أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - أستاذ علي … ؟ ( قصة قصيرة )














المزيد.....

أستاذ علي … ؟ ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 6786 - 2021 / 1 / 12 - 16:03
المحور: الادب والفن
    


يدخل استاذ علي ، المعلم في مدرسة ( التقدم ) الى البيت ، قادماً من المدرسة بعد انتهاء الدوام العصري ، والوقت قد قارب المغرب … متعباً متبرما ، وجائعاً كعادته كل يوم ، فهو لم يتناول غدائه الذي سيكون غداء ، وعشاء في نفس الوقت … تستقبله زوجته ، وهي تئن ، منفوخة البطن على نهايتها … في شهرها الاخير ، تتقلب يميناً وشمالا ، كأنها بطة عرجاء … يبادرها بدون سلام ، ولا حتى كلام بجملته اليومية : جوعان ، وراح اموت من الجوع ، تجيبه ببرود … لم اراك يوما الا جوعان ، وتعبان ، ثم تُسرع بتقديم الطعام ، يستعجلها ، فهي بطيئة الحركة بسبب حملها الثقيل …
تطلب منه ان يساعدها .. يتناول الاطباق الواحد بعد الاخر ، وهو يلقي بنظرات شرهه على ما تحمله من طعام لذيذ ، وشفتاه لا تكفان عن المزمزة ، والتمطق .. يباشر التهام الطعام ، كانه اسد اشتد به الجوع ، دون مراعاة لسخونته …
تقول شاكية : لم نخرج امس للتمشي لانك كنت تعبان ، اليوم لازم نخرج ، ونتمشى كما تقول الدكتورة على الاقل اثنين كيلو …
يجيبها بلغة غير مفهومة ، وهو يزدرد الطعام دون ان يمضغه : اليوم ايضا تعبان … حياتي كلها عبارة عن تعب مزمن ، لا نهاية له .. لن ارتاح الا في القبر !
بعيد الشر عنك حبيبي .. الله يمتعك بالصحة ، وبالعمر الطويل ، ثم تطلب منه ان يوسع خلقه .. حتى يتسع رزقه ، ولم تنسى ان تطلب منه التروي في الاكل خشية ان يختنق ، وهي تتمتم بطلاسم تطرد الشر !
يقول متأوها : هؤلاء الابالسة التلاميذ ، سيظهر لي قرون ثور من شيطنتهم … ملاعين اولاد ملاعين … !
ما ذنب اهلهم تلعنهم ؟
لانهم لم يحسنوا تربيتهم ، فيستحقون اللعنة في الدنيا قبل الاخرة …
تصيح به زوجته بشكل مفاجئ : اسرع اسرع تحرك ، يرفس … يركض من مكانه يضع اذنه على بطنها ، وهو لم يتوقف عن مضغ الطعام ، شعر بحركته .. حتى خيل اليه انه يسمع صوت انفاسه تتكرر بانتظام ، وهو متكور بداخل مكانه ألآمن في احشاء أمه .. يعلق لكن بفرح : سيأتيني تلميذ جديد … ارجو ان لا يكون من زمرة الابالسة ! ثم يتغير مجرى الحديث …
تسأله : هل اخترت اسما للولد ؟
ومن اين لي بهذا ؟
تعاود الالحاح بالسؤال … اسم حلو من اسماء تلاميذك مثلاً .. لحظة صمت .. يبتلع ما بفمه من طعام .. يجيبها مستنكراً ، وايضا بلغة لاتفهمها الا زوجته :
تلاميذي … ؟ ثم يكمل ساخراً ، وكأنه مكرهاً …
طيب ، خذي عندك نماذج ، واختاري واحداً : عندي تلميذ ياخذ الشيطان للبحر ، ويرجعه عطشان … يسمونه عزرائيل ، وواحد يمشي ، ويديه ، ورجليه شغالة مثل القرد ، يضرب هذا ، ويرفس ذاك اسمه منكر ، وآخر لا يدع احداً يتناول طعامه الا ، وخطفه منه ، يسمونه نكير … تقاطعه مستنكرةً :
اعوذ باللة من هذه الاسماء … اقصد اسمائهم الحقيقية !
صدقيني .. لا اعرفها .. حتى انا اناديهم بهذه الاسماء …
طيب ساسميه اذن على اسم ابي …
يقول بصوت خافت ، وكأنه يخاطب نفسه .. أُفضل اسم عزرائيل على اسم السيد الوالد … !
يذهب الى قيلولته .. تحت استنكار ، وتبرم الزوجة ، فهي تريد منه الخروج ، والتمشي الان قبل الليل ، والبرد .. يستسمحها ، ولو بعشرة دقائق .. ينسحب ، وهو يتمتم في غيظ ، ثم يتمدد ، وسرعان ما يغط في نوم عميق .. تخرج منه اصوات ، وكأنه يهذي … تقطعه عليه بعد عشرة دقائق ، بالتمام والكمال … ينهض متبرماً متململاً ، ومتثائباً … !
يخرج الاثنان .. يبدو على الاستاذ انه يمشي ، وهو نائم .. لانها تكلمه ، وهو لا يجيب … يمشون بضع خطوات ثم يجلس على الرصيف .. تستعجله ، وتطلب منه ان ينهض :
من الحامل انا ، والا انت ؟ تسأل ساخرةً …
اكون سعيداً جداً لو تبادلنا الادوار … يجيبها ساخراً ايضاً …
اثناء ما كان جالساً على الرصيف ، يمر صبي على دراجة ، يبدو انه واحد من تلاميذه الابالسة :
مرحبا استاذ ! وهو يضحك … يسمعه الاستاذ ، ولا يرد …
تذكر في تلك اللحظة اسم المدرسة ( التقدم ) .. ضحك بصوت عالي حتى اوشك على الاختناق .. بدء يشك في قواه العقلية ، وخاف ان تشاركه زوجته نفس الرأي … !!
يواصلون السير الوئيد ، وكأنهم يمشون في حقل للالغام ، والزوجة تثرثر ، وتحلم ، وتبني قصورا في الهواء لوحدها ، فالاستاذ يبدو مشتتاً ، وفي عالم آخر … ربما يتصور نفسه في غابة مليئة بالقردة ، والنسانيس … تتقافز هنا ، وهناك ، وهي تلتهم اصابع الموز بشراهه ، ثم ترمي بالقشور في وجهه .. توقضه زوجته من حلمه بلكزة على كتفه .. يدمدم مع نفسه : يبدو ان عالمهم سيكون هو .. عالمي .. وربما ساتحول انا الاخر الى قرد ، فمن عاشر القوم اربعون يوم .. أي سخرية هذه ؟ تستعجله ، وهي تشبك يدها بيده .. تستمر في الحديث ، والحلم في حماس غامر … !
اقبل الليل بقمر ساطع .. يسرع الاستاذ الى اقتناص الفرصة لينام قليلاً ، فغداً عليه ان يباشر عمله الاضافي في مدرسة اخرى ، ليساعده في تخفيف تكاليف المعيشة خاصة ، وانهم مقبلون على استقبال عضو جديد يحتاج مصاريف إضافية .. لا يدري كم ساعة نام .. ثم حانت اللحظة فجراً .. سمع زوجته تصرخ بجنون ، وتتألم ، وهي تتلوى .. اصابه الرعب حتى لم يدري ماذا يفعل ، فكان صراخها المدوي ، يجعل كل ذرة منه تنتفض … هتف باكيا : يا الهي انها تموت … !
اسرع الى جارهم لينقلوها الى المستشفى في سيارته … انتظر امام غرفة الولادة ساعات ، وهو يسمع أنينها ، وصراخها … ثم هدأت فجأةً ، وسمع صراخه يملأ الدنيا ، لم تمنعه فرحته من ان يسأل الممرضة التي خرجت لتبشره بالمولود الجديد .. عن سلامة زوجته ، اجابته متفاخرة : الاثنين بخير ، الحمد لله .. دخل فقبّل زوجته على جبينها ، والقى على ولده النظرة الاولى ، وقال في سره .. ما شاء الله .. معجزة صغيرة وسط كون شاسع ، وهائج … !!



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألارتماء في أحضان ألموت … ! ( قصة قصيرة )
- زواج مشروط … ! ( قصة قصيرة )
- لقاء عابر … ! ( قصة قصيرة )
- ألا ما أفضع ألخيانة … ! ( قصة قصيرة )
- ذكرى من الحرب لا تريد ان تموت … ! ( قصة قصيرة )
- وللقدر كلمةٌ أُخرى … ! ( قصة قصيرة )
- ألم ألألم … ! ( قصة قصيرة )
- علماني … ولكن ! ( قصة قصيرة )
- إستعادة الحب من مخالب الكبرياء … ! ( قصة قصيرة )
- دعوني لأحزاني … ! ( قصة قصيرة )
- إمرأة بمئة رجل … ! ( قصة قصيرة )
- زوجة نائمة في العسل … ! ( قصة قصيرة )
- ما وراء الشمس … ! ( قصة قصيرة )
- من قتل فائزة … ؟ ( قصة قصيرة )
- الظاهرة الترامبية العابرة … !
- انتفاضة تشرين … مخاض أملٍ جديد ! ( قصة قصيرة )
- غرباء في هذا العالم … ! ( قصة قصيرة )
- حُلمٌ … مخجِّل ! ( قصة قصيرة )
- من هنا مرّت فاطمة … ! ( قصة قصيرة )
- القمار ، وعواقبه … ! ( قصة قصيرة )


المزيد.....




- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...
- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟
- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - أستاذ علي … ؟ ( قصة قصيرة )