (الدفاع عن الوطن من خطر اليهود) !
في وقت كان فيه مجلس السيادة مكوّن من رئيسه الفريق نجيب الربيعي و عضوية محمد مهدي كبّة و خالد النقشبندي، و كان يقوم بدور رئاسة الجمهورية و كما أُعلن للتحضير لإنتخابات في زمن الزعيم، و كان اغلب ضباطه من القوميين و البعثيين و مؤيديهم .
. . . .
. . . .
في احدى امسيات ذلك الخريف التي انهمر فيها المطر مدراراً، لم يعد رحيّم الى البيت مساءً بعد انتهاء دوامه في شركة " فريح و حمد " كعادته ، فقلقت الأم ولم تعرف ماذا عليها ان تعمل، سوى طمأنتنا ومحاولة لمّنا على اكلة شتائية "بقلاوة فُكُر" (بقلاوة فقر) التي كان الأطفال يحبونها بشكل كبير وينتظرون بفارغ الصبر ان تعملها لهم والدتهم، المكوّنة من قطع الصمون اليابس ملوّثة بشئ من البيض و مقلاّة بالدبس .
تأخر الوقت واخذت الساعة تقارب منتصف الليل ولم يعد رحيم . . الأمر الذي دعى الوالدة الى ان ترسل اخي الكبير الى بيت ابن خالته " فائقة" القريب، ليخبر ابنها محمد بألتاخر غير الطبيعي لزوجها والطلب منه ومن اخوته اتخاذ شئ ما للسؤال عنه .
بعد برهة عاد اخي الكبير مع ابني الخالة الكبيرين اللذين حاولا ادخال الطمأنينة الى قلب والدتي و التخفيف عنها باحاديثهم ونكاتهم . . واستفساراتهما الجادة بين حين وآخر عن رحيّم، و استمرت الأحاديث عن موجة الإعتداءات بالضرب بالهراوات وبحرق عدد من المنازل بعد تساؤلات سعاد لأبني اختها، اللذين تحدّثا عمّا كان يجري في الأعظمية تلك الايام، الاّ انهما ابعدا تماماً احتمالات اية مخاطر شبيهة يمكن ان تحصل لعائلة ابنة الشيخ فخري العالِمْ، رغم ان ماذكراه اكّد مخاوفها وجعلها تصدّق و لو بدرجة ما ماكان يتحدث به رحيّم اليها عن مخاطر قادمة !!
قال محمد الذي كان يعمل سائق شاحنة في مصفى الدورة :
ـ والله كلهم مجانين . . ناس تريد تسويّ البلد جنّه مثل اوروبا اللي سابقة علينا بمئات السنين ،وناس تريد عودة دولة الخلافة القديمة السابقة علينا بمئات السنين ايضاً . .
بعيد منتصف الليل . . سُمعتْ قرقعة دخول وتدوير المفتاح بباب الدار . . عاد رحيم !! كان مبتَلّ الملابس ممتقع الوجه شاحباً من البرد و البلل، و بعد ان حيّا الجميع و تصافح مع ابني اخت سعاد . . قال لنا وهو يلهث . .
ـ ولدي اذهبوا ناموا بكره عدكم مدارس . . تأخرّت بالشغل للأسف ! كان عندنا جرد حسابات لازم ينتهي اليوم ! . . اذهبوا ناموا والاّ لن تستطيعوا النهوض صباحا كي تذهبوا الى المدرسة !!
عند ذهابنا . . شاهدت اقتراب الكبار من بعض وتحدث رحيم بما يشبه الهمس :
ـ حاول عـــزّوززز دهسي بسيارته !!
ـ كيف كيف . . . . ؟!!
ـ ككل يوم كنت قادماً من جهة الجسر وبعد ان اجتزت السوق القديم . . ووصلت الى قرب بيت ابو عزوّز ، تحرّكت سيارة عزوّز البيكاب الصفراء وكانت مطفأة الأنوار . . تحرّكت بإتجاهي بسرعة فائقة وبشكل مفاجئ ، الأمر الذي ادىّ بي الى الأسراع بالدخول الى الجادة الجانبية عند مدرسة اليهوديات الموصلة الى بيت الخال " زكي " . .
