أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عاطف الدرابسة - قراءة نقدية في المجموعة القصصية (حبوب زرقاء) للكاتب الأردني (نصر أيوب)















المزيد.....

قراءة نقدية في المجموعة القصصية (حبوب زرقاء) للكاتب الأردني (نصر أيوب)


عاطف الدرابسة

الحوار المتمدن-العدد: 7084 - 2021 / 11 / 22 - 17:54
المحور: الادب والفن
    


المجموعةُ القصصيةُ الموسومةُ ب (حبوب زرقاء) ، تحتوي على ثمانِ عشرةَ قصةً ، يخضعُ بناؤها لسلطةِ الواقعِ ، وتحديداً للنَّسقِ الاجتماعي الذي ينتمي إليه الكاتبُ ، وهو منبعُ وعيهِ ، وهو الذي يدفعُهُ نحو إنتاجِ رؤيته ، تلك الرؤيةُ التي تُشكِّلُ عالماً موازياً لهذا الواقعِ ، وهذه القصصُ على اختلافِها تُجسِّدُ نماذجَ سرديَّةً توازي البِنى الحقيقيةَ للمجتمعِ الأردني ، والريفي تحديداً .

ولعلَّ الأمرَ اللافتَ للانتباهِ أنَّ الكاتبَ هو جزءٌ حقيقيٌّ من قصصه ، ويكادُ يحتجبُ خلفَ شخصياتِه ، ليكشفَ عن أوجهِ الخللِ النَّاجمِ عن الأنساقِ الاجتماعيةِ السائدةِ ؛ ويُقدِّمُ لغةً تُحاكي تلك الأنساقَ ، وتكشفُ لغتُه خصوصاً في قصته (حبوب زرقاء) ، عن أنَّ البِنى اللغويةَ هي انعكاسٌ لبِنى المجتمعِ ، وقيمِه السائدةِ .

وتكشفُ قصةُ (حبوب زرقاء) عن نسقٍ يحجبُ خلفَه مفهومَ السُّلطةِ ، الذي تمثَّلَ بشخصيةِ المختارِ العجوز (شدَّاد الطالب أبو برجس) ، كما تعكسُ شخصيةُ (الحاج راشد أبو تيسير) مفهومَ الطبقةِ المطحونةِ ، فبين هذينِ المفهومينِ يطرحُ الكاتبُ إشكاليَّةَ النِّظامِ الاجتماعي ، وفقَ مفهومِ المعاييرِ التقليديةِ ، إذ تخضعُ الطبقةُ المطحونةُ لشروطِ السُّلطةِ الدَّاخليةِ في المجتمعِ ، فتكونُ (نرجس) الطَّالبةُ العشرينيةُ ضحيةَ هذا النَّسقِ غير المتوازنِ ، فتُزفُّ عروساً لرجلٍ ثمانيني ، لجأَ إلى الحبوبِ الزَّرقاءِ ليُثبتَ قوتَهُ وجبروتَه ، فتقهرهُ تلك الحبوبُ ، وتُسلِّمه للموتِ ، لتُعيدَ التَّوازنَ لهذا النَّسقِ السُّلطوي .

فالحبوبُ الزَّرقاءُ هنا أخذت بُعداً رمزياً ، غير ذلك البُعدِ الرَّاسخِ في وعينا الاجتماعي ، فبدلاً من أن تُساعدَ (شدَّاد الطالب) على التسلُّطِ ، ثارت عليه ، وأردَتْهُ قتيلاً .

إنَّ العالمَ الموازي للواقعِ الذي أنتجه الكاتبُ في قصةِ (حبوب زرقاء) ، يعكسُ رؤيتَه الذَّاتيةَ إزاءَ مجتمعه ، فظهرتْ شخصيةُ (تيسير) ، رمزاً حقيقياً للشَّبابِ الذي يجدُ في الهجرةِ حلاً لمشكلته ، بعد أن عجزَ الوطنُ عن حمايتِه ، وهنا يمكنُ للمُتلقِّي أن يلتقطَ إشاراتٍ مرجعيَّةً ، تُحيلكَ إلى واقعٍ اجتماعي مأزومٍ ، بل ربَّما تُحيلكَ إلى وطنٍ مأزومٍ ، لا يجدُ حلَّاً لمشكلاتهِ الاقتصاديةِ ، أو السِّياسيةِ .

وعلى الرَّغمِ من أنَّ الكاتبَ يلتقطُ صوراً واقعيَّةً مباشرةً ، تختبئُ خلفها ثيمةُ الواقعِ المَعيشِ ، إلَّا أنَّه يُمارسُ عليها إسقاطاتٍ رمزيةً ، كما في قصته (دروس خصوصية) ، فظاهرُ القصةِ معلِّمٌ وطالبةٌ ، غير أنَّها تنفذُ إلى واقعِنا التعليمي الهشِّ ، فيتخذُ موقفاً من واقعِ التعليمِ ، وواقعِ المعلِّمِ ، الذي يُدفعُ إلى الهجرةِ ، وحين يعودُ يجدُ طالبتَه قد تزوَّجت من معلِّمٍ آخرَ ، أخذت عنده دروساً خصوصيةً .

إنَّ واقعيةَ (نصر أيوب) هنا ، تُقيمُ صلةً خفيَّةً بين واقعينِ : الأولُ مَعيشٌ ، والآخرُ مؤولٌ ، يأخذكَ نحو بعدٍ آخرَ ، تتجلَّى فيه نظرةُ الكاتبِ البعيدة لمجتمعه ، ويمكنُ أن نلمحَ ذلك من خلالِ قصته (مخدرات وحشيش) ، تلك القصةُ التي يظهرُ فيها الكاتبُ نفسُه بطلاً ، ولن أُمارسَ هنا اللعبَ على عتبةِ العنوانِ ، بين مخدراتٍ وحشيشٍ ، وبين مخدَّاتٍ وريشٍ ، فهذه القصَّةُ التي تبدو واقعيَّةً ، وحقيقيةً ، تأخذكَ نحو توجُّهٍ آخرَ ، إذ يسخرُ الكاتبُ من واقعنا الثقافي ، ومن نظرتنا إلى الكتابِ ، فالمعرفةُ التي تحملها أهمُّ الكتبِ تُباعُ بالوزنِ (بالكيلو) ، وثمنُ الكيلو ثلثُ قرشٍ ، يعني الرَّطلُ بقرشٍ ، كما يظهرُ من قوله :

(الجديرُ بالذكرِ أننا كنَّا نشتري هذه المجلاتِ وزناً بالكيلوغرامِ ، قرشٌ واحدٌ لكلِّ ثلاث كيلوغرام ، وكثيراً ما كنتُ أشعرُ بالغبطةِ والفرحِ ، عندما يرمي البائعُ كتاباً أو كتابين ، من قصصِ (أرسين لوبين) ، أو (شارلوك هولمز) ، زيادة على الوزنِ ، أو مجاناً) .

إنَّ القارئَ هنا يجب أن يُعيدَ توجهه في قراءةِ قصصِ نصر أيوب ؛ فيفصلُ بين بنيةِ العملِ الأدبي الظاهرةِ ، وما يُضمرهُ هذا العملُ من نقدٍ قاسٍ للسِّياقينِ : الثقافي والاجتماعي ، وأن لا يخضعَ للمعاييرِ الكلاسيكيةِ في التأويلِ ، فوراءُ كلِّ بِنيةٍ ظاهرةٍ بنيةٌ مُحتَجَبةٌ ، وهنا على الناقدِ أن يسعى إلى قراءةِ النَّصِ وفقَ تقنيةِ الحفرِ ، ليكشفَ عن البِنيةِ الحقيقيةِ للفهمِ ، والقارىءُ الحقيقيُّ ينبغي أن يكونَ قادراً على كشفِ التناقضاتِ الظاهريةِ في هذه القصصِ .

وعلى العمومِ ، فإنَّ هذه المجموعةَ القصصيةَ تنطوي على مجموعةٍ من الأنساقِ : النَّسقِ الاجتماعي ، النَّسقِ السياسي ، النَّسقِ الوجودي ، النَّسقِ السيسيوثقافي ، النَّسقِ الاقتصادي ، والنَّسقِ الديني ، وتكادُ تكونُ قصتُه (فرنسية من داعش) ، من أعمقِ القصصِ التي يُصوِّرُ فيها الكاتبُ واقعَنَا بطريقةِ المفارقةِ ، فديغول يقفُ مُصفِّقاً لأمِّ كلثوم وهي تُغنِّي الأطلال ، حين وصلت إلى مقطعِ (أعطني حريَّتي ، أطلق يديَّ) ، وحين تأتي فرنسيةٌ لتُغنِّي عن الحريةِ أمامَ كبارِ القومِ ، يحدثُ التشويشُ ، وكأنَّ الكاتبَ يُمارسُ اللعبَ على مفهومِ داعش ، فالداعشيةُ عنده تتحوَّلُ إلى رمزٍ متحرِّكٍ مفتوحٍ ، لا ترتبطُ بالأُصوليةِ أو بالدِّينِ ، وكأنَّها الشيءُ ونقيضه ، وكأنَّ الكاتبَ يجنحُ نحو الفعلِ وردِّ الفعلِ ، فكلُّ مَن يُطالبُ بالحريَّةِ والتحرُّرِ هو داعشي ، حتى لو كان لادينيَّاً .

إنَّ واقعيةَ نصر أيوب في قصصهِ تستحقُّ التَّأملَ ، فهي واقعيَّةٌ لا تستقلُّ عن المجتمعِ ، وإنَّما يترتَّبُ عليها ردودُ أفعالٍ ، تلك الرُّدودُ هي التي تُحوِّلُ هذه القصصُ إلى شيءٍ تدركُه الحواسُّ ، وإنَّ عمليَّاتِ فهمها لا تتوقَّفُ على البِنى الفنيةِ ، أو البنى الجماليةِ وحسب ، وإنَّما على أهدافِها ، ورؤاها ، وعلى قدرتِها على التواصلِ مع القارىءِ ، فلغةُ السَّردِ هنا تُغري القارئَ بالمشاركةِ في بناءِ المعنى ، وفهمه ، كما أنَّها تجعلُ القارئَ جزءاً من التجربةِ ، فأيُّ فعلٍ لغويٍّ لا يُحدِثُ ردَّةَ فعلٍ ، أو يبني صورةً في ذهنِ القارئِ ، أو يُحفِّزُ القارئَ لاكتشافِ الأنساقِ المُضمَرَةِ ، يُفقِدُ كثيراً من قدرتِه الرَّمزيةِ ، أو من حمولتِه الدِّلاليَّةِ ، وكلُّ فعلٍ لغويٍّ له جانبانِ : موضوعي وبنيوي .

إنَّ التعالقَ بين هذين الجانبينِ هو الذي يُبرزُ رؤيةَ نصر أيوب الكاملةَ ، للواقعِ وما وراء هذا الواقعِ ، الذي يكشفُ عن عواملَ متصارعةٍ ، أو متناقضةٍ ، تعكسُ موقفَه من الذاتِ ، ومن المجتمعِ ، وهنا تبدو شخصياتِه رؤيويَّةً ، كما ظهرت شخصيةُ المختارِ ، وشخصيةُ أبو راشد ، وشخصيةُ (أبو بادي) وهو الكاتب نفسه ، وهنا يمكنُ للناقدِ أن يتحدَّثَ عن راوٍ لا يستخدمُ ضميرَ الأنا أو ضميرَ الغائبِ ، وإنَّما عن راوٍ مُشارِكٍ في الحَدثِ ، وفي بناءِ الحدثِ .

وهنا لا بدَّ أن أشيرَ في النهايةِ إلى أنَّ نصر أيوب يذهبُ بعيداً في واقعيته ، حينما يُقدِّمُ نفسَه الراوي البطل ، أو الراوي المُشارك في التجربةِ القصصيةِ ، وفي بناءِ الحدثِ ..



#عاطف_الدرابسة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأنا والغيب
- زهرةٌ .. وكأس ..
- ماتَ بعد أن علَّمَها الطَّيران ..
- رؤى مجنونةٌ ..
- حين أحلُُّ فيكِ
- تحدَّث إليٌَ بلغة لا تشبه لغتَهم
- من الرماد .. ينبعث
- لا أنصحكُم بقراءةِ أفكاري ..
- المسافةُ بين عقلي وقلبي
- أنا الذي قتلَ الشَّيطان ..
- شيطانُ الخيالِ ..
- زهرةُ روحي
- اجلسي أمامي
- كأنَّكِ السؤال
- رسالةٌ من شابٍّ تخرّجَ حديثاً إلى والده :
- الولادة الثالثة
- رسالةٌ إلى جلالةِ الملكِ عبداللهِ الثَّاني ، من مُعلِّمٍ جاء ...
- شمعة واحدة لا تكفي !
- أنتِ .. والبلد !
- العمر المجنون


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عاطف الدرابسة - قراءة نقدية في المجموعة القصصية (حبوب زرقاء) للكاتب الأردني (نصر أيوب)