أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال عبود - حكايا جدو أبو حيدر -15-















المزيد.....

حكايا جدو أبو حيدر -15-


كمال عبود

الحوار المتمدن-العدد: 5267 - 2016 / 8 / 27 - 13:55
المحور: الادب والفن
    


استطالات
*****

**1**

تضُجُّ الأفكارُ في الرأسِ ، تجرحُ سكينها عميقاً في بَهيمها الساكنِ سكون الوجع .... سكون الآهِ العميقة.
ثمّة صوت ينادي ... صوت من بعيد ، من عمق المكان .. من ذاكرةٍ قصيّة : أيُّها السائرُ مهلاً ... توقّف ..
هناك أصوات ُ وقع خطى متسارعة خلفي ..
من يُربّتُ فوق كتفي الآن ..؟ لم لا يدعني أسير ..؟
انظرُ إلى يميني ، الشابُ صار جنبي يسير .. قال لي :
أما عرفتني ..؟
قلت : لا .. ماذا تريد؟
قال : قليلاً .. قف قليلاً واسمع كلامي!
قلت : لا أستطيع .. الوقوف يعني بشكل ما الموت! لم أكمل المسير.
قال : لكنك ذاهب الى الفشل المحتوم .. أنا من قدّم لك النصيحة من ثلاثة وأربعين عاماً، يوم كنت في القامشلي ، وسألتني عن طريق حقول النفط .. يومها نصحتُك لا تذهب .. النفط ليس للفقراء .. بقيتَ هناك عشر سنوات ورجعتَ خائباً ...
قلتُ : نعم ... كانت خيبة بأصحاب القرار ، كانوا سفلة البشر .. خرّبوا ... شوّهوا .. حاصروا الأنقياء الشرفاء ... أثروا ونبذوا كثيراً .. هربتُ من نباح الكلاب المسعورة.
قلت أيضاً كيف عرفتَ زمن بقائي هناك ..؟
لم يجبْ استدار راجعاً ..
قلتُ: اسمع يا هذا ، ربحتُ أشياء كثيرة
عرفتُ أصدقاء رائعون ، محمد يحي .. أبو ياسر .. رمضان ... محمد داوود ، الوجوه الجميله نضال وعبدالله وجميل الخوري وديكران الأرمني والفتاة الملكة ( شاهيناز)...
عرفت الخابور وكروم العنب فيه ورقصات السريان والأشور وجباه الأكراد السمراء النشيط .. ومواسم الحصاد عرفتُها .. زرعتُ ثلاث شجيرات سرو وشجرة صنوبر قرب قصر الضيافة هي شاهدة على وجودي... أصلحت خطوط الكهرباء ودارت المحركات بعملي ... تعلمت قيادة السيارة و...
صرتُ ثرياً بتلك الأشياء .... تلك أشياء لا تموت ...
غاب الشابُ ، فتقلبتُ على جانبي الأيسر

**2**

لم تكن الطريقُ واضحةً .. ثمةَ ضباب ووحول .. أصوات الوحوش تملأُ الأصداء .. رماديٌ هو الجو والهواء ذو رائحةٍ كريهة.
كنتُ سائراً تتقاذفني حِرابُ الأفكار المختلطة .. وإذ بوخز الإبر في ظهري .. بدأ خفيفاً وصار طعناً حاداً ..
التفتُ الى الخلف : كان الشابُ الذي أعرفه بشعره الطويل ، قال لي :
الى أين ... ألم تفهم بعد .. ؟ لماذا رميت نفسك في المستنقع ...؟
ألم أُحذّرك .. ؟ هل كانت رائحة المبولة في صيدنايا عطرة ..؟
قلتُ يا هذا ، اتركني وشأني .. لن أتراجع عن المسير ... سأراها وأترك أصابعي تتغلغل في شعرها الناعم ... سأسميها درة الدرر .. سأسقيها قصيدة وحكايا .. ونبيذ الكلام .. وعسلاً أطعمها ممزوجاً بخيوط النور من عيني .. وسا ..
قال : هذه ال( سوف ) ستقتلك كما قتلك الرفاق والأيديولوجيا!
قلتُ نعم فتك الرفاق بي أولاً .. منذ اليوم الأول أخرجوا قلبي من صدري .. فقلتُ لهم : خذوا ما شئتم واتركوا قلبي ... لكن الرفاق ابو ذلك فانتقمت منهما
قال ذو الشعر الطويل : وكنتم في الدهليز تحت الارض .. سرداب النهايه ..
قلتُ: كنت مشلول اليمنى وصعقات الكهرباء التي شوتْ أذني يتررد صداها في الصدر وكانا يضحكان على ألمي .. ما أصعب أن تضحك على آلام الآخرين ... قذارة ما بعدها قذاره ...
قالا: إِنَّ الواسطه ستخرجهما غداً إلى الحياة ... إلى نساء الرفاق ... وندمت على الانتقام .. ياصديقي كان عملاً تافهاً ...
قال : وكان لك الويل من الحدّاد الذي وضع رأسك بين المطرقة والسندان ... سنوات وأنت بلا عقل .. بلا حُريّه
قلت : كانت صحوة عقل و.. صحوة ضمير!
قال : كُنتَ غنيٌ عن الفشل .. ألم تَر منهم جيدون؟
قلت بلى .. أحمد وإبراهيم ويحيى وعزت لكنهم قلّه...
قال : أينَ البقيّْه...؟
بعيدون ... في الزواريب والأزقّه والبعض قد مسّهم الجنون
اتركني منشان الله .. أحاول ان استقيم بعد تهذيب العقل ... لُا بُدَّ للعقلِ من صدمة ، كي يصحو...
غاب الشابُ ، فانقلبتُ على جنبي الأيمن.

