أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهند البراك - ذكريات طفولة.. ذات صيف .8.















المزيد.....


ذكريات طفولة.. ذات صيف .8.


مهند البراك

الحوار المتمدن-العدد: 7065 - 2021 / 11 / 2 - 22:24
المحور: الادب والفن
    


ذات صيف

بُني القسم الاول من البيت الكائن في محلة الشيوخ في الأعظمية، من غرفتين احداهما تطل على الشارع بشباك و الثانية خلفها تطل على حديقة البيت الصغيرة بشباك ايضاً تقع عنده وسائد نوم رحيم و سعاد. . و الغرفتان تقابلان السرداب الضروري بنائه، لمواجهة الصيف الحار الذي كان له مدخل خلفي، و بينهم الصالة . . و كانت الأسرة في ايام الصيف المعتدلة، تلتف مع الجدة الحاجة امينة على سقف السرداب بعد ترطيبه بالماء، و كان سقف السرداب المرتفع قليلاً عن ارضية المنزل، كان يطلّ على الحديقة الصغيرة و على طارمة كان يجاورها حائط الجيران الموصليين المرتفع، الذي كان يخضرّ بفعل نبات شجر الليف المتسلق الكثيف . . حين كان الناس يبحثون عن اثمار الليف، للغسل و التنظيف، و كانت العائله توهبه لمتسولين كانوا يبيعونه و يستفيدون من اثمانه . .
و في موسم الطماطة حين تهبط اسعارها الى الكيلو بفلسين، كان نساء العائلة و الاقارب و الجيران، يجتمعن لعمل معجون الطماطة، و يضعنه بعد اعداده في صواني كبيرة كي يجف في ذلك الصيف الشديد الحرارة . . و في صباح ذات يوم وجدنا نحن الصغار اثنين او ثلاثة من قارض الكاروب (الحفّار) في احدى الصواني الكبيرة لمعجون الطماطة التي لم تُغطىّ بالشاش او لأنهن نسين وضع الشاش عليها . . و اوضح لنا الوالد ماهو الكاروب و كيف يقتل النباتات بقضم جذورها، و علينا القضاء عليه عند رؤيته في الحديقة او في اي مكان رطب، و اوضح بانه يستطيع الطيران، مع الحذر كونه ينشط عند حلول الظلام .
و في تلك المواسم كانت تهبّ عواصف رملية كثيفة من الجزيرة العربية، و كانت تغطيّ ضوء الشمس لعدة ايام و تثير انواع الامراض للذين يعانون من ضيق التنفس و يبقى غبارها و رملها على الاسطح و الشوارع ما لم تُغسل . . و المشكلة المخيفة التي كانت تحصل احياناً ان تلك العواصف كانت تحمل عقارب طيّارة سامة، كان المعروف انها كانت تأتي من نجد في المملكة السعودية، و هي غير العواصف التي كانت تهب من البحرين و الكويت التي كانت تحمل اسراباً هائلة من الجراد، الذي قيل ان اهل البصرة و مناطق الاهوار كانوا يقلّوه بقليل من الزيت ويأكلوه . .
تقع محلة الشيوخ في الأعظمية و تطلّ على نهر دجلة، في المنطقة القريبة من ضريح الإمام ابو حنيفة النعمان، و تمتد عمقاً من ضفة النهر الى الداخل . . و كانت تتكون من قسمين، القسم الاول و هو القسم القديم الذي ضمّ آلاف الدور الصغيرة المبنية من الزمن العثماني، كانت تقيم فيها اعداد كبيرة من الكادحين و المعدمين و انواع الكسبة لإيجارها الرخيص و لكون اعداد منها كانت قديمة او آيله للسقوط ، و القسم الثاني المحادد للنهر، كان يضم الأحياء الأحدث بشوارعها النظيفة، و كان يضم انواع من البيوت الكبيرة و فيلات كانت تطلّ على النهر . . و كانت تسكنها وجوه بغدادية معروفة، لها مواقعها في الدولة و في الاسواق و في انواع المصالح . .
