أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهند البراك - ذكريات الصبا..الملا مصطفى .3.















المزيد.....


ذكريات الصبا..الملا مصطفى .3.


مهند البراك

الحوار المتمدن-العدد: 7137 - 2022 / 1 / 15 - 15:44
المحور: الادب والفن
    


ـ 3 ـ

الملا مصطفى البارزاني

في مضيف الشيخ دايخ كان الخال مزهر يتحدث عن ثورات الكرد التحررية في البلاد، في سليمانية و قائدها الشيخ محمود الحفيد و انتفاضة بارزان بقيادة الشيخ احمد البارزاني، سنوات الحرب العالمية الاولى . . و كيف تكررت في بارزان و شملت عموم كردستان العراق في سنوات الحرب العالمية الثانية، من اجل الحقوق القومية المشروعة و الحكم الذاتي للكرد و للاقليات المتنوعة في كردستان العراق في عراق ديمقراطي، و كيف كان الملا مصطفى البارزاني قائد ثورة بارزان و معاركها البطولية ضد الانكليز في العراق . .
و كيف تأسست اول جمهورية كردستانية ذات حكم ذاتي عاصمتها مهاباد و انتخب فيها الملا مصطفى رئيساً لأركان جيش القوات الكردستانية، و كيف هاجمت قوات شاه ايران و قوات العراق و تركيا الجمهورية الكردستانية الوليدة و احتلت مهاباد و اعدمت قادتها و كيف صمد الملا مصطفى بقواته امام تلك الهجمات الوحشية، و كيف قاتلت قواته بقيادته و هي تنسحب نحو الاتحاد السوفيتي تحت الهجوم الثلاثي لتلك الدول آنذاك لأنها لم تجد حلاً آخر، و ليصبحوا لاجئين هناك، بعد ان وافقت سلطات الحدود السوفيتية على استقبالهم.
و اثر ثورة 14 تموز، تم الإعلان عن ان العرب و الكرد شركاء في الوطن و اعلن العفو الرسمي عن الملا مصطفى البارزاني و رجال قواته، و وجّهت لهم الدعوة للعودة الى الوطن و الإعتراف بنضالهم العادل . . و انهم يعودون الآن على متن باخرة اوكرانية الى ميناء البصرة، و يستعد الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية لتحيتهم و استقبالهم في البصرة، و كيف ان الجمعية الفلاحية التي يرأسها الخال مزهر تتهيأ لتشكيل وفد للسفر الى البصرة و استقبال القائد الكردي الكبير و الرجال الذين تبقوّا من قوته معه و عوائلهم هناك، و انهم سيقيمون مهرجاناً احتفالياً كبيراً رسمياً و شعبياً، في البصرة لإستقبالهم . .
و انقطع الحديث بأن مدّت ام عماد ماتمكّنت من رأسها المحجّب بصمت من الباب الموارب لترى حقيقة مايجري، لتُنهي تصوراتها و عدم ارتياحها، و وقعت عينها و هي تديرها على الجالسين، وقعت على الخال مزهر الذي كان جالساً مقابل الباب، و الذي ما ان لمحها بقامتها الفارعة و بالعباءة التي كانت لم تصل الى قدميها، حتى وقف و هو يقول :
ـ العفو اختي ام عماد تفضلي تفضلي . . سووا طريق للحجية ام عماد !!
ـ العفو خويه ابو محمود . . الف الحمد الله ع السلامة، اشرق علينا الخير بوجودكم خويه الف الف هلا و مرحبا !!
ـ و الله عاشت ايدج اختي ام عماد على هالمبادرة الكريمة الشجاعة، اسأل الله ان يفرحكم و يمدّ بصحتكم انتي و اخويه الاستاذ فاضل و يخليّ الكم ولدكم الحلوين السالمين الغانمين بجاه رب العالمين و النبي المصطفى . .
