أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - هاشم الغبي … ! ( قصة قصيرة )















المزيد.....

هاشم الغبي … ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 6794 - 2021 / 1 / 21 - 11:23
المحور: الادب والفن
    


الشارع تقريباً خالي من المارة ، والجو شتائي .. يميل الى البرودة ، يتكوم من بعيد هيكل ضخم ، تحت شجرة صفصاف عجوز .. لا تعرف هل هو بشري ، كأن يكون رجل تعبان او سكران ، أم لحيوان خرافي .. قادم من وراء التاريخ ، او قد يكون دب هارب من حديقة الحيوانات مثلاً ، لكنك عندما تقترب اكثر .. ستجد نفسك وجهاً لوجه امام هاشم الغبي ، وهو عبارة عن كائن يقولون انه انسان .. ضخم بشكل غير طبيعي رغم صغر سنه ، فهو لا يزال في المرحلة الابتدائية ، ومشاكس عنيد على طول الخط ، واذا كنت من سكان الحي الذي كنا نعيش فيه ، فستعرف تفاصيل كاملة عن سيرة حياة هذا المصيبة المتحركة !
وعندما تلتقي بمعلمي المدرسة ومديرها ، وحتى فراشها ، التي من سوء حظها ان يكون هاشم الغبي احد تلاميذها ، فهم على استعداد جميعاً للتنازل عن نصف راتبهم الشهري بطيب خاطر من اجل ان يُنقل هاشم الى مدرسة اخرى او يذهب في أي مصيبة تخلصهم منه ، ومن أذاه … فهو بالاضافة الى غبائه الفريد من نوعه مشاكس لا يرحم احد .. تساعده على مهمته هذه جثته الضخمة التي كوّنها من شراهته في الاكل ، وحبه المفرط للنوم ، والكسل …
يتجنب معظم المعلمين تدريس الصف الذي فيه هاشم ، لكن الاستاذ عزيز او يسمونه بابا عزيز ، هذا الانتحاري هو الذي اختارته المدرسة ليكون معلم ، ومرشد الصف الذي فيه هاشم .. وعندما يقف بابا عزيز بجانب هاشم ، حتى لو وقف على اطراف اصابعه فلن يصل الا بطلعان الروح الى كتفه !
واليوم في الصف ، واثناء ما كان الاستاذ عزيز او بابا عزيز يكتب على السبورة ، اطلق هاشم بعيعي ( طائر مائي ) كان يحتفظ به في طيات ملابسه ، فاخذ هذا الطير الذي اصبح محبوساً بين اربع جدران يضرب هنا ، ويضرب هناك ، ويُخرج اصواتا غريبة كالصراخ ، فعمت الفوضى ، وانتشر الرعب ، والهلع بين التلاميذ الصغار ، وبابا عزيز لم يستطع تخليص نفسه من هجوم البعيعي ، فكل ما استطاع ان يفعله هو ان يصل الى الباب ، ويفتحه ، فعم التدافع ، والفزع ، والبكاء .. فهرب الطلاب الصغار مذعورين ، وكان بابا عزيز أمامهم ، فلم يبقى في الصف الا هاشم ، الذي بقي وحده جالسا بهدوء ، ولا كأن شيئاً قد حدث ، ومعه صاحبه البعيعي الذي بقي يضرب نفسه في الحيطان ينشد الحرية !
وعندما جاء المدير ، ودخل الصف وجد هاشم ، وهو يفتش في حقائب التلاميذ ، وفمه ممتلئ بالطعام يكاد يغص ، ماذا يفعل المدير في مثل هذه المصائب التي يتفنن هاشم في اختلاقها .. فقد نفذت كل الوسائل من اجل اصلاحه او التخلص منه .. فلم يجد المدير أمامه من وسيلة الا طرده .. والطلب منه ان يأتي بولي أمره .. وهكذا رأيناه مكوماً تحت الصفصافة شبه نائم في الشارع !
فهو في مشكلة الان ، كيف له ان يذهب الى البيت ، وماذا سيقول لهم ، وهم بالكاد دفعوا به الى المدرسة ليتخلصوا منه ، ومن مصائبه التي لا تنتهي .. لا في البيت ، ولا في الشارع ، فإن كان في البيت فلن يرحم اخوته من الضرب ، والاستيلاء على طعامهم ، وان خرج الى الشارع .. رغم هروب الناس من امامه ، وتجنبهم لشره ، الا ان الواحد من سابع المستحيلات أن يسلم من اذاه !
بقي هاشم في مكانه ينتظر انتهاء الدوام ليذهب الى البيت ، كأي يوم عادي ، وكأنه لم يفعل شيئاً .. وبعد ان تناول غدائه ، وما استطاع ان يستولي عليه من اخوته الذين تسمع صراخهم على بعد كيلو .. ماذا يفعل ؟ فان اخبرهم ان المدرسة يريدون حظور ولي أمره ، فلن يسلم من الضرب من أبيه .. الذي يخافه هو الآخر ، فإن اراد ان يضربه عليه ان يسلح نفسه بعصا من النوع الذي يُستعمل في لعبة البيس بول ، واحياناً عليه ان يلجأ الى ام هاشم التي تسلح نفسها هي الاخرى بتوثية ، وبقية الاولاد ليقدموا له الدعم ، والإسناد ، والا فان هاشم الغبي يستطيع بضربة واحدة أن يرسل ابوه الى القبر !
