أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نعيم إيليا - مشكلة النسبية















المزيد.....

مشكلة النسبية


نعيم إيليا

الحوار المتمدن-العدد: 6996 - 2021 / 8 / 22 - 19:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لكل شيء، سواء أكان الشيء ذاتاً أم معنى جامداً أم حياً، سببٌ لوجوده أو لنقض وجوده، حتى الله فإن لوجوده سبباً هو الأزلية، ولموته سبباً هو إلحاد الناس فيه، وحتى الوجود فإن لوجوده سبباً أيضاً هو وجوده الدائم المنزَّه عن العدم. فإذا كان كل شيء كذلك – وليس من الحكمة في هذا السياق أن يُعتَدَّ بآراء دافيد هيوم وحججه في إبطال الجوهر والعلة والسبب - فلابد أيضاً أن يكون لانحسار المدِّ الشيوعي المتمثل في اللينينية سبب؟
فما هو هذا السبب؟
يقع المرء لدى بحثه عن سبب انحسار اللينينية أو البولشفية، على آراء متعددة تفسر سبب انحسارها، بيد أن الرأي الأجدر بأن يتبعه الباحث عن السبب، هو الرأي الذي يقول بأنها ما انحسرت إلا لأنها نقضت مبادئ لا تقبل النقض من النظرية الماركسية ولا سيما مبدأ النسبية.
فإذا سأل سائل: وكيف ذلك؟ أيُّ شأن لمبدأ النسبية، بانحسار اللينينية؟
جاءه الرد: إن مبدأ النسبية مبدأ جليل الخطر تتمثل فيه وحدة الضدين وتلازمهما بحيث إنه إذا تقوض ضدّ منهما فيه تقوّض معه الآخر.
وهكذا كان، فإن البلاشفة حينما تحقق لهم أن يغلبوا، اجتثوا بالعنف والبطش كلّ رأي ناقض رأيهم أو عارضه أو ضادّه، كما اجتثوا نظام الطبقات القائم على التضاد، إذ رأوا أن وجود طبقتين متضادتين، طبقةٍ تملك وطبقة لا تملك، ينتج شروراً كالاستغلال والفقر. فأبقوا على الطبقة التي لا تملك؛ لأنها في عقيدتهم الخاصة مثال الخير، وأهلكوا الطبقة التي تملك؛ لأنها في عقيدتهم مثالُ الشر. فماذا كانت النتيجة؟
كانت النتيجة تحوّلَ الطبقة التي لا تملك، إلى طبقة تملك؛ ولأن مضادَّ هذه الطبقة الجديدة التي أضحت تملك، كان استؤصل، تفسخت الطبقة الجديدة من الداخل فسقطت وسقطت معها البلشفية بصورة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً.
إن النظرية الماركسية تؤكد أن حركة التاريخ، حركة المجتمع، منشؤها مبدأ الصراع بين الأضداد، وتؤكد أن القضاء على الضد يؤدي إلى القضاء على الضد الآخر . وقبل الماركسية كان هيركليتس يؤكد أن مبدأ الحركة أو التطور أو التغير، إنما ملاكه وجود ضدين متصارعين في الشيء الواحد، فدعا إلى المحافظة على وجود الضدين، وقبل الماركسية أيضاً أطلق المسيح وصيته: „ أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم...“ فأوجب حبّ العدو؛ لأن العدوّ هو الضد. والضد يجب المحافظة على وجوده؛ لأنه إن ذهب بوجوده إلى الفناء، ذهب وجود الضد الثاني معه إلى الفناء.
ولكنّ لينين زعيم البلاشفة بالرغم من أنه كان يدرك مثل هيركليتس والمسيح وماركس وإنجلز حقيقة ارتباط الضدين ببعضهما ارتباطاً عضوياً ضرورياً، وبالرغم من أنه القائل: „ في النسبي يكمن المطلق" فإنه سيتنكر لهذا المبدأ في التطبيق. لن يحول دون تكره له أنه كان يعلم أن صراع الأضداد حقيقة مطلقة أي صادقة ثابتة، وإن تغيرت ملامحها وألوانها وصورها، فبتغير عصر العبودية مثلاً وانقضائه، لم ينتقض مبدأُ الصراع.