و فيما بقيت ام عماد واقفة عند الباب و هي تحيي الجالسين من فتحة عباءتها و كلماتها غاصّة بانواع الدموع، قالت :
ـ و الله خويه ابو محمود و انت اخويه الكبير . . مابقى عندي بالدنيا من اهل الاّ ابو عماد . . و صرت اخاف عليه من الحسّاد و من الظِلاّم و ممن لاعدهم ذمّة و لا ضمير . . اخاف عليه من السحر و من عبث الغواني و الطايحات . .
انصدم الخال مزهر بكلمات ام عماد و صاح بتودد و توسّل :
ـ تفضلي اختي ام عماد استريحي، كلنا اهل و عائلة واحدة، ابو عماد و الكل يعرفون، بمعزّة اخويه الصغير . . تأمري و آني رهن اشارتك و امام الجميع . . استريحي بالله عليكي.
ـ العفو العفو خليّني واقفة ببابك الله يخليك خال مزهر . . تبقى فوق رأسنا راية عزّ و كرامة و شهامة، و هذا ماي الفرات يشهد على ما اقول !!
تأثّر الجميع بكلمات الخال مزهر و هو يطلب من ام عماد ان تأمر عليه و هو المعروف بأن لا أحد يستطيع ان يأمر عليه في عشائر المنطقة التي من اجلها قضىّ عشرة سنوات في سجن نقرة السلمان الصحراوي و كلمته لاتُرَدْ بل و تسري سريان الدم في الشرايين، فيما انحنى الخال على ابو عماد و والدي و سأل بهمس :
ـ فهموني شنو هيّه القصة . . ليش ام عماد بهذا الألم و هي المعروفة بالشجاعة و الإقدام، اوّل مرّة اشوفها على ها الحال . . ؟؟
اجابه ابو عماد بسرعة و بكل اختصار و بصوت واطئ . . ان السبب هو قرار اخيها الكبير عباس الذي قاطعها و حرّم عليها زيارة بيت اهلها بسبب زواجهما دون موافقته، و توفىّ والدها و لم تستطع حضور فاتحته كي لاتنقلب الفاتحة الى فوضى و اوامر . . و من يومها سكنها الحزن و لم يتزحزح عباس عن قراره الى يومنا هذا.
وقف الخال مزهر و قال بصوت جهوري واضح و قاطع :
ـ عبّاس القصاب خوش ولد و معزّته كبيرة بقلبي، لكن ماكنت اعرف انه يتّخذ هيج قرارات قاسية، و بحق من ؟؟ بحق زينة نساء الفرات ام عماد . .
سمعته ام عماد و اجهشت في بكاء مرّ . .
ـ و الله و بحق شهداء الوطن المناضلين و بروح ام محمود و الغالين، هو مسَجَّلْ اسمه معانا في وفد استقبال الملا مصطفى في البصرة . . و الله و الله اخليّه يوكع دخيل على ملا مصطفى ان يحكم بقضيته و هو من بيت دين و علوم و تصوّف، و اذا مافاد معاه اعرض القضية على رئيس محكمة الشعب فاضل عباس المهداوي ان يحكم بقضيته و احنا راجعين، اذا ماييجي و يوكع على اخته ام عماد و يصالحها و يطلب منها العفو . . و خليّ الحاضر يعلم الغايب !!
و بين بكاء و شهقات ام عماد الواقفة عند الباب و التي جمدت من كلمات الخال المزهر، لأنها تعرف انه يعني كلماته و يفعلها . . غادر ابنا اخ الشيخ دايخ المضيف بسرعة و دون ضجيج و عيونهما تلمع لمعاناً دلّ انهما ناويان على شئ مهم، فتبعتهما و سألتهما :
ـ ايش راح تعملون ؟؟
ـ رايحين لمخفر الشرطة حتى نخابر عباس القصاب و نعطيه خبر بما قاله الخال مزهر، لأن تلفون العم دايخ مقفول و بالمضيف .
ـ بس يعني هاي مو فتنة ؟؟
ـ لأ عيني . . سيأتي عبّاس مثل البرق من الحلة و هسّه تشوف !!
و فعلاً و في حدود منتصف الليل و نساء الشيخ لازلن مشغولات بإعداد العشاء بعد ان اضفن اليه عدد جديد من الدجاج بعد ذبحها و تنظيفها على عجل، لأنهن كنّ واثقات من مجئ عبّاس و عدد من الرجال معه . . حتى جاء عبّاس الذي خوّف حرامية و مجرمي الحلة القديمة، منتصب القامة و من معه و هم متمنطقين ببنادقهم . .
و قرب باب مضيف الشيخ دايخ شاهد عبّاس اخته على ضوء اللوكس الذي كان يضئ ساحة المضيف . . و شاهدته و جمدت و اخذها بالأحضان و نزل فيها تقبيلاً و بكاءً و اختلطت دموعهما و هو يقول لها :
ـ حبيبتي ام عماد سامحيني حبيبتي . . كنت احمق . . كنت . . امّك و اخواتك مشتاقين لك و ينتظروك بفارغ الصبر . . هاي عاداتنا الوسخة و انتِ أعرف منيّ . . بويه العفو و انشاء الله، الله مايسامحني على عملتي . .
. . . . .
. . . . .
في خريف ذلك العام التقى النقيب سعدون بالمقدم ممدوح في النادي العسكري و هنأ احدهما الآخر على الرتبة الجديدة التي تم منحها لضباط الجيش بمناسبة انتصار الثورة بمنحهم درجة رتبة اعلى و قال المقدم ممدوح :
ـ عزيزي سعدون صدر امر نقلك الى عضوية هيئة اركان الفرقة الرابعة لشؤون الإستخبارات برتبتك الجديدة و ارى ضرورة زيارتك للزعيم عبد الكريم في مقره في وزارة الدفاع، لتحيّته و السلام عليه و تقديم الشكر على الرتبة الممنوحة الجديدة، و انا شبه متأكد من انه سيعطيك موعداً للسلام عليه . . و من خلال ذلك تسأل عن امكانية رفع الغبن السابق عنّك و ان تكون بالرتبة التي نحملها جميعاً نحن ابناء نفس الدورة العسكرية . . سأتابع ذلك و اخبرك!
و فعلاً بعد ايّام اتّصل المقدم ممدوح بسعدون و ابلغه الموعد الذي تحدد مع الزعيم في مقره في وزارة الدفاع، و ذهب سعدون برفقته الى هناك، و مما رواه المقدم ممدوح :
ـ ذهب معي سعدون الى مقر الزعيم في الساعة الحادية عشر من ذلك الصباح، و كان مع الزعيم : الزعيم طه الشيخ احمد آمر الحركات العسكرية و العقيد الركن وصفي طاهر المرافق الاقدم للزعيم . . و بعد اداءنا للتحية العسكرية قدّمت النقيب سعدون للزعيم الذي رحّب به و طلب منا ان نستريح بالجلوس في مكتبه و بدأ الزعيم الكلام موجهاً كلامه لسعدون، قائلاً " من زمان اعرف عنّك و اسمع بيك و احب ان التقي بك، و وددت ان اهنئك على نجاح ماعملته في اخافة الوصي . . و اتفضّل اذا عندك ايّ طلب و انا اسمع " فقال سعدون :
ـ سيّدي بالتأكيد تعرف اني تعاقبت عدة عقوبات ظلماً و غدراً، و انا لا انكر انني كأي ضابط اقترفت اخطاء ايضاً و مستعد للاعتراف بها و اتجاوزها، و لكنهم بقوا متصديّن لي لمواقفنا كعائلة من المستعمرين البريطانيين و من عملهم على اشعال الصراعات العشائرية . . اطالب بالغاء عقوباتي !!
