|
الوقوف ضد الفكر التكفيريِّ من مسؤوليات الحكومات .
يوسف حمك
الحوار المتمدن-العدد: 6197 - 2019 / 4 / 10 - 18:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كل ما تجاوز حده ، و غالى المعنيون بالأمر في الإسهاب و المجادلة العقيمة ، لإثبات صحة فكرٍ دون غيره فهو تطرفٌ . و كل ما خلا من لين الكلام وحسن المعشر ، أو افتقد اللطف و التودد و جميل الذكر و القول فهو إفراطٌ في الجهل و عين التطرف . الجهل بمبادئ العلم و مخالفة أحكام العقل ، و الانغماس في الفوضى و المغالاة في الاعتقاد بنبذ كل ما لا يتوافق معه إلى درجة الجرأة على إصدار أحكامٍ تخالف المنطق ، بنفي الآخر تهميشاً و إقصاءً فهو التطرف أيضاً .
أما التجاهل بأن الفتوى اجتهادٌ بشريٌّ قابلٌ للخطأ أكثر من الصواب ، و نسيان أن نصوص التراث من خلاصة العقل البشريِّ مليءٌ بالمغالطات ، وإضفاء صفة القداسة عليها سقطةٌ عقليةٌ بعيدةٌ عن جادة الصواب و خطيئةٌ كبرى .
و الأنكى أن القائم بالأمر حينما يداهمه الغرور - معتقداً أنه وحده من يمتلك الحقيقة - يبادر إلى زندقة الآخر و تكفيره ، و يبدأ بممارسة الإرهاب لتصفيته جسدياً !!!
نصوصٌ عتيقةٌ مسمومةٌ من قبل السلف و الأوائل ، تنتقل سمومها من جيلٍ لآخر . و أي اعتراضٍ يُعَد خروجاً عن آراء السلف الصالح ، و يعتبرونه كفراً و شركاً ، يستوجب إقامة الحد على المخالف ( ألا وهو القتل و قطع العنق و حز الرقبة )
فها هو ابن تيمية يفترق جمهور العلماء ، مارقاً من إجماعهم ، ينكر كل آرائهم بوضعها في خانة الضلال و البدعة . فكل ما قام به الرسول و أتباعه في غزواتهم ، و ما مارسوه في حروبهم ، أو ما قالوه في الأمور الفقهية ، لا يقبل لها بديلاً أو اجتهاداً !! أمثلةٌ قليلةٌ من فتاويه الكثيرة القاتلة ، و كأنها مدجنةٌ الموت لتفريخ جيشٍ من القتلة ، و معملٌ لصناعة الإرهابيين !!!! يقول ابن تيمية : ( من قال لرجلٍ : توكلت عليك ، أو أنت حسبي ، أو أنا حسبك ، يستتاب ، فإن تاب و إلا قُتل ) لذا فحذار من أن تقول لأحدٍ اعتمدت عليك في أمرٍ ما . و حسب فتوى ابن تيمية سيقيم الحد عليك ، و هو القتل . فهو يقصد باتكالك على شخصٍ ، قد رفعته إلى منزلةٍ إلهيةٍ ، و ساويت بينه و بين الله . ثم يستأنف في فتاويه حينما يقول : ( من أدعى أن له طريقاً يوصله إلى الله و إلى رضوانه و كرامته و ثوابه ، غير الشريعة التي بعث بها رسوله ، فإنه كافرٌ يستتاب ، فإن تاب ، و إلا ضرب عنقه ) فإما أن تكون مسلماً و على / ملته تحديداً / و إما وجب قطع رأسك !!!!! و أما في مسألة من نسي أداء صلاةٍ ، أو تأخيرها حتى ينقضي وقتها فقد قال : ( من أخر الصلاة لصناعةٍ أو خدمة أستاذٍ أو غير ذلك ، حتى تغيب الشمس وجب قتله )
ثقافةٌ نقلٍ خصبةٌ للتطرف و الإرهاب ، و أداةٌ للقتل بلا رحمةٍ . فكرٌ سلفيٌّ يكرس العنف و الفتك ، يرى القتل هو السبيل الأوحد للتعامل مع من يخالفه !!! إرثٌ تكفيريٌّ مدمرٌ للقيم الروحية ، مستهدفٌ للحب و الحياة . نصوصٌ جهاديةٌ ولودةٌ للموت و العسف و الجور . وعيٌ مشحونٌ بالنقل ، لا بالتعقل و النضج و الوسطية و الاعتدال . نصوصٌ جهاديةٌ محرضةٌ ، تصنع الموت ، و تعشق القتل ، فتضع الفناء فوق أي اعتبارٍ . مؤسساتٌ دينيةٌ ، و معاهدٌ مذهبيةٌ من منابرها يعلو صوت الخطاب المتشدد القاتل المحشو بالكراهية و الحقد ، يجب غلق أبوابها .