لحسن الحظ ان في محلتنا سكيّر .. مهنته .. انه ولي امر الجميع .. في الحالات الطارئة ، والمهمات الخاصة ، وشاهد زور في المحاكم ، وعقود الزواج ، وغيرها ، فهو يمكن استخدامه في كل شئ ( طماطة ) المهم ان تعطيه مبلغ زهيد يشتري به عرق …
وعندما هبط المساء ، لجأ هاشم اليه فوجده لا يزال مستيقظا بين الصحو والسكر ، يتهيأ لسهرته الليلية .. طبعا بابا سورات ، وهذا هو اسمه .. ايضا يخاف من هاشم الغبي ، وليس استثناءً عن بقية سكان الحي .. تلفت حوله في فزع عندما شاهد هاشم أمامه ، ثم رسم ابتسامة مزيفة على وجهه أشبه بتكشيرة .. شرح له هاشم الموضوع ، وهو يتأتأ ، وصوته يهر مثل قطة ، ويخرج الكلمات بصعوبة ، وعلى طريقته ، ويده لا تتوقف عن أختطاف حبات الخيار ، واشلاف البطيخ ، وقطع الجبن الابيض ، ثم التهم ماعون اللبلبي ( الحمص ) التي هيئها بابا سورات مزة لسهرته ، ثم قام أخيراً بإفراغ ماعون الكرزات في جيبه .. تحت نظر وبصر بابا سورات ، ولم يفعل هذا المسكين شيئاً ، حتى انتهى من التهام كل شئ دون ان يمضغه جيداً .. الا العرق فهو لا يحبه ، لحسن حظ بابا سورات الذي يكاد ينفجر من الغيظ ، لكنه يخاف من هذا الغول الواقف امامه !
بالكاد فهم منه الموضوع ، ووعده بانه سيذهب الى المدرسة غداً على انه ولي أمره ، ويحل المشكلة ، ثم طلب من هاشم ان يتركه الان بحاله .. هدده هاشم قبل ان يخرج ملوحاً بقبضة يده الضخمة قائلاً : اذا لم تأتي غداً فأعتبر نفسك غير موجود ! فهمها بابا سورات .. رغم انها غير مفهومة !
وفي اليوم التالي ذهب هاشم الى المدرسة ، كأي يوم عادي ، لكن الفراش لم يسمح له بالدخول .. حسب توصيات المدير ، حتى يأتي بولي أمره ، وتُحل مشكلة البعيعي ..
بقي هاشم خارج المدرسة ينتظر بابا سورات .. وبعد ساعتين تقريبا ، شاهده يدخل المدرسة ، فرح ، واستبشر خيرا في ان يتخلص من هذه المشكلة ، ولا يضطر الى اللجوء الى أبيه ، وبعد دقائق جاءه الفراش ، وطلب منه ان يدخل بعد ان فتشه تفتيشاً دقيقاً .. دخل الى غرفة المدير ، وجد بابا سورات جالساً مرعوباً ، يتلفت يميناً وشمالاً .. كفأر في مصيدة .. استقبله المدير بتقطيبتة الشهيرة التي تبعث الرعب ، والهلع في نفوس التلاميذ جميعاً ، الا هاشم ، فلم يُبالي .. ! الا ان وجهه اكتسى بهيئة مؤدبة مؤقتة !
سأله المدير ، وهو يجز على أسنانه : هذا ولي أمرك ؟ وهو يشير الى بابا سورات ، الذي يكاد يسقط مغشياً عليه من الرعب .. !
اجاب هاشم بسرعة ، وبحماس ، وثقة مفرطة : نعم أستاذ .. متأملاً بأن الموضوع على وشك ان ينتهي !
سأله المدير ، وهو يكاد ينفجر من الغيظ ، ورنت السخرية واضحة في كلماته : انت هندي … ؟ تفاجأ هاشم بالسؤال ، ولم يدري بماذا يجيب .. فبقى صامتاً معقود اللسان من هول المفاجأة !
المدير بعصبية : ولك .. اذا انت مو هندي .. هذا الهندي شلون صار ولي أمرك ، بس فهمني .. ( فترة صمت) نريد تجيب أبوك مو هذا الهندي ، يا مطي ؟!
هاشم في منتهى الغباء : أستاذ أنت قلت ولي أمرك ، لم تقل أبوك !
المدير ، وهو يغلي : ولك .. ولي أمرك يعني أبوك ، يا حمار !
اذا الصنم يتكلم هاشم يتكلم .. ظل صامتاً ، وهو يرمق بابا سورات بنظرات يفهمها بابا سورات حصراً !
طرد المدير الاثنين .. انسل بابا سورات هارباً ، ومرعوباً من الاثنين بعد ان رمقه هاشم بنظرة أخيرة ذات معنى !
عُقد اجتماع حضره المدير ، وبقية المعلمين ، وحتى الفراش ، وصوتوا جميعاً ، وبالاجماع على نقل هاشم الى مدرسة أخرى بعيدة عن الحي .. ربما لم يسمعوا بعد .. بهاشم الغبي ، ومصائبه !



