أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال عبود - حكايا جدو أبو حيدر -14-














المزيد.....

حكايا جدو أبو حيدر -14-


كمال عبود

الحوار المتمدن-العدد: 5264 - 2016 / 8 / 24 - 14:53
المحور: الادب والفن
    


الساموك!

القريةُ وادعةٌ أمامها البحر ، خلفها أشجار الزيتون وشجيرات السمّاقِ البري ، بيوتُها من اللُبْنِ وأحجار صغيرة مغموسة بالطينِ والقَش ، تورق الأحلامُ فيها زهراً بريّاً وزيتاً وأوراقَ الغار ، على كتفِ الوادي الأيمن أشجار الزعرور والبلوط ... التين وزيت الزيتون وكثيراً من البُرغل هي مؤونة الشتاءات الطويلة...

الآنَ فصلُ الصيفِ ، غبارٌ أبيضُ على طريق القرية التُرابي ، حوافِر خَيلٍ تُثيرُ زوبعةً وحمحمةً قادمة ... ثمة ضابط فرنسيّ وبضعة جنودٍ فوق الأحصنةِ يتقدّمون إلى وسط القر يةِ يسألون عن الشيخ إِبْرَاهِيم ، يُشير أحدهم : هذا هو...

بيتُ الشيخ أبو علي إِبْرَاهِيم كغيرهِ ، غرفةٌ كبيرة ، يتوسّطها عمودٌ إلى سقفِها ، تستندُ عَلَيْهِ أخشابُ السقف الواصلة إلى الجدران ، إنّه ( الساموك) إِنَّهُ عمادُ كُلِّ بيت...

أمام الباب مصطبةٌ للراحة والضيوف ، على المصطبة يجلس الشيخ إِبْرَاهِيمَ ... يدخل الضابط وجنوده الدار ، تدخلُ المرأةُ الى البيت ، يبقى الشيخ جالساً ...
يتقدّم رجلٌ هو مُترجم للضابط : أبوعلي عندك ضيوف ...؟
أبو علي لا يردْ!
يا شيخ إِبْرَاهِيم، الضابط يريدك ....
يُتمتم أبو علي دون النظر إلى الضابط ... تسري همهمة بين الجنود ، يتبادل الضابط والمترجم الكلام ... تمرّ دقائقَ ... يحرِّكُ الشيخُ رأسهُ...

ماذا تريدون؟ يقول الشيخ.
يسألني الضابط لماذا لم ترد؟
كنت أقرأ القرآن الكريم ... يسأل الضابط بعد أن ُتُرجِمَ له :
أين الكتاب ..؟
يستمرّ الرجلُ في الترجمة...
هُنَا ، يُجيب الشيخُ ويشير إلى رأسه ، إنَّني أحفظ القرآنَ غيباً... نحفظه من مئات السنين...

أنت تعرف القراءة إذن : يقول الضابط.
الشيخ يقول : لا ، لا أعرف القراءة ولا الكتابة، ولكني أحفظ القرآن وكتب الشعر والقصصِ...
تتسع حدقتا العينين للضابط : نُريد بيتاً كي نجعله مخفراً للأمن في القرية!

ينزل أبو علي عن المصطبة ، يشير بيده الى البحر : ابنوهُ هناك ... بيوت القرية لأهلها ... مع السلامة.

قال الضابط : هل يتطوّعُ أحداً في جيشِ فرنسا ..؟
قال الشيخ : شبابنا للكروم والحقول .. مع السلامة.
قال الضابط : سأنتظرك في ( السراي ) بعد شهرٍ من الآن...
---
بعد شهر ، كان الشيخ أبو علي على الطريق إلى السراي ، مع صياح الديكةِ وحيداً يمشي ... يفكّر .. يُقلّبُ أفكاره .. يُدقّقها...
وصل الى السراي في مدينة اللاذقية ظهراً ، لقد أخذ مِنْهُ التعب مأخذاً.

قال المترجم الذي لاقاه : الصحافة في فرنسا تكتب عنك : في قرية لا يوجد فيها كتابٌ واحدٌ ثمةَ رجل يحفظ غيباً القرآن وكتب كثيرة ... انتظر هنا ...

أدخلوه الى مكتب الضابط ... قال الضابط : أهلاً ياشيخ ، هل بيت المخفر جاهزاً ... وهل سيتطوّع أحداً؟
لا ، ردّ الشيخ...

هل تُريدُ راتباً ... هل تُريدُ حصاناً؟
لا هذا ولا ذاك ، أريد شيئاً آخر
ماذا .. ماذا تريد؟
أريد مطبعة ، تطبعُ كتباً و قراطيس ...

قال الضابط مندهشاً : أنا عسكري ، ليس لدي ماتريد ، انتظرني قليلاً
بعد ساعةٍ كان الشيخُ ابراهيم يحمل هديّة من الضابط ... نسخة مطبوعة من القرآن كتب عليها بالفرنسية ( هكذا عرف من المترجم) :
(إلى وجيه قرية الشبطلية )

بعد أيام قلائل كان الشيخ يوزّع في القرى المجاورة عشر نسخٍ من القرآن مطبوعةٍ في فرنسا وردته قائلاً للشباب: تعلموا وأقرؤوا...

قالت أمرأة الشيخ أبو علي ابراهيم حين توفي :
لقد رحل الشيخ ...
رحل ساموكَ العلم والبيت.

*****
اللاذقية، القنجرة، 2016  



#كمال_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايا جدو أبو حيدر -13-
- حكايا جدو أبو حيدر -12-
- حكايا جدو أبو حيدر -11-
- قطراتٌ من نبعها
- حكايا جدو أبو حيدر -10-
- حكايا جدو أبو حيدر -9-
- حكايا جدو أبو حيدر -8-
- للقصيدةِ أنتمي
- حكايا جدو أبو حيدر -7-
- حكايا جدو أبو حيدر -6-
- حكايا جدو أبو حيدر -5-
- تناغم أزلي
- حكايا جدو أبو حيدر -4-
- حكايا جدو أبو حيدر -3-
- حكايا جدو أبو حيدر -2-
- حكايا جدو أبو حيدر -1-
- التيكيّا وأمثاله
- الأثَافِيّ
- انْعِطافات الخراب
- تفاصيل


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال عبود - حكايا جدو أبو حيدر -14-