أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - لقاء عابر … ! ( قصة قصيرة )















المزيد.....

لقاء عابر … ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 6783 - 2021 / 1 / 9 - 10:40
المحور: الادب والفن
    


في الشتاء .. المساء يهبط مبكرا على غير العادة .. كانت الشوارع غارقة في ظلامها الحزين .. كنت ضجراً متململا ، ابحث عمن يفك عني حالة الكآبة التي لبستني .. فالعودة الى البيت مبكراً لم تكن في وارد حساباتي .. واصلت سيري في الشوارع في كل اتجاه .. بائساً دون هدف .. لمجرد قتل الوقت اللاثمين لمن هو في مثل حالتي ، وكعادت ايام زمان عندما يعاني الواحد منا مثل هذه الاعراض الجانبية من هموم ، وملل .. فلا مهرب من اللجوء الى الكأس ، وجلساته الحلوة كعلاج مؤقت ، لكنها منذ ان وجدت لا تحلو بدون نديم ، والا فان همومك ستنفرد بك ، وتفترسك ، وتتفاقم حالتك بدلا من ان تنفرج …
دخلت مكانا طالما كنت أرتاده كأن رجلي قد اعتادت عليه .. اخذت مكاني ، وانا اتلفت لعلي اجد صديقاً او معرفةً تشاركني هذه السهرة الطارئة ، فلم اعثر على ضالتي .. استسلمت ، وجلست وحيداً اناجي نفسي ، واحلامي واحاول ان اهش الذكريات السيئة رحمةً بنفسي .. يلازمني دوماً هوسٌ ، بتخليد اللحظة التي تمر بي ، لأصفّها بعد ذلك على رفوف الذكريات المؤجلة .. بعد الكأس الاولى .. ما اعذبها ! والثانية .. خيم خيال انسان حجب الضوء الخافت الذي كان ينير المكان على استحياء .. رفعت رأسي .. امامي شخص لم يسبق لي ان رايته .. بادرني :
رايتك تجلس وحيدا ، وكل وحيد للوحيد جليسُ …
فهمت قصده ، اشار الى النادل بعد ترحيبي به فنقل مستلزمات مائدته الى مائدتي .. كان رجلا انيقاً في العقد الخامس او السادس .. اشيب الرأس تجاعيده مليئة بالحزن ، والشقاء ، وايام الانتظار الطويلة .. فرحت لانني اخيرا قد حصلت على نديم يسمع ثرثرتي ، وابادله نفس الشئ .. وبعد الكأس الثانية التي دلقناها في صحة التعارف ، والثالثة في صحة الصحبة الجديدة ، واخرى في صحة الايام القادمة ، واخرى في صحة لا ادري لمن كانت .. حتى زغردة الخمرة فرحاً ، متمددةً في احضان خيالنا ، وبعد انتهاء النكات البايخة ، والنميمة دخلنا في الجد ، وهي حالة نادرة تحصل عند الكأس السابعة ، وما بعدها .. كنا جوعى لاحلامنا ، وحكاياتنا القديمة ، وكان هو البادئ .. نظر الي طويلا كانه يريد ان يتأكد ، فيما اذا كنت كُفأً لسماع قصته المكررة في كل زمان ، ومكان .. يبدو انه وجد فيَّ بدايةً لمشروع صداقة جديد ، فقد لاحظت ان عيناه تحطان على وجهي في اعجاب ... !
تنحنح ليستعيد هيبة صوته ، وليكسب الوقت ليتسنى له اختيار البداية المناسبة لتكون مدخلاً لحكايته ، وبدء :
يقولون بان المُهرة من خيّالها ، ويقولون ايضا ان بعض النساء بحاجة الى قلب سفاح ، وليس الى قلب شاعر .. فقاطعته بمنطق السكران ، وانت ماذا تقول .. ضحك كثيراً .. راقت له ملاحظتي الظريفة ثم قال : لستُ حكيما ، ولا من مصممي الاقوال الفخمة .. لست سوى تاجر خردة .. رضا .. قالها ثم قبل يده ، ووضعها على جبهته ، وكأنه يقول للمانح شكرا على كرمك مولاي .. ثم اكمل متحمساً :
كنت رجلاً قد تجاوز مرحلة الشباب بخطوة ، وليس اكثر .. كنت ، ولا ازال احمل قلب شاعر طيب .. لم تسعفني الظروف المادية على الزواج ، وبناء اسرة ، يا ما كنت احلم بدفئها ، وحنان جلساتها ايام الشتاء حول النار ، وهي تبعث الدفء في مفاصلنا .. حتى جاء يوم اقبلت علي جارتي التي كنت قد كلفتها بان تجد لي بنت الحلال ، وقالت ، وهي تعلن البشرى : لقد وجدتها … ! لقد وجدتها … !
استبشرت خيرا .. سالتها عن مواصفات هذه التي وجدتها ، فاستعرضت علي مواصفاتها .. وجدت انها مطابقة لما كنت اريد ، واحلم .. من جمال ، ورشاقة ، وعائلة بسيطة لا تختلف في واقعها عن واقعي المتواضع في ذلك الوقت ، الا صفة واحدة استوقفتني .. العمر .. فقد كان فارق العمر كبيراً .. رفضت طبعاً.. فكيف لرجل مثلي طاقته محدودة ان يطفئ لضى فتاة بين الخامسة ، والسادسة عشرة ، ويتحمل طيش ، واستهتار هذه المرحلة الخطرة من المراهقة ، وانا رجل مسالم بطبعي ، وغير عنيف .. والمراهقة ثلاث : الهادئة ، والجامحة ، والعدوانية .. قالها دون ان يسبقها بيقولون .. وانا ، وحظي .. المهم اقنعتني الجارة بانها فرصة العمر ، وان الفتاة لا تفوّت ، وعلي ان اقتنص هذه الفرصة ، والحياة فرص ، والامر لي اولا ، واخيراً … !
