أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة13














المزيد.....

ظل آخر للمدينة13


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 6629 - 2020 / 7 / 27 - 13:45
المحور: الادب والفن
    


كنت أراقبها والقنابل تنقض على أبنيتها الملمومة داخل السور، ثم لا تلبث أدخنة كثيرة أن تنعقد في سمائها. ولم أكن أعي دلالة الحرب آنذاك، غير أنني استطعت تلمس بعض شرورها.
كان جدي وأبي وأعمامي يتجمهرون بالقرب من ساحة بئر الماء، يتابعون بقلق، القذائف التي تسقط فوق البيوت وأماكن العبادة. يأتي أناس آخرون من أبناء عشيرتنا، يراقبون المشهد، ولا ينفضّون إلا بعد أن تغيب الشمس، وتصبح الرؤية متعذرة.
منحت سلطة الإنتداب البريطاني جدي لأبي، بوصفه مختاراً للعشيرة، مذياعاً مستطيل الشكل، له إطار من خشب صقيل. كانت مضافته في تلك الأيام، تغص بالرجال الذين يتوافدون لسماع الأخبار. ويأتي إلى المضافة رجال من البدو يخفون تحت عباءاتهم بنادق للبيع. كان جدي مغرماً باقتناء البنادق، تحسباً من الأخطار القادمة. ولم يكن أحد من الرجال الوافدين يلمح أثراً لأية امرأة من نساء العائلة. كن ينزوين تماماً عن الأنظار، كي لا يثرن غضب جدي المعروف بصرامته التي لا ترحم أياً منهن.
وفي تلك الأثناء، تطوع خالي الكبير للقتال دفاعاً عن القدس. كان يأتي بين الحين والآخر إلى بيتنا حاملاً سلاحاً سريع الطلقات من نوع (ستن). يسأله الناس في مضافة جدي عن أخبار القتال، فيمعن في سرد حكايات، يبدو بعضها كأنه من نسج الخيال، يؤكد لهم أن ثمة نسوة يهوديات يحملن السلاح ويقاتلن جنبا إلى جنب الرجال. كان هذا الأمر محيراً للكثيرين من أبناء عشيرتنا الذين يحجزون نساءهم في البيوت (ولعل هذا كان أحد مؤشرات نكبتنا القادمة). وكان هذا الخال يخصني بالكثير من الرعاية والاهتمام، فيحضر لي من المدينة دمى لطالما أدخلت المسرة إلى نفسي. وكانت له مشاكسات تثير حفيظة الكبار.
جاء مرة إلى بيتنا، وحينما أبصرته قادماً من بعيد، ركضت في اتجاهه. سرت إلى جواره حتى إذا أقبلنا على حمار يرعى العشب في حقل قريب، سدد (الستن) نحوه، وطلب مني أن أضغط على الزناد، تهيبت ولم أفعل، ربما خوفاً من استخدام السلاح أو شفقة على الحمار. فلما أخبرت أمي بالأمر، وجهت إليه لوماً، فأرسل ضحكة ممطوطة بغير اكتراث.
وجاء مرة أخرى، ومعه امرأة شابة ترتدي ملابس غير مألوفة في قريتنا، تكشف أجزاء من ساقيها وذراعيها، وينسدل شعرها على كتفيها بعفوية واسترخاء. سمعت خالي يقول لأحد السائلين قبل أن يصل إلى بيتنا، إنها خطيبته. وسمعتها تضحك وتقول، إنه خطيبها. تأملت المرأة ودققت النظر في ما انكشف من جسدها، ثم رأيت تجهماً على وجه أبي، وأمي تداري حرجها وتحاول لملمة الموقف على نحو ما. جلست المرأة في ركن الدار، وظل خالي في الخارج يحاول توضيح الأمر لأمي، وأنا أعود إلى المرأة بين الحين والآخر لكي أتأمل جسدها من جديد. سمعت أبي يقول هامساً: إنها واحدة من بنات "الحلال". ولم أدرك معنى هذه الكلمة آنذاك. لكن تحفظ أبي وأمي تجاه زيارتها لبيتنا جعلني أخشى الإقتراب منها، فبقيت تلك الليلة أراقبها بحذر حتى نمت (فيما بعد، سوف يتزوج أحد أقاربي من إحدى بنات العشيرة، فلا يستطيع الدخول عليها، يطبخ له أهله الفلفل بكميات كبيرة، يلتهمه لعل فحولته تستيقظ من سباتها، فلا تستيقظ، فيظل عاجزاً مسكوناً بالخجل أمام أبناء العشيرة. يأخذونه إلى الفتاحين وشيوخ الطرق الصوفية، يصنعون له الأحجبة ويصفون له الوصفات دون فائدة. أخيراً، يأخذه والده إلى المدينة، ولكن لأي هدف؟ تهمس النسوة في جلساتهن الخاصة: إلى إحدى بنات "الحلال" لاختبار فحولته. يعود من المدينة واثقاً من نفسه، يختلي بعروسه، ثم ينكفئ على وجهه غير قادر على فعل شيء. تتذكر أم العريس أنها أرضعت العروس من ثديها ذات مرة. إذن فهي أخته في الرضاعة، وفي هذه الحالة، فإن التفريق بينهما هو الحل الوحيد. أستمع إلى كل ذلك، وأتعرف إلى بعض الأسرار التي تنطوي عليها المدينة. وفي سنوات لاحقة تخبرني أمي أن العروس كانت كارهة لعريسها، وأنها أجبرت على الزواج منه دون رغبة منها، وهذا سبب كافٍ لانعدام التوافق بينه وبينها، ولكنه لم يطلقها إلا بعد عشر سنوات من علاقة زوجية بائسة).
في الصباح، فتحت عيني أبحث عن المرأة فلم أجد لها أثراً، لأنها غادرت بيتنا في الفجر مع خالي، الذي لم يطل اشتراكه في القتال، ولم يعد أحد يدري عنه شيئاً، إذ غاب عن الأنظار فترة طويلة حتى ظن جدي لأمي أنه مات. إلا أنه عاد ولم يمت إلا بعد ذلك بسنوات.
يتبع..



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظل آخر للمدينة12
- ظل آخر للمدينة11
- ظل آخر للمدينة10
- ظل آخر للمدينة 9
- ظل آخر للمدينة8
- ظل آخر للمدينة7
- ظل آخر للمدينة6
- ظل آخر للمدينة5
- ظل آخر للمدينة4
- ظل آخر للمدينة3
- ظل آخر للمدينة2
- ظل آخر للمدينة1
- عن نجوم أريحا لليانة بدر
- مرغريت أوبانك صديقة الأدب العربي
- بحر الحب والرغبات/ نص
- عن رواية يحيى يخلف: نجران تحت الصفر
- من قديمي الجديد: عندما تشيخ الذئاب.
- من قديمي الجديد: معين بسيسو ما زال معنا
- عن رواية الخاصرة الرخوة
- عن رواية سرير المشتاق لفاروق وادي


المزيد.....




- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...
- طهران تحت النار: كيف تحولت المساحات الرقمية إلى ملاجئ لشباب ...
- يونس عتبان.. الاستعانة بالتخيل المستقبلي علاج وتمرين صحي للف ...
- في رحاب قلعة أربيل.. قصة 73 عاما من حفظ الأصالة الموسيقية في ...
- -فيلة صغيرة في بيت كبير- لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميل ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة13