علي دريوسي
الحوار المتمدن-العدد: 6784 - 2021 / 1 / 10 - 11:48
المحور:
الادب والفن
قبل تعرُّفي على السِّيجارة
اِستعملت طريقة الشفرة والمِشْرَط
كي أُخشِّن من جسدي
ليصير أكثر رجولة
كنت أحفّ بشفرة حلاقة أبي سطوح أظافر يديّ وقدميّ
حتى تصير مُخرّشة قاسية عنيفة
أما جسمي فقد جرَّحته بالمِشْرَط
تركت فيه علامات لا تُمحى
شطّبت ذراعيّ العلويين
ساعديّ
ظهر يدي
بطني
وصدري من جهة القلب
الدم ينز من أنحاء جسدي
وأنا أرقب نوافيره بحبور وتشف
لم أسعَ إلى تطبيب جروحي أو تطهيرها
أتلذّذ بالدَّم النازّ
بتفتق الأنسجة
وتفسُّخ الجلد.
لم أكتفِ بهذا كله
بل أبيت أن أزور عيادة طبية أو مستشفى
فيما إذا اِنكسر إصبع يدي أو قدمي
أو سناً من أسناني
أو جُرحت شفتي خلال مشاجراتي العنيفة
في الشوارع
أمام دور السينما
أو أثناء ممارستي لرياضة القتال الفردي.
أفضّل أن تكون تفاصيل جسدي
ملتوية مشوَّهة بشعة
على أن تكون مستقيمة مستوية متناظرة أنيقة.
كنت منذ طفولتي مؤمناً
أنَّ جاذبية الإنسان تكمن في اللاتناظر واللاستقامة واللاأناقة.
ندمت لاحقاً لأنَّ الجروح والكسور أوجعتني
بقيت ترافقني
حتى أضحت مع الأيام نَدَبات وتشوهات
شاهدة على قبر وترهات مراهقتي.
شطَّبت جسمي بالشفرة والسكِّين
وتركت فيه أثراً أبدياً
لأنني كنت أخاف أن يؤلمني أحدهم
إذا ما سمعته يعيِّرني بالأجرود
لم يكن قد نبت شعر لحيتي ولا صدري بعد.
أنظر يومياً إلى جسدي بالمرآة
أتحسَّس بشرة وجهي الطفولي
وأنزعج
فمجتمعنا البدوي الجميل
يريد وجهاً قاسياً مُشعراً مُجَعَّداً
لا أملساً ناعماً.
في الاستراحات المدرسية
يتحدث الصبيان عن الشعر
يتفاخرون بحلاقة الذقن وشعر الإبط والعانة
أما أنا فأقف محرجاً وقد اِصطبغ وجهي بالأحمر.
أعود إلى الصف حزيناً مهموماً
حالماً باليوم الذي أستيقظ فيه
لأرى غابة شعر كثيف في وجهي وصدري.
تبرهن معلمة الرياضيات نظرية فيثاغوث
أفكر أنا بما تقوله جدتي لحفيدها المُلْتَحي
وهي تطلب منه ـ بلغتها الخاصة ـ كي يذهب إلى الحلّاق:
"لو
كان
من
الشعر
خير
لنما
على
رأس
الدير".
#علي_دريوسي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