ـ فوراً !! ماتضيع جهود المخلصين من ابناء الشعب و الجيش . . ابني انت تستحق وسام على اخافة الوصي . . ممدوح انتم من نفس الدورة، صحيح ؟؟
فقلت :
ـ صحيح سيدي !
ـ اليوم ! هذا اليوم . . زعيم طه تصدّر امر باعادة الرتبة الحقيقية للمقدم سعدون و تضع اسمه على المرشحين لإستلام وسام الرافدين من الدرجة الاولى و المرشحين لدورة الأركان القادمة !
و منذ ذلك التأريخ حمل سعدون رتبة مقدّم ! و صار مسؤول شعبة الاستخبارات العسكرية في اركان الفرقة الرابعة في معسكر سعد ـ بعقوبة . .
و في تلك الفترة زارنا سعدون بملابسه العسكرية حاملاً رتبته الجديدة بسيارة جيب قيادة جديدة و سيارة حماية عسكرية تحمل مدججين برشاشات سترلنك، و استقبل عندنا من والدي و والدتي و برهوم و الست ناهدة شيخ رشيد . . و عملنا نحن الفتوة على توزيع الشربت و الحلوى عليهم و تناولت الاحاديث مواضيع متعددة حتى وصلت الى ما قاله المقدم سعدون :
ـ شنو سالفة العركات على الجسر . . تقارير تقول انه اضافة الى جماعات متطرفة من اهل الاعظمية تمنع اهل الكاظمية من عبور الجسر، انضمت اليهم جماعات من اهل الكاظمية نفسها تطلق على نفسها (جماعة الشيخ محمد) تمنعهم ايضاً و يُقال انهم من اتباع المرجع الديني السيد الخالصي و ان الشيخ محمد هو ابنه و انه ضابط برتبة ملازم، و انهم بدأوا بمنع النساء السافرات من السير في اسواق الكاظمية، الاّ بان يكُنّ محجبات و برفقة محرم و انّهم دقوّا شعارات و اجزاء من آيات قرآنية على حيطان الاسواق و على ابواب الحضرة الكاظمية منها " و لا تبرّجن تبرّج الجاهلية الاولى " و بدأوا بضرب من يروها غير محجبة بالعصي . .
بعدين . . شنو سالفة جمع الدراجات الهوائية من الشوارع في الاعظمية، بشكل شبه يومي و تحميلها بلوريّات و مصادرتها او ارجاعها شبه محطمة الى اماكنها، على انها لتلبية حاجة المقاومة الشعبية، الامر المتسبب بتذمّر شعبي متزايد، احنا من جانبنا سندقق بمن يعطي هكذا اوامر و انتم حاولوا تساعدونا على معرفة مايدور و هل هو منظّم و من اية قوى او احزاب . .
قال برهوم :
ـ نعم عزيزي سعدون . . اضافة لذلك عدد من الجماعات القومية من الاعظمية صار عدهم غدّارات بور سعيد، هاي منو يوزّعها عليهم ؟؟ يقولون انها بعلم ضباط قادة من الجيش للدفاع عن الجمهورية . . زين مو اكو جيش و اكو مقاومة شعبية بإمرة الجيش و تساعده، بعد ليش هالجماعات ؟؟ خاصة و ان عدد واضح منهم مجرمين و سمعتهم سيئة . . بعدين اكو بيوت و مقاهي يجتمعون فيها باسلحتهم الى اوقات متأخرة من الليل مثل بيت الوكيل السري السابق، و جايخانه جديد مفتّحة برأس دربونة الخبازة نجيّة في سوق محلة الشيوخ، مقابل معرض الحاج ياسين ابو القرطاسية اللي يلتقي فيها سعدون شاكر و اخوته و برزان بملابس الجندية، اللي لابسها لحماية نفسه . . و يتداول الناس مشاكل هالاشقيائية مع اشقيائية ولْد الصفرة التي قد تصل الى مصادمات بالسلاح معهم بعد ان التزمت اطراف قومية و خاصة البعث احدهم و التزم الثاني جماعة الاستقلال . .
بهذا الأثناء نقل تلفزيون بغداد في برنامج (الاخبار المصوّرة) مراسم استقبال القائد الكردي مصطفى البارزاني و رفاقه و عوائلهم في البصرة من قبل متصرف البصرة و قائد الفرقة العسكرية هناك، وسط حشود هائلة رجالاً و نساءً من كل المكونات العراقية و منظمات الاحزاب الوطنية : البارتي، الحزب الشيوعي، الحزب الوطني الديمقراطي و منظمات : المقاومة الشعبية، نقابات العمال، الجمعيات الفلاحية، اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية و النقابات المهنية و غيرها العديد . .
وسط اغاني المطرب الوطني الصاعد احمد الخليل و الفرقة الموسيقية المصاحبة له، الذي كانت اوسع الاوساط المشاركة تردد و تصفّق معه في المقاطع التي تتطلب :
من تمر انسام عذبة من الشمال
على ضفاف الهور تتفتح كلوب
لو عزف بالناي راعي بالشمال
عالربابة يجاوبه راعي الجنوب
هه ر بجي كرد و عرب رمز النضال
هربجي كرد و عرب رمز النضال
هاي خوّتنا و تاريخ انكتب، النا حافل بالمجد و التضحيات
هالوطن شُركة لكراد و عرب
صخرة وحدتنا و معدنها صلب ماتهزهزها العواصف للأبد
ايد بيد و كلب مشدود بكلب
وبالشدايد واحد لواحد سند
حلوه مرّه اثنينّا نعيش الحياة
كلوبنا تخفق سوا . . جنوب و شمال
هربجي هربجي كرد و عرب رمز النضال
ثم نقل التلفزيون وصولهم الى بغداد . . الى فندق " تايكرس بالاس " الراقي المطل على نهر دجلة مقابل (حسوّ اخوان) في منطقة (الفناهرة) الحديثة من شارع الرشيد، حيث كانت حشود مماثلة من النساء و الرجال في استقبالهم هناك وسط الشعار المدويّ الذي صاحت به الحناجر :
حتيّ حتيّ حتّايا كرد و عرب برايا
الى الابد الى الابد يبقى العرب و الكرد يداً واحدة
و وسط لافتة حمراء طويلة كُتب عليها بالابيض :
" على صخرة الاتحاد العربي الكردي تتحطم مؤامرات الاستعمار و الرجعية "
و قد لعبت اذاعة بغداد دوراً كبيراً في تحويل ذلك اليوم الى عرس وطني حقيقي، حيث امتلأت شوارع بغداد بالناس نساءً و رجالاً و شيوخاً و اطفالاً و من مختلف القوميات و الأديان و الطوائف و الى ساعة متأخرة من الليل و الى الصباح . . و هي تغنيّ و تدبك و ترقص في الشوارع على انغام و كلمات و مقاطع تلك الاهازيج و الاغاني و الشعارات . . عدا بعض محلات و ازقة بغداد التي منها الأعظمية و الجعيفر التي صدح فيها الراديو بتلك الاهازيج و لكن التفاعل الشعبي فيها كان محدوداً بل و كان متحدياً لمحيطه فيها . .
و في غمرة ذلك العرس الشعبي الكبير . . مرّ علينا ابن عميّ المناضل " عدنان البراك " و شارك في الاحاديث موضحاً و مستفيداً منها في تكوين و توجيه افكار جديدة و ملحّة الى الصحافة اليسارية عموماً ، رغم انغماره المتنوع في النشاطات الحزبية و بالذات في الصحافة، حيث كان سكرتير تحرير " اتحاد الشعب " التي كان يرأسها عبد الرحيم شريف، اضافة لكونه احد محرريها الأساسيين، من جهة.
و كان يشرف و ينظّم نشاطات المحررين اليساريين في الصحف التقدمية الاخرى مثل : الإنسانية، 14 تموز، الثبات، الشبيبة، الغد، الفجر الجديد، المبدأ . . التي كانت تُغلق باوامر وزارة الداخلية التي قادها آنذاك عبد السلام عارف و جماعته، لتتفتح صحف جديدة باسماء جديدة . . لتوضيح و كتابة المطالب الأكثر الحاحاً للجماهير الفقيرة و المعدمة آنذاك، و لتحقيق المنجز الصحفي الأسرع و الابلغ و الاكبر تأثيراً بين الجماهير في عموم تلك الصحف، من جهة اخرى . . كما عبّر لاحقاً عدد كبير من الكتّاب و الصحفيين اليساريين الناشطين آنذاك، و الباحثين اللاحقين . .
و من السخرية ان القرج ام سناء وسط تلك الاجواء الاحتفالية، افتعلت لها مشكلة بأن هناك من سرق تنكة ازبالها و اخذت تصيح بعلو صوتها الأجشّ :
ـ واضح من سرقها هذول لابدّ جماعة (كردي نازاني) ، جماعة هاربشي . . عملاء مال نازاني . . انعل ابوكم لابو نازاني !!!
وسط ضحك الجيران و تغامزهم عليها من خلف الشبابيك . .
. . . . .
. . . . .
في تلك الفترة تم الإعلان عن صدور عفو عن القطب القومي العربي رشيد عالي الكيلاني، الذي انقلب في مايس 1941 على حكومة ياسين الهاشمي في العهد السعيدي و حاول ازاحة الوصي الذي هرب، بمساعدة قادة الجيش عقداء المربع الذهبي بقيادة العقيد صلاح الدين الصباغ، الاّ ان المحاولة لم تنجح بعد ان هاجمتها القوات البريطانية و اعادت الوصي الى العرش و أُعدم العقداء الاربعة، و صدر حكماً غيابياً بالإعدام على رشيد عالي الذي فرّ الى المانيا الهتلرية و بعد سقوطها التجأ الى عدة دول و استقر اخيراً في مصر عبد الناصر . .
و تم الإعلان عن الغاء العقوبات بحق المشاركين فيها، و تكريم الحركة بكونها حركة وطنية تحررية . . و لدى وصول رشيد عالي الى بغداد، اعلن عن عزمه على العمل من اجل اعلان الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة، و قد زاره عبد السلام عارف في بيته و اعلن تأييده لما ينوي تحقيقه في الوحدة الفورية، كما نشرت الصحف القومية و غيرها آنذاك . .
في وقت كان فيه المقدم سعدون يتتبع اخبار تسرب الاسلحة من سوريا (الاقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة) . . حتى عرف من ريتا في بانسيون ماري بانها سمعت من صديقتها سلمى بأن زبونها الضابط القومي الذي تتيّم بها و اخبرها، بأنه يريد الزواج منها، و فقط عليه انتظار حركة سيقومون بها للاستيلاء على الحكم و سيأتيها كعريس غني و بالسلاح الجديد . . و بعد تدقيقات و تأكيدات سريعة، اخبر المقدم ممدوح الذي صار عضواً مهماً في الاركان العامة (الحركات العسكرية)، بالخبر . . . و اخذوا يتابعون ما يجري .
بعد اسابيع اعلن راديو بغداد عن اكتشاف مؤامرة لقلب نظام الحكم بالتعاون مع عدد من رجال العهد المباد و عدد من الإقطاعيين الذين خسروا اراضي واسعة بسبب الإصلاح الزراعي، عدد من كبار الضباط و الوزراء و الموظفين الكبار السابقين و بتأييد مجموعات من القوميين من حزب الاستقلال العائد لمحمد مهدي كبة عضو مجلس السيادة، بطريقة القيام بأعمال تخريبية تزعزع الأمن و الاستقرار و البدء من بغداد، من :
اشعال حرائق، محاولة نسف جسور، قطع الاتصالات التلفونية، قطع الكهرباء بين حين و آخر، تخريب طرق و ارباك حركة النقل و غيرها . . ثم اعلان عدم آهلية الحكومة القائمة للحكم و ادارة البلاد و المطالبة بإستقالتها، و ان لم تستقيل سيلجأون لضباطهم للقيام بانقلاب عسكري لإزاحة عبد الكريم قاسم و الغاء الإصلاح الزراعي، بالتعاون مع حكومة عبد الناصر، بالتنسيق مع السفير المصري عبد المجيد فريد و ملحقيه العسكريين المصريين . .