ولأن الصراع حقيقة مطلقة بما هو حقيقة موضوعية تتجاوز حدود الذات، فلا بد أن يكون هذا الصراع حقيقة نسبية؛ أي بما هو حقيقة منغلقة لا تتجاوز الذات إلى الموضوع الخارج عن حدود الذات. وتفسير ذلك أن الصراع هو نسبي باعتبار من يتأمل حقيقته. ومثاله أن من يتأمل فكرة الصراع، فيرى أنه موجود في الواقع، فهو موجود حقاً بالنسبة له. ومن يتأمله فيرى أنه غير موجود في الواقع، فهو غير موجود بالنسبة له.
وحقيقةُ اتحاد النسبي بالمطلق حقيقة مطلقة صادقة تتجلى بوضوح في كل المجالات فهي في مجال الأخلاق، وهي في مجال الأدب، وهي في مجال الفنون، وهي أيضاً في مجال الطبيعة، ففي حال النظر إلى الوجود، يكون الوجود واحداً وكُلّاً، ولكنه يكون أيضاً كثيراً وجزئياً. إنه واحد بالنظر إلى كونه كليّاً، وهو كثير بالنظر إلى كونه مؤلفاً من أجزاء.
فعلى هذا يكون ما هو نسبي صادراً عن الذات الحاسة: عن الأنا، وعن أنت، وعن هو. ويكون ما هو مطلق موجوداً خارج هذه الذات أي في الواقع الموضوعي.
ولمّا كان ما هو خارج الذات هو الحقيقة الصادقة، بخلاف ما هو داخل الذات مما تكونه الأحاسيس، فإن هذا لا تتمثل فيه الحقيقة الصادقة، لأن الذي يكونه هو عضو الإحساس. والإحساس قد يخدع ويضل. والإحساس أيضاً يختلف من فرد إلى فرد قوة وضعفاً، فما يحس به ( س) مثلاً لا يحس به (ص) بالضرورة. إنه إذا رأى من بعيد بحاسة البصر كتلة تتحرك في قُلَّة الجبل، خالها وعلاً. وإذا رأى صاحبُه صاد الواقف إلى جانبه الكتلة المتحركة خالها عنزة. وقد يغمس سين يده في ماء النهر فيحسه بارداً، وقد يغمس صاحبه صاد يده في الماء عينه، فلا يحسه بارداً كما أحس به سين.
فأين الحقيقة الصادقة من الاثنين؟
إحساسُ أيٍّ منهما تتمثل فيه الحقيقة الموضوعية الصادقة المطلقة؟ أهو إحساس سين، فتكون الكتلة التي تتحرك في قلل الجبل وعلاً حقاً، أم هو إحساس صاد، فتكون الكتلة التي تتحرك عنزة؟ أهو إحساس سين، فيكون ماء النهر بارداً حقاً، أم هو إحساس صاد، فيكون ماء النهر دافئاً؟
يصعب الحكم لواحد من الإحساسَين بأنه هو الذي تتمثل فيه الحقيقة الصادقة؛ لأن إحساس كل منهما ذاتي وهو صادق بالنسبة إليه.
ومع ذلك فإن بروتاجورس لم يخطئ حين قال: „ الإنسان هو معيار كل الأشياء، معيار ما هو موجود فيكون موجوداً، ومعيار ما ليس موجوداً، فلا يكون موجوداً ".
ولكن قوله سيتعرض للتشويه حين سيُستَنتج منه أن لا حقيقة موضوعية في العالم، وحين سيستنتج منه أنْ ما دامت الحقيقة نسبية لا موضوعية، فكل ما هو بالنسبة للمرء حقيقة فهو حق يحلّ له، ولو أدى ذلك إلى نتائج وخيمة شنيعة: كأنْ يحلَّ المرء لنفسه أن يقتل جاره لأن قتله (بالنسبة إليه) فضيلة.
وهذا الذي اجترحه البلاشفة حين زعموا لأنفسهم أن لهم الحقَّ في القضاء على الطبقة التي تملك؛ لأن هذه الطبقة في رأيهم شر بل أم كل الشرور، وحين سمحوا لأنفسهم أيضاً بأن يسحقوا كل رأي يخالف رأيهم ويعارضه بادعاء أن رأيهم حقيقة مطلقة.
والحق أن رأيهم لم يكن حقيقة مطلقة، بل كان حقيقة جزئية ذاتية. إذ لو كان رأيهم مطلقاً صادقاً، لما وجد في مجتمعهم شخص واحد يخالفهم فيه. الحقيقة المطلقة لا يختلف فيها الناس، وإنما يختلف الناس في الحقائق الذاتية الجزئية التي تنقلها أحاسيسهم ومشاعرهم وآراؤهم الخاصة وتؤثر فيها حاجاتهم ومنافعهم. فالفيل مثلاً حيوان، هذه حقيقة مطلقة صادقة لا يختلف فيها اثنان. لكن الاثنين قد يختلفان في معنى وجود الفيل. فالذي لا يضيره وجود الفيل، سيتجنب أو سيحرّم قتله. أما الذي يضيره وجود الفيل فلن يتجنب أو يحرِّم قتله.
وهكذا، فلما كانت النسبية لا تثمر حقائق مطلقة صادقة، وكانت قابلة للتشويه، أوجب صاحب هذه المقالة القضاءَ عليها.