كان بيتنا يقع مقابل ساحة تطل عليها مقهى محمد راغب الذي كان يلقّب بالكاولي و يقال انه أُختطف من الكاولية في طفولته و عاش بينهم، الاّ انه استطاع الهرب منهم في صباه، و كانت المقهى من المقاهي الحديثة في ذلك الزمن، و ملتقى لمثقفين معروفين و سياسيين و لتجار و كبار الملاّكين، بعد اغلاق المقهى الأم الكبيرة الواقعة في نهاية نفس الشارع الفرعي في وقتها، و هي مقهى حجازي التي هُدّت و بقيت ساحة خالية . .
حتى صارت ارض مقهى حجازي، الارض التي كان يستقر فيها دورياً و حسب الطلبات، بياعو الملح المحمّل بأكياس على ظهور الجمال القادمة من الصحراء، حيث يستقرون هناك الى ان ينتهوا من بيع احمالهم، التي كان ينظمها تجار الجلود و الدباغون الذين يملكون شارعاً فرعياً بكامله و ببيوته لتنظيف و خزن الجلود . .
و كانت تقيم على تلك الارض من آن لآخر، مجاميع الكاوليه و الغجر بحميرهم و احمالهم المكونة من ادوات الاسنان، التجميل، الدفوف و مستلزمات الرقص، الذين لدى مجيئهم تحذّر العوائل ابنائها من الاقتراب منهم، لأنهم يختطفون الاطفال و خاصة الحلوات و الحلوين منهم . . و كان الاطفال يرتعبون عندما كانت تتعالى صرخات لا يمكن تفسيرها في الليل، كان الأهل يقولون . . انهم يختطفون اطفال او يخنقوهم ليكسبوا ثواباً حسب معتقداتهم ؟!!
و كانت الجدّات يحذّرن احفادهن من الاقتراب من شاطئ النهر في الظلام، لأن هناك انواع الوحوش التي تخرج من ذلك النهر العملاق كالطنطل و السعالي في الظلام، و يتجولون على الشاطئ للبحث عن الاطفال لإختطافهم الى الماء، و الله اكبر يمكن يأكلوهم او يأخذوهم معهم الى اعماق الماء، كما كانت جدتي توصف و نحن الصغار نرتعد من الخوف، و نلتزم بتلك التوصيات، و لكن لفضولنا كنّا نسأل الجدة، كيف يكون شكلهم ؟؟ لأنهم يزورونا في المنامات و نستيقظ من الرعب ؟؟
سكن في تلك المحلة الوجيه البغدادي الذائع الصيت آنذاك ناجي الخضيري، الذي كانت فيلّته قصراً كبيراً مشيداً على الطريقة الايطالية كما قيل، ملحقة به زريبة ابقار حديثة لتوفير الحليب للقصر . . و كان يطلّ على دجلة باطلالة كونكريتية مبنية لتصل الى ماء النهر، تحوي رافعات، لتنظيم حركة زورقين بخاريين، القصر الذي اشتهر بعقد الملك فيصل الاول فيه اول اجتماع لأعيان و وجوه العاصمة بغداد، بعد ان نودي به ملكاً.
و من العوائل المعروفة التي سكنت هناك، بيوت آل الضامن التي ضمّت سياسيين قوميين تحرريين و يساريين، الذين كانوا بعوائلهم يسكنون الشارع الفرعي الرئيسي، القريب مما يملكون من بيوت الجلود . . و كان رجال الامن السياسي يطرقون ابوابهم في فجر ايام عدة و لعدة مرّات، و لكنهم كانوا لايصلون الى المطلوبين منهم، و قيل ان السريّ كان يحذرهم، مقابل دفوعات . .
و سكنت هناك العائلة المعروفة، عائلة بيت محسوب الذي صنع ساعة ضريح ابو حنيفة النعمان على غرار ساعة روضة الشيخ عبد القادر الكيلاني القديمة المستهلكة . . و جرى تكريمه عدة مرات على قدراته، اضافة الى بيوت رجال دين من الشيخ فخري، الشيخ راجي، الشيخ احمد سامح و آخرين، و الى عائلة الملاح الموصلية التي كان ابنها الكبير استاذاً في كلية الصيدلة . .
اضافة الى بناية كبيرة مرتفعة، كانت مرابط ابقار السياسي المعروف حكمت سليمان بابوابها العالية المغلقة بإحكام، و الى بيت الهندي المهاجرين الاغنياء من الهند الذين كانوا يتعاونون مع رجال الامن للقبض على اليساريين، و الى السفيهة ام سناء قرج المحلة و بناتها طويلات اللسان و منافستها الخبازة لويزي التي كان ابنها يلتقي باشقياء متنوعين عندها . . و الى بيت السريّ ، الذي يمكن انه كان مفوضا في الشرطة، و لكنه كان معروفاً و يمكن شرائه . .
و في الطريق الفرعي الذاهب الى جهة النهر، يتفرّع طريق ذو فضوة في نهايته و يُغلق، حيث سكن آل العبايجي في بيوت متعددة و كان الوجه البارز لهم الضابط الرئيس هيثم الذي هاجم الكاولية بمسدسه مهدداً ايّاهم برميهم بالرصاص، ان وصلوا الى طريقهم . . خوفاً على بنات عوائلهم. و كانت لبيوت آل العبايجي، اشجار لالنكي (يوسفي) وارفة و محملة بتلك الفاكهة اللذيذة الغالية الثمن التي كان يندر وجودها في البيوت . . و كاطفال توّاقون لتك الفاكهة، كنّا كمجاميع من الاطفال نتسلق سرّاً اسيجتهم بكل حذر و تكتّم لننهب اللالكي الناضج المتدلي عند الاسيجة . .
و في الطرف الآخر من المحلة، سكن ضابط الداخلية الكبير السامرائي و عوائلهم، الذي كان يستلطف و يتعاطف مع الكاولية و الغجر، و الشعّارين الذين كانوا يرقصون كالنساء و يدّقون بالجنجانات النحاسية باصابعهم، كان الصغار يخافون منهم بوجوههم المحفوفة الخالية من الشعر و بشعورهم الطويلة التي يتمايلون بها كالنساء . . و كانت هناك دربونة مغلقة سكن فيها بيت ابو البيض الذين كانوا يبيعون البيض الطازج في بيتهم من اعداد كثيرة من الاقفاص الموجودة في حوش البيت، و من وجوههم برز عازف الجوزة في المقام العراقي شعّوبي ابراهيم، و سكن هناك التاجر الكبير الحاج الجلبي و بيت الهيتي . .
بمرور الوقت نشأ ذلك التنوّع من انتقال اهل المحلة القدماء بسبب وفيات كبار السن و نشوء عوائل جديدة من ابنائهم، ومجئ اوساط جديدة بين كادحة وكسبة غرباء لتوفر عمل ما في السوق العتيق و اثر افتتاح السوق الجديد، و لأعمال النقل و التسوّق و في حماية المرقد الديني، اضافة الى وافدين جدد من طلبة كلية الشريعة الاسلامية و عوائلهم و غيرهم . .
و قد ضغطت تكاليف العائلة الجديدة كثيراً على رحيم، فقد اخذ يعمل في مجالات متنوعة و خاصة في مسك الحسابات لأمانته و ثقة اكثر من شركة به، في ساعات مسائية اضافة الى عمله كمعلم . . و كانت التكاليف تنبع من ضرورة تأمين الأطفال، لأنه و زوجته يعملان في مجال التعليم و يغيبان عن المنزل، و اذا كانت الحاجة امينة تؤمنهم في بيتها و في مجيئها الى بيت رحيم و سعاد لفترة ، فانها لم تستطع المواظبة الدائمة على ذلك لأسباب متنوعة، منها المرض و الانشغال بالمواليد و بالتكية الدينية و بابنتها الصغرى التي كانت لاتستقر على رأي، و تعارض ان تكون والدتها كـ (خادمة) في بيت اختها سعاد و زوجها . .
فكان لابد من الإتيان بشابة ترعى الاطفال عند غياب والديهم، و استطاعت سعاد ان تأتي باكثر من شابة بالتتالي لذلك الغرض مقابل طعامها و شرابها و سكنها، اضافة الى اجرة تدفع لها، ساعدتها في ذلك عدد من زميلاتها المعلمات و عاملات مدرستها . . اضافة الى عناية الخالة وجيهة من الحلة بارسال شابات من العشيرة للمساعدة . . اضافة الى تلك التكاليف، كانت تكاليف اكمال بناء البيت، الذي أُكمل بناؤه بعد شهور . .
. . . .
. . . .
في احد الأيام اتفقت الحاجة امينة مع الحاجة ام ثامر على الذهاب الى حمام السوق، و اعدتا ماتحتاجانه من مناشف و ملابس و مؤونة فواكه لتناولها في الحمام، اضافة الى مناشف كهدايا للحمام و صاحبته بمناسبة زواج ابنتها، و اتفقتا على ان تأخذان حفيديهما معهما لحمل الأغراض للحمام، و اختارتني جدتي لمرافقتها و اختارت ام ثامر حفيدها فواز الذي كان صديق الطفولة و من عمري، لحمل الاغراض . .
فاخترقنا السوق القديم المسقوف، ماريّن بمحل التجهيزات المنزلية الكبير و الشهير، محلات رشيد شلال، الذي كان موضع ثقة الأهالي و كان يتحاسب مع محدودي الدخل بالحساب الشهري، و يقف لمن يثق بهم ايام المحن، و محل الحاج ياسين للقرطاسية و الكماليات، و ابو البوريات و محلات الدواجن . .
الى منطقة خالية، جرى تفليش ابنيتها القديمة للتأسيس لبناء جسر الأئمة الحديث هناك، و كانت تدور انواع الاحاديث عن شركات البناء و حاجتها الى الايدي العاملة مقابل اجور مغرية للفقراء، و شروط تلك الشركات بالكتمان لأنها وجدت لأكثر من مرة قطعاً آثارية ثمينة او دينية مقدسة اثناء عمليات الحفر هناك . .
و بعد تلك المنطقة الخالية، يأتي السور المرتفع لضريح الإمام ابو حنيفة، و الى يمينه زقاق عريض لمحلة الحمّام و سميّ بشارع الحمّام الذي يوصل الى محلّة السفينة و جسر الاعظمية الخشبي القديم . . و في مقدمة شارع الحمّام كانت محلات فواكه عطا اخوان الشهيرة ببيع الفواكه الطازجة و الخاصة المستوردة باسعار غالية، الاّ انه كان يهدينا مجاناً بعض الفواكه تيمناً بجدّنا الشيخ فخري . . و اهدانا منها هذه المرّة و هو يلاحظ جهدنا في حمل الأغراض.
و المحلات الاولى لحلويات نعوّش التي توسعت و اشتهرت بعدئذ بمحلاتها الكبيرة في جهة اخرى من المنطقة لتبيع الذّ انواع الحلويات و باسعار متهاودة لأبناء و عوائل المنطقة، و كان البعض يشتري منه صواني البقلاوة التي تأخّر اخراجها من الفرن و تشوّه منظرها و باسعار رخيصة، كان الصحفي الرياضي برهوم يشتريها منه لتوفير وجبات فطور لذيذة و رخيصة لأكثر من عائلة، فكسب حبّها و التفافها حوله، حتى جمعت له اكثر من عائلة تكاليف دورة اللغة الانكليزية الصحفية برموزها السريعة، التي جعلت منه معلقاً رياضياً بارزاً في البلاد . .
وصلنا الحمّام و دخلنا الى الصالة، و دفعت جدتي الأجرة بعد احتسابنا نحن الاطفال كنفرين كاملين . . نظرت صاحبة الحمام الينا نظرات فاحصة من فوق الى تحت و سألت جدتي :
ـ حجيّة امينة كم اعمار الاطفال الله يحفظهم ؟
ـ بحدود خمس سنوات، مو هيج ام ثامر ؟؟
ـ بلي و الله ام محمد !
