أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة17














المزيد.....

ظل آخر للمدينة17


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 6657 - 2020 / 8 / 25 - 12:48
المحور: الادب والفن
    


جدّي لأبي لم يغادر البيت آنذاك، وجدّتي لأبي لم تغادره.
أما العائلة فقد تبعثرت وتوزّعت على بيوت متباعدة هنا وهناك.
اختار أبي أن نسكن مؤقتاً في بيت صغير في جبل أبو مغيرة في الجزء الشرقي من قريتنا. كان ثمة وضع غير طبيعي يمنعنا من العودة إلى بيتنا في جبل المكبر، وكانت كلمة "الحرب" تتكرر كثيراً على ألسنة الكبار.كانت أمّي في كثير من الأحيان تجلس في الظل الذي ينشره حائط البيت المستأجَر، في الصباح، تحدق ناحية الغرب، وتشير إلى بيتنا في الجبل، أنظرُ نحو الجهة التي تشير إليها أمي، ولا أدري إن كنت فعلاً أرى بيتنا أم أتوهم أنني أراه.
لكنني كنت متيقناً من أن جدي بقي هناك، وقد رفض أن يغادر البيت، رغم المخاطر التي تحدث عنها أبي وأعمامي، لكي يقنعوه بالمغادرة، فلم يستمع إلى كلامهم، والمهاجمون اليهود ارتدّوا على أعقابهم، غير أن الخوف من تكرار الهجوم، منع الناس من العودة إلى بيوتهم في الجبل إلا بعد حين.
ذات صباح، اتفقت مع أختي الكبرى، على الذهاب إلى هناك. كان إحساس ما يدفعنا إلى تلك المغامرة. سرنا في الطريق الترابي الذي تحفّ به أشواك ونباتات برية متيبسة، بفعل حرارة الصيف، توقفنا قليلاً عند الحجر الكبير الذي يستوي على حافة مرتفع من الأرض (حينما عدت إلى الوطن، ومرت بي السيارة في طريق الشياح الذي يمتد قريباً من هذا الحجر، لم أجده بالغ الضخامة على النحو الذي كان يحتلّه في الذاكرة)، وقفت أنا وأختي نتأمل المسافة التي يتعيّن علينا أن نقطعها، بدا علينا شيء من التردد، إلا أن الرغبة في رؤية البيت، وفي رؤية الجد والجدة، دفعتنا إلى المجازفة. انحدرنا نحو طريق الشياح (الذي لم يكن معبداً آنذاك)، سرنا فيه مسافة، ثم انعطفنا يساراً نحو وادي الديماس. قطعنا الوادي، ثم أخذنا نصعد طريق الجبل.
ثمة بيوت هجرها أهلها، تبدو موحشة مربكة لمن يقترب منها، وثمة صخور كثيرة وأشواك، وشجر وارف الظلال يتناثر في الأرجاء، ويكبر في نفوسنا خوف غامض من مفاجآت أكبر من طفولتنا. ورغم ذلك، واصلنا السير حتى وصلنا البيت.
فوجئ الجد والجدة بمجيئنا، ولمّا عرفا أن أحداً من الكبار لا يصطحبنا معه، أصابهما قلق علينا وإشفاق. كان الهدوء يغمر المكان، وليس ثمة أحد سوى الجدة والجد. طفتُ حول البيت، مشيت في برنداته المكشوفة الصامتة، تأملت أبوابه وشبابيكه المغلقة، عدت إلى الغرفة التي يقيم فيها جدي وجدتي. وكنت أواجه حالة ليست سوية بأي حال: لنا بيت في الجبل، فلا نسكنه ولا نعود إليه.
أمضينا أنا وأختي وقتاً في ضيافة جدي وجدتي، تناولنا طعاماً بسيطاً مما يتوفر لديهما، وحينما تأهبنا للمغادرة، وقفت جدتي ترقبنا ونحن نمضي مبتعدين. كنا نوغل في الطريق، وجدتي تتضاءل كلما ابتعدنا عنها، والبيت اختفى بعد لحظات من هبوطنا نحو سفح الجبل.
وصلنا الحجر الكبير، ارتميت في ظله وأنا أشعر بصداع شديد في الرأس، ساعدتني أختي على النهوض، وبقيت أياماً طريح الفراش من ضربة شمس.
غير أن إقامتنا بعيداً عن البيت لم تطل كثيراً.
كان ذلك في صيف عام 1948. عام النكبة التي أدت إلى انهيار المجتمع الفلسطيني وتعطيل مشروع الحداثة الفلسطينية. ولم أكن أعي الأبعاد المأساوية لما وقع آنذاك.
يتبع..



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظل آخر للمدينة16
- ظل آخر للمدينة 15
- ظل آخر للمدينة14
- د. حنا ميخائيل.. مثقف ثوري لا يمكن نسيانه
- ظل آخر للمدينة13
- ظل آخر للمدينة12
- ظل آخر للمدينة11
- ظل آخر للمدينة10
- ظل آخر للمدينة 9
- ظل آخر للمدينة8
- ظل آخر للمدينة7
- ظل آخر للمدينة6
- ظل آخر للمدينة5
- ظل آخر للمدينة4
- ظل آخر للمدينة3
- ظل آخر للمدينة2
- ظل آخر للمدينة1
- عن نجوم أريحا لليانة بدر
- مرغريت أوبانك صديقة الأدب العربي
- بحر الحب والرغبات/ نص


المزيد.....




- -عصر الضبابية-.. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط
- الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر ...
- بن غفير يسمح للمستوطنين بالرقص والغناء أثناء اقتحام المسجد ا ...
- قصص ما وراء الكاميرا.. أفلام صنعتها السينما عن نفسها
- الفنان خالد تكريتي يرسم العالم بعين طفل ساخر
- رابط شغال ومباشر.. الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- خبر صحفي: كريم عبدالله يقدم كتابه النقدي الجديد -أصوات القلب ...
- موسيقى للحيوانات المرهقة.. ملاجئ الولايات المتحدة الأمريكية ...
- -ونفس الشريف لها غايتان-… كيف تناول الشعراء مفهوم التضحية في ...
- 10 أيام فقط لإنجاز فيلم سينمائي كامل.. الإنتاج الافتراضي يكس ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة17