أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهند البراك - ذكريات الصبا..اول ايار 1959 .5.















المزيد.....


ذكريات الصبا..اول ايار 1959 .5.


مهند البراك

الحوار المتمدن-العدد: 7148 - 2022 / 1 / 29 - 17:39
المحور: الادب والفن
    


اول ايار 1959

في يوم خميس في ربيع ذلك العام، قالت ادارة المدرسة ان لا دوام في ذلك اليوم . . انه يوم حداد على ارواح الشهداء !! و لم يقل احد حداد على ارواح ايّ شهداء لأنهم كثيرون و انا على عادتي لابدّ ان اعرف . . فسألت معلمنا المرشد الاستاذ عبد القادر :
ـ استاذ اي شهداء منهم ؟؟
قال :
ـ هكذا جاء الأمر و لم يذكر ايّ شهداء !
الاّ ان زميلتي في الصف التي كنت ادرّسها الحساب بعد الدوام، فائزة ابنة العقيد عبد الكريم الجدّة آمر الإنضباط العسكري العام قالت لي، انها سمعت من والدها انه تم فجر ذلك اليوم تنفيذ حكم الإعدام بحق الضباط : رفعت الحاج سريّ و ناظم الطبقجلي و نافع داود و غيرهم ، بسبب محاولتهم القيام بانقلاب عسكري و اعمال فوضى راح ضحيتها العديد من الاهالي قتلى و جرحى، و قال : احتمال هذا اليوم سيكون عطلة في مدارس الأعظمية، و اذا هي عطلة ارجعوا للبيت بهدوء و بسرعة . . لأن اغلب الاحتمالات راح تصير اليوم مظاهرات و ضرب و مضروب و انتم ماعليكم الاّ العودة للبيت و بسرعة و بلا مناقشات . .
كان المعروف عن العقيد الجدّة كونه ضابطاً مهنياً لايتدخّل بالسياسة و كان من المؤيدين البارزين للزعيم عبد الكريم . . و كنت قد تفاجأت يوم زار مدرستنا مع مرافقين اصروّا على مرافقته و هو يهدئ بهم لأنها مدرسة كما قال، و طرق باب صفّنا مستأذناً من المعلم بالدخول و قال :
ـ استاذ ان لا تأذن لي بالدخول . . سأنتظر في الساحة.
تراكض استاذنا فاسحاً له المجال للدخول، بكلمات اهلاً و سهلاً و حاضر لأية خدمة . . دخل الصف لوحده، العقيد الركن بطلعته الرياضية و بملابسه العسكرية و نجوم رتبته و الخط الأحمر من كلية الأركان على كتفيه، و قال سائلاً عنيّ بالاسم :
ـ انا والد فائزة و اود تحية الأول على الصف و لي رجاء منه . .
و باشارة من المعلم وقفت و قلت :
ـ نعم عمو الاستاذ . .
ـ ابني . . مبروك عليك النجاح و التفوّق ، سألت عنك و عن والديك و فرحت بكونك من تلك العائلة الطيبة . . ابني رجائي اليك ان تساعد ابنتي فائزة بدرس الحساب، زورنا للبيت مرة او مرتين بالاسبوع و ساعد ابنتي على فهم المسائل الحسابية . . تستطيع ان تمر عصر اليوم بعد الدوام الى بيتنا صحبة فائزة على شرب شاي و كيك و نتفاهم . .
و بعد الرهبة التي اجتاحتني و انا اشاهد ذلك العملاق بملابسه الخاكية و نجومه، استعدت رباطة جأشي و قلت :
ـ نعم عموّ . . لكن فائزة اكبر مني و رسبت من العام الماضي . .
ـ نعم رسبت للاسف بسبب الحساب، و لذلك طلبت منك ان تساعدها في درس الحساب الذي لم تستطيع فهمه، و انا واثق انك تستطيع.
و اخبرت والديّ عن زيارة العقيد الجدّة للمدرسة و طلبه و كيف كان، قالت والدتي ان زوجة العقيد كانت زميلتها في دار المعلمات و انها انسانة طيبة، و شجّعني والدي على الذهاب و مساعدة ابنته فائزة على ان لا أتأخّر عندهم و ان ارجع للبيت قبل غروب الشمس و عبر طرق داخلية بعيدة عن العين، احسن للسلامة . .