وعندما شاهدتها لاول مرة .. كنت اكلم نفسي كالمحموم .. يا أبله ، من ذا الذي يرفض مثل هذا الجمال ، والروعة .. وهكذا تم الزواج ، وكانت ليلة بسيطة تتماشى مع الامكانات المحدودة .. وتلوت وقتها ما قاله الخيام : غدٌ بظهر الغيب ، واليوم لي .. فاستدعيت كل طاقتي ، وحتى الاحتياطي منها الى تلك اللحظة النادرة ، مواصلاً الغوص في جسدها البض الريان ، فتم لي ما اردت ، وكنت من ناحيتي قنوعاً بحكم السن .. ولم اكن ادري عن شريكتي التي بدءت تشتعل بالرغبة .. وبمرور الايام تزيد من مداعبتي لتمتص المتبقي من رحيقي الآخذ بالنفاذ ، ولا تشبع ، ولا ترتوي …
يقولون ان المرأة مثل الفرس منهن المروضة ، ومنهن الجامحة .. قاطعته : ما حكايتك مع يقولون ؟ ضحكنا سوية هذه المرة .. اكمل : ولسوء حظي كانت زوجتى التي لم تعد كذلك الان ، بعد ان طلقتها .. من النوع الثاني ، وبعد اشهر بدءت طلباتها تزداد ، وكانت تردد على مسامعي ليل نهار عبارة ضقت بالفقر ، والعوز …
كانت الامكانيات ضئيلة فاضطررت الى العمل بعد الظهر حتى وقت متأخر من الليل .. اعود الى البيت منهكاً لا تستطيع ساقاي النحيلتان حملي .. أُلقي بنفسي على الفراش كأني خرقة بالية .. مهدود الحيل .. اولا لانني متعب فعلا ، وثانيا اصارحك القول كنت في اعماقي اهرب من مسؤولياتي الزوجية ، التي لم تعد الظروف تسمح لي بان امارسها كل يوم كما كانت تريد ، فكنت اتجاهل مداعباتها .. والجأ الى مبرر التعب ، واوعدها على الغد .. فكل ما كان يمور في جسدها الثائر من انفعالات مكبوتة لم يجد له متنفسا في احضاني الباردة .. فماتت نشوة الليل .. وكم كنت غبيا .. فكل شئ يمكن تاجيله الا وهج تلك اللحظه التي لا تنتظر .. كانت رائحة رغبتها الفوارة تلاحقني حتى اللحظة .. فتحولت حياتنا الى وتيرة متصلة من العذاب .. ومضى الامر على تلك الحالة الشاقة …
حتى جاء وقت توقفت فيه زوجتي ، الفاتنة الجامحة عن مداعبتي ، ولم تطالبني بما كانت تطالبني به سابقا ، وما زاد من هواجسي ، انها كانت تبدو متعبه على غير عادتها ، وتتوق للنوم اكثر مني .. كما يقولون بدء الفار يلعب في عبي .. ابتسمت لوحدي هذه المرة بمجرد ان لفظ كلمة يقولون ، ولكنه اتبعها مبتسماً ، واقول : الفأر بدء يراقصني ، ثم .. مخاطبني : ارتحت .. وقبل ان يكمل ، طلب من النادل المزيد من فاتح عقدة اللسان ، لكني اعترضت عن نفسي ، وقلت انني اكتفي ، والا بدلاً من الذهاب الى البيت سيضطر الى اخذي الى المستشفى لغسل معدتي … اكمل :
كأس واحدة لن تحدث فرقا .. هل تريد ان اتوقف .. قاطعته لا .. كما يقولون انا اتشرب كل كلمة من كلماتك .. ابتسم ابتسامة باردة ، ثم بلع ريقه ، وحدق قليلا .. قصتي على مشارف النهاية .. ثم اخذ يتحدث بصوت رتيب متصل .. تناول كأسه الاخير ، وقال : اختفت زوجتي … ! عدت يوما من عملي .. كان البيت صامتا .. فلم اجد لها اثراً ، وكما يقولون الطائر الذي يفر لا يعود .. لم نضحك ، ولم نبتسم هذه المرة ، اولا الجو لم يسمح بذلك ، وثانيا ثقلت علينا الخمرة .. كَثُرت الاقاويل ، والتلميحات حول هروبها ، واسبابه ، ومع اي وغد ، والى اين …
لم اتابع الموضوع لانني كنت عازما على تطليقها على اية حال ، تكفيراً عن خطأي او جريمتي .. حمدت الله انه لم يكن بيننا اطفال .. طلقتها غيابيا ، وافرغت قلبي من كل ما علق به من اوجاع ، وانتقلت الى سكن جديد ، كأن فجراً جديداً كان يبزغ في حياتي .. بعد ان فتحت الدنيا لي أحضانها ، واصبحت بفضل جهودي ثريا ، واليوم اعيش وحيدا مع نفسي ، والكأس ، وعذاباتي .. بعد ان مللت العيش في الزيف .. وتابع كأنه يريد ان يختم : اذا كان ثمة خطأ فقد تشاركنا جميعاً في دفع ثمنه ، واولهم انا ، فقد تحملت ما لا تستطيع الجبال ان تتحمله ، بسبب موافقتي على الزواج بطفلة اكبرها بعقود ، وهي جريمة ، واعتداء على طفولتها .. اقترفتها بحقها ، وبحق نفسي .. تحملت ذنبا مؤلما استحق عليه العقاب .. الذي ظل يلاحقني ، وسيبقى الى الابد !
خرجنا يسند بعضنا البعض ، ثم افترقنا على امل اللقاء ثانيةً في المستقبل !