دخلتها ركضاً ولاحقتني السيارة التي كان يقودها عزوّز وهو يشد غترته البيضاء على وجهه الذي لم يُرَ منه سوى خيال عينيه . . ركضت بسرعة الى الدرابين الضيّقة المتفرعة من هناك التي لاتستطيع اية سيارة الدخول اليها واسرعت الى الخرابة فيها، واختبأت بين انقاضها وكنت اسمعه وهو يصيح :
ـ ويلك يا احمر !! لن تفلت ياعميل ستموت كما يموت الكفار و العملاء !!
وبينما ولولت الأم وصاحت :
ـ ليش شنو مسويلهم رحيّم ؟؟ . . رجّال رايح جاي بدربه . .
كانت الوالدة سعاد تتحدّث و هي في تصوّرها مكانتها الاجتماعية في المحلة و هي ابنة الشيخ فخري الذي يحلفون برأسه و بذكره . . بعد ان صدّقت كلام الأهل و تهدئاتهم لها الى درجة صارت يمكن ان تكون ضارة . .
و صاح محمد و منوّر :
ـ ياكلب يا ابن الكلب . . عزوّز الأعوص العين !!
و توالت تعقيبات ابني الخالة منوّر ومحمد و نقاشاتهما :
ـ اشحدهم !! هذا عزوّز جندي الآن مو ؟؟
ـ لأ . . هو يلبس ملابس عسكرية كما يلبس الأشقياء برزان و سعدون . . الملابس العسكرية تحمي لابسها و الناس تتردد عند الأحتكاك به لأنه حكومة ؟؟
و قال رحيّم :
ـ واضح انهم يريدون قتلي، و اخذوا قرارهم . . لاحقني سابقا بماتوسيكله الاحمر و تصورت انها ليست اكثر من مصادفات . . صارت الحياة غير ممكنة لي في هذه المحلة و خوفي على العائلة و الاطفال، ننتقل من هنا ؟!
وكانت المرة الأولى التي يتحدث بها بهذا الشكل . . هل معقول انه يريد ترك منزله الجميل الذي سقاه عمره و صار امله بالحياة، البيت الذي شهد حبه وهناه وولادة اطفاله الأحبة، البيت الذي لايملكون غيره سنداً في الحياة . . و اضاف :
ـ ننتظر برهوم . . قد يأتي برأي او عمل او افكار جديدة !!
جاء برهوم بعد ان ارسلوا له خبراً في ذلك الليل المتأخر . . . . .
قال الصحفي الرياضي برهوم الذي كان اكبر اخوته :
ـ الموضوع لايقتصر على ما يجري في الأعظمية . . تجري نفس الحوادث في الكاظمية و الجعيفر و الكرخ القديمة و الصالحية والشواكة و الكرادة و باشكال و حجج متنوعة . . الناس اخذت تفقد عقلها في صراع بين قوى الشعب ذاتها كلها . . صراع ياخذ اشكالاً و صيغاً كثيرة التنوع، الله يستر كيف راح يتطوّر ؟؟
قال الاخ الصغير منوّر :
ـ عزيزي برهوم انت ليش ما تحاول تتحدث وايّا عمي الأستاذ وهاب و خالي زكي . . عن مشكلة دربونة نجية الخبازة، يعني يحاولون بواسطة اقاربنا اللي بشرطة الأعظمية ان يضعوا حد لأنواع الأشقيائية والسفلة الذين بدأوا يتجمعون ويتزايدون و يسكن قسم منهم في البيوت القديمة للدربونة . .
ـ عزيزي منوّر ليش شكو بدربونة نجية الخبازة ؟ هذي دربونة مهجورة . . وتعرف اي مكان مهجور و متروك يمكن يسكنه اي واحد مقطوع وماعنده احّد و . .