ذهبت مع فائزة الى بيتهم الذي كان يقع في رأس الحواش في الجهة المقابلة لمعرض باتا الكبير هناك بعد تفليش قصر الهاشمي القديم و اعادة بناء مساحته الكبيرة . . في شارع فرعي كانت فيه (مديرية شرطة الأعظمية) و (الإسعاف الفوري) ، و كان في الشارع عدد من السيارات المسلحة و عدد اكبر من الجنود المسلحين . . عرفت بعدئذ ان العقيد الجدّة كان يخاف على ابنته من الإعتداء عليها و من الإختطاف من قبل انواع المجرمين و القتلة المأجورين، فكان عليّ مرافقتها كلّما امكن، عند الذهاب الى بيتهم بعد دوام المدرسة . .
و في ذلك الخميس و بعد خروجنا من المدرسة لأنهم اخبرونا ان لا دوام ذلك اليوم، اوصلت فائزة الى بيتهم و ذهبت الى بيتنا عبر طرق النصّة و النزيزة و وصلت الى مقهى محمد غائب . . شاهدت هناك تشييعاً مهيباً شارك فيه نساء و رجال، لجنازة ملفوفة بالعلم العراقي، وسط هتافات عالية و خاصة في مقدمتها . . من نساء تقدّمتهم ابنة اخت العقيد الطبقجلي ست نجلة و هي تحمل صورته و ست خولة كامل شبيب و كان الجميع يهتفون بردّة واحدة :
شيّعوه مات شهيداً . . مات من اجل الوطن
شيّعوه مات شهيداً . . مات من اجل الوطن
كان تشييع العقيد ناظم الطبقجلي، تشييعاً كبيراً من اعداد كبيرة من اهالي الأعظمية نساءً و رجالاً و كان يسير على ردّة واحدة كما مرّ، تسوده الرهبة و التحديّ . . الى ان دخلت اصوات نشاز عالية دعت الى تغيير الردّة الى :
شيّعوه مات شهيداً . . مات من اجل العرب !
و تداخلت الردّتان بشكل ازعج و آلم اهل الضابط الفقيد خاصة و احدث فوضى فيه . . فيما شاهدتُ (الشيخ عزوّز) بكوفيته البيضاء النجدية (المقدّسة) و بنظاراته السوداء وسط حمايته من الأشقيائية السرسرية المعروفين في المحلة و هو بمظهر اكثر من جاد، بعد ايّام من فضيحته مع شكرية التي صارت و كأن شيئاً لم يحصل، و هو يصيح :
ـ من اجل العرب . . ويلكم !! قولوا من اجل العرب !!
و حصل عراك و تدافع و بوكسات . . ادىّ الى اطلاق رصاصات لايُعرف من اطلقها و لا نحو من . . و جاء عدد كبير من رجال الشرطة لحماية المشيّعين وسط اختفاء عزوّز من التشييع . . و عادت ردّة (. . من اجل الوطن) المنظّمة للتشييع السائر نحو السوق المسقوف، الى مقبرة الخيزران.
. . . .
. . . .

مسيرة عيد العمال العالمي

قبل اكثر من اسبوع، من حلول الأول من أيّار في نفس عام 1959 أُعلن عن العزم على القيام بمسيرة عمّالية حاشدة في يوم العمّال العالمي . . و اخذت اوساط واسعة من الشباب و خاصة شباب العوائل الأكثر فقراً في العاصمة بغداد، تستعد لإحياء هذا اليوم التحرري، للرغبة بمعرفة ماهيّته و للاحتفال به مع شعوب العالم . . اضافة الى مشاعر غلب عليها تحديّ محاولة انقلاب الشوّاف و الأوساط القومية، اوساط الاقطاع، و كبار ضباط و موظفي اجهزة النظام الملكي، و لإظهار قوة الجماهير لكبريات الشركات النفطية و الدوائر العليا الغربية و دوائر الجمهورية العربية المتحدة بقيادة ناصر، لأجل ايقاف مؤامراتها و محاولاتها الإنقلابية على جمهورية 14 تموز . . المشاعر التي لم تكن بتأثير تحريض من الحزب الشيوعي و الأوساط اليسارية و الديمقراطية فقط، بقدر ماكانت مشاعر تحملها الاوساط الأكثر فقراً و أملاً بحكم الزعيم عبد الكريم . .
