أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - شفرات حلاقة صالحة للتدوير -13-














المزيد.....

شفرات حلاقة صالحة للتدوير -13-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 6772 - 2020 / 12 / 27 - 01:22
المحور: الادب والفن
    


ما أقساهم
ما أبسطهم
ما أتعسهم
وما أفقرهم
كم هي أصواتهم عالية
مُضطَرِبة مُتَقاطِعة
كم هي كلماتهم بسيطة حالمة
قاسية مُتشنِّجة
كم هي نقاشاتهم سطحيَّة
عراكية إبرية حادة
متزَمِّتة وثنائية البعد:
عن كرة القدم
عن الدين والسياسة العربية
عن أمريكا وإسرائيل
ودائماً كما يفهمونها.

كم هي تعابير وجوههم غامضة
حائرة منتظرة
كم هي نظراتهم تائهة
مُتردِّدة مُتلهِّفة.

ما أحلاهم في الغرب
حين يجتمعون في مقاهي الأجانب الرخيصة
يغلون من شدة حرارتهم
تجلدهم العزلة
الوحدة الرغبة
تسوطهم تضاريس المرأة الألمانية من مختلف الأعمار.

كم يلعنون كل يوم
ألسنتهم العاجزة عن النطق بغير اللغة الأم.

وإذْ يلتقي أحدهم بها
الإبرة الضائعة في كومة القشّ الأصفّر
تلك التي تحتاجه وتبحث عن ضَالَّتها المنشُودة منذ سنوات
يبدأ رحلته معها بالتَوَرُّد والتألُّق
يصير أكثر حناناً
يصير أكثر اخضراراً.

تتفتح روحه
تبدأ عقدة لسانه بالانفلات
يعود إلى الحياة
إلى رحم الأم
إلى الوطن الحلم
يعود إنساناً على مهل.

على المقعد الخشبيّ في حديقة المدينة
جلسا في حالة عِنَاق
العِنَاق ثقافة وعلاج
رجل أسود في منتصف العمر
طويل القامة
يرتدي قميصاً ملّوناً واسعاً وبنطلون جينز شابَ لونه
ينتعل في قدميه الكبيرتين حذاء شتوياً ضخماً
بجواره إمرأة بيضاء تجاوزت عقدها الخامس
ترتدي فستاناً ربيعياً عارياً إلا من لحم جسدها الأبيض.

تقول له دون أن يفهمها:
"كم أرثي لحالكم .. أنتم الدراويش منذ بدء الكلمة."

يجيبها بلغته الأم دون أن تسمعه:
"نحن شعب يولد من رحم الأحزان."

يسحب هاتفه من جيب قميصه
يعرض عليها صورة "عِنَاق"
بين رجل أسود وإمرأة شقراء.

تتأوَّه إعجاباً:
"من أهداكَ هذا الرأس الجميل في وضعية عِنَاق وحنان؟"
تضمه بقوة أكبر
يشدها إليه أكثر
يفرك وجهها الأبيض بيده السوداء الغريبة
الجميلة المشتاقة
يعانقُ بيده اليسرى كتفها الأيمن
يضمها كلها
كل جسدها الطّريّ
يُجهد نفسه للاحتماء بها
لامتلاكها
لابتلاعها
للدخول فيها.

تبوسُ ملامح وجهه الأسود الْقَاسِي بشهوةِ الاشتياق
تَستَنْشق غبار أيامه
تطمر وجهها في صدره الأسود
تشمَّ رائحته السوداء شاكرة قدرها
تُغمض عينيها وتستريح
تهمس له بكلمات لا يفهمها
تعتذر له عمّا ألمّ به
من تعب وفقر وعجز وندبات.

يفتح بدوره عينيه التائهتين الحالمتين
بيده اليمنى يلاعب شعرها المُشْقَرّ قسراً
يسرح بنظراته إلى أبعد من البعيد
يرى نفسه ـ وقد فاق من نومه ـ في سريرها العريض
المريح النظيف
ثمة بقايا رائحة وشموع من ليلة فائتة تنتظر إزالتها
يجد نفسه في مطبخها الأنيق الدافئ
رائحة الصباح وقهوته تعبق بالمكان
يرى إمرأة تترقَّب قدومه كاشفة عن فخذيها
تبادره: "صباح الخير أيها الرجل الأسود."
الكلمة الأولى التي يسمعها من مصدرها الأم.

تصله رائحة خُبْز طَازَج لا تقاوم
على طاولة الفطور
ثَمّة صحون
ورود وجرائد
سكاكين وشوك و"سيرفيتن" مطويّة بأناقة
علب غريبة اللون والشكل لم يرها من قبل:
جبنة ومارمالادي وزبدة ماركة ألمانية
أشكال متنوعة من"سلامي وفورست" ألمانية المنشأ
باسطرمة ونقانق وسُجُق المرقاز
تتحرك شفتاه فجأةً مُعلِنة مخاض ابتسامة.

على المقعد الخشبيّ في حديقة المدينة
جلسَ رجل أسود
وحيداً
حزيناً
مسترخياً.
عيناه الواسعتان تضحكان
تعانقان شمس الصباح
ينظر خلسةً في ساعة يده اليسرى
يقول في سِرّه:
اقترب موعد مجيء
الأصدقاء المتآخين
الغرباء المقهورين
إلى المقهى
اشتقت إلى حكاياتهم
اشتقت إلى نقاشاتنا التي لا تنتهي
اشتقت
لأحكي لهم عما عشته في حلمي
عن جسد مَطْمور
في جسدي.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -12-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -11-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -10-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -9-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -8-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -7-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -6-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -5-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -4-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -3-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -2-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -1-
- الأرجنتيني
- بَراشيم
- تعفير ثدي
- المَدْجَنة
- تَواضُع
- الأعمال القصصية الكاملة
- الهَوَائِيّ
- كيتسنغن


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - شفرات حلاقة صالحة للتدوير -13-