و قالت جدتي :
ـ جئنا بهما الى الحمام ليساعدونا في حمل الاغراض و الهدايا للحمام . .
ـ ممنونين جداً حجية بس السؤال واجب كما تعرفين لأن الحمام حمام نسوان !
و بعد مرورنا بممر عريض لتبديل الملابس و الى ممر آخر انتشرت فيه ابخرة المياه و روائحها الخاصة اضافة الى روائح انواع الصابون و العطور النسائية، و الى انواع الأصوات النسائية و هي تغنيّ الاغاني و الاهازيج الشعبية على وقع الدفوف، و المدائح النبوية . .
حتى دخلنا صالة الحمام و دكّاته . . و انشدهنا نحن الصغار برؤية انواع النساء العاريات و مناظرهن التي كأنما سحرتنا، و نحن نشاهد بطن زوجة المختار و مؤخرة بنت الجيران الرشيقة و انواع الأثداء الرجراجة الشابة، و بين ضحكات الصبايا بوجوهنا و هنّ يتدلّعن عاريات بضحكات مجلجلة محاولات اظهار مفاتهن و اعضائهن لنا نحن الاطفال اثناء تغسيل جداتنا لنا حين كنّا نصارع ماء الغسل كي نشاهد بملئ اعيننا ما كان ممنوعاً و محرّماً و يُعاقب عليه حدّ الموت لمن يخالف، و كنا نحاول رد تحياتهن لنا بإيماءات ايدينا الصغيرة . .
كانت هناك رغبة غير مفهومة لنا في صراعنا لمشاهدة النساء العاريات و محاولة انفاذ نظرنا الى الزوايا المحرّمة و المظلمة من اجسادهن، في صالة حمام امتلأت بانواع النساء العاريات و هن يغتسلن في نقاشات زواج و طلاق، و نقاشات هامسة، و كأنما كانت هناك فحوصات لصبايا تقوم بها نساء مسنّات قيل انهن يبحثن عن زوجات صحيحات البناء و التكوين، لأبنائهن الشباب . .
و نقاشات بأن فلانة بيّن عليها الحمل و الحمد لله، و فلانة عاهرة بنت عاهرة (شوفي شلون تتغنّج و مفتّحة كل ابوابها بلا حدود) و لم نفهم اية ابواب و دققنا النظر فيها و لم نجد اية باب، الاّ انها كانت شابة رشيقة بيضاء بشعر فاحم طويل مسدل الى خصرها، ذات نظرات ساحرة بلمعانها . . قيل انها محظية الحاج سلطان الثري . .
و وسط ذلك المهرجان النسائي و استمتاعنا به، واجهتنا نظرات جادة غاضبة من زوجة المختار و زوجة مدير مخفر الشرطة، و هنّ يولولن بأن ( ضاع العَرْض و الشرف . . ضاع)، و ذهبتا الى صاحبة الحمام مطالبات بإخراجنا لأن وجودنا يخالف الشريعة، و بأننا نثير الشابات الغبيّات اللواتي (صرن يتباهين باظهار عوراتهن لهم) . . و تجيبهم صاحبة الحمّام :
ـ يابه هذول اطفال بعمر خمس سنوات ! و انا اكثر واحدة هنا تصون الشرف و العفاف !
ـ شوفي اذا ماتطلّعيهم و الله نسد الحمام عليج و كولي ما كالت سريّة خاتون !!
و ذهبت صاحبة الحمام الى جدّتي و اخبرتها بهمس بضرورة اخراج الطفلين و الاّ هم يحلفون بأن يسدوّن الحمام، و يسووها تره حجيّة . . وحده مرة المختار و الثانية مرة مأمور مركز الشرطة !! الله يخليّج حجية يطلعون و ارجّع الج اجرة النَفَرين اللي دفعتوهم عنهم، يا دافع البلاء يا الله . . حجيّة هذول مو اكثر ممن اصابهن مسّ، خاصة مرة المأمور اللي زوجها يوميّة نايم و ايّا وحده غيرها من مرة ابو الطرشي الى مرة . . آغا و ذكرت الأخيرة بهمس، و يحاول يسكّتها بالفلوس و باظهار تنفيذه لما تريد و تشتهي . .