فانطلقت المسيرة في صباح الأول من ايار في الساعة العاشرة صباحاً تزامناً مع انطلاق مسيرات الاول من ايار الرسمية في الدول الاشتراكية وسط انواع المارشات و الاناشيد بمختلف اللغات التي كانت تنقلها الإذاعات العالمية و اقسامها العربية و خاصة اذاعة موسكو، و مسيرات و مظاهرات و اعتصامات الطبقة العاملة في دول العالم الرأسمالي و دول العالم الثالث المنقولة بتسجيلات صوتية عبر الإذاعات . . مكوّنة أملاً بالنصر . .
و قد انطلقت من الباب الشرقي و كان مخططاً لها ان تسير على طول شارع الرشيد، وصولاً الى وزارة الدفاع حيث مقر الزعيم عبد الكريم، لإبداء التحية الاولى له اثر انتصار الثورة . . و قد بدأ تلفزيون بغداد بنقل تلك المسيرة على الهواء.
و في البداية كان في مقدمة المسيرة عدد من قادة الإتحاد العام لنقابات العمال، منهم علي شكر وصادق جعفر الفلاحي و آخرين، و كان قد أُعدّ لها من قبل اوسع و اكبر الأحزاب شعبية في الشارع آنذاك : الحزب الشيوعي العراقي و الحزب الوطني الديمقراطي و البارتي . . و كان من الواضح ان انشطها في التعبئة و التنظيم كان الحزب الشيوعي، بمشاركة هائلة من الجماهير الكادحة المؤيدة لثورة 14 تموز و ما اعلنته في بيانها الأول . .
فكان المسؤول عن تنظيم و سير المسيرة المحامي محمد حسين ابو العيس عضو م . س للحزب الشيوعي العراقي و يرتبط به عدد من كوادر و نشطاء الحزب المكلّفين بضبط سير المسيرة و ضبط الالتزام بالشعارات المطروحة من قبل الحزب التي كانت محددة تحريرياً . . و بإشراف السكرتير العام للحزب سلام عادل الذي كان يجلس في مكتب احد الكوادر الحزبية للمحامين، الذي شغله مكتب الاتحاد العام لنقابات العمال، في الحيدرخانة . . و كان على صلة بما يجري في المسيرة و في مفاصلها الأساسية، و كُلّف ابو الهوب و رفاقه و جماعاته بحماية المسيرة في مناطق شكّلت منابع خطر عليها و على الأعداد الهائلة من المشاركين فيها . .
كانت تظاهرة و مهرجاناً و اول عرس شعبي كبير يحيي ثورة 14 تموز رجالاً و نساءً و بمختلف الازياء الوطنية لكل المكوّنات العراقية، تخللته انواع الدبكات الشعبية العربية و الكردية و الارمنية و الآثورية و انواع الجوبي في الشارع و على الشاحنات المزيّنة . . و رُفعت فيه انواع الشعارات المنددة بالمتآمرين على ثورة تموز و المطالبة بإنزال اقصى العقوبات بهم، و شعارات : يعيش الزعيم الأوحد عبد الكريم قاسم، السهر على تطبيق قوانين الاصلاح الزراعي، عاشت الأخوة العربية الكردية و المطالبة بتحقيق الحقوق القومية لشعب كردستان، المطالبة بسن قانون لحماية المرأة، الطبقة العاملة العراقية تحيي الزعيم الاوحد عبد الكريم قاسم . .
و المطالبة بـ : تأميم الشركات النفطية ، استثمار الغاز و المعادن، تصنيع البلاد و ادخال و تطوير المكننة في الزراعة، تطوير العمل النقابي و استحداث قوانين الضمان الاجتماعي و الصحي للعمال، اتحاد فدرالي صداقة سوفيتية، يعيش ابن الشعب البار عبد الكريم قاسم، عاش تضامن الجيش مع الشعب، تطوير التعليم . . وسط مكبّرات صوت لأغاني و دبكات و موسيقى فرح عراقية متنوعة، و اهازيج تدعو الى التضامن الاممي و الى السلم و الى وحدة الطبقة العاملة في العالم (في محاولة لنقل الشعارات كما رُفعت آنذاك ـ م ب).
