أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - بسنادا -1-














المزيد.....

بسنادا -1-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 6611 - 2020 / 7 / 6 - 13:23
المحور: الادب والفن
    


أمضيت المساء مع صديقي اللامنتمي عبَّاس كما يحلو له أن يصف نفسه.
سهرنا سوية حتى وقت متأخر.

عبَّاس شاب متواضع ودمث يتقّد حيوية وحماسة وقدرة على الحركة والإقناع، قامته ضئيلة وعيناه برّاقتان ذكيتان، يكبرني بخمس سنوات، كان قد مضى على علاقتنا آنذاك أكثر من ثلاث سنوات، تعلمنا خلالها أن نثق ببعضنا.

جلسنا في غرفتي التي تشبه الكهف، غرفة ضيقة رطبة لا نافذة لها، فيها سرير وصوفا قديمة وعلّاقة ملابس ورفوف خشبية وكرسي وجذع شجرة زيتون يابس كطاولة، أما جدرانها فكانت مليئة بالصور والشعارات وأبيات الشعر الثورية، على موقد الغاز المتنقل أعددتّ لنا إبريق شاي أسود ثقيلاً، ملأت الزُبْدِيَّة بالسُكَّر وأحضرت كيس الدخان البلدي، كان عبَّاس مخموراً قليلاً كعادته، وضعت الإبريق والحرارة تتصعَّد منه على جذع الخشب كي يبترد، بينما أخذ عبَّاس يتملَّى البخار وهو ينفث دخان سيجارته ويسليني بحكاياته المنعشة للروح، التي اعتاد أن يعيدها على مسمعي بين الحين والآخر بقوالب مختلفة.

بدأ عبَّاس حديثه بأن قصَّ عليّ حكاية اسم قريتنا التابعة لمدينة اللاذقية، مدينة البحر والشاطئ والمرفأ والغابات، كما سمعها من جده.

قال إنَّ اِسم القرية في الماضي لم يكن (بسنادا) وإنَّما (نادا)، وإنَّ عمرها لا يُقَّدر بمئات السنين وإنَّما بآلاف السنين، وذات يوم نشبت فوق أراضيها معركة بين الغرباء الذين تعاطفوا مع العثمانيين والرعاة الجبليين الذين اِنحدروا من أعالي الجبال المحيطة وسكنوها. اِقتَتَلَ الطرفان آنذاك طويلاً بالمقاليع والسكاكين والعصي والأيادي والحجارة حتى (بسند) دم المتحاربين، يبست الدماء واِلتصقت بجذوع الأشجار وتربة الحقول. بعد هذه الواقعة قيل "(بسند) الدم في (نادا)"، وسُمِّيَ الوادي الذي حدث فيه الاِقتتال الرهيب بالوادي الأحمر. ومن ذلك الحين تغيَّر اِسم القرية من (نادا) إلى (بسنادا).

ثم أضاف عبَّاس: في الحقيقة هناك آراء واعتقادات أخرى بما يتعلق باسمها. هناك من قال إنَّ اِسمها كان (بسنادى) وأتى من مقولة "حين نادى لَبَّيته"، وهناك من قال (بَشنادَّه) وجاءت الكلمة من مقولة "بَشَّ وَجههُ حين نادَّه" (أي هَلَّلَ وَجههُ حين خالفه بالرأيّ).

وبعضهم قال إنَّ اِسم (بشناده) كان معروفاً منذ القِدم ويعني "موطن التعذيب والشقاء" باللغة السورية القديمة أو "بيت الطاحون" باللغة الأكادية.
وثمة من قال بأنَّ الاِسم الحقيقي كان دائماً (بسنادا) ويعني "بيت السَّند"، والسَّند هنا هو "كلُّ ما يُستَنَدُ إليه ويُعتمَدُ عليه".

أخبرني عبَّاس أنَّ اهتمام أهل القرية بالمواضيع الوطنية والقومية قديم جداً، ولهذا أكلوا نصيبهم مبكراً من طعام السلطة الفاخر.

وقال جاداً بأنَّ عدد شباب القرية ممن صاروا ضُبَّاطاً في الجيش الوطني يعدّون على أصابع اليد الواحدة، ولم يحظ أي شخص من القرية بمنصبٍ قياديّ.

وأضاف ضاحكاً: يقول الحكماء إنَّ لهذا النقص في الوصول إلى المناصب الإدارية المدنية والعسكرية أسبابه العشائرية والفكرية والسياسية. لكني لم أصدِّق أقوالهم يوماً، إذ في الوقت نفسه لا يتجاوز عدد الشعراء والنُقَّاد وكتّاب القصة في القرية الخمسة ذوي المنابت الفقيرة، رغم غنى القرية بالإيديولوجيات والآراء والانتماءات الحزبية والسياسية والإنسانية وتنوّعها، رغم صباها وعراقتها بالعلم والمعرفة. فهل لهذا النقص على صعيد الأدب علاقته أيضاً بالأسباب الفكرية والمذهبية فعلاً؟
**



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشفرة وأم كريمة
- للكبار فقط
- الاِسْتِئْنَاس
- الرجل الحلبي
- علي الريحان
- قراءة نقدية في حجر الجلخ
- يوميات ملازم -4-
- يوميات ملازم -3-
- يوميات ملازم -2-
- يوميات ملازم -1-
- الحب والغباء
- المُستَبِد اللطيف
- الجَلاَّد الحنون
- هاني أبو المجد
- يا من لم يعرفني قَطّ
- مقتطفات من كتبي
- في المهجع
- فول أخضر
- حصاد الحقل الإلكتروني
- السيدة كورونا


المزيد.....




- بعد تشوّهه الجسدي الكبير.. وحش -فرانكشتاين- يعود جذّابا في ا ...
- التشكيلي سلمان الأمير: كيف تتجلى العمارة في لوحات نابضة بالف ...
- سرديات العنف والذاكرة في التاريخ المفروض
- سينما الجرأة.. أفلام غيّرت التاريخ قبل أن يكتبه السياسيون
- الذائقة الفنية للجيل -زد-: الصداقة تتفوق على الرومانسية.. ور ...
- الشاغور في دمشق.. استرخاء التاريخ وسحر الأزقّة
- توبا بيوكوستن تتألق بالأسود من جورج حبيقة في إطلاق فيلم -الس ...
- رنا رئيس في مهرجان -الجونة السينمائي- بعد تجاوز أزمتها الصحي ...
- افتتاح معرض -قصائد عبر الحدود- في كتارا لتعزيز التفاهم الثقا ...
- مشاركة 1255 دار نشر من 49 دولة في الصالون الدولي للكتاب بالج ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - بسنادا -1-