قالت لنا جدتي و ام ثامر بهدوء، باننا قد نَظَفْنا بعد الغسل . . " تشربون شاي الحامض عند صاحبة الحمام و تحملون مناشفكم و المناشف الزايدة و الملابس اللي بدّلتوها ، و تذهبون الى البيت و لا تتأخرون " . . و هكذا أُخرجنا من الحمّام و عدنا الى منازلنا. و بعد ايّام سمعنا ان مأمور المركز سكر بعد ان سمع كلاماً قاسياً من ابو الطرشي المح فيه بأنه يعرف مايدور بينه و بين زوجته و هدده بالمحاكم و عقوبة الزنا، بعد ان قال له ( لأن مو غيري . . اني شفتك شلون راكب عليها، و شفت مؤخرتك العارية، بالعلامة اللي عليها شامة) . . . و اشبع سريّة خاتون ضرباً و هو يصيح بها بصوت عالي و يسمّع الجيران :
ـ ولج سريّة يا كحبه انتي اللي تعلميّن حجية امينة الادب و الدين ؟؟ . . يا ام الالف . . و لج نسيتي شلون طلّعتج من الكلّجية و سميّتج خاتون ياقندرة . . تروحين على حجية امينة و تبوسين قندرتها و تتوسلين بيها ان تقبل اعتذارج . . و هاي شرطيين اثنين ويّاج هَمْ يسوقوج الى هناك و هَمْ يشهدون اذا وافقت الحجية على اعتذارج او لا ، توكعين على قندرتها افتهمتي . . و الله اذا ماوافقت اسوكج بالجلاليق مسلّخه الى هناك !!!
من جهة اخرى كان مأمور المركز يخاف من ابو الطرشي، لأنه الشقي المخيف في محلّة الحمّام ، الذي كان كثيرون يتهامسون حوله، بأن زوجته هي التي صنعت منه صاحب صنعة و نفوذ و شقي، و انه صعد في مجتمعه بفضل هياج زوجته الباحثة على تطويع الرجال دوماً، التي زوّجها ابوها له دون رغبتها، و صارت تكره الرجال و تسعى لإذلالهم، و لاتبالي مما يظهر من جسمها عارياً بسبب لهيب الحرّ كما كانت تقول و هي تقهقه عالياً . . حتى اخافت زوجها بأن شهرت سكيّن الطرشي الكبيرة بوجهه يوماً مهددة إيّاه بقتله ان عاتبها على النوم مع رجل اشتهته هي . . كما كان يتداول سرّاً في جلسات النساء . .
و كانت تقول علناً ان : ( لا أحد اشبعني و اشبع جسدي من كل المنافذ كدرويش مجيد . . اين انت يامجيد ؟؟ يامخيف الشرطة و العسس و السريين ؟؟؟ . . كنّا نتوافى مرّات و مرّات و من كل مكان ممكن كل ليلة . . الى ان اقع كجثة من التعب و انام نوماً لذيذاً فقط في احضان مجيد الذي لايكلّ و لا يتعب . . ) ، حين كان زوجها (الشقي) يترك البيت بحجة ان زوجته تنام نوماً عميقاً و لايريد ازعاجها، و في الحقيقة كانت هي الشقي الحقيقي و الاساس في نجاح و تطور تجارة الطرشي و كان (الشقي) زوجها لا اكثر من اجير يعمل عندها و رهن اشارتها حتى حين كانت تريد النوم معه، لأنها شرعاً زوجته و لا تريد الخروج على الشرع، و استغفر الله . . كما تقول.
. . . .
. . . .
في ظهيرة يوم قائظ اندلعت مشاجرة عنيفة بين القرج ام سناء التي هاجمت الحاجة الموصلية ام سامح لأنها طرقت الباب عليها، معاتبة ايّاها على عدم ترك الأزبال في الشارع حتى صار مدخل بيت ام سناء مزبلة كبيرة تتلاعب عليها الكلاب و القطط و الجرذان . . و انطلق صوت ام سناء و هي تهاجم ام سامح بالفاظ لم نألفها من قبل :
ـ امشي ولج بيت مصلاوي قيقو يتمرجلون علينا !!
