أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة5














المزيد.....

ظل آخر للمدينة5


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 6603 - 2020 / 6 / 26 - 14:13
المحور: الادب والفن
    


يطول انتظاري. أقطع الوقت في التأمل وفي مراقبة الناس، مراقبة بريئة ليس فيها أذى أو إساءات: ثمة صبية شابة تضع على رأسها إيشارباً أسود، فيبدو وجهها الأبيض الجميل كأنه قمر يبزغ من قلب الظلام، تلتصق بخطيبها على نحو حميم، ولا تفتأ تحدثه بكلام كثير، فلا تهدأ شفتاها اللتان مثل شفتي أرنبة. وحينما تسكت يبدأ دوره في الكلام، فتصغي إليه، وهي منهمكة في ترتيب الإيشارب حول وجهها (أغبطهما على هذا الانسجام الذي لا يحتاج إلا إلى قليل من الجهد)، ويظلان كذلك إلى أن يظهر الرقم الخاص بهما على اللوحة الإلكترونية، فأتحول ببصري عنهما إلى بقية الجالسين والجالسات: ثمة نساء يرتدين الملابس الشرعية (يتعزز مزاج محافظ لدى بعض الشرائح الاجتماعية، خصوصاً مع تعقد فرص حل الصراع). وثمة نساء أخريات يرتدين ملابس عصرية تلتصق بأجسادهن، وهو الأمر الذي كان ابن عم أبي يتابعه بفضول لافت للانتباه، لكنه كان يموه رغبته بإطلاق شتيمة على كل امرأة ترتدي ملابس فاضحة. وأنا لا أختلف كثيراً عن ابن عم أبي من هذه الناحية، أحب تأمل النساء وهن يتخطرن بملابسهن الجميلة، غير أنني لا أطلق أية شتيمة، وأواصل تأمل كل شيء حولي.
وأرى جيلاً من الشباب الذين لا يأبهون بأوامر الحارس المتغطرس، بل إنهم في أحيان كثيرة يدخلون في مناكفات مقصودة معه، يقفون، يأمرهم بالجلوس، فلا يطيعونه، فيحاول إرغامهم على ذلك، فلا يكترثون له، ثم يضطر إلى معاملتهم بالحسنى كي يمتثلوا لكلامه.
وثمة جيل جديد من الفتيات القادمات من القرى المحيطة بالمدينة، لا يختلفن في شيء عن بناتها، بعد أن أصبحن قادرات على استكمال دراستهن في مدارسها، ولم يعد مستهجناً أن يظهرن في الشوارع ببنطلونات الجينز المشدودة على أردافهن، وبالبلوزات الناعمة التي تنحشر تحتها نهود مشرئبة، ظلت سبباً من أسباب نقمة خالي الزبال، على بنات اليوم، لكثرة ما لديهن من أفانين الإثارة والاستعراض، فإذا تحدث عن طيشهن، فإنه لا يطيب له إلا شتمهن بأقذع الكلمات، فهو لا يرى الأمور إلا من خلال نزواته التي تأخذ عليه كل تفكيره.
وأنا أتابع كل شيء تقع عليه عيناي، في هذا اليوم من شهر أيار، في القدس التي عدت إليها بعد غياب (كم كنت أتألم لمشهد أهلها، وأنا أراهم يهبطون من الحافلات التي تنقلهم من طرف الجسر إلى طرفه الآخر، في رحلة القدوم إلى عمان! كنت أراهم متساوين في الشقاء، لا فرق بين غني وفقير، أو بين موظف كبير وموظف صغير، فالجميع مجبرون على ركوب وسيلة المواصلات الوحيدة المتاحة، لزيارة ابن يمنعه المحتلون الإسرائيليون من دخول الوطن، أو لحضور زفاف حفيدة عاشت حياتها كلها في المنفى، أو لحضور العزاء في عزيز مات، أو لأسباب أخرى كثيرة. كانوا يبدون بملابسهم التي "جعلكها" السفر، وبحقائبهم الخاضعة لشتى أنواع التفتيش، كأنهم خارجون لتوهم من زنازين السجون).
أبتدع لعبة أخرى لقتل الوقت، أحدق في ملامح الخلق المنتظرين، ثم أرى إلى أي حد تشبه ملامح أناس أعرفهم: هذا الرجل الجالس غير بعيد مني، يشبه ممثلاً مصرياً يلعب أدواراً شريرة، غير أن الرجل الذي أراه، يبتسم بين الحين والآخر مثل طفل. تلك المرأة التي ما زالت في الثلاثينات، تشبه زوجة صديقي الذي رافقني في رحلة الغربة، أثناء إقامتي في مدينة براغ. لها أنف بارز في وجهها، يجعل ملامحها توحي بالنزق، غير أنه لا يفسد جمال وجهها. ذلك العجوز المهموم، أين قابلته؟ أو أين قابلت من يشبهه؟ لا أدري، لكنني أشعر كما لو أنني أعرفه. تلك المرأة الصبية التي تحمل طفلها، لها بشرة بيضاء، وعينان زرقاوان، ترتدي جلباباً، وتضع على رأسها إيشارباً أبيض، وطفلها الآن يبكي، تحني جسدها صوبه، تدير ظهرها إلى الجمهور، وتتجه بصدرها نحو النافذة، تخرج ثديها بحركة سريعة، تدنيه من شفتي الطفل، فيسكت، ثم تغطيه بطرف الإيشارب كي لا يطول انكشافه أمام نظرة عابرة أو غير عابرة.
وتستمر همهمة الجمع المنتظر إلى ما بعد الظهيرة. ونكون جميعاً في مزاج سيء لطول فترة الانتظار.
يتبع..



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظل آخر للمدينة4
- ظل آخر للمدينة3
- ظل آخر للمدينة2
- ظل آخر للمدينة1
- عن نجوم أريحا لليانة بدر
- مرغريت أوبانك صديقة الأدب العربي
- بحر الحب والرغبات/ نص
- عن رواية يحيى يخلف: نجران تحت الصفر
- من قديمي الجديد: عندما تشيخ الذئاب.
- من قديمي الجديد: معين بسيسو ما زال معنا
- عن رواية الخاصرة الرخوة
- عن رواية سرير المشتاق لفاروق وادي
- من قديمي الجديد عن المسرح الفلسطيني/ مقالة
- عن سيرة الكاتب جميل السلحوت
- الشخصية الإشكالية في رواية خسوف بدر الدين لباسم خندقجي
- غسان حرب مناضل ومثقف واسع الأفق
- مشهد من رواية ظلال العائلة
- مشهد من رواية مديح لنساء العائلة
- مشهد من رواية فرس العائلة
- خمس وأربعون سنة من الكتابة للأطفال/ شهادة.


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة5