عاطف الدرابسة
الحوار المتمدن-العدد: 6709 - 2020 / 10 / 20 - 22:33
المحور:
الادب والفن
قلت لها :
حين أحِلُّ فيكِ ، أكتشفُ عالماً لا يعرِفه أحدٌ من قبلُ ، وأمتلئُ حيناً بالحبِّ ، وأمتلئُ حيناً آخرَ بالشكِّ ، والوجعِ .
في هذا العالمِ أسرارٌ كتبها الدَّمعُ ، وأسرارٌ كتبها الحبُّ ، وأشياءُ لا أعرفُها ، غيرَ أنَّها تجذبُني ، أو تغويني ، فتدورُ في عقلي أفكارٌ كانت ذات يومٍ مقموعةً ، مهزومةً ، يجلِدُها الآخرونَ بسِياطِ غبائهم ، وتأتيني معانٍ عميقةٌ ، كأنَّها بئرٌ في السَّماء .
حين أحِلُّ في جسدكِ ، ونكونُ واحداً ، أُحسُّ بدفءٍ يشبهُ الزَّمنَ القديمَ ، وأشعرُ بارتجافةِ هذا الحلولِ ، فأرى حدائِقَ ذَبُلت أزهارُها ، ويبِسَت أعشابُها ، وأرى بعضَ الأوراقِ اليابسةِ ، وأرى بعضَ الأوراقِ قبل سقوطِها ، تستجدي الماءَ لتحيا ، وأنا أعلمُ يا سيدةَ الحياةِ ، أنَّ الأغصانَ التي انفصلت عن أُمِّها ، وجفَّت ، لن تعودَ إلى الحياةِ يوماً ، مهما شرِبَت من الماء .
حين أحِلُّ في جسدِكِ ، أستعيدُ جنوني ، وابتسامةَ الفرحِ في عيوني ، تحتلُّني مشاعرُكِ ، وأحاسيسُكِ ، وتُعيدُ تفعيلَ خيالي ، وتتعاقبُ في عقلي فصولُ المعاني ، ويتفقُ اللَّيلُ والنَّهارُ ، وأتخيَّلُ شفتيَّ ترتشفُ الكلماتِ من شفتيكِ .
حين أحِلُّ في دمِكِ ، أموجُ كبحرٍ يُقاومُ عاصفةَ منتصفِ الشِّتاءِ ، فيأخذني حنينُ العناقِ إليكِ ، وأشعرُ بشوقِ الشَّواطِئِ إلى عناقِ البحرِ ، ويندفعُ الوحشُ الذي تروَّضَ في داخلي ، كأنَّه خطٌّ شاحبُ اللَّونِ ، في لوحِ طينٍ ، فأزرعُ أنيابَ الرَّغبةِ في كلِّ خليَّةٍ ، من خلايا جسدِكِ ، المُسترخي في ليلي ، كنصٍ صوفيٍّ غامضٍ ، مُثقَلٍ بالرُّموز .
حين أحِلُّ فيكِ ، وأُقيمُ بين الحواسِّ ، أحذفُ من اللاوعي كثيراً من أحلامي ، وأحلامِ النَّاسِ ، وأثورُ على خوفي ، وخوفِ النَّاسِ ، على جُبني ، وجبنِ النَّاسِ ، وأنفُضُ عن ذاتي غبارَ الضَّعفِ ، وغبارَ المكانِ .
حين أحِلُّ فيكِ ، أكتشفُ كلَّ الخبايا ، وأعرفُ كلَّ الأشياءِ ، وأقتلُ في رحمِ أفكاري كلَّ نُطَفِ الشَّيطانِ ، وأزرعُ في خلايا رحمِكِ المُقدَّسِ ، نطفَ الحياةِ ، لتُنجِبي بعد عامٍ أجملَ ابتسامةٍ ، تُصلِّي في وجهِ الفقيرِ ، وتُنجِبي ألفَ أملٍ ، يسري في العروقِ النَّاشفةِ ، والأغصانِ اليابسةِ ، لتتفتَّحَ أبوابُ السَّماءِ ، وتتساقطُ قطراتُ النَّدى ، كدموعِ الفرحِ ، فوقَ رؤوسِ الأزهارِ الذَّابلةِ .
د.عاطف الدرابسة
#عاطف_الدرابسة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