أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - منوعات صفراء














المزيد.....

منوعات صفراء


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 6621 - 2020 / 7 / 17 - 17:43
المحور: الادب والفن
    


لعلَّه مات قبل أن تشعر معدته بالامتلاء والشبع وقبل أن يشعر ببطنه يسترخي بعد وجبة طعام شهية، في الآونة الأخيرة خَفَّت شهيته للأكل، هكذا لا لشيء ملموس، ليس لمرض أو عدم رغبة، وإنَّما بسبب إعلانه لنوع من أنواع الإضراب عن الطعام في وجه الحياة التعيسة، في وجه القسوة والعزلة المفروضة على عشرات الآلاف من أمثاله، في وجه حكومة لا تشيل لهم أية أهمية تذكر، في وجه الثلاّجات الباردة التي تقف لهم بالمرصاد، في وجه ثلاّجة المشفى التي ستحضنه لساعات قادمة.
**

فجأة توقفتْ قرب أرضٍ تملأها الرياحين وتفوح منها رائحة أشجار الزيتون والليمون، جعلت تطلب إليه بصوتها الحنون: "سأكون مسرورة منك لو تقطف لي باقة من الرياحين وأخرى من الورد البَرِّيّ وتصنع إكليلاً تضعه فوق قبري"، وحين أمسكتْ بيده وشدّت عليها رآها شجرة حورٍ باسقة وتحوَّلت يدها إلى طوق نجاة، لكنها ما لبثت أن غادرته هامسة "لا تتشبَّث بظلّ الشجر يا حبيبي"، ومضتْ بخفّة، هكذا من دونِ صخبٍ أو تفاصيل وداع، تاركة له وجع الحياة وارتجاجات الأرض والبحر من بعدها.
**

ها هي الذاكرة التي لا تعرف السكينة تعود به فجأةً إلى بدايات صيف عام 1995، إلى الحياة العسكرية، إلى دورة الأغرار في كلية الشؤون الفنية في مدينة حمص، ها هو يهرول كحصان مُرَوَّض منذ ولادته، ها هو يزعق مع المهندسين الزاعقين بحماس، كفئران يقودها طالب ضابط مُتقدِّم وفي فمه مزمار، يعزف به كلمات:
"زوناً أمة عد..."
والكل يُردِّد وفقاً لإيقاعه، تلك المتتالية القومية، وبفواصل زمنية مدهشة بلحنها:
"أمة ..
عربية ..
واحدة ..
ذات ..
رسالة ..
خالدة".
يجلجل صوت المُتقدِّم كالرَّعد:
"اِعتَزْ بنفسك يا حيوان وانبطح أرضاً".
ها هو الحيوان يعتز بنفسه وينبطح أرضاً برحابة صدر ويكرّر مع دورة المهندسين التراتيل العسكرية الترفيهية المحرجة:
"زمجر
بغضب
وانتقم من أعداء بلادي السليبة ..
صاعقة .. ..
ثورة .. ..
عزة".
**

من المستحيل أن تفهم ما يدور حولك -بالمعنى الضيّق للكلمة- إذا كنت تعيش في بلد صناعي متطوّر،
حتى لو كنت من محبي الإطلاع،
حتى لو كنت تعيش في الشارع نفسه منذ أكثر من ثلاثين عاماً،
حتى لو كنت تُتقن لغة البلد -الأمر الذي لن تستطيعه إطلاقاً-
حتى لو وُلِدت في البلد لأبوين أجنبيين.

والسبب ببساطة يعود إلى
هيمنة الطابع الفردي كأسلوب حياتيّ
وضيق الوقت
وضغط الحياة
وإيقاعها الصاخب
ودرجة التطوُّر العالية جداً التي وصل إليها البلد.
الشيء الذي يتطلّب منك
الاختصاص الدقيق
والعمل بصمت
والاهتمام بشؤونك الخاصة فقط
ويحجب عنك في ذات الوقت القدرة على الإلمام بما يدور حولك.
**

العقوبات المفروضة
وفقاً لما يُسمى
بقانون قيصر السخيف وتوابعه
لا تُلغى
ولا تقاوم
بإضاعة الوقت
في إبداع
الرسوم الكاريكاتورية
والمقالات الساخنة
والخطابات الرنّانة
والأشعار الحماسية
والقصص المناهضة
والحملات التضامنية
واللقاءات التلفزيونية
بل
بالبدء فوراً
بزراعة الأراضي
وتربية الحيوانات والطيور
وتدعيم المؤسسات التعليمية والجامعية
وتشكيل عصابات بيضاء
للقضاء على الفساد
ومحاربته بكافة أشكاله.
**



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة انتحار
- أخلاق يسارية
- بسنادا -1-
- الشفرة وأم كريمة
- للكبار فقط
- الاِسْتِئْنَاس
- الرجل الحلبي
- علي الريحان
- قراءة نقدية في حجر الجلخ
- يوميات ملازم -4-
- يوميات ملازم -3-
- يوميات ملازم -2-
- يوميات ملازم -1-
- الحب والغباء
- المُستَبِد اللطيف
- الجَلاَّد الحنون
- هاني أبو المجد
- يا من لم يعرفني قَطّ
- مقتطفات من كتبي
- في المهجع


المزيد.....




- نجيب الحصادي… أفَلَ العقل المُنيف ومضى مَن أوقد البصيرة في ل ...
- “مبروك النجاح” Link الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- رابط رسمي وشغال. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس الي ...
- بعمر الـ80.. يحيى الفخراني يقف على المسرح مجسدًا -الملك لير- ...
- نجيب الحصادي… أفَلَ العقل المُنيف ومضى مَن أوقد البصيرة في ل ...
- مبروك للجميع.. رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس ...
- الفنان يحيى الفخراني يعود لـ -الملك لير- في عامه الثمانين
- نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس.. رابط النتيجة على م ...
- وفاة الممثلة العراقية إقبال نعيم.. وداع لصوت مسرحي نادر
- ألبوم -صنع في أفريقيا- لزياد الزواري: موسيقى عالمية بطابع تو ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - منوعات صفراء