أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة3














المزيد.....

ظل آخر للمدينة3


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 6593 - 2020 / 6 / 15 - 14:05
المحور: الادب والفن
    


جاء الناس للسلام علي.
جاء رجال العشيرة، وجاءت نساؤها. بالعباءات المقصبة وبالأزياء العصرية جاءوا. بأثواب الحبر السوداء، وبالفساتين المجلوبة من أسواق المدينة جئن. وفي صدر البيت تستقر صورة جدي الذي كان شيخ العشيرة. أحدق في الوجوه المتعبة، وأتساءل بيني وبين نفسي: هل فعلاً غيرت الانتفاضة سلوك الناس؟ هل طرأ تحول فعلي على عشيرتنا، بعد أن أصبحت قرية عرب السواحرة جزءاً من القدس؟
لا أستعجل البحث عن أجوبة، رغم إدراكي أن مجتمعاً يرزح تحت الاحتلال لا يمكنه التخلص بسهولة من التخلف والجمود.
جاء ثائر البرغوثي، أحد مغني الانتفاضة ومعه فرقته الموسيقية.
غنى ابتهاجاً بعودتي. ورقص على أنغام فرقته عشرات الشباب، رقصاً لم تألفه من قبل، القرية التي عبرت فيما مضى عن فرحتها، بالسحجة والدبكة وأنغام الشبابة والناي (إذن، ثمة تغير هنا!). وجاء مراسلو الصحف، فالتقطوا لي صوراً مع العائلة، وأجروا معي حوارات، حول مشاعري وأنا أعود للوطن. بعض الصحافيين الراغبين في الخروج عن المألوف، حولوا أمر العودة إلى ما يشبه الفيلم الميلودرامي بنوعية الأسئلة التي طرحوها، والصور التي رغبوا في التقاطها لي وللأهل، لنشرها في صحفهم.
وما زال بيت العائلة الذي عشت فيه طفولتي وشطراً من شبابي يصارع الزمن. ورغم حيطانه الكالحة، وهيئته المتطامنة، فإن الزخرفات التي رسمها داخله، ذلك الدهّان الذي أحضره أبي لهذه الغاية قبل عشرات السنين، ظلت محتفظة ببعض بهائها. كان الدهّان أسود البشرة، محباً للمسرات. وقد أخبرني أبي بعد ذلك بسنوات، أنه كان يأخذ منه النقود، لقاء عمله في بيتنا الذي استمر وقتاً غير قليل، فيذهب إلى خمارة في القدس، يشرب فيها العرق حتى درجة السكر، ثم يعود لمواصلة العمل من جديد ببطء وإتقان. أحضر لي الدهّان من المدينة قلم رصاص، فلم أترك حائطاً في البيت إلا حاولت الخربشة عليه، حتى بادرت أمي إلى نزع القلم من يدي، فلم تكتمل فرحتي.
أما غرفة أختي أمينة، فقد ظهر صدع خطير في حائطها الشرقي.
بناها أبي لها عام 1964 كي تسكن فيها بعد زواجها من أحد أبناء العشيرة، وهو زواج دفعناها إليه دفعاً، دون أن نترك لها فرصة للتعبير عن رأيها فيه، فلم تنبس ببنت شفة احتراماً لنا. ماتت بعد زواجها بعام واحد، فاستخدمتُ الغرفة للاجتماعات الحزبية، ولاستضافة بعض الأصدقاء فيها، حتى أصبح اسمها "الصومعة". ثم قمنا بهدمها بعد عودتي إلى الوطن، كي لا تسقط على رؤوسنا في غفلة من ليل أو نهار. كان مشهدها وهي تتهاوى أمام الضربات، مثيراً للأسى. أمينة لم تسكن في هذه الغرفة يوماً واحداً، لأن زوجها أخذها معه إلى مدينة الزرقاء.
كنت متعباً جرّاء رحلة العودة، وها أنذا أنام ليلتي الأولى في البلاد.
ثمة نسمات هواء عذبة رخية تتسلل إلي من النافذة، وثمة هدوء لا يعكره سوى نباح الكلاب المتقطع المنبعث من أمكنة متعددة (تتجاور أنماط معيشة بدوية وفلاحية ومدنية في هذا الحي، ما يجعل للحيرة والالتباس فرصة للظهور في بعض سلوكيات الناس). نمت نوماً عميقاً، وفي الصباح المبكر، استيقظت على صياح الديكة، ونهيق حمار يقتنيه الجيران. كان نهيقاً له حضوره المدوي، ولم يخفف من وطأته سوى التغريد الرشيق لعصافير الدوري التي تتقافز على أغصان الأشجار المحيطة بالبيت. كانت جوقة الأصوات تشتبك معاً معلنة عن مكان أليف أعرفه. استمتعت بذلك، وأنا أستعرض في ذهني شريطاً طويلاً من الذكريات، ثم غرقت مرة أخرى في بحر النوم.
بعد أسبوع، جاءت دورية عسكرية. طلب الضابط الإسرائيلي منا إنزال العلم الفلسطيني الذي كان يرفرف على سطح البيت، احتفاء بعودتي. تولى أبي مهمة التفاوض مع الضابط، محاولاً التصرف بمرونة معه، لأنه لم ينس بعد تنكيل جنود الاحتلال بشباب الانتفاضة في هذا الحي وفي غيره من الأحياء. وعده بإنزال العلم بعد انصرافه، فانصرف.
وبالفعل، تم إنزال العلم.
يتبع..



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظل آخر للمدينة2
- ظل آخر للمدينة1
- عن نجوم أريحا لليانة بدر
- مرغريت أوبانك صديقة الأدب العربي
- بحر الحب والرغبات/ نص
- عن رواية يحيى يخلف: نجران تحت الصفر
- من قديمي الجديد: عندما تشيخ الذئاب.
- من قديمي الجديد: معين بسيسو ما زال معنا
- عن رواية الخاصرة الرخوة
- عن رواية سرير المشتاق لفاروق وادي
- من قديمي الجديد عن المسرح الفلسطيني/ مقالة
- عن سيرة الكاتب جميل السلحوت
- الشخصية الإشكالية في رواية خسوف بدر الدين لباسم خندقجي
- غسان حرب مناضل ومثقف واسع الأفق
- مشهد من رواية ظلال العائلة
- مشهد من رواية مديح لنساء العائلة
- مشهد من رواية فرس العائلة
- خمس وأربعون سنة من الكتابة للأطفال/ شهادة.
- أهل البيت/ قصة
- أدب الأطفال والتشجيع على القراءة


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة3