أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - الإرهاب بطريق الوهم















المزيد.....

الإرهاب بطريق الوهم


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5168 - 2016 / 5 / 20 - 00:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الإرهاب بطريق الوهم

من الأساليب النفسية التي تعتمد في علم النفس والتي تؤثر في النتائج السلوكية للأفراد وتغير من نمطية الطبع البشري، ما يسمى بالإيهام الفردي والإيهام الجمعي السبي والإيجابي معتمدا على فكرة زرع قضية وهمية خالية من الفعل وإيصال أعتقاد الشخص من خلال برنامج تأثيري على الأعتقاد بحقيقة الفكرة دون إمكانية حتى البحث عن صدقية ومصاديقها، وبالتالي جعل الفرد والمجموعة الخاضعة للإيهام نعتقد جازمة بحصول نتائج يرسمها العقل نتيجة الفكرة وانتظار حصولها في مدى زمني ما، وعند نفاذ الموعد يقود الفرد أو المجموعة بالدفاع عن الفكرة الموهومة بتبريرات واعتقادات يستنبطها العقل البشري نتيجة إيمانه الشديد بالنتائج.
النظرية ليست حديثة تماما وقد خضعت لتنظيرات وتجارب عديدة سواء على أفراد أو مجاميع أعطت نتائج مقاربة ومتقاربة تثبت أننا بإمكاننا زرع الوهوم بعقول الأخرين وتثبيت هذه الأوهام على أنها هي الحقيقة التي لا تقبل الجدال، المهم في القضية والنظرية الطرق والمناهج والوسائل العملية الكفيلة بتنفيذ التجربة خاصة مع تطور البحوث السيكولوجية ونظريات علم الأجتماع المجتمعي وكذلك ظهور مفاهيم وأفكار مساعدة مثل نظرية العقل الجمعي وغسيل الأدمغة وصناعة الرأي العام.
من الوسائل الناجحة التي أعتمدتها التجارب هو تعزيز الوعي بالذات والأنا وتحفيز عوامل الأعتزاز والانتماء لروابط بينية تحرك مشاعر التحدي وإثبات وجهات النظر ضد عدو أو خصم مفترض يتمتع أصلا بالتناقض ويشكل القطب المنافس للخاضع للتجربة، بمعنى صناعة عدو وهمي كنموذج يعتمد عليه في بناء شخصية متناقضة مع الأخر الذي يختلف ولو جزئيا عن النموذج الوهمي، يتم تغذية التناقض والتضاد يوميا بوسائل غالبا ما تكون فكرية أو عقائدية بتحويل مفهوم العقيدة مع ميزة جمع وأجتماع إلى أيديولوجية إنفرادية تذوب فيها شخصية الإنسان حين يتحول الإنسان ككيان عاقل وقابل لتطور وأنتاج المعرفة إلى معتنق النموذج وتشخصنه بالوعي اللا محسوس أو ما يسمى بالعقل الباطن.
من نتائج هذه التجربة خلق مجموعة بشرية متكاتفة فيما بينها وتتسامح حتى في بعض الأخطاء التي لا تتناسب مع النموذج المرتسم، لكنها تتحول إلى نقيض حاد هجومي وسلبي ضد كل تصرف أو سلوك لا يماثل صورة النموذج ولا نمطية الصورة المتشكلة عقليا وذهنيا عنده، بحيث تصل درجة الإستنكار والتناقض إلى محاولة إقصاء ورفض الأخر والقضاء عليه مهما كانت درجة العلاقة أو الروابط التي تجمع بينهما، من المثير والغريب أن الكثير من الحركات الباطنية والغيبية كانت تمارس النظرية وتحدد صفات التجمع وفقا لمقتضيات شبيهة بل مطابقة لهذه النظرية، وأخير استخدمت التنظيمات الإرهابية الدينية أو حتى التجمعات التي تشعر بالمظلومية الأجتماعية وتستشعر التميز إلى سلوك يتبع تماما كل المناهج والأساليب التي تتبناها النظرية وتدعو لها.
من التطبيقات التي سجلت مؤخرا وبنجاح على الواقع هو منهج الإيهام المرتبط بالتحولات السياسية والدينية نتيجة التغيرات الدولية وما تركته فترات الأحتلال والتناقضات الأجتماعية التي بنيت على نتائج مرحلة الأستعمار وما بعد الاستعمار، مثلا ظهرت مجموعات عقائدية متطرفة تدعو إلى تكفير الأخر مهما كانت أصولهم العقائدية وأعتبار المجموعة ذاتها النموذج الأعلى والأنقى للدين والعقيدة كما ظهر مثلا جماعة التكفير والهجرة والتنظيمات الإسلامية السلفية التي تنادي بكونها الفرقة الناجية وغيرها مصيرها أما التوبة والانخراط في المجموعة أو تلقي الجزاء البديل وهو الموت بالسيف تمهيدا لمفهوم إعادة الخلافة.
القضية كما قدمنا تعتمد صورة وهمية خيالية تمثل المجتمع الإسلامي بأبهى صورة ذاتية أنانية كما تتصور هي وفقا لما رسمه مؤسسي العقيدة، وكل من يخالف نسقية هذه الصورة حتى لو كان في أعلى درجات العلم والتقوى هو خارج عن الملة ومستوجب الحدين الإستتابة أو القتل، صورة المجتمع الموهوم القائم على فكرة الجهاد والسبايا والغنائم وأحتكار السلطة على الأخرين بالإضافة لما تفرضه حالية الاعتزاز بفكرة أنك المؤمن الحقيقي والصحيح والغير أما منافق أو مرتد أو مشرك كافر.
هذه الصور الجميلة التي يرسمها دعاة دين الوهم لا تسترجع الدين الحقيقي ولا نصوصه المحكمة بل تعتمد على فكرة إنسانية مبتدعه يختار لها نصوص مناسبة وتأويلات قاصرة ومقحمة إقحاما لتعزيز الشعور بالانتماء والتفوق، لتزرع فكرة أنتصار القيم المرسومة على ما عداها وتسقيط بقية القيم بأعتبارها تخالف فقط ما عند الجماعة، أيضا من أساليب الإيهام التي تتبعها الجماعات السلفية والمنغلقة على تأريخية الصورة أن كل من هو مختلف عنك عدوك وبالتالي لا أمان للأعداء وعدم السماح لهم بأن يكونوا منافس حقيقي لهم.
الشيء الحديث الذي تعمل عليه هذه الأفكار قضية زرع الإرهاب في عقول الخصوم وخلق حالة من الذعر والخوف من مجرد الاسم ـ إنها صناعة الفوبيا والكراهية الواعية واللا واعية، لذا واستنادا لتجربتها الميدانية بإمكانها أن تنثر الرعب والدمار النفسي في قطاع واسع من المجتمع وخاصة في ثلاث مكونات رئيسية تعتبرها الأهم في إيصال الفكرة وزرعها في عقولهم، وهم أولا الأطفال واليافعين وهذا الأمر ضروري حين تحاول هز المستقبل البشري باهتزاز واضطراب الطفولة ، والعنصر الأخر المعتمد بالدرجة الأساس هم الجنود ورجال الأمن والمقاتلين لها ليس لأنهم أصحاب مهنة الدفاع عن المجتمع ومستوجب التصادم معهم، بل لجعل ثقة الناس تهتز بهاتين المؤسستين وإظهارهما بمظهر العاجز عن الدفاع عن نفسيمها فما بالك بالدفاع عن المجتمع.
أما العنصر الثالث والمهم فهم طبقة الفقراء وذوي الدخل المحدود الذين توجه لهم الرسائل أولا لغرض إجبارهم على أحد الخيارات الثلاث، أما ترك سوق العمل والتوجه إلى الأعمال اللا قانونية والتي تشكل سترا من أعين الدولة والمجتمع أو الإنخراط في تنظيمها أو تنظيم منافس لزيادة حدة الإشكالية الاجتماعية وصولا للحرب الأهلية، أولا لضرب سوق العمل ومحاولة ضرب الأقتصاد الأجتماعي وثانيا نشر حالة من اليأس والقنوط السلبي المدمر الذي يجر الناس إلى البحث عن وسائل بديلة للتغلب على اليأس والقنوط مثل المخدرات وما شابه، وأخير الأمل في زيادة السخط والغضب والتمرد على سلطة المجتمع والقانون وخلق حالة من الفوضى عند الاخر يسهل معها العمل بحرية لنشر فكرة الإيهام.