ـ عيني برهوم مو هاي المشكلة . . المشكلة انه يتجمع هناك ليس الفقراء فقط، ولكن القتلة المجرمين والحرامية والقوادون . . يعني انت ما تخاف على اهلنا و الاقارب و الاحبة ؟؟
انتبه برهوم الى اخيه محمد الذي كان يعتبره احد الفتوات المعروفين في المنطقة و قال :
ـ شنو محمد ؟ اشو انت ساكت ؟؟ صحيح اللي دا يقوله منوّر ؟ ؟ لأني ابتعدت عن الأعظمية من يوم حملة مكافحة الملاريا وسفري المتكرر للشمال وللموصل ثم انشغالي بالصحافة و التعليقات الرياضية والكتابة بالأختزال وايا عمي وهاب . . يعني و الله اني اذهب من الفجر للمطبعة و ارجع نص الليل !! الله يساعد بنت الناس شلون صابرة ويّاي . . غنية هم عندها مستشفى و خفارات وهم مشكلة الرضيعة . . اي شتكول محمد . . اكو هيجي شئ ؟
ـ والله يابرهوم . . آني هم مثلك هالأيام . . من الفجر الى تالي الليل بالشغل . .
ـ افهم ابو جاسم نعم . . و الحجي بيننا بس هواي يريدون خاطرك من بين ذوله، وهم حريصين على ان لايزعّلوك لأنهم يحتاجوك دائماً . . ولاتنسى عزيزي، رحيّم زوج اعز خالة عندنا ، منو عندنا غيرها وهي اكبر بنات و ولد العالِمْ الشيخ فخري اللي افضاله مغرّقتنا لحد الآن .
شكرته خالته والدتي سعاد قائلة :
ـ الله يخليكم ويصونكم . . اني هم ما عندي احد غيركم من اهلي من . . (واختنقت بعبراتها) . . من وفاة والدي الله يرحمه . .
فهم محمد الإشارة . . حيث كان حسب وقته و حسب عُطَلَه من عمله، يسوق شاحنة كبرى من شركة الشاحنات قاطعة الصحراء الكائن مقرها عند ساحة الوثبة . . وكان قد عبّر كثير من المطاردين والمطلوبين الى اماكن امينة مقابل اجور سخية، اضافة الى براعته في تهريب الكثير من المواد الغالية التي كانت تدرّ عليه ارباحاً كبيرة . . فكان على علاقة مصلحة و عمل بمجاميع من العالم السفلي البعيد عن القانون، في زمان كان واضحاً فيه ذلك الترابط المصيري بين كل الخارجين عن قانون البلد . . من المزوّرين وسراّق المشاريع والقاصات الكبيرة والمهربين، والمحكومين الهاربين من السجون العادية والسياسية و الشخصيات السياسية المُطاردة . .
وقال :
ـ على بختك برهوم !! احنا على العهد . . بس انطيني مهلة لأن كثير من الأمور اخذت تتغيّر منذ نجاح الثورة . . اللي اجرت عديد من التغييرات على مجتمع الأشقيائية ذاته اللي صار عدد كبير منهم يطيع ابو الهوب في اعمال الخير و مساعدة الفقراء خاصة و انه مدعوم من حزب سياسي يملك الشارع ، يحارب الجريمة و المجرمين و الممنوعات . . بتقديري ان عزّوز الأعوص النجدي . . لايتحرك من عندياته، الموضوع موضوع عشائر و بدو ومراجع دين و شريعة ودراويش . . و اشقيائية من المعادين لأبو الهوب و مسنودين من ضباط كبار اثرياء عايشين بكل وكت . .
الى ذلك فتح الجميع عيونهم وساد صمتاً ثقيلاً ، قطعه برهوم قائلاً لـ محمد :
ـ محمد آني ما افهم بهالأمور . . اريد رحيّم منك .
فقال محمد :
ـ على بختك برهوم . . اعتمد عليّ !! ساعمل اللي اقدر عليه وما اقصّر فيه وانت تعرف !