**3**

الطريق إلى قمّةِ الجبل الأخضر قاسية ، زاويةُ صعودها حادّةً ، ثمةَ صخور وحجارة تتساقط عليها ، هنالك حول الجبل يتقاتلون ... أصواتُ مدافع وأزيز ونيران تشتعِلُ من بعيد ..
سرتُ قليلاً وبدأتُ القفز والوثب عالياً كي أتجنّبَ القذائفَ التي تلاحقُ خطواتي ..
التفتُ ورائي وإذا بصاحب الشعر الطويل يطلقُ رصاصَ بندقيته الحربية ..
قال لي : . أين تذهب ..؟ ألم أقل لك إن طريقاً تسلكه هو طريق المخاطر؟
قلتُ : لايهمّ ، فأنا غسلتُ اليدين في ماء دجلة ، وعرفت الجنوب وفرات دير الزُّور في الشرق وأنا أيضاً في الجهة الغربيّه قرب الأزرق الجميل الواسع ، ثمّ قلت:
قلتُ : لا طريق آخر .. سأذهب إليها وأراها ... سنعود سوية ونسكن بيتاً عهدناه..
نظرتُ إليهِ ... كان قد أطلقَ لحيةً سوداء ، حالقاً شاربهُ وهو يلُوح بالبندقية مُكبّرِاً قائلاً : ألا تذهب معي ..؟
قلتُ : أكرهك ... أكره شكلكَ وأفكارك .. اذهب وشأنك.
أطلق رشقةَ طلقات قريباً مني .. فهربت
نظرتُ إليه ثانية : كان قد عاد الى شكله الأول مبتسماً، قال : كنتُ أختبرك ..
ورأيته يسيرُ في مجموعةٍ جنود ، بعضٌ منهم من شهداءٌ الجيش في قريتي .. آدم .... ابراهيم .. مصطفى ... وغيرهم يرفعون إشارة النصر.
قال لي : ألا تذهب مع..؟
قلتُ لا يُطاوعني العمر ... سأكتب لكم القصيدة .. وسأبحثُ عنها.
صرتُ فَوْقَ قمّة الجبل ، نظرت ... كانت المدافع والدبابات والصواريخ تلقي بكرات الموت والنار أسفل الجبل ، وهناك في البحر القريب كانت الطائرات تحلّق فوق سفنٍ هناك ، تملأ السماء دوياً ورعباً...
وَكَانَ موتاً ودماراً .. .. مدناً مهدّمة وجرذاناً وقاطعي الطرق والرؤوس وبشراً يهيمون في الاتجاهات .. كانت فظائعٌ القذارة في التاريخ ...!؟
وكانت هي هناك ... على الشاطيء واقفة ، هبطتُ طائراً إليها
كانت تبتسم .. مسكتُ يدها مصافحاً .. وضعتْ يدها الأخرى على جبيني.
فتحتُ عينيّ.. كان زوجتي الرائعة واقفةً قرب السرير، تبتسم، تمسك يدي ، تتلمّسُ بيدها الأخرى جبيني...
قالت : صباح الخير ، كنتُ اجسُ حرارتك ، كُنتَ تعِباً من المشوار.. كُنتَ تشخر ... شخرتَ كثيراً...
قلتُ: كان المشوار متعباً ، صباح الخير يا زهرة حياتي.

*****
اللاذقية، القنجرة، 2016



#كمال_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايا جدو أبو حيدر -14-
- حكايا جدو أبو حيدر -13-
- حكايا جدو أبو حيدر -12-
- حكايا جدو أبو حيدر -11-
- قطراتٌ من نبعها
- حكايا جدو أبو حيدر -10-
- حكايا جدو أبو حيدر -9-
- حكايا جدو أبو حيدر -8-
- للقصيدةِ أنتمي
- حكايا جدو أبو حيدر -7-
- حكايا جدو أبو حيدر -6-
- حكايا جدو أبو حيدر -5-
- تناغم أزلي
- حكايا جدو أبو حيدر -4-
- حكايا جدو أبو حيدر -3-
- حكايا جدو أبو حيدر -2-
- حكايا جدو أبو حيدر -1-
- التيكيّا وأمثاله
- الأثَافِيّ
- انْعِطافات الخراب


المزيد.....




- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال عبود - حكايا جدو أبو حيدر -15-