أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - تَواضُع














المزيد.....

تَواضُع


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 6706 - 2020 / 10 / 17 - 01:05
المحور: الادب والفن
    


الشَّاعر الفرنسي، شَرقيّ الطفولة، مُصابٌ بالغمِّ والحُزن. أرهقته الحرب الدائرة منذ أعوام، زادت من وحدته وكآبته، كبر به العمر، خاف ولهث وراء الخلود أكثر من ذي قبل. اِلتقى رسّاماً ملبّداً بالألوان، عانقه، دعاه لتناول القهوة، جلسا في مقهى "الذراع المكسور" في باريس، تألّما قليلاً، تعانّقا من جديد وهنا بدأت الحكاية.
شدّ الشَّاعر شاله البرتقالي حول رقبته وقال: كم جميل لو تصنع لي تمثالاً للرأسِ، أحتاجُ رأساً غير الذي أحمله على جسدي المُنهك!
أومأ الرسّام إليه وقال: لا تقلق، أنا أهوى الرؤوس، سأُشكِّله لك من الورق، ما رأيك؟ لكن أجرة ساعة العمل عندكم في فرنسا مُكَلِّفة وأسعار المواد ليست رخيصة أيضاً. تأمين لقمة الحياة يَتطلَّب أسناناً حادة، كما يقول المثل الفرنسي.
قال الشَّاعِر ممازحاً: عليك إذاً أن تستبدل أسنانك بأسنانٍ من حديد. لا تقلق، سأدفع لك بطيبة خاطر كل ما تحتاحه. حضرت البارحة فيلماً سينمائياً ممتعاً بعنوان الدَوخة، تحكي قصته عن طموح شاب في إثبات وجوده كرسّام، ليكتشفَ بالنهاية أنّ وجوده وتطوره يكمن في وجود وتطور الآخرين من حوله. العمل الجماعي هو سر النجاح.
في اليوم الثاني باشرَ الرسّام عمله فوراً، وضع خططه الأوَّليّة بقلم رصاص.
تمتم الشَّاعِر: يا للعلاقة بين التحليق الإبداعي وقلم رصاص ما أجملها. منذ عشرات السنين وقلم رصاص يلعب دوره في تغيير حياتنا والعالم من حولنا، رغم حدوث الطفرة التاريخية في تسميته رصاص، صار هذا الكائن المتواضع رمزاً عالمياً في التظاهرات السلمية، في الكتب والجرائد والمجلات والسينما والتلفاز، للتعبير عن حرية الرأي والفكر وللتنديد بالإرهاب والطغاة والغزاة.
سأل الرسّام مستفسراً: هل شاركتهم برفعه عالياً في المسيرة التضامنية مع المجلة الساخرة تشارلي إبدو؟
تجاهل الشَّاعِر ما سمعه وواصل حديثه: أشهر الأدباء والفنانين المتميزين، حتى الحائزين منهم على جائزة نوبل، فَضَّلوا استعماله على غيره من الأقلام، أمسكوه بحماس، كتبوا به، أحبوه وداعبوه كعشيقة حتى بلوغ النشوة. يوهان فولفغانغ فون غوته، إرنست همينغوي، فينسنت فان غوخ، ويلهلم بوش، غونتر غراس، جون ايرنست شتاينبيك، وأنا حتماً.
علَّق الرسّام مبتسماً: ما عدا الرفيق نيرودا، حصان الشعر الأخضر، فقد اِنتشى كما تعلم بقلم أخضر.
في اليوم التالي استيقظ الشَّاعِر من نومه، ارتدى أجمل لباس، وهو يحسو قهوته في حديقة بيته كتب على منديل ورقيّ: لأنّ الهواء الذي أتنفَّسه اليوم ليس بالهواء الذي تنفَّسته البارحة، أزهر في داخلي ورد لا يشبه ورد الأمس. ثم مشى إلى دائرة البريد وأرسل نصوصه للمشاركة في مسابقة للشعر والسلام.
مرّت الأيام، أعلن الراديو أنّ الشَّاعِر قد ربح آلاف الدولارات. جاء الرسّام إليه لتوقيع الاتفاق، زارته الصحافة والكاميرا، سألته المذيعة بخشوع لا بد منه: هل ستتبرَّع بالجائزة يا سيدي، كما فعل من حصل عليها قبلك، كما جرت العادة كل عام؟ أتتبرَّع للأمهات الهاربات من الحرب أم لشراء الأدوية للأطفال في المخيمات؟
اِقشعرَّ بدن الشَّاعر، نظر إلى وجه الرسّام راجياً طلب سيارة إسعاف.
غمز الرسّام بِعينه أنْ لا للإسعاف!
أعادت المذيعة طرح سؤالها باللغة الأم، افترَّت شفتا الشَّاعِر عن ابتسامة لبقة وأجاب: يا سيدتي الشّابة، سأتبرَّع بقسم منها لهذا الرسّام كي يصنع تمثالاً لرأسي، وبالمتبقي سنسكر بقية العمر. أن يفترسني الأسد أفضل لدي من أن يفترسني ألف من الجُرذان الهاربة، هذا ما تفضّل به الفيلسوف فولتير.
استلم الشَّاعِر الجائزة في حفل يليق به. أزاح الرسّام الستار عن مجسَّم الرأس.
تجمّع المُحتَّجون الذكور بملابسهم الغامقة أمام مبنى المحافظة في مدينة باريس للتَّنْديد بالظلم، لَوَّحوا بقبضاتهم عالياً، هتفوا واستَنكَروا بشدة ثم تفرّقوا.
اغتبط الشَّاعِر وقال: علينا أن نضحك كي تبقى أسناننا بيضاء سليمة.
أكمل الرسّام مقهقهاً: كي لا نضطر إلى زيارة عيادة طبيب الأسنان ونخسر ما كسبناه.

من مجموعتي القصصية الأخيرة: "حدبات بلا عمود"



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأعمال القصصية الكاملة
- الهَوَائِيّ
- كيتسنغن
- والمسنَّنات تتعاشق
- هنا حجر الجلخ
- بائع الكُنَافَة
- منوعات صفراء
- رسالة انتحار
- أخلاق يسارية
- بسنادا -1-
- الشفرة وأم كريمة
- للكبار فقط
- الاِسْتِئْنَاس
- الرجل الحلبي
- علي الريحان
- قراءة نقدية في حجر الجلخ
- يوميات ملازم -4-
- يوميات ملازم -3-
- يوميات ملازم -2-
- يوميات ملازم -1-


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - تَواضُع