أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - حسين محمود التلاوي - جمهورية العبيد















المزيد.....

جمهورية العبيد


حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)


الحوار المتمدن-العدد: 5578 - 2017 / 7 / 11 - 22:11
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


يقال إن التاريخ يعيد نفسه، وهذه المقولة صائبة ودقيقة. لماذا؟! لأن النفس البشرية لا تتغير عبر الزمان؛ فهي واحدة لها من الخصال من قبل سبعمائة عام ما لها اليوم من خصال، وما سوف يكون لها بعد سبعمائة عام أخرى. ولما كانت النفس البشرية لا تتغير عبر القرون، فمن الطبيعي ألا تتغير أفعال البشر كذلك. وبالتالي، يمكن القول إن التاريخ يعيد نفسه؛ لأن التاريخ عبارة عن أفعال البشر، ولا تختلف أحوال التاريخ عن الحاضر إلا بقدر اختلاف الإطار الذي تجري فيه. ولكن في النهاية الحدث واحد.
هذه ليست مقدمة لبحث استقصائي تاريخي اجتماعي نفسي، ولكنها فقط مجرد مدخل يتيح لنا إلقاء بعض الضوء على جزء مفصلي من المشهد المصري الراهن؛ وهو الجزء المعيشي، بما يتيح لنا فهم ولو شيء ضئيل مما يجري في هذا الجزء الذي يتغير بشكل شبه يومي، وذلك عن طريق عقد مقارنة شديدة السرعة بين ما يجري في مصر الآن وما كان يجري في الجمهوريات اليونانية القديمة. كيف؟!

استثمار... والمحصلة؟!
لـ"فلاديمير لينين" مقولة مهمة وذات دلالة في كتابه "الثورة والدولة" نقتبسها من الصفحة 49 في طبعته الثانية؛ حيث يقول: "إن الحرية في المجتمع الرأسمالي تبقى على الدوام تقريبا على ما كانت عليه الحرية في الجمهوريات اليونانية القديمة: حرية لمالكي العبيد؛ فالعبيد الأجراء الحاليون يظلون، بحكم ظروف الاستثمار الرأسمالي، رازحين تحت أثقال العوز والبؤس لحد «لا يبالون معه بالديموقراطية»، «لا يبالون بالسياسة»، لحد تبعد معه أكثرية السكان، في حالة سير الأحداث في مجراها العادي السلمي، عن الاشتراك في الحياة السياسية والاجتماعية".
يمكن بكل سهولة أخذ هذه العبارة وتطبيقها بالحرف على الواقع المعيشي الراهن في مصر، ولكن مع وضع "رجال الأعمال" بدلًا من "مالكي العبيد" مع الإبقاء على تعبير "العبيد الأجراء" للإشارة إلى العاملين في شركات القطاع الخاص لدى رجال الأعمال. هل الوضع بهذا السوء فعلًا؟! حسنًا، سوف نأخذ تلك المقولة جزءً فجزءً، وفي النهاية سوف ندرك أنها تنطبق بالفعل على الواقع المعيشي المصري دون مبالغة أو سوداوية أو إحباط.
إذا نظرنا إلى إجراءات الإصلاح الاقتصادي الراهنة في مصر لوجدنا أنها بالفعل تحول المواطن إلى عبد أجير لدى صاحب رأس المال. قد يقول قائل إن رجال الأعمال متضررون من إجراءات الإصلاح الاقتصادي؛ لأنهم في النهاية يريدون أن يبيعوا منتجاتهم في مجتمع لدى أفراده القدرة الاقتصادية على شراء المنتجات؛ فإذا فقد المواطن هذه القدرة، خسر رجل الأعمال. لكن الأمور ليست على هذه الدرجة من السوء بالنسبة لرجال الأعمال في مصر؛ فهم لا يخسرون. وحتى إذا خسروا، فإن لديهم رأس المال المتراكم والقدرة على أخذ القروض من البنوك وغير ذلك من الأدوات التي تكفل لهم الاستمرار في المنافسة الاقتصادية والاستمرار في السوق إلى حين إتيان إجراءات الإصلاح الاقتصادي ثمارها بالنسبة لهم بما يعيدهم مرة أخرى إلى القدرة على تحقيق المكاسب.
لكن ماذا عن المواطن؟! بات المواطن غير قادر على مواكبة الارتفاع المستمر في الأسعار الذي يقابله ثبات في الأجور، إن لم يكن انخفاضًا فيها؛ حيث يعاني العاملون في شركات القطاع الخاص من انخفاض في دخولهم بسبب تراجع الأداء الاقتصادي مما يجعلهم لا يحصلون على مكافآت الإنتاج وغير ذلك من الحوافز التي كانوا يحصلون عليها، عندما كانت شركاتهم تحقق أرباحًا.
إذا كان رجل الأعمال يخسر، أو لا يحقق مكاسب، فالمواطن يخسر ويتراجع عشرات الخطوات للخلف في سلم الطبقة الاجتماعية بل إن كثيرًا من المواطنين انتقلوا إلى طبقات أدنى في المستوى المعيشي... كثيرًا من المواطنين... انتقلوا إلى طبقات أدنى كثيرًا...!! كذلك فإن الأفق مفتوح أمام رجل الأعمال بالاستثمار في مجالات أخرى، وكذلك بانتظار إجراءات إصلاح اقتصادي، أو بالتعاون مع القوات المسلحة باعتبارها الجهة المسيطرة حاليًّا على جانب مهم وكبير وحساس من الاقتصاد المصري. باختصار، رجل الأعمال أمامه الكثير من الفرص، بينما المواطن ليس أمامه إلا خياران؛ الأول التحمل والمضي قدمًا في الحياة، والثاني إشهار الإفلاس إنسانيًّا، وهو خيار بات محل تفكير لدى الكثيرين، والإقدام عليه سوف يكلف الدولة والمجتمع الكثير والكثير ولكن هذا ليس مجال النقاش الآن.

الالتهاء...
حسنًا... إذا سلمنا بصحة فرضية أن المواطن في وضعية مأزومة اقتصاديًّا. ما النتيجة؟! النتيجة هي الجزء الثاني من مقولة "لينين". النتيجة هي الإحجام والعزوف عن الممارسة السياسية بشكل نهائي؛ إما لغياب الوعي، أو لعدم الإيمان بالقدرة على الفعل والتأثير في المشهد السياسي. كيف؟!
غياب الوعي ليس مرادفًا للجهل التعليمي؛ فالمرء قد يكون متعلمًا، ولكنه غير واعٍ بما يجري حوله بسبب تسليم عقله وتفكيره لآخرين، أو بسبب عدم التفرغ، وهو الأمر الذي بات منتشرًا في مصر الآن. المواطن غارق تمامًا في أزمته المعيشية الخاصة؛ تفكيره كله مشغول بكيفية الوفاء بالتزاماته إزاء الآخرين الذين لديهم هم كذلك التزامات يعتمد وفاؤهم بها على وفاء المواطن بالتزاماته إزاءهم!! وهي دائرة تشمل المجتمع بأسره؛ فهل لدى المواطن الوقت الكافي للخروج في مظاهرات؟ أو حتى محاولة معرفة الخيارات المتاحة أمامه إزاء ارتفاع الأسعار؟! كلا... كل ما يستطيع المواطن فعله هو أن يستمر في فعل ما دأب عليه المصريون منذ سياسات الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات من القرن الماضي، وهو التأقلم مع الواقع المعيشي. هذا كل ما يستطيع المواطن أن يفعله.
كذلك يعزف المواطن في مصر الآن عن الممارسة السياسية لعدم الإيمان بأن ما يفعله قد يؤدي إلى تغيير للأفضل؛ فقد خرج في يناير من العام 2011، وملأ الميادين، ولكن الأمور دخلت النفق المظلم بسبب المواءمات السياسية وغيرها. كذلك وقف في طوابير الانتخابات والاستفتاءات إلى أن استيقظ في يوليو من العام 2013 ليجد أن هناك نظامًا جديدًا جاء وهو يحمل معه خريطة طريق أخرى غير تلك التي عاشها المواطن على مدار عامين، وهذه الخريطة تقنعه أن ما فعله طيلة العامين كان خطأً. فلماذا يرهق نفسه بالسعي من جديد وراء التغيير؟!
إذن لا وعي ولا أفق... فلماذا الممارسة السياسية؟! لقد انسحق المواطنون تحت وطأة الأزمة المعيشية لحد صاروا "«لا يبالون معه بالديموقراطية»، «لا يبالون بالسياسة»" على حد تعبير "لينين".
يؤدي هذا إلى حالة في مجمله إلى حالة من الركود السياسي تؤدي إلى أن يفقد حتى المؤمنون بالقدرة على التغيير إيمانهم هذا؛ فيتجمد المشهد السياسي على اللقطة القائمة إلى حد "تبعد معه أكثرية السكان، في حالة سير الأحداث في مجراها العادي السلمي، عن الاشتراك في الحياة السياسية والاجتماعية".
وضع "لينين" اشتراطًا وهو "في حالة سير الأحداث في مجراها السلمي العادي"... هل يمكن للعنف أن يغير شيئًا في مصر؟! السؤال الصواب هو: هل هناك إمكانية للعنف في مصر؟! كلا... ليست هناك إمكانية لعنف مجتمعي في الوقت الراهن في مصر... لماذا؟! لأن المواطن منسحق، وتعلم درسًا، وهو أن النظام قادر على سحق المعارضة قبل أن تفكر في أن تعارض، وبالتالي لا توجد أية مساحة للمضي قدمًا في مظاهرات احتجاجية، ولو حتى لرفض التردي المعيشي.
إذن... بالنظر إلى الواقع الحالي في المشهد المصري من زاويتيه المعيشية والسياسية لعرفنا فعلًا أن الوضع في مصر بات مشابهًا للغاية لما كان في الجمهوريات اليونانية القديمة؛ الحرية لمالكي العبيد أصحاب الأموال من رجال الأعمال، بينما العبيد أنفسهم يرزحون تحت البؤس لحد لا يبالون معه بالسياسة، ويبعدون عن الاشتراك في الحياة السياسية والاجتماعية.



#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)       Hussein_Mahmoud_Talawy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد الحليم... صوت مصر إذ يخفت وسط صخب الانفتاح...
- مصر... هل تسير على الخطى الروسية؟!
- الكاتب الذي طار في الهواء...
- حنان الصناديدي في -آنست نورًا-... في فن البوح
- دولة الأقوياء... هل أصاب لينين؟!
- الدرب المضيء... هل لا يزال مضيئَا؟!
- تجليات خماسية
- الانسحاق... بين توصيف لينين... ومسكنات الرأسمالية... وبراد م ...
- طليعة لينين... لماذا لم تأت إلى ميدان التحرير؟!
- خماسية
- ما انتبه إليه ماو... واستغله الفلول... ولم يفهمه -الثائرون-. ...
- حلب، السويس، ستالينجراد... كفاح المدن... وصمود الإنسان
- في التناقض... والحالة المصرية...
- ما انتبه إليه لينين... ولم يره المصريون...
- سُباعيَّة شديدة القِصَر (2)
- حرب الأمير (قصة كاملة)
- المصري في عيد العمال... أرقام، وذكريات من الأدغال!!
- روسيا والثورة الشيوعية... سرد تأملي مختصر... الماكينات النسا ...
- عن رأسمالية الدولة... وعبد الناصر... و-تعاون- الطبقات...
- سباعيَّة شديدة القِصَر


المزيد.....




- تهنئة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج بالذكرى 9 ...
- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - حسين محمود التلاوي - جمهورية العبيد