و لم تنشر تفاصيل المحاولة و لا اسماء القائمين بها لفترة و بقيت طيّ الكتمان في ذلك الوقت لإستكمال الادلة و حرصاً على عدم توتير الأجواء مع عبد الناصر اكثر . . الى ثبت في اواخر 1958 بالأدلة القاطعة تزعّم رشيد عالي الكيلاني للمحاولة و مشاركة عدد من كبار الضباط فيها، منهم رفعت الحاج سريّ رئيس الإستخبارات العسكرية و مؤسس تنظيم الضباط الأحرار و عدد من كبار الاقطاعيين منهم عجيل الياور، و احمد مختار بابان رئيس وزراء سعيدي سابق، و بدعم من دولة خارجية، اثبت التحقيق انها كانت الجمهورية العربية المتحدة .
فتمت محاكمة رشيد عالي الكيلاني في محكمة الشعب العلنية برئاسة العقيد فاضل عباس المهداوي وفق الدستور المؤقت المعلن، و بُثّت على الهواء، و تم اعلان الحكم على المتآمرين باحكام ثقيلة و حُكم على الضباط المشاركين بأحكام اخف . . و بعد فترة قصيرة اعلن الزعيم عبد الكريم قاسم عن العفو عنهم على اساس (عفا الله عمّا سلف) . .
وسط اجواء هجوم متواصل لا ينقطع من اذاعات القاهرة و صوت العرب على الزعيم عبد الكريم و على العقيد المهداوي و على ما وصفوه بالمد الشيوعي العراقي . . و هكذا تصاعد الإستقطاب اكثر بين القوميين الداعين الى الوحدة الفورية و بين الشيوعيين الداعين الى تحقيق الإصلاح الزراعي و تعميق الديمقراطية في البلاد و التهيؤ الى اتحاد فدرالي عربي في ظروف يجري الإعداد لها . . حتى صار الاختلاف صراعاً قاسياً بين الطرفين، جرى وفق مستوى عقلية و وعي المجتمع و الاحزاب آنذاك و الظروف و الصراعات الدولية و الإقليمية . . و في الأخير كان صراعاً صفّقت له الاحتكارات النفطية و الدوائر الغربية العليا. (يتبع)

15 /1 / 2022 ، مهند البراك



#مهند_البراك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكريات الصبا الخال مزهر.2.
- ذكريات الصبا..14 تموز .1.
- ذكريات طفولة..مظاهرات قلبت موازين .16.
- ذكريات طفولة.. قصر الرحاب 15
- ذكريات طفولة..اخافة الوصي .14.
- مذكرات طفولة.. العراق المنصدك .13.
- ذكريات طفولة..السجن ليس لنا .12.
- ذكريات طفولة. . مفاجئات .11.
- ذكريات طفولة. . من هو .10.
- ذكريات طفولة. . زمن الملاريا .9.
- ذكريات طفولة.. ذات صيف .8.
- ذكريات طفولة..تحطم طائرة .7.
- ذكريات طفولة سعدون .6.
- ذكريات طفولة .5.
- ذكريات طفولة .4.
- ذكريات طفولة .3.
- ذكريات طفولة .2.
- عن بيان سماحة المرجع الاعلى حول الانتخابات
- ذكريات طفولة .1.
- الانتخابات: التشرينيّون و صراع الميليشيات .2.


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهند البراك - ذكريات الصبا..الملا مصطفى .3.