شفرات حلاقة صالحة للتدوير -21-

علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 6789 - 2021 / 1 / 16 - 11:44
المحور: الادب والفن
    

وفي الخمَّارة
رأيته آخر مرة
وفي الخمَّارة
استمعت لدقات قلبه.

خمَّارة لا تشبه الخمَّارات
دكان صغيرة بسقف واطىء
وباب خارجي عريض يتعطّف على الندماء.

خمَّارة بلا مرحاض ولا مغسلة ولا ماء
مرحاضها
زاوية شارع مظلمة
أو جذع شجرة توت قريبة.

خمَّارة بلا كراس مألوفة للجلوس المريح
كراسيها
جذع شجرة
حجر
كيس مملوء بالملح
سحارة خشب
صندوق فوارغ بيرة
أو مكعب من صحون بيض فارغة مرصوصة.

خمَّارة بلا مشروبات أجنبية فاخرة
مشروباتها وطنية أصيلة
بيرة الشرق
عرق الريّان
براندي الميماس
ونبيذ أبو رعد الأحمر.
خمَّارة بلا سجائر أجنبية
سجائرها وطنية أصيلة
الشرق
الناعورة
إيبلا
الحمراء القصيرة
والطويلة.

خمَّارة بلا مازاوات غريبة الشكل والنوع والرائحة
مازاواتها بسيطة خفيفة
علب زجاجية صندوقية الشكل
فيها حبّات الحمص
العبيد المُقشّر وغير المُقشّر
وبذور البطيخ
لمن استطاع إليها سبيلا.

هناك
في خمَّارة القَنْطَرَة
العابقة برائحة البخور والكحول
رأيته للمرة الأخيرة عن كثب.

كان جالساً بصمت الأتقياء
يلوك شيئاً في فمه
هناك
استمعت إلى آهاته
كان قد بلغ
ـ في نهاية عقده الرابع ـ
الحالة التي لا يُحسدْ عليها أي إنسان
مفلساً مداناً مفقراً
متعباً يائساً.
تخلخلت أسنانه
تساقطت أضراسه
تضعضعت عظامه
عضلاته لا تقوى على الحرك
باتت تخونه كالكلمات
أطرافه الأربعة عاجزة عن حمل جسده
صار نحيلاً كئيباً مريضاً
يحتاج للأدوية والرعاية الطبية المشدّدة.

ملابسه عتيقة وقليلة
لم يشتر لنفسه شيئاً منذ سنين
باع إسطوانات الغاز الثلاث
ليشتري السجائر والعرق الرخيص
عجز عن دفع أقساط الكهرباء المتراكمة
فُصِلَ التيار الكهربائي عن منزله
سُحِبَ منه عدَّاد الكهرباء
تراكمت الديون عليه كالتلال
تعطلت مروحة الهواء
ماتت الحرارة في جهاز التلفون المكسور
صار خارج التغطية
المطبخ فارغ
لا أثر للزيت والملح فيه
المطبخ نظيف
لا روائح فيه
مشاكله اليومية
مع الزوجة القاسية
والأولاد الضائعين
في تصاعد سقيم مخيف
سينتهي بالجريمة
رغم كل شيء
بقي الرجل الطيب
يزاول مهنة السكر
والتدخين
والسقوط
في عوالم الكآبة.

رغم كل شيء
انفرجت شفتاي عن ثنايايّ
ضاحكاً دون صوت
وأنا أرنو إليه بتعاطف كبير
حين أخذ يترنم بوصيته الأخيرة:

اِشربْ كأس عرق يا هذا
كلما كنت حزيناً
اِشربْ كأس عرق يا هذا
كلما بقيت حزيناً
اِشربْ هنيئاً يا صَاح
وإذا ما استمر حزنك على حاله
إبدأ من جديد
وكان
فضل
الخمَّارات
عليك
عظيماً.

#علي_دريوسي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل