|
حزيران الذي انتهى في تموز!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 1644 - 2006 / 8 / 16 - 11:28
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
في أعياد ومناسبات لا معنى لها، يحرص الزعماء العرب على تبادل برقيات التهنئة.. وكم تمنَّيتُ أن يُرْسِل زعيما عربيا برقية تهنئة إلى الأمين العام لـ "حزب الله"، أو إلى "ممثِّلي الشرعية اللبنانية"، بالنصر الاستراتيجي والتاريخي القومي الذي أحرزه "جيش عربي جديد"، مُنْهيا به ليل حزيران الطويل. قد يستصعبون الأمر، فهذا النصر ليس بحلو المذاق إلا في أفواه المنتصرين؛ ولكن كان في مقدورهم أن يوبِّخوا رئيس الوزراء الإسرائيلي، وأن يقولوا له بالفم الملآن: "لقد قُمْتَ بمغامرة عسكرية غير محسوبة العواقب". لقد صمتوا مع صمت المدافع.. ولكنَّ كل صمتهم لن يمنعهم، ولن يمنع الأمة بأسرها، من سماع دوي النصر الذي ليس كمثله نصر!
سمِعْتُ "خبيرا استراتيجيا عربيا رسميا"، لا فُضَّ فوه، يقول إنَّ "حزب الله" أبلى في الحرب بلاء حسنا.. صمد وقاوم، ومنع الجيش الإسرائيلي من احتلال بنت جبيل وعيتا الشعب.. ولكنَّه ليس بقادر عسكريا على "تحرير" ولو جزء ضئيل من شمال فلسطين، ولم يستطع منع إسرائيل من تدمير البنية التحتية المدنية في لبنان. هذا "الخبير"، الذي يقف ضد كل "مغامرة غير محسوبة العواقب" كتلك التي أقدم عليها "حزب الله"، جاء بـ "مسطرة"، لا يستعملها إلا كل من له مصلحة في بث روح الانهزام في الأمة، وشرع يقيس بها حجم الإنجاز الذي حققه "حزب الله"، فتوصَّل إلى أنَّ حجم الدمار الذي حلَّ بلبنان قد قلَّص، ويجب أن يُقلِّص، كثيرا حجم الانتصار العسكري والميداني الذي أحرزه الحزب، فويل لأمة تُمنى بهزيمة استراتيجية وتاريخية في حزيران 1967، فتدعوها "نكسة"، ويأتيها نصر استراتيجي وتاريخي قومي على طبق من فضة فتسعى في بيعه بثلاثين من الفضة!
أليس نصرا عربيا عظيما أن يذهب الجيش الإسرائيلي، الذي بانهزامنا جعلناه جيشا لا يُقهر ولا يُهزم، إلى "حرب وجود" وهو أعمى البصر والبصيرة، لا عِلْم لديه يُذْكَر بما يملكه العدو، أي "حزب الله"، من قوة عسكرية، متوهِّما أنَّه، وفي بضعة أيام، وبضربات جوية من النمط الذي شهدناه في كوسوفو وصربيا، سيهزمه بالضربة القاضية "الحزيرانية"؟!
إسرائيل التي تَعْلم القدرات العسكرية لجيوشنا النظامية أكثر مما تَعْلمها قياداتنا العسكرية فشلت فشلا لا ريب فيه في معرفة ما يملكه "حزب الله" من قوة عسكرية، موهمة نفسها أنَّ منصات إطلاق الصواريخ التي لدى الحزب لن تكون بأحسن حال من سلاح الجو العربي في حزيران 1967 الذي انتهى في تموز 2006.
وإنصافا للحقيقة أقول إنَّ عهد شارون هو الذي هُزِم إذ هُزِم جيش اولمرت، فهذا الجيش إنَّما دخل الحرب مسلَّحا بـ "معلومات" جُمِع معظمها في عهد ذاك الغارق في غيبوبته. ويحق لاولمرت أن يتسلَّح بهذه الحقيقة في تبرير وتعليل هزيمته.
أليس نصرا عظيما أن يمنع "حزب الله" معادلة "الأرض في مقابل السلام" من أن تَنْبُت في ميدان القتال في جنوب لبنان؟!
المعنى الأول للهزيمة العربية الحزيرانية، هو تمكُّن إسرائيل من احتلال تلك الأرض العربية الواسعة.. وفي ستة أيام، وبعد تدمير جيوش عربية. والمعنى الثاني، هو أن تحتلها احتلالا "آمنا"، وكأنها أرض نُزِعت منها، قبل احتلالها، المقاومة، رجالا وسلاحا..
كل هذا من معنى الهزيمة لم نرَ منه شيئا في جنوب لبنان، ولا حتى في أقصى جنوب لبنان. "حزب الله" منع إسرائيل من احتلال الأرض، فبقيت عيتا الشعب تَبْعُد بُعْد نيويورك عن الحدود الشمالية لإسرائيل، التي لإخفاقها في إنجاز "احتلال آمن" شرعت تحاول احتلالا لا أثر فيه يُذْكَر من معنى "الاحتلال العسكري". جاءت إلى لبنان جوا وبحرا، عن اختيار؛ ثمَّ برا، عن اضطرار، من أجل أن تقضي على "حزب الله"، وتخطف أو تقتل حسن نصر الله، فعادت منه بأسيرين هما عَلَم "حزب الله"، ومدني لبناني يدعى حسن نصر الله!
هل رأيتم عَلَما أبيض واحدا هناك؟! هل رأيتم عشرات ومئات وآلاف المقاتلين يخرجون وأياديهم مرفوعة، وهم أشباه عراة؟! إنَّكم لم تروا شيئا من هذا أو ذاك إلا في ثكنة مرجعيون التي يراد لأمثالها أن تدرأ المخاطر عن الأمن القومي العربي!