وأيضا من الأساليب المهم والوسائل الفاعلة الإعلام الأيديولوجي النفسي المبرمج على قضية زرع الإيهام من خلال الصورة النموذج والصورة المؤثرة شديدة البشاعة والصورة التي تمثل بأس أعضاء المجموعة وقدراتهم اللا محدودة، أحيانا الإرهاب النفسي والإعلامي أشد فتكا من العمليات الإرهابية التي يمكن بنسبة عالية التعامل معها وامتصاص أثارها النفسية والأجتماعية، ولكن الإرهاب النفسي التمهيدي هو الأخطر إذ يساهم بشكل ملحوظ وحقيقي في زرع القلق والأمراض النفسية الناشئة عنه والتي تتفاعل بشكل حاد مع أي حدث ولو كان صغيرا أو على مسافة بعيدة.
لقد شكلت مثلا التهديدات التي سبقت حادثتي تفجيرات باريس وبروكسل وما بعدها في تشكيل أكثر من ظاهرة نفسية في المجتمعات الغربية منها على شكل فعل نفسي قلقي ومنها إنعكاسي كردة فعل ظهرت عند بعض التنظيمات اليمنية والنازية والشيفونية عند البعض الأوربي، وعكسته تصرفات عنصرية حادة ضد العرب والمسلمين مما يدفع الكثير من هؤلاء للإيمان بأصحاب مدرسة الوهم ليس إقتناعا وإيمانا بل الخوف من المستقبل وتأمين فرصة ما للمستقبل المجهول.
كما تشكل تفجيرات مدينة الثورة والكاظمية وبغداد الجديدة وأطراف أخرى في بغداد أيضا لزرع وهم جديد في عقول الأخر المختلف، تقول هذه الفكرة أنا الحكومة بما تملك وما تتمتع به من تأيد إقليمي ودولي عاجزة عن حمايتكم ونحن لكم قادمون، هذا القول يتجه نحو فئة من الشباب القادرة فعلا على الدفاع عن نفسها وعن المجتمع لتؤكد لهم أن حمل السلاح من عدمه سواء ولا ينجيكم من القادم إلا الموت، وقد انعكس فعلا هذا التصور على فئة كبيرة من الشباب التي فضلت الهروب والهجرة من العراق للبحث عن حياة بديلة ووطن أخر.
إن أساليب الحرب النفسية التي تديرها تنظيمات مثل داعش وشقيقاتها، لا يأت أبدا من عقول جاهلة أو لا تعرف ما تريد كما يصورها الإعلام الغبي والفاشل، بل هي مناهج علمية متطورة تسخر لها ألية تنظيمية وأعلامية ومدد من التقنيات والدعم المادي لكي تنجح في حصد نتائج مهمة وأكيدة تستغل لتدمير مجتمع الخصم المفترض دون أن ينتبه هذا الأخر إلى أن كسب الحرب الإعلامية أشد وطأة على الخصم من المقارعة بالسلاح، إن زراعة وهم الخوف ومحاولة التصالح معه أو الهرب منه هو جوهر الإرهاب الحقيقي وأعلى مستويات الحرب النفسية عندما تجعل من الخصم يقتل نفسه بنفسه عبر سلسلة من السلوكيات السلبية الانهزامية التي تمنح الإرهاب القدرة على السيطرة على الواقع بدون مقاومة ملحوظة.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكابدات الحزن والفرح في وطن حزين
- آينشتاين النبي ..... مفهوم العقل في العقل
- العمل السياسي في العراق بين المهنية والتلقائية
- العشوائيات السكانية .... القنبلة التي تهدد الأمن الأجتماعي
- القبانجي الليبرالي بزي السلفيين
- العقل في دائرة الروح
- أكاذيب حول موقف الإسلام من المرأة _ الإمامة مثالا.
- الناس على دين ملوكها.
- حكاية الأربعاء
- بيان الأمانة العامة المؤقتة للتجمع المدني الديمقراطي للتغيير ...
- الفوضى الضرورية والفوضى الخلاقة
- نقد التاريخية قراءة نقدية في فكر عبد الكريم سروش ح1
- نقد التاريخية قراءة نقدية في فكر عبد الكريم سروش ح2
- من يطلق رصاصة الرحمة على نظام المحاصصة
- الحياد في قضايا المصير
- المتوقع والمأمول من حراك البرلمان العراقي
- الحرية الطبيعية ومفهوم الوعي بها
- اللعب على المكشوف
- قراءة في كتاب _ عندما يكون الرب لعبة سياسية . د عباس العلي
- بيان الأمانة العامة المؤقتة للتجمع المدني الديمقراطي للتغيير


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - الإرهاب بطريق الوهم