أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال عبود - آمِنَة














المزيد.....

آمِنَة


كمال عبود

الحوار المتمدن-العدد: 5321 - 2016 / 10 / 22 - 15:27
المحور: الادب والفن
    


من وحي الحرب -2-

**1**

زمنٌ بين قذيفتين ... زمن ساكِنٌ ... هاديءٌ كهدوء الموتى ...
في هذ الزمن اناسٌ .. بشر .. يمارسون بكل اهتمام لعبة الحياه ...
فضاءٌ بين سماء هدرتْ به طائرات الحرب .. وأرضٌ تعج بغبار الموت تحت سلاسل الدبابات الغليظة الصوت والشكل ...
في ذاك الفضاء متسعٌ كي يطيرَ سرب الحمام ، وعصافير الدوري غير آبهٍ لما في الفضاء من غربان ..

**2**

نهرٌ شطر المدينة إلى شرقيّة وغربيّه ، كلٌ شطرٍ رمى أحذيتَه البالية وأوساخ قمامتهِ في النهر ... ورمى أجساداً - جثثاً - للطرف الآخر من النهر ..
فاض النهر بالأوساخ وامتلأ رصاصات فارغاً وجرذانا .

**3**

في كل شطر من المدينة بضعة أطفال شكلوا فريقاً لكرة القدم كي يتبارى مع الفريق الآخر .. في الشطر الآخرْ .

**4**

بين قريتين .. هُدم الجسر الوحيد
بين عائلتين .. تسلٌق غضب وحقد
بين أخ وأخيه جدار شاهق بين معارضٍ وموالي
ازداد التشريق ، تشرنقاً
في زمن الحرب
ازدادت الحكايا بؤساً ..
تولد حكايا ... تموت حكايا ..
في زمن الرعب ... بين قذيفتين ...
حكايةُ آمنه

**5**

آمنة فتاة في العشرين ، تهوى الجلوس على شرفة المنزل في الطابق السابع للبيت المُطلِ على الشارع ، حركة الناس تبدو من الأعلى مثيرة، فيها تسارع وفيها تداخل .. تبدوا الرؤوس أكبر من الأجسام .. تبدو كالدمى ... تبدو كالعفاريت الصغيرة ..
وتيرة الأصوات المختلطةُ تشيء بأن الغروب قد أتى ...
ذاك المساء كان كغيره حين ثار البركانُ بحممهِ ولهيبهِ ، ثار من أسفل الشارع ، علا صوت الصاعقة ، ارتفع اللهيب وامتدت ألسنة النار والخان الأسود الخانق .. أختلطت الأجساد والحجارة والزجاج وأصوات الألم والصراخ ..

كانت سيارة ملغومة قد انفجرت وحدث دمار الحي المليء عيشاً وحياة
آمنة ، بين المصابين ، قذفها الرعب والانفجار فسقطت فوق شادر سيارة بيك آب ونقلت إلى المشفى فاقدة الوعي ...
أنقذها القدر من الموت ، وعادت الى الجامعة ...

**6**

لم تكن آمنه تتجرأ على الكلام مع شاب إلا في ذاك اليوم ... في الجامعه التقيا ... جلسا في الحديقة الصغيرة لكلية الآداب ...
قال لها : سأخرج الى الشارع ، احتفل معك بكأسين من العصير ...
خرج الشاب ولم يعد...
اختلط دمه بأسفلت الشارع وبقايا أشلاء وقطع لحم بشريه متناثرة ، تحترقُ مع السيارات المركونة هناك مع احتراق المحلات ، وعويل الناس والسيارات...
لقد انفجرت سيارة مفخخه ..
كان البركان الثاني الذي عاشته ، آمنه

**7**

لم تدر آمنه ما حلّ بها ، تركت الجامعة .. مكثت في البيت ... غارت بسمتها وغار الكلام ، أصبحت ميتةَ وهي حية ...
ثمّ أتى الانفجار التالي ...؟
رأت نفسها تُبقبق كدجاجة .. تتحرك في البيت دونما هدف ... توصوصُ ببحيح الصوت ... تلمس أسفل بطنها .. تتحسس شيئاً ما ... كرةٌ تنزلق من بطنها للأسفل ...؟

**8**

واختفت آمنه .. يومان كاملان لم تظهر من غرفتها ، ولم تنبس ببنت شفه مع أحدٍ ... كانت تهذي ... هذيانٌ أقرب الى هذيان الجنون ...
بعد شهر عادت إليها مظاهر المرض - كتلة تتحرك الى أسفل البطن .. تتحسس آمنه سير الكره ونزولها ... تدور ... تهذي ... تصرخ .. وتغيب ... تسجن نفسها في غرفتها وفي بكائها الدائم ... ولأنّ الامر سيظهر ، مع الام اقرب الناس إلى آمنه ، ... ظهر الخفاء ..
وكان ذهول الأم وفقدانها للتوازن ... صارت تهذي وتضرب نفسها وابنتها آمنه.

**9**

لاحظ الأب حالة القلق في البيت تتكرر دائماً ... لذا قرّر قائلاً :
سأزوج آمنه لابن أخي ...
جُن جنون آمنه .. علا صراخها وهذيانها ، فقدت الأم توازنها ، رفضت قائلة ، لا لا لا ما في زواج ..
فتح الأب فمه : أول مرة من عشرين عاماً اسمع هذه اللهجة ؟ ما الأمر؟
ولولت الأم .. تمتمت .. جالت البيت مرات .. جلست ... قامت .. اختلط الكلام ، والرجل ينظر كالأبله...
ستتزوج ... يعني ستتزوج ، غداً سأحضِر ابن أخي!
ارتمت الأم عند قدمي الزوج :
أبوس رجليك لا ، بنتك ما خرج زواج ، هيك قال الطبيب!
ثارت ثائرة الرجل ، ركل بقدمه زوجته .. ركلها ثانيةً .. : ماذا ... طبيب ..؟
قالت المرأة الباكية : لا لا لا والله ، طبيبة ما طبيب!
قال الرجل : إذا ما تقولي الحق الآن ، هلق ، سأرمي عليكي يمين الطلاق!
ارتعبت المرأه : والله أقول الحق : ابنتك آمنه حالتها غريبة ، لها ما للنساء ولكنها لا تُنجب ... إنّها تبيض .. كالدجاجة .. كل شهر ترمي بيضة .. بيضة كبيره .. نخفيها ونرميها في الزبالة .. والله العظيم .. اسأل الدكتورة - رنا ، هي احتارت ، وحالة آمنه ما موجوده بالكتب .. الله يخليك ارحمنا...
كانت الدموع تسابق كلام الأم ، وكان الزوج كأنّهُ لا يصدّق ما سمع .. تهاوى على المقعد من شدة الغضب .. طرد امرأته الى غرفة أخرى .. وسوس له الشيطان أموراً كثيره ولم ينم تلك الليلة...

**10**

تأكدّ أبا آمنه بطريقة ما من الطبيبة وصحة أقوالها ، ودفن الغمّ والهمَّ في فؤاده... سُدتْ جميع السبل في وجه آلِ آمنه ولم يعرفوا السبب أوالعلاج .. ثمّ اهتدوا الى حكيم .. فدخلوا عليه!
كان الحكيم يُحدّثُ رجلاً : لقد تعلّمتُ الكثير من أخطائي وأخطاء الآخرين .. ثم التفت الى أبي آمنه وزوجته ، بعد أن خرج الضيف : ما القصة يا بني ..؟
بعد أن سمع قصة آمنه قال الحكيم : منذ متى بدأت القصة؟
قال الأب : منذ اشتدّ سعير الحرب!
قال الحكيم : توقّعتُ هذا ...
لن تُشفى الّا إذا خرجتْ من ساحة الحرب ...
أَخْرِجوا آمنه ... إلى السلام ... إلى منطقَةٍ آمنة
*****

اللاذقية، القنجرة، 2016



#كمال_عبود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوراقٌ خريفيَّة
- حكايا جدو أبو حيدر -18-
- دِلاءٌ ليستْ للبيع
- حكايا جدو أبو حيدر -17-
- من وحي العيد
- من وحي الحرب -1-
- عواطف
- حكايا جدو أبو حيدر -16-
- حكايا جدو أبو حيدر -15-
- حكايا جدو أبو حيدر -14-
- حكايا جدو أبو حيدر -13-
- حكايا جدو أبو حيدر -12-
- حكايا جدو أبو حيدر -11-
- قطراتٌ من نبعها
- حكايا جدو أبو حيدر -10-
- حكايا جدو أبو حيدر -9-
- حكايا جدو أبو حيدر -8-
- للقصيدةِ أنتمي
- حكايا جدو أبو حيدر -7-
- حكايا جدو أبو حيدر -6-


المزيد.....




- مصر.. رفض دعاوى إعلامية شهيرة زعمت زواجها من الفنان محمود عب ...
- أضواء مليانة”: تظاهرة سينمائية تحتفي بالذاكرة
- إقبال على الكتاب الفلسطيني في المعرض الدولي للكتاب بالرباط
- قضية اتهام جديدة لحسين الجسمي في مصر
- ساندرا بولوك ونيكول كيدمان مجددًا في فيلم -Practical Magic 2 ...
- -الذراري الحمر- للطفي عاشور: فيلم مأخوذ عن قصة حقيقية هزت وج ...
- الفلسطيني مصعب أبو توهة يفوز بجائزة بوليتزر للتعليق الصحفي ع ...
- رسوم ترامب على الأفلام -غير الأميركية-.. هل تكتب نهاية هوليو ...
- السفير الفلسطيني.. بين التمثيل الرسمي وحمل الذاكرة الوطنية
- 72 فنانا يطالبون باستبعاد إسرائيل من -يوروفيجن 2025- بسبب جر ...


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال عبود - آمِنَة