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألا ما أفضع ألخيانة … ! ( قصة قصيرة )
- ذكرى من الحرب لا تريد ان تموت … ! ( قصة قصيرة )
- وللقدر كلمةٌ أُخرى … ! ( قصة قصيرة )
- ألم ألألم … ! ( قصة قصيرة )
- علماني … ولكن ! ( قصة قصيرة )
- إستعادة الحب من مخالب الكبرياء … ! ( قصة قصيرة )
- دعوني لأحزاني … ! ( قصة قصيرة )
- إمرأة بمئة رجل … ! ( قصة قصيرة )
- زوجة نائمة في العسل … ! ( قصة قصيرة )
- ما وراء الشمس … ! ( قصة قصيرة )
- من قتل فائزة … ؟ ( قصة قصيرة )
- الظاهرة الترامبية العابرة … !
- انتفاضة تشرين … مخاض أملٍ جديد ! ( قصة قصيرة )
- غرباء في هذا العالم … ! ( قصة قصيرة )
- حُلمٌ … مخجِّل ! ( قصة قصيرة )
- من هنا مرّت فاطمة … ! ( قصة قصيرة )
- القمار ، وعواقبه … ! ( قصة قصيرة )
- التطبيع خيار سلام … ام مشروع فتنة ؟!
- جنون ، وضياع … ! ( قصة قصيرة )
- الشعوب العربية … آخر من يعلم ، وآخر من يهتم !


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - لقاء عابر … ! ( قصة قصيرة )