أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاتح الخطيب - موسى














المزيد.....

موسى


فاتح الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 5480 - 2017 / 4 / 3 - 16:02
المحور: حقوق الانسان
    


.... كان حاله كحال الكثيرين من الرجال والنساء الذين يحضرون إلى العاصمة ( باماكو) من أجل جمع بعض المال, تاركين وراءهم عائلاتهم في قرى قد تاهت في صحراء جمهورية مالي, ليعودوا بعد سنين لأهليهم وقد جمع المحظوظ منهم بضع مئات من الدولارت.
ورغم أن هذا البلد غني بموارده الطبيعية مثل الذهب واليورانيوم والملح, الا أن متوسط دخل الفرد فيه لا يزيد على الدولارين في اليوم. ورغم انتاجه أجود أنواع الرز والقطن, لا يأكل هذا الشعب المسكين الا ادنى الدرجات من الرز المكسر ولا يلبس الا ما يرسل لهم من ملابس بالية. مما يؤكد بأن استعماره لا يزال مستمرا.
هذا البلد الأفريقي الفقير الذي شاءت الاقدار بأن أبدأ معه تجارة ومجموعة من الأصدقاء المستثمرين منذ عشرين عاما, والذي نرسل له ما يناسب قدرة أهله الشرائية من المواد الاوروبية المستخدمة ومن البضاعة الصينية الرخيصة, فقد تأصرت روابط صداقة بيننا وبينهم ولا سيما مع فريق العمل لدينا. إن طبيعة العمل في مخازننا تقتضي بأن يكون العامل قوي البنية مفتول العضلات, وعلى الرغم من جسمه الضعيف وقامته القصيرة وحركته البطيئة إلا أن لموسى حظوة خاصة لدى مسؤولة العمال (حبيبة). فهو الشخص الوحيد الذي تأمنه على استلام النقود وتأمنه على كل مفاتيح المخازن وأقفالها, وإذا اضطرت حبيبة المطلقة لمغادرة المكان فهو الشخص الوحيد الذي تأمنه على أطفالها.
كنا في معظم الزيارات نخصص لعمالنا ملابس جديدة, ومع ذلك فصورته لا زالت في ذاكرتي منذ أن عرفته بذلك القميص الباهت والسروال المرقع, وتلك الابتسامة الهزيلة التي لا تفارق وجهه أبدا...., ولأن حاجته للنقود أكثر كان في كل مرة نحضر له ملابس جديدة يقوم ببيعها.
في زيارتي لمالي قبل سنة ونصف تقريبا لم نره بين العمال, فسألنا حبيبة عن أمين سرها موسى, صمتت طويلا, هذا الصمت الذي ينذر بمصيبة, حيث تقوم بانتقاء كلماتها حتى يخف وقعها علينا. قالت بأنه مرض وأصابه الجفاف لدرجة أن الدم كان يسيل أحيانا من أطراف أصابعه, الأمر الذي استدعى إدخاله المشفى الحكومي. إلى هنا يبدو الأمر عاديا....لكنها بعد دقيقة صمت قالت بأن أحد الأطباء استدعاها لتحضر إلى المشفى كونها ربة عمل موسى والمخولة الوحيدة لتوقيع أوراق إرساله الى أمريكيا من أجل العلاج. ووسط اتغرابنا لهذا الأمر, سارت الإجراءات بسرعة وخلال شهرين كان موسى في أمريكا. في الأسابيع الاولى كنا نتواصل معه, ثم انقطع الإتصال به بعد شهر لبدأ إجراء العمليات اللازمة له.....
عندما عدت الى مالي بعد ثمانية شهور, كان موسى قد عاد للتو من أمريكا, لكنه لم يعد موسى الذي عرفناه, بل عاد كأنه (زومبي) مجرد من المشاعر, بالكاد يقوى على الحركة, وأصبح يحتاج لمن يساعده لقضاء حوائجه, وحتى تلك الابتسامة البائسة انطفأت وضاعت معها ملامح وجهه. وقد وصف زملاؤه لنا اثار الجرح المحيط برأسه, واخر يمتد من رقبته حتى أسفل ظهره, وقالوا بأنهم فتحو رأسه, وشقوا على طول نخاعه الشوكي لإجراء العمليات له. وفي حالته تلك طلبت حبيبة منا بأن نصرف له مبلغأ بدل إنهاء خدمته لكي نرسله الى قريته, ثم تقرر أن يبقى راتبه على حاله ويصرف له أيضا خادما يقوم بمساعدته في قضاء حاجاته.
ولأننا اشتبهنا بالأمر, جمعنا كل الأوراق المتعلقة بموسى, وأخذنا أحد الأصدقاء الى أفضل مكتب محاماة في (باماكو) وبعد سماعه القضية واطلاعه على الأوراق, هز رأسه مع نظرة خيبة أمل وقال بأنهم يوقعون المستفيد من العلاج على حياته وبأنه يخلي مسؤوليتهم منها لو مات....وقال المحامي بأن الأمر ذاته قد حصل لأحد أقربائه والذي توفي في أحد مشافي أمريكا, وأنه شخصيا تبنى تلك القضية لكنه لم يفلح بتحقيق أي شيء, فانهم يحمون نفسهم قانونيا بشكل محكم. وأضاف بأن هذه الجريمة تمارس بكثرة على أبناء هذه البلاد الفقيرة حيث ينقل سنويا العشرات بل المئات من المرضى الى أمريكا, لكي يجروا عليهم تجاربهم كفئران... والذين غالبا لا يعودون أحياء.
انتابتنا حالة غضب شديد, وشعرنا بأن الظلم كله قد تجسد بموسى, فلم نهدأ بل قمنا بجمع عدد وفير من الأصدقاء لكي نذهب الى ذلك الطبيب المجرم الذي قام ببيع موسى, وعندما سألنا عنه في المشفى الحكومي, قالوا بأنه سافر هو وزوجته وأولاده الى أمريكا بعد أن حصلوا على الكرت الأخضر منذ نصف سنة تقريبا.....
في زيارتي الأخيرة لمالي والتي عدت منها قبل أيام لاحظت بأن مخصصات موسى لم تصرف له عن اخر شهرين, انقبض قلبي واستغربت ذلك وسألت حبيبة لماذا لم يدفع لموسى مخصصاته؟ فلم تجب بل عادت لصمتها المشؤوم, وهذه المرة انتظرت طويلا لكي تجيبني, لكنها لم تفعل بل دفنت وجهها بين يديها ولم أسمع الا صوت نحيب مخنوق....



#فاتح_الخطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة سريعة في المؤتمر السابع لحركة فتح
- ما هو السر وراء عودة محمد دحلان للمشهد السياسي الفلسطيني؟؟
- وفد الذل والهوان
- باسم من ينطق الناطق باسم الحكومة التونسية خالد شوكات ؟
- فيروسات فكرية
- عفوا سيادة الرئيس
- مخابرات الارهاب
- لا تنسق.....أنت من يقاوم
- دمى آدمية
- أمي
- إنتحار جندي إسرائيلي
- هذا حديث لا يليق بنا
- -S-
- حركة فتح وجمود السلطة
- وهم السلطة وسلطة الوهم
- نداء الى كل شرفاء فتح
- جريمة الدراما العربية ,,,,,,, والعقاب
- تيك تاك في اسرائيل
- فزاعة الشارع العربي
- نداء المصلحة الوطنية


المزيد.....




- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاتح الخطيب - موسى