ـ يسقط عملاء موسكو عملاء الروبل
ـ و الله ابن الحرام ابنك اخذ شهادة بالتزوير و الاّ شلون يصير استاذ في كلية الصيدلة ؟؟ لأنه من الكفّار
و الاّ شنو جابكم من الموصل الى هنا . . سرسرية انعل ابوكم لابو بيت الملاّح
لم تجب ام سامح بنظاراتها الطبية فقط باشارة قالت فيها :
ـ العتب مو عليكم، العتب على اللي يحاول ينظّف المحلة، و تصوّر انه يتحدث مع اوادم . .
و انسحبت الى بيتها وسط عياط ام سناء و بناتها المستمر بالشتائم على ام سامح.
اما نحن الصغار، فلم نفهم مامعنى عملاء و تصورنا انها تعني معاميل مثل معاميل البقال، و لم نعرف مامعنى الروبل، و لماذا تسبّ موسكو عاصمة اعظم دولة حطّمت النازية و انشأت دولة تتحدى عمالقة العالم . . و ما علاقة الحاجة ام سامح بموسكو . . و لم نفهم انواع التفسيرات من الكبار حول ذلك، سوى ان نبتعد عن ام سناء السفيهة و بناتها . .
. . . .
. . . .
و وسط كل تلك الاحداث الكثيرة التناقض، كان رحيم مواظباً على استضافة اجتماعات هيئات النشاط المهني و الخيري في البيت، و كان ابرز الحضور : د. نزيهة الدليمي من الاعظمية، د. عبد الأمير السكافي من النجف و الذي اشتهر لاحقاً في منظمات انصار السلام و أغتيل على طريق الحلة ـ النجف بعد سنين، يمان اخو المناضل السجين السياسي يقظان من الفضل، المناضلة بثينة البستاني اخت السياسي القيادي عبد القادر البستاني من الكرادة و الناشطة في مجال ادامة الصلات مع السجناء السياسيين، اضافة الى د. عبد الصمد نعمان الاعظمي و الطالب الجامعي رحمن الضامن و هيئاتهم من الاعظمية . .
حين كانت تلك الهيئات تساعد عوائل السجناء السياسيين بالمال و السعي لهم للحصول على عمل، و محاولة ايجاد ابواب للرزق و المعيشة لهم . . اضافة الى محاولات دعم نجاح مرشحي مجلس النواب من الوطنيين بغض النظر عن القوائم التي يرشحوّن عنها، اضافة الى دعم المطالب النقابية و تشكيل النقابات و غيرها . . التي كانت تترصدها عيون السلطة السرية . . (يتبع)

2 / 11 / 2021 ، مهند البراك



#مهند_البراك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكريات طفولة..تحطم طائرة .7.
- ذكريات طفولة سعدون .6.
- ذكريات طفولة .5.
- ذكريات طفولة .4.
- ذكريات طفولة .3.
- ذكريات طفولة .2.
- عن بيان سماحة المرجع الاعلى حول الانتخابات
- ذكريات طفولة .1.
- الانتخابات: التشرينيّون و صراع الميليشيات .2.
- الانتخابات: التشرينيّون و صراع الميليشيات .1.
- المناضل الكبير كاظم حبيب . . وداعاً !
- افغانستان و تغيّر الستراتيجية الاميركية .2.
- افغانستان و تغيّر الستراتيجية الاميركية .1.
- التغيير: روح الدستور، مطالبات تشرين !
- من اجل بقاء العراق موحداً .3.
- من اجل بقاء العراق موحداً .2.
- من اجل بقاء العراق موحداً .1.
- الإنتخابات، مخاطر توحّد الفساد و الإرهابيين ! .2.
- الإنتخابات، مخاطر توحّد الفساد و الإرهابيين ! 1
- عندما يكذب الحكام !


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهند البراك - ذكريات طفولة.. ذات صيف .8.