ثم ما مبرر وجود يوم الحساب إذا كان وكلاء الله على الأرض يقومون بمعاقبة من يخالف أوامره ؟!!! و إذا كانت عملية القتل و الموت و الحرق و حز الرقبة ساريةً مفعولها في حياة الدنيا - إن كنتَ تسميها حياةً - فما جدوى الانتقال إلى يوم القيامة ؟!!!! و إذا كان المخالف نال جزاءه العادل فقُتِلَ و مات . فهل بقي على ذمته شيءٌ من العقوبة ؟!!! أم إن هذه الآية يجب ألا تكون معمولةً بها : ( فإن الجحيم هي المأوى ) . سورة النازعات الآية / 39/ ؟! ألا يدل ذلك على أن الجحيم تبقى خاويةً من أهلها ؟!!! و لم تعد مأوى للغاوين الذين نُفِذَ عليهم الحكم !!!! أم إن القتل و الذبح و قطع الرقبة لا يبرد القلب ، و لا يثلج الصدر ، و لا يشفي الغليل ، فوجب على المخالف عقوبتين إحداهما في الدنيا ، و الأخرى ما بعد القيامة من الأجداث ؟!!
و العجيب أن الكثيرين يغضون الطرف عما أسلفناه ، فينكرون وجود حاضنةٍ للقتل و الذبح ، بإلقاء اللوم على زعماء القوى العظمى بأنهم هم من صنعوا التطرف و الإرهاب !!! نعم لقد استثمروا هذا الفكر المتطرف و إنعاشه . لكنهم لم يصنعوه !!! فأصله مغروسٌ منذ القدم ، و النصوص محفوظةٌ مذ عهودٍ سحيقةٍ . و ما داعش سوى ابنٌ بارٌ لهذا الفكر ، و ربيبه الوفيُّ !!
#يوسف_حمك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا ربيع في وعي مجتمعاتنا التعيسة بالمطلق !
-
التقليد الأعمى ظاهرةٌ مجتمعيةٌ مرضيةٌ .
-
الفن وهجٌ دفيءٌ لروح طفلٍ لا وطن له .
-
نوروز رمز التآلف و النضال ، للانعتاق .
-
بياض لبن الضأن ، و مذاقه !
-
المرأة ضحية الرجل ، و صمتها معاً .
-
حينما يتغير مسار الكلمات .
-
ترويض الفكر ضرورةٌ ، لبناء مجتمعٍ آمنٍ .
-
يبيع كلامه ، لكنه لا يأخذ أجره .
-
في قلوبنا أطيافٌ تضيء أرواحنا .
-
و للعشاق ساعاتٌ مرخصةٌ للإعلان عن حبهم .
-
ماتت المعارضة العفيفة ، مثلما مات إله نيتشه .
-
حقيقة الإنسان في عالم الوهم .
-
الكلمة الموحية تبحث عن مستقرٍ لها .
-
ما أتعس القلم التابع !!
-
لا تُحرِّم لغيرك ما تحلله لنفسك .
-
للحنين وحدي جحفلٌ جرارٌ .
-
أحلامٌ من الألم عاقرةٌ .
-
يحق للعامل أجرٌ في العمل الإضافيِّ .
-
همسة الحب نقيةٌ ، كبراءة طفلٍ .
المزيد.....
-
ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة
...
-
تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب
...
-
ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر
...
-
اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة
-
تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل
...
-
تنبأ فلكيوهم بوقت وقوعها وأحصوا ضحاياها بالملايين ولم تُحدث
...
-
منظمة يهودية تطالب بإقالة قائد شرطة لندن بعد منع رئيسها من ا
...
-
تحذيرات من -قرابين الفصح- العبري ودعوات لحماية المسجد الأقصى
...
-
شاهد: مع حلول عيد الفصح.. اليهود المتدينون يحرقون الخبز المخ
...
-
ماذا تعرف عن كتيبة -نتسيح يهودا- الموعودة بالعقوبات الأميركي
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|