أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال عبود - حكايا جدو أبو حيدر -11-














المزيد.....

حكايا جدو أبو حيدر -11-


كمال عبود

الحوار المتمدن-العدد: 5257 - 2016 / 8 / 17 - 20:04
المحور: الادب والفن
    


صابر
*****

خارجاً من عمله ، مُتّجِهاً الى السوق ، والسوقُ ليس بعيدا ، يتحسَّسُ مافي جيبه ، هناكَ بين صفّين من العربات المُتراصةِ كان يمشي ، أصواتُ الباعةِ تملأُ المكان ، روائحُ لخُضارٍ عفنةٍ في بقايا ماءٍ آسن ، سحبٌ من دخانٍ رماديٍ فوق شاوٍ يشوي سواقط ذبيحةٍ لرجال ٍافترشوا جلابيبهم وجلسوا فوق مقاعد خشبيّة واطئة...

سال لعابُ صابر لرائحة الشواء ، ومضى يبحثُ عن غايتهِ .... لابدَّ أن يأكلَ الكرز .. مُذ كان صغيراً كان وما زال يحلمُ بالكرز ... إنّهُ يُحِبُّ هذه الفاكهة ، يُحِبّ عناقيدها ... لونها .. طعمها .. لطالما منّى النفس بها ، والآن موسمُ قطافها ...

تحسّسَ نقودهُ مرّات عدّة ، مازالت في مكانها ، دار كثيراً بين العرباتِ ، واستقر أخيراً عند عربةٍ لاعناً هؤلاء الباعة الذين كأنّهم اتفقوا على سعرٍ واحد...

جادلَ البائعَ طويلاً حتى اقنع البائع أن يُخفّض من السعرِ نصفُ ليره ، ثُمَّ قال للبائع : أعطني نصف كيلو...

فتحَ البائعُ فمهُ مُكشِراً وبانت أسنانهُ الصفراء المنخورة ، والتفت إلى صبي يقفُ جواره قائلاً مُتأفّفاً :خلّصنا زنْ له مايُريد...

وضع صابر الكيس على الأرض ، دفع الثمن ، ثُمَّ انحنى ليأخذ الكيس ، مدَّ يده ، تسمَّرَ على وضعيَّةِ الإنحناء ، عدَّ أصابع يده ، كانت أربعه ... أين الخامسة ...؟ تساءلَ ، عدّ ثانيةً ... حرّك أصابعه مرّات ... تأكد أنه فقد إصبعاً .. كيف... متى .. إنّه لا يدري...

إلى الْبَيْتِ عاد مضطرب الخطوات ، مُختلج الشفتين ... زائغ النظرات ، يرتجف ليس برداً .. يتمتم بكلماتٍ مُبهمات .. يدور ًبحثاً عن لا شيء ...
أصابته قشعريرة ، خفق القلبُ مضطرباً .. انهمرت الأفكارُ حمماً على رأسه وهو يُقلّبُ حبّات الكرز ...
إصفرّ كالوِرس .. كالليمون .. نسي إلقاء التحية ، نسي مالم ينساه : تقبيل يد الأم الحنونة...

قالت الأم : ما بك يابُني ..؟
لا شيء ، لقد قرّرتُ الرحيل ..
لم يثنهِ عن قراره أحدا، حزم حقيبته ومضى ترك المدينة التي أحبها والمنزلُ الذي عشقه ، وشرفة طالما كانت مساحةً من أمسياته ...

قبل الرحيل جاء يودّع أباه ، قال الوالد بعد أن فشل بإقناع صابر عن الرحيل : ولَك روح عا جهنم الحمراء...

لكنّ الوالد قال في سرّهِ ودمعةً حبيسةً في مقلته : مع السلامة ، الله يوفقك.

في المدينة الجديده اعتاد صابر العيش ... تأقلم مع أصابع يده الأربعة ، لم يُعيره أحداً ولم يهزأ به كائن ، حتى أَنَّهُ اتّخذَ لنفسه أصدقاء وفتاة أحبها، وكاد أن يتزوّجها لولا أَنَّهُ قرر الرحيلَ مُجدداً حين فقد إصبعاً أخرى ... كيف ولماذا و... متى ..؟ لم يَلقَ جواباً.

قال الراوي : يا سادة .. يا كِرام ، ظلّ صابر ينتقلُ من مدينة إلى أُخرى وفي كل مدينة كان يفقدُ إصبعاً ... وفي كل مرّه كان يتساءل، ولا يعرف جواباً...

قال الراوي: يا سادة .. يا كرام ، منذ العام 1970 - مازال صابر يبحثُ .. وما زال دون جواب.

*****
صيدنايا - آب 1988 -



#كمال_عبود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطراتٌ من نبعها
- حكايا جدو أبو حيدر -10-
- حكايا جدو أبو حيدر -9-
- حكايا جدو أبو حيدر -8-
- للقصيدةِ أنتمي
- حكايا جدو أبو حيدر -7-
- حكايا جدو أبو حيدر -6-
- حكايا جدو أبو حيدر -5-
- تناغم أزلي
- حكايا جدو أبو حيدر -4-
- حكايا جدو أبو حيدر -3-
- حكايا جدو أبو حيدر -2-
- حكايا جدو أبو حيدر -1-
- التيكيّا وأمثاله
- الأثَافِيّ
- انْعِطافات الخراب
- تفاصيل
- تهويمات في زمن القتل بين برزخين


المزيد.....




- غزة التي لا تعرفونها.. مدينة الحضارة والثقافة وقصور المماليك ...
- رغم الحرب والدمار.. رسائل أمل في ختام مهرجان غزة السينمائي ل ...
- سمية الألفي: من -رحلة المليون- إلى ذاكرة الشاشة، وفاة الفنان ...
- جنازة الفنانة المصرية سمية الألفي.. حضور فني وإعلامي ورسائل ...
- من بينها السعودية ومصر.. فيلم -صوت هند رجب- يُعرض في عدة دول ...
- وفاة الفنان وليد العلايلي.. لبنان يفقد أحد أبرز وجوهه الدرام ...
- وفاق الممثلة سمية الألفي عن عمر ناهز 72 عاما
- 7مقاطع هايكو للفنان والكاتب (محمدعقدة) مصر
- 4مقاطع هايكو للفنان والكاتب (محمدعقدة) مصر
- تحقيقات أميركية تكشف زيف الرواية الإسرائيلية بشأن مقتل أستاذ ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال عبود - حكايا جدو أبو حيدر -11-