وبعد ان شربا استكان الشاي الطازج الأخير من القوري الثاني الذي حضّرته والدتي على جمر المنقلة . . . سلّم محمد ومنوّر على خالتهما و زوجها وحيّا اخاهما الكبير برهوم وخرجا . .
وهنا استدار ابراهيم الى رحيم وقال له :
ـ لنتحدث الآن بحريتنا عزيزي رحيّم . . ماذا يحصل في البلد ؟ ! البلد منقسم على نفسه . . كانت الناس فرحانة بالحكم الجديد، و تنتظر محاكمات المهداوي لرجال العهد المباد بفارغ الصبر وتصفّق للمحاكمات وللأحكام، بل كنت تشاهد الشوارع خالية والمقاهي مكتظة بالناس لمتابعة محاكمة كبار رجال العهد الملكي . . الاّ ان القضية صارت تأخذ مجرى مختلف منذ محاولة الشواف و محاكمة عارف و محاكمة كبار الضباط القوميين علناً، والحكم عليهم بالأعدام وتنفيذ الأحكام . .
ـ عزيزي برهوم . . الذي يحصل بين رفاق الأمس القريب رهيب !! يعني والله ما اعرف كيف ضابط او مجموعة من الضباط الأحرار يقومون بمحاولة انقلاب ضد رفيقهم رئيس البلد الذي هو منهم و رئيسهم العسكري ايضاً في منظمة الضباط الأحرار، وهم الآن وللتو وصلوا الى الحكم . ثم اذا قاموا بمحاولة انقلاب فإمّا ان الإنقلاب ينجح ويطيحون به ويعاقبوه و اما يفشل ويطيح بهم ويعاقبهم . . سنّة حياة قاسية ولكن ما العمل ؟ هل يعفو عنهم ؟!
ـ عزيزي رحيم . . انا اتحدث معاك لتوصل ذلك عن طريق الصحفي المعروف عدنان البراك ابن اخيك الذي هو على صلة باعلى القيادات السياسية و النقابية لكل الاطراف اليوم . . الكل في الأعظمية يعرفون رفعت الحاج سريّ و ناظم الطبقجلي و اكثرهم يحبوهم ويحبّون عوائلهم ويحترموها . . يعني لو كانت محاكمتهم سريّة مثلاً والأحكام اخفّ الم يكن افضل ؟؟ لأن ذلك التسرّع خلق الآن صراع شعبي بين الناس . . بس الله يدري الى ماذا سيؤديّ . .
ـ اي نعم . . بس الزعيم عفى عن عارف ؟
ـ و اشلون عفو ؟ اعفاء من كل مناصبه واحالته على التقاعد عسكرياً وارساله كسفير الى المانيا الغربية . . . عزيزي بعيداً عن كل الأسرار و خفايا الثورة واسرارها . . كثير من الناس وخاصة في الأعظمية يعتقدون ان عارف هو زعيم الثورة . . لأنه هو الذي كان المنفّذ الأول وهو الذي قرأ بصوته البيان الأول للثورة . .
ـ نعم . . بس هذا لايكفي لأن كل الضباط يعرفون ان المسؤول الأول هو الزعيم عبد الكريم . .
ـ عزيزي الأمور ليست كلها بالحقائق العلمية والواقعية . . اهل الأعظمية خاصة يرون ذلك لأنهم يعرفون عبد السلام !! و يشعرون انه منهم لأنه من اهل الأعظمية و يسكن في الأعظمية هو واقربائه و علاقاته واصدقائه وعلاقات زوجته العائلية كلها هنا . . خاصة وانه ليس ساكنا فقط هنا، بل ولأنه من جْميلات التي هي من العشائر التي يعود لها ابرز ضباط الجيش العراقي منذ تأسيسه الى اليوم واكثرهم يسكنون الأعظمية .
ـ يعني مو كل الناس هنا ضباط . .
ـ صحيح بس الحكم صار حكم ضباط الآن . . الناس في الأعظمية يشعرون ان عبد الكريم صار يكرههم و انه باعدامه اخوانهم وابنائهم . . ابعدهم عن الحكم، لأن اكثر العوائل هنا كان عندها ضابط او واحد في قيادة الحكومة او على صلة بها . . اكثر العوائل تكدر تسأله وتطلب منه ان يساعدها في تلبية حاجاتها ان احتاجت، تقدر تحكي معاه . . والآن انتهى كل ذلك . . لذلك تشوفهم متهسترين لأنهم انضربوا وسيعملون على الأنتقام بكل الوسائل .
ـ عزيزي برهوم . . يعني انت تعتقد ان الصراع الجاري يدور على مصالح ومنافع عدد من العوائل وانه صراع مناطق ومحلات . . . لعد هذه الثورة و انقضاء عهد ومجئ عهد جديد ناضل من اجله و صفّق له الجميع و خاصة في الأعظمية ماذا يعني ؟ الا تلاحظ تهديدات الغرب . . الاتلاحظ الطموح المؤسف لعبد الناصر في البلد ؟؟
ـ عزيزي رحيّم . . انت تتحدث عن شئ اتفق معاك فيه وانت تعرف . . وانا اتحدث عن شئ آخر اسمه الأعظمية . . الأعظمية واهلها كانوا ومنذ تأسيس الدولة العراقية لهم دور واضح في الحكم فيها، منهم ابرز الموظفين و الضباط الكبار ومنهم اكثر موظفي و موظفات الدولة ونسبة الطلبة والطالبات معروفة بين ابنائهم . .
ـ يعني برهوم . . كان لازم مايعدمهم ؟ تتذكر عقداء المربع الذهبي ... مو عدمهم الملك ؟
ـ بلى . . ولكن انقلبت الدنيا عليه عندنا هنا في الأعظمية خاصة !!
ـ هذا التذمر سيُستغل !!
ـ وسيُستغل التحدي الذي يتصف به اهالي الأعظمية و اهالي محلات بغداد القديمة و محلات مواقع الاضرحة المقدّسة المعروفون بتحدي السلطات المتعاقبة . . كلّ بطريقته ووفق اجتهاده وقناعاته، على ان لايصطدم بقناعات الآخرين لكون الجميع ابناء بلد واحد . . ضروري التعامل معهم بدقة و حذر و بالحسنى المناسبة لزمننا و للعقلية الاجتماعية السائدة فيها اليوم . . خاصة و ان حفلات السفارة المصرية لاتنقطع و دائماً الدعوة فيها مفتوحة لأهالي الاعظمية ليلتقي بهم الملحق الثقافي . . و الملحق العسكري اللي اخبر بارزين من اهالي الاعظمية، ان مشاجب السلاح المصرية مفتوحة امامكم، بس انتو شدّوا حيلكم !!! (يتبع)



4 /2 / 2022 ، مهند البراك



#مهند_البراك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكريات الصبا..اول ايار 1959 .5.
- ذكريات الصبا.. ابو الهوب .4.
- ذكريات الصبا..الملا مصطفى .3.
- ذكريات الصبا الخال مزهر.2.
- ذكريات الصبا..14 تموز .1.
- ذكريات طفولة..مظاهرات قلبت موازين .16.
- ذكريات طفولة.. قصر الرحاب 15
- ذكريات طفولة..اخافة الوصي .14.
- مذكرات طفولة.. العراق المنصدك .13.
- ذكريات طفولة..السجن ليس لنا .12.
- ذكريات طفولة. . مفاجئات .11.
- ذكريات طفولة. . من هو .10.
- ذكريات طفولة. . زمن الملاريا .9.
- ذكريات طفولة.. ذات صيف .8.
- ذكريات طفولة..تحطم طائرة .7.
- ذكريات طفولة سعدون .6.
- ذكريات طفولة .5.
- ذكريات طفولة .4.
- ذكريات طفولة .3.
- ذكريات طفولة .2.


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهند البراك - ذكريات الصبا..اعتداءات و تشريد .6.