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=727937
بدعوى أنها „... ليست مجرد فكرة سيئة، ولكنها أم الأفكار السيئة. ولقد حان الوقت للقضاء عليها. ))
والدكتور طلال الربيعي الذي ترجم مقالته إلى العربية، يؤيد هذه الدعوى بحماسة من غير أن ينتبه إلى أنها متناقضة بذاتها؛ أي إنها بذاتها نسبية.
فإذا كانت النسبية أم الأفكار السيئة، فهي أم الأفكار السيئة بالنسبة إليه. وإذا كان يجب القضاء عليها في رأيه، فإن غيره لا يوجب القضاء عليها؛ لأن القضاء عليها مستحيل. ألم يقل لينين الذي يأتم الربيعي به: ( في النسبي يكمن المطلق )؟ فكيف يكون مطلقٌ إذا تمَّ القضاء على النسبي؟
ولكن الدكتور الربيعي من البلاشفة، والبلاشفة على ما تبين لا يحرجهم التناقض، ولا يحرجهم أن تسقط دولتهم إذا هم أسقطوا مبدأ النسبية الذي يتمثل فيه الرأي الآخر المعارض لرأيهم.



#نعيم_إيليا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميزتا التعليق والتصويت في صحيفة الحوار المتمدن
- دَوّامةُ النَّهرِ الكبير 7
- الإلحاد والتطرف
- إفسادُ منطق الإمكان
- دَوّامةُ النَّهرِ الكبير 6
- أخطأ الرئيسُ ماكرون
- دوَّامةُ النَّهرِ الكبير 5
- دوّامة النهر الكبير 4
- الواجب الوجود بغيره
- فذلكة فلسفية لأطروحة ماركس الحادية عشرة
- دوّامةُ النهر الكبير (3)
- دوَّامةُ النهر الكبير (2)
- دوّامةُ النهر الكبير
- الرسالات السماوية
- صيغة التنزيه، برهان الطعن في المنزَّه
- نحن لا نخلق المعنى
- في حقيقة أن الأشياء تتغير ولا تتغير
- محاورة النرجسي
- وقول النصارى إله يضام
- الردُّ على ابن حزم في مسألة تحريف الكتاب المقدس


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نعيم إيليا - مشكلة النسبية