عاطف الدرابسة
الحوار المتمدن-العدد: 7064 - 2021 / 11 / 1 - 17:59
المحور:
الادب والفن
بين الأنا والغيب ..
قلتُ له :
هل للغيبِ سقفٌ ؟ هل للغيبِ رَحِمٌ ؟ هل الغيبُ عقيمٌ أم أنَّه مُتخَمٌ بالأسرارِ ، والخرافاتِ ؟ ربَّما من الجنونِ أن تُطاردَ هذا الغيبَ ، أو أن تُحاولَ الإبحارَ به .
على امتدادِ هذا الغيبِ يضيقُ هذا الحاضرُ ، كلَّما حاولتُ أن أسبُرَ حيطانَه ، تخرجُ إليَّ من غياهبِ العتمةِ أفاعٍ ، ترقصُ على إيقاعٍ ناشزٍ ، تجعلنِي أشعرُ كم هو هذا العالمُ ضريرٌ .
كلَّما هبَّتْ عليَّ رياحُ الغيبِ ، تحرَّكتْ أجنحةُ خيالي ، وازدحمتْ في خاطري الأسئلةُ ، والصُّورُ ، وصارتْ أفكاري تلِدُ الأساطيرَ ، كلُّ أُسطورةٍ تصعدُ بي نحو منافي السَّماءِ ، أسألُ عن إلهٍ غائبٍ ، وعن شعبٍ مقموعٍ ، تنهشُهُ وحوشُ الظَّلامِ ، تسرقُ من حنجرتِه أبجديَّةَ الحياةِ ، تُغطِّي عُريهُ بأوراقِ الخوفِ الأبديِّ ، وتغُلُّ لسانَه بسلاسلِ الإرهابِ ، تُغلِقُ في وجهِ رؤاهُ ، وأفكارِه كلَّ النَّوافذِ ، عيناهُ يغشوها ضبابٌ من فوقهِ ضبابٌ ، من فوقِه ضبابٌ ، قدماهُ عُكَّازانِ يأوي إليهما السُّوسُ من جوعٍ ، كلَّما أرادَ أن يخطوَ خطوةً واحدةً نحو الأمانِ ، ترنَّحَ العُكَّازانِ وصارا أشبهُ بذرَّاتِ الغبارِ ، تحملُها الرِّيحُ نحو تيهٍ من ورائه تيهٌ .
مَن قالَ لكَ أن تُحدِّقَ في الغيبِ ؟ فالغيبُ مرايا ، والمرايا يا صاحبي لا تنفعُ الضَّريرَ .
أمضيتَ العمرَ تحملُ مِنجلاً في مواسمِ الجفافِ ، تنتظرُ الحصادَ ، وأنتَ تعلمُ أنَّ السَّنابلَ ما عادتْ تُقيمُ في الحقول .
ألم أقُلْ لكَ إنَّكَ ستبقى تشربُ الظَّمأَ ، ألم أقُلْ لكَ إنَّكَ من سلالةِ العُري ، يا صاحبي : مَن لم يمتلِك الإبرةَ لا يمكنَه أن يخِيطَ ثوباً يكسو عُريَ التِّيهِ ، وعُريَ الجوعِ .
استيقظْ ، انهضْ ولملمْ الجرحَ من بقايا الرَّمادِ ، انهضْ واحملْ أنفاسَكَ ، فالنَّارُ لا تشتعلُ بلا هواءٍ ، انهضْ من بينِ أزيزِ الجمرِ ، فلولا احتراقُ الحطبِ ما وُلِدتْ ثورةٌ ، ولا كانَ الرَّغيف .
هامش :
إيَّاكَ أن يخدعكَ المجازُ ، فما الغيبُ يا صاحبي إلَّا مجاز .
د.عاطف الدرابسة
#عاطف_الدرابسة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