أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين محمود التلاوي - طبق من ورق العنب














المزيد.....

طبق من ورق العنب


حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)


الحوار المتمدن-العدد: 5706 - 2017 / 11 / 22 - 18:58
المحور: الادب والفن
    


كان يمني نفسه بتناول وجبة شهية. لذلك قرر أن يدخل إلى أحد المطاعم نصف الفاخرة ليتناول واحدة من الوجبات الدسمة، وتأكد قبل أن يدخل إلى المطعم أن معه من المال ما يكفي لتغطية تكلفة وجبة متوسطة بأسعار ذلك المطعم.
اجتاز بوابة المطعم، وذهب إلى الطابق الثاني وفق إرشادات العاملين، وصك أذنيه، وهو لا يزال على السلم، الصخب المميِّز للمطاعم من اصطدام أدوات المائدة بالأطباق، وحديث الرواد، وصياح بعض الأطفال الصغار، وأصوات الموظفين، وهم ينادون بعضهم على بعض لتلبية طلبات الزبائن.
لم يلق بالًا لكل تلك الضوضاء التي ألفها منذ أن احترف تناول الطعام في المطاعم، وانتقى منضدة صغيرة الحجم بعيدة عن صخب المطعم، وجلس في انتظار أن يأتي أحد العاملين ليأخذ طلباته. وبالفعل ما إن استقر به المقام حتى جاء إليه أحد العاملين، ولكن بدلًا من أن يسأله العامل عما يطلب، طلب منه أن ينتقل إلى منضدة أخرى. كان الطلب مفاجئًا بشكل ما؛ لأن المنضدة كانت مناسبة من حيث صغر حجمها، وربما كان هذا هو ما دفعه إلى أن يختارها؛ فلا يجلس إلى منضدة كبيرة؛ ليأتي أحد العمال ويطلب منه الانتقال إلى منضدة أصغر؛ لأنه يجلس بمفرده، بينما المناضد الكبيرة مناسبة لمن هم أكثر من فرد.
كان العامل مهذبًا في أسلوبه، كما كانت المنضدة التي اختارها له مناسبة؛ فلم يمانع في الانتقال، وإن لم يستطع أن يمنع نفسه من ذكر السبب في اختاره المنضدة من أنها صغيرة ومناسبة له كفرد واحد، لكن الموظف قال له إن المائدة في مرمى نظر سائر رواد المطعم؛ لأنها تقع أسفل شاشة التلفاز التي تكون محط نظر رواد المطعم؛ فمنهم من يشاهدها طوال الوقت، ومنهم من يطلع إليها بين الفينة والأخرى.
استقر به المقام مرة أخرى في المنضدة الجديدة، وأعطاه العامل قائمة الأطباق المتاحة في المطعم؛ فقرر أن يختار وجبة دسمة للغاية رغم أنه ليس من محبي الطعام أو ذوي الشهية المفتوحة. راح يجري بعينيه بين الأصناف؛ فوقعت عيناه على طبق ورق العنب. عندها توقف قليلًا، وراح يفكر في أنه لم يتناول هذا الطبق منذ زمن بعيد؛ بعيد للغاية، وتحديدًا منذ أن توفيت والدته؛ فقرر أن يطلب ورق العنب. وعاد إلى قائمة الطعام، وراح يجري بعينيه بين أصنافها مرة أخرى، واستقر، في نهاية الأمر، على أن يطلب لحومًا مشوية وحساءً إلى جانب طبق ورق العنب.
أشار إلى العامل فجاء مسرعًا بشكل ربما كان مفرطًا قليلًا في سرعته، لكنه لم يلتفت إلى ذلك، وأملى عليه طلباته. سأله النادل عما إذا كان يطلب شيئًا آخر، فأجابه بالنفي، وأسرع العامل ليحضر الطلبات. فكر قليلًا في أداء العامل السريع، وبدا له كما لو كان محاولة لإزالة أي أثر سلبي ترتب على مسألة الانتقال بين الموائد، وفكر كذلك في أن هذا المبرر، إن صح، سوف يكون شديد السخافة، لكنه لم يشغل باله كثيرًا، وراح يتجول ببصره في المكان المتاح أمامه من المطعم.
ذهبت عيناه لا إراديًّا إلى المنضدة التي كان يجلس إليها في البداية، ورأى بالفعل أنها قريبة من التلفاز؛ فنقل بصره إلى التلفاز، وكان يعرض أحد لقاءات كرة السلة في الدوري الأمريكي؛ فراح يتابعه، بنصف ذهن. وبعد قليل، جاءت امرأتان تحمل إحداهما طفلًا رضيعًا جلستا إلى المنضدة خلف ظهره. لم يبال كثيرًا، إلا عندما سمع أحد العامين يأتي إليهما، ويسألهما عما إذا كانتا تريدان أن يحضر لهما مقعدًا مخصصًا للأطفال، فرحبتا بشدة. فهم أن العامل لمح السيدتين تواجهان معاناة في إجلاس الرضيع؛ فعرض عليهما إحضار مقعد الأطفال. ولم تمض ثوانٍ حتى حضر الموظف بالمقعد، وساعدهما في إجلاس الطفل عليه؛ فجاءت جلسة الطفل بجواره هو تمامًا لأن المقعد كان كبيرًا فملأ الفراغ بين المنضدتين.
في تلك الأثناء، أحضر نادل أطباق الطعام؛ فبدأ في تناوله. كان من عادته أن يبدأ بالحساء ثم ينتقل إلى الأرز، وبعدها اللحوم سواءً كانت دجاجًا أم لحومًا. ولما لم يكن هناك أرز في الطلبات، كان من المفترض أن يتناول ورق العنب بدلًا منه. لكنه قرر أن يبقي طبق ورق العنب للنهاية؛ فهو اليوم الطبق الخاص.
وبالفعل تناول الحساء، وبدأ يتناول اللحوم، ثم أخذ يأكل أصابع ورق العنب في تمهل، وكأنه مدخن حُرِمَ طويلًا من سجائره المفضلة. وبعد أن انتهى من تناول الوجبة، أشار إلى أحد العاملين يطلب الفاتورة، ثم نهض من مكانه ليذهب إلى دورة المياه ليغسل يديه إلى حين الانتهاء من إعداد الفاتورة. ولكنه بعد أن نهض من مكانه، وجد صعوبة في التحرك بسبب مقعد الطفل الذي كان يشغل الحيز بين المنضدتين. لم يكن هناك سوى مساحة صغيرة فقط وجد، على نحافة جسده، صعوبةً في المرور منها، لكنه لم يشأ أن يحرك مقعد الطفل؛ حيث قال في نفسه إنه طفل، ولا ريب أنه سوف يتعين عليه أن يفسح المكان للآخرين طيلة عمره؛ فلا داعي لإثقاله بمثل هذا الطلب، وهو لم يخرج من مهده حتى. وبعد أن غسل يديه، ذهب إلى المنضدة؛ فأحضر حقيبته، ودفع الحساب، وغادر المطعم.
عندما خرج إلى الشارع، فاجأه الهواء الساخن بعد الهواء المكيف داخل المطعم؛ فوقف قليلًا ليعتاد على اختلاف الجو، وليفكر في خطوته التالية، وما إذا كان سيعود إلى المنزل أم يتجول قليلًا، وبعد فترة قرر أن يعود إلى المنزل، ويشتري بعض اللوازم في طريق العودة. ولما بدأ السير، شعر ببعض التثاقل في خطواته من تأثير الطعام؛ ففكر في أن الطعام على ثقله كان شهيًّا، ولذيذًا، إلا أنه وأثناء عبوره الطريق أقر في نفسه أنه على لذته لا يكاد يقترب من نصف ما كان في طبق ورق عنب أمه من لذة ودفء.



#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)       Hussein_Mahmoud_Talawy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمطار...
- جمهورية العبيد
- عبد الحليم... صوت مصر إذ يخفت وسط صخب الانفتاح...
- مصر... هل تسير على الخطى الروسية؟!
- الكاتب الذي طار في الهواء...
- حنان الصناديدي في -آنست نورًا-... في فن البوح
- دولة الأقوياء... هل أصاب لينين؟!
- الدرب المضيء... هل لا يزال مضيئَا؟!
- تجليات خماسية
- الانسحاق... بين توصيف لينين... ومسكنات الرأسمالية... وبراد م ...
- طليعة لينين... لماذا لم تأت إلى ميدان التحرير؟!
- خماسية
- ما انتبه إليه ماو... واستغله الفلول... ولم يفهمه -الثائرون-. ...
- حلب، السويس، ستالينجراد... كفاح المدن... وصمود الإنسان
- في التناقض... والحالة المصرية...
- ما انتبه إليه لينين... ولم يره المصريون...
- سُباعيَّة شديدة القِصَر (2)
- حرب الأمير (قصة كاملة)
- المصري في عيد العمال... أرقام، وذكريات من الأدغال!!
- روسيا والثورة الشيوعية... سرد تأملي مختصر... الماكينات النسا ...


المزيد.....




- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين محمود التلاوي - طبق من ورق العنب