ازدادت اعداد المشاركين بالمسيرة زيادة هائلة، حتى اجمع المراقبون الوطنيون و الأقليميون و الدوليون و تعليقات الاذاعات العالمية بمختلف اللغات، اجمعوا ان اعداد المشاركين ناهزت المليون او اكثر في وقت كان فيه تعداد الشعب العراقي وفق احصاء 1957 بحدود السبعة ملايين نسمة فقط، و جلب انتباههم المشاركة الواسعة للشباب و المشاركة النسائية الأوسع لأول مرة في تأريخ العراق في مسيرة هائلة تحدث لأول مرة في التاريخ السياسي للبلاد . .
و تواصلت المسيرة المنقولة على الهواء طوال ليلة الاول على الثاني من ايار . . واصلت مسيرها و حماسها للدفاع عن الجمهورية و عن الزعيم، و اعدت نقابات عمال المخازن و الافران انواع الخبز و الصمون و المعجنات و قامت بتوزيعها على المشاركين، فيما رمت شاحناتهم المزيّنة، رمت بخبزها المحمّص الذي كانت تتلاقفه الأيدي، و الذي خُبزَ و أُعدّ في تنانير مولعة محمولة عليها . . و وزعت نقابات عمال المطاعم انواع السندويشات السفري على المشاركين في المسيرة المستمرة نهاراً و ليلاً الى ماقارب الاربع و عشرين ساعة . .
و قد لاحظ مشاهدو التلفزيون انقطاع الصوت عن النقل الحيّ المستمر و عودته لاحقاً . . لمرات و مرّات، تصوّر البعض انها انقطاعات فنية بالصدفة . . الاّ ان الواقع الجاري كان غير ذلك، فقد انطلقت حناجر كثيرة بشعارات لم تنقطع بل و تصاعدت، شعارات لم تدرج على الشعارات المقرّة للمسيرة، مطالبة باشكال متنوعة بالسلطة للحزب الشيوعي . .
و قد ابتدأت بـ " عاش الزعيمي عبد الكريمي . . حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمي " ، ثم تكررت و تصاعدت على شكل " حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمي" فقط . . و اشكال متعددة اخرى، رغم طغيان الشعار الأول " عاش الزعيمي . . حزب الشيوعي بالحكم . . " على غيره. الأمر الذي تسبب بارتباك بين ضباط الزعيم المرافقين له في مقصورة التحية، بملاحظتهم عدم رضاه الواضح من هذا الشعار و من الحماس الشعبي الكبير المنادي به . . الأمر الذي سيأتي بنتائج لا يمكن القول الاّ بأنها ازّمت الاوضاع اكثر ان صحّ القول، اضافة الى ان ذلك الشعار في الواقع لم يكن مُتبنىّ من الحزب الشيوعي ذاته، بغض النظر عن صحته او عدمها.
. . . .
. . . .
و بينما كان ذلك المهرجان المليوني يسير بهتافاته الحماسيّة المثيرة للافراح و التفاؤل بمستقبل افضل لكادحي و فقراء العراق، و التي كانت تصمّ الإذان و هو يتقدّم . . ساد مقاهي الاعظمية الوجوم و الترقب و التوعّد . . حتى بلغ ذروته مع غروب شمس يوم الاول من ايار . .
حيث هاجمت مجموعة من الشقاوات المحسوبين على القوميين و البعثيين المتعصبين (طوق السلام) و من كان يسهر على صيانته، الطوق الذي كان يغطيّ الشارع من جهتيه و الذي بناه عمّال اعضاء في اتحاد الشبيبة الديمقراطي، و كان مزيّناً بصور متنوعة لحمامات السلام ليغطيّ مقدمة جسر الأئمة، كمشاركة منهم في الاحتفال بالاول من ايار . .
و حصلت مشاجرات و ضرب بوكسات و طعنٍ بالخناجر راح فيها عدد من القتلى و الجرحى، بينما حاولت مجموعة اخرى مسلحة بالخناجر و الهراوات عبور الجسر الى جهة الكاظمية لتقطع الجسر نهائياً، فاصطدمت وسط الجسر بمجموعة مسلّحة مشابهة من اليساريين و الديمقراطيين قادمة من الكاظمية كانت تحاول اسعاف الساهرين على طوق السلام، بعد سماع انباء الإعتداء . . و سقط عدد آخر من القتلى و الجرحى من الطرفين.
و في نفس الوقت تقدّمت مظاهرة كبيرة مسلحة بالخناجر و الهراوات و هي تحمل شعارات اتحاد الشبيبة الديمقراطي في الاول من ايار . . تقدمت من جهة كمب الصليخ اليساري عبر شارع عشرين و السدّة الترابية، لإسعاف جرحى ذلك الطوق و لتفكّ القطع عن جسر الأئمة و اصطدمت بعدد من المعتدين الذين تفاجأوا بها . . و هرب امامها اولئك الشقاوات، و قيل ان عدداً منهم اختفى في معاونية شرطة الأعظمية ذاتها . . و استمر التوتر حتى جاء عدد من رجال الانضباط العسكري و سيطروا و فرضوا الهدوء باسلحتهم، بعد ان لم تبدي الشرطة ايّ ردّ فعلٍ على ما كان يجري بل و نسيت واجباتها تجاه القتلى و الجرحى و التحقيقات الأصولية ؟؟
و في ذلك الجو المتوتر، صار بيتنا و كأنه احد مراكز لقاء اليساريين و الديمقراطيين و الشيوعيين في الاعظمية . . بحضور متغيّر و متتالي لـ : عدنان البراك، اخيه يعرب، د. عبد الصمد نعمان الاعظمي، اخيه عبد الحكيم، والدي، د. عبد الأمير السكافي النجفي، المحامي الكظماوي كاظم الطائي، برهوم، المقدم سعدون، المحامي كرامة الريّس، ناهدة بنت شيخ رشيد، بثينة البستاني و آخرين و أخريات . . و دارت احاديث هامة سلّطت الضوء على ماكان يجري :
قال يعرب البراك و كان احد مساعدي السكرتير العام سلام عادل :
ـ كنت احد المكلّفين الحزبيين بضبط المسيرة و اخبرت حينها الرفيق سلام عادل بذلك الشعار . . الشعار لم يكن على لائحة الشعارات الرسمية للحزب في المسيرة. الشعار نادى بـ ( حياة الزعيم و بإشراك الحزب الشيوعي بالحكومة ) سويّة بشعار واحد . . و بتقديري ان المطالبة بإشراك الحزب منطقية لأنه الحزب الوطني الوحيد الذي جرى استبعاده و عدم اشراكه بالحكومة، رغم كِبَرْ نضالاته المشهودة ضد الحكم التعسفي السعيدي و رغم التضحيات الهائلة لرفيقاته و رفاقه و رغم اعدام قادته و القتل المتواصل لناشطيه و الحكم بأحكام طويلة و قاسية على نشطائه السلميين المطالبين بالخبز و الحرية و بنوع من العدالة الاجتماعية . . فالشعار لم يطالب باسقاط الزعيم و استلام الحزب الشيوعي للحكم على ركام كرسيه . .
المحامي الطائي : بتقديري . . انا لا افهم لماذا غضب الزعيم من ذلك الشعار، هل اعتقَدَ ان الشيوعيين سيطيحون به و كيف ؟؟ لم يرفع الشيوعيون اي شعار معادي للزعيم ، بل انهم يدافعون عن الثورة و بالتالي عنه بإعتباره زعيم الثورة.
عدنان البراك : فعلاً . . موقف الحزب و نشاطه كلّه منصب على الدفاع عن الجمهورية و عن زعيمها، و الانقلاب او الثورة عليه لاتتم برفع شعار . . و انما بسياسة و اجراءات تنظيمية على ضوء دراسة
ماهية الخصم، الزعيم الان ليس خصمنا في نهجنا السياسي اليومي و نهج جريدتنا "اتحاد الشعب" التي تطرح مطالب اساسية لتثبيت كيان الجمهورية . . و القيام بثورة جديدة يتطلب القيام باجراءات لابدّ لها ان تأخذ بنظر الاعتبار موقف الجماهير منه، الجماهير شبه تعبده و تنتظر كرَمَه عليها بتصورها، هذا هو الوعي السائد لحد الآن . . حتى عبّر قسم من الجماهير بأنه رأى صورته على القمر ؟؟ ، و زاوَجَ قسم آخر بينه و بين الحزب الشيوعي و كأنه احد ضباط الحزب و انه يحمل الاسم الحزبي "مطر" كضابط عائد للحزب و تحت قراراته . .
د. السكافي : احد اصدقائي ضابط و هو احد مسؤولي التنظيم العسكري للحزب يقول . . ان الغالبية من رفاقنا الضباط يحبوّن الزعيم و لا يمكن تعبئتهم للثورة عليه مهما كانت الاسباب، و الثورة لم تُكمل عامها الأول بعد . . بل ان اي طرح حول قضية السلطة سيصل بالتأكيد الى مكتب الزعيم، لأن الحزب مؤيد للزعيم في كل نشرياته و مواقفه، و بالتالي ينطبق على اسلوب كسبه للمنتمين الجدد . .
د. عبد الصمد : وصلني خبر افاد بأن عدد من الرفاق الضباط طرحوا رأيهم في اجتماع حزبي حول ضرورة تحرّك الحزب لإستلام السلطة لحماية الزعيم نفسه و من اجل المزيد من الإجراءات الديمقراطية و تعميقها لصالح الشعب و طبقاته الفقيرة . . و تفاجأوا بأنهم أُحيلوا على التقاعد بعد ايام. الا يعني ذلك ان مايجري في الإجتماعات الحزبية للمنظمة العسكرية يصل الى مكتب الزعيم ؟؟
سعدون : اؤيد كلام الدكتورين . . عدد كبير من الضباط الشيوعيين يحبوّن الزعيم و لا يقبلون بالمساس به، و فعلاً لاحظت في الشهرين الأخيرين احالة عدد كبير من الضباط اليساريين على التقاعد علماً انه لولاهم لأنتصر الشواف بإنقلابه على الزعيم . . و بدلاً من ان يهتم بهم لأمانتهم له استمر على سياسة (عفى الله على ما سلف) و حافظ على اعداد كبيرة من الضباط القوميين و البعثيين الذين لايحبوه . . هل هي محاولة منه لإحتوائهم او تقليل خطرهم عليه ؟؟ او انه يتخذ سياسة جديدة تعيش على ايجاد توازن بين الطرفين ليتيح لنفسه الحكم ؟؟
و قال يعرب عن الشعار و كيف رفع، التالي :
ـ بإعتقادي بدأ الخطأ عندما مرّت المسيرة بالسنك، و تقدّم عدد من اعضاء المكتب السياسي للحزب كانوا في بناية حسوّ اخوان ليكونوا في مقدمتها، فانسحب القادة النقابيون بلا نقاش من المقدمة، لإعتقادهم ان الحزب قرر ان يقود المظاهرة بدل اعضاء قيادة الاتحاد العام لنقابات العمّال . . (مايعكس ماهية الوعي السياسي و الحزبي في الحزب و النقابات آنذاك ـ م ب).
نقلت ذلك الخبر للرفيق محمد حسين ابو العيس المنظّم الرئيسي و المسؤول عن المسيرة، و نقل ذلك عدد آخر من المكلفين بضبط المسيرة منهم طالب عبد الجبار، آرا خاجادور . . و ذهبنا للرفيق السكرتير سلام عادل في مكتب المحامي اليساري في الحيدرخانة، فاجتمع بنا و ناقشنا الموضوع و كنا : الرفيق السكرتير سلام عادل، القيادي محمد حسين ابو العيس عضو م . س للحزب، عضو ل. م طالب عبد الجبار، و نحن الكوادر المتواجدين : ابو شلال، آرا خاجادور، ابو الهوب، و انا و آخرين لا اعرفهم . . و توصلنا الى ان الشعار ليس رسمياً و انه قد جاء بسبب الحماس الكبير لتحديّ و للردّ على القوميين و البعثيين بسبب اساليبهم في محاولة الشواف الإنقلابية و كمحاولة لإيقافهم عند حدهم . . و ان العدد الهائل للجماهير التي انضمّت الى الحزب الشيوعي و لاتزال، هي اكبر من قدرة الحزب على استيعابها، و قد تسببت بعديد من السلوكيات التي لم تكن منظّمة او مُقَرّة من قبل قياداته، و بعبارة اخرى هيمن وعي الجماهير الجاري على الوعي داخل الحزب . .
و من الضروري عدم نسيان ان الحزب يعيش اول خروج له من نشاطه السريّ القاسي امام الضغوط البوليسية و الدموية لسلطات العهد الملكي الى العلن، اي انه تحوّل بشهور من منظمات صغيرة مبنية على القواعد الصارمة للسرية و المركزية، الى حزب علني مطلوب منه قيادة غالبية الشعب . . و توصّلنا الى انه لايمكن اسكات هذا العدد الهائل المُطالبْ الزعيم باشراك الحزب بالحكم، و انها انطلاقة جماهيرية . .
و قال احد الرفاق بأننا في حالة تشبه موقف ماركس و هو يشاهد انطلاقة " كومونة باريس " التي لم يتوقع لها ان تنجح، و لكنه اعتبر انه من العار الوقوف ضدها او بوجهها و هي تفضح و تتحدى الظالمين علناً للبدء بالعمل على دقّ اول مسمار في نعش الطغاة . . بجماهير يشقّ حماسها عنان السماء و التي لابدّ ان تجد الطريق للإنتصار !
و قال والدي :
ـ احتمال كبير ان يعتبر الزعيم هذه المسيرة المليونية للحزب و بالتالي الشعار المذكور، هو تحديّ له نفسه . . في الوقت الذي ينشط فيه الحزب الشيوعي في تأييد عبد الكريم قاسم من طرف واحد اي من جهته لوحده، و يتعامل مع الزعيم كما اراده الحزب او تخيّله ان يكون، و ليس كما هو الزعيم الكائن في الواقع و كيف يفكّر و يقرر، كزعيم ساعي للحفاظ على زعامته و تكريسها له لوحده . .
و رغم هذه الصورة المعقّدة لذلك الواقع، اجمع مؤرخون و متخصصون محايدون، بأن تلك المسيرة المليونية التي حدثت لأول مرّة في تأريخ العراق و ابرزت موقع الحزب الشيوعي العراقي بين الجماهير العراقية التي طالبت من الشارع بإشراك الحزب الشيوعي بالحكم . . قد ارعبت الدوائر الغربية العليا و شركات النفط و احتكاراتها، و خافت على مصالحها في العراق و في المنطقة . . فقررت ان يكون هدفها هو الحزب الشيوعي العراقي، و ان تجنّد كل طاقاتها و امكاناتها و بأنواع الطرق، لضربه و تحطيمه بكل الوسائل . . سواء كانت مباشرة او غير مباشرة، او عبر وسطاء او قوى اقليمية او قوى دولية . . حتى صار الحزب الشيوعي العراقي هو هدف الشركات النفطية و الدوائر الغربية العليا !!
(يتبع)

29 /1 / 2022 ، مهند البراك



#مهند_البراك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكريات الصبا.. ابو الهوب .4.
- ذكريات الصبا..الملا مصطفى .3.
- ذكريات الصبا الخال مزهر.2.
- ذكريات الصبا..14 تموز .1.
- ذكريات طفولة..مظاهرات قلبت موازين .16.
- ذكريات طفولة.. قصر الرحاب 15
- ذكريات طفولة..اخافة الوصي .14.
- مذكرات طفولة.. العراق المنصدك .13.
- ذكريات طفولة..السجن ليس لنا .12.
- ذكريات طفولة. . مفاجئات .11.
- ذكريات طفولة. . من هو .10.
- ذكريات طفولة. . زمن الملاريا .9.
- ذكريات طفولة.. ذات صيف .8.
- ذكريات طفولة..تحطم طائرة .7.
- ذكريات طفولة سعدون .6.
- ذكريات طفولة .5.
- ذكريات طفولة .4.
- ذكريات طفولة .3.
- ذكريات طفولة .2.
- عن بيان سماحة المرجع الاعلى حول الانتخابات


المزيد.....




- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهند البراك - ذكريات الصبا..اول ايار 1959 .5.