أليس نصرا عظيما أن تُكرَه إسرائيل على قبول معادلة "تل أبيب في مقابل بيروت"، فلا تجرؤ على ضربها وهي التي زعمت أنَّ البنية التحتية العسكرية لـ "حزب الله" قد دُمِّرت تماما، وأنَّ معظم ترسانته من الصواريخ بعيدة المدى (أي القادرة على بلوغ تل أبيب) قد دُمِّر؟! لِمَ أحجمت لو كان زعمها صادقاً؟!
أليس نصرا عظيما، بالمعيار الأخلاقي ـ السياسي، أن يبدي "حزب الله" من الكفاءة القتالية ما يضطر آلة الحرب الإسرائيلية إلى أن تبدي ما أبدت من وحشية، وكأنها ما عادت تملك من الكفاءة ألا تلك التي تشهد عليها جسور لبنان ومنشآته لتوليد الطاقة الكهربائية؟!
لو كان المدافعون عن بنت جبيل وعيتا الشعب.. من نمط أولئك الذين رأيناهم في ثكنة مرجعيون لَمَا اضطرت إسرائيل إلى التوحُّش في حربها على لبنان، ولَظَهَرَت على أنها إله "الحرب النظيفة" التي تشبه الانقلاب الأبيض!
في الدمار الذي حلَّ بلبنان لم يروا إلا المأساة الإنسانية التي صنعتها "المغامرة غير المحسوبة العواقب"، والتي لا تثير فينا من المشاعر إلا ما يُفْقِد عيوننا القدرة على حبس دموعها، التي كان بعضها دموع حق يراد به باطل!
لم يروا في الدمار صمودا أسطوريا أصاب العقل العسكري والسياسي الإسرائيلي بهذا الجنون. ولم يروا في هذا الجنون ما يشبه مجيء النَّعيُّ بالخبر المُفْجِع.. خبر انهيار قوة الردع الإسرائيلية، وتزعزع المكانة الاستراتيجية لدولة إسرائيل وجيشها لدى الولايات المتحدة.
أليس نصرا عظيما أن تَرْسُم لنا التجربة في بنت جبيل وعيتا الشعب.. "خريطة طريق"، إن اتَّبعناها يَتْبعنا النصر؟!
"التجربة" تلك لن نتمثَّلها، ولن نغدو أبناء لها، إلا إذا سلَّمْنا، أولا، بأن "حزب الله" انتصر، وإسرائيل هُزِمت، وانتقلنا، من ثمَّ، إلى البحث العميق في الأسباب التي جعلت "حزب الله" ينجح في كل ما فشلت فيه الدول والجيوش العربية. هل نقدر أن نهيِّئ للانتصار ما هيَّأه "حزب الله" من أسباب؟ هذا هو السؤال الذي تتحَّدانا إجابته النظرية الموضوعية أن نحوِّلها إلى إجابة عملية واقعية.
لقد استجمع "حزب الله" أسباب النصر فانتصر؛ ونحن استجمعنا أسباب الهزيمة فهُزمنا؛ وهذا وذاك إنَّما هما وجهان لحتمية واحدة. لبنان الذي كان يتوهَّم أنَّ قوَّته في ضعفه أصبح أثرا بعد عين. أمَّا لبنان الذي نراه الآن، والذي وُلِد من موت "الشرق الأوسط الجديد"، فهو الذي يُذكِّرنا بأنَّ قوَّة إسرائيل في ضعفنا، فهلا تنفع الذكرى.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نصر يريدون إهداءه إلى إسرائيل!
-
الاحتلال -الفارغ-!
-
هذا القرار يجب أن يسقط!
-
-أنا- و-الآخر-!
-
دبلوماسية لإطالة زمن الحرب!
-
لم يحضروا وإنَّما احتضروا!
-
يريدون جعل السياسة امتدادا للحرب!
-
-القدرية- في حياتنا اليومية
-
لبنان يُقْتَل.. والعرب يموتون!
-
موت -الكتابة-!
-
الآن بدأت -حرب جرائم الحرب-!
-
سلاح يدعى -المطالب الانتقالية-!
-
قانا.. عاصمة -الشرق الأوسط الجديد-!
-
لدينا -نقاط-.. ولكن أين -الحروف-؟!
-
بعض من أوجه -قوة المثال-!
-
شعار رايس مترجَما بالعربية!
-
إنَّهم لا يجرؤون على الانتصار!
-
الجواب عند دمشق!
-
-الشرق الأوسط الجديد-.. تنجيم أم سياسة؟!
-
-القابلة- رايس آتية!
المزيد.....
-
مصور نيجيري يحتفي بـ-وحوش صغيرة- في صور شديدة الوضوح
-
-وجبة للمفترسات-.. حديقة حيوانات دنماركية تفتح باب التبرع با
...
-
دخان كثيف يملأ قطارًا والركاب يفرّون وسط فوضى وصراخ.. شاهد م
...
-
مصر: فيديو استغاثة مواطنين من بلطجية ومقتل سائق توك توك.. وا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن إطلاق صاروخ من اليمن والحوثي يصدر بيان
...
-
روسيا تطلق وابلًا من المسيّرات على عشر مناطق أوكرانية قبيل و
...
-
إسرائيل ستسمح بدخول البضائع تدريجيا إلى غزة عبر تجار محليين
...
-
مواجهات في نابلس وتهجير صامت بتجمعات بدوية بالضفة
-
قرار وشيك من نتنياهو بتوسع العمليات في غزة وأنباء عن ضوء أخض
...
-
كاتب إسرائيلي: حكومة نتنياهو فتحت على إسرائيل أبواب الجحيم
المزيد.....
-
حين مشينا للحرب
/ ملهم الملائكة
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
المزيد.....
|