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موعد مع اليأس … ! ( قصة قصيرة )
- جريمة شرف … ! ( قصة قصيرة )
- مأساة ( حربونة ) … ! ( قصة قصيرة )
- يوم … في حياة زوج ، وزوجة ! ( قصة قصيرة )
- اللحظات الاخيرة قبل الرحيل … ! ( قصة قصيرة )
- زوج خائن ، و مخادع … ! ( قصة قصيرة )
- أستاذ علي … ؟ ( قصة قصيرة )
- ألارتماء في أحضان ألموت … ! ( قصة قصيرة )
- زواج مشروط … ! ( قصة قصيرة )
- لقاء عابر … ! ( قصة قصيرة )
- ألا ما أفضع ألخيانة … ! ( قصة قصيرة )
- ذكرى من الحرب لا تريد ان تموت … ! ( قصة قصيرة )
- وللقدر كلمةٌ أُخرى … ! ( قصة قصيرة )
- ألم ألألم … ! ( قصة قصيرة )
- علماني … ولكن ! ( قصة قصيرة )
- إستعادة الحب من مخالب الكبرياء … ! ( قصة قصيرة )
- دعوني لأحزاني … ! ( قصة قصيرة )
- إمرأة بمئة رجل … ! ( قصة قصيرة )
- زوجة نائمة في العسل … ! ( قصة قصيرة )
- ما وراء الشمس … ! ( قصة قصيرة )


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - هاشم الغبي … ! ( قصة قصيرة )