أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيدي المولودي - - القيم الإرْوَهَّابية-















المزيد.....

- القيم الإرْوَهَّابية-


سعيدي المولودي

الحوار المتمدن-العدد: 5140 - 2016 / 4 / 22 - 01:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(القيم الإِرْوَهَّابِية)

في حياتنا الاعتيادية اليومية تتواتر ظواهر وسلوكات وممارسات شبه عادية، أو هكذا يبدو، تنمو ببطء الكارثة وتتفاقم بإيقاعات هدوء ما قبل العاصفة،عادة لا نلتفت إليها بالصرامة المرغوبة ولا نعيرها أي اهتمام،ربما لأنها لا تثير فزع فضولنا المتساقط، أو لأنها لا تستوجب الحذر الطاريء، وتنصهر بسلاسة ضمن دوامة الطقوس والعادات التي نباشرها كل لحظة ولا تتماس مع مباهج الأشياء المشبوهة أو المكسوة بالأخطار.غير أن وقفة واعية لرصد بعض هذه الظواهر التي تغزو سلوكاتنا بشكل مغموس ببواعث الإصرار والعناد، يطرح أقوى من نوْبات سؤال حول البواعث والأهداف والغايات المضمرة التي تختزنها بعض هذه المظاهر والسلوكات، التي تكاد تتجاوز إطار العادة إلى الإعلان أو التعبير عن مواقف محددة وتوفير أسباب الدفاع عنها. ومن بين هذه الظواهر، التي لا تخلو في تقديرنا من خلفيات وحوافز سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، توظيف النصوص والمتون أو الشعارات ذات الشحنة الدينية في "وصلات تعبيرية وإشهارية" على نطاق واسع وفي أكثر من مجال.
هكذا يمكن معاينة معالم هذا التوظيف واستثمار هذه النصوص، إضافة إلى توظيف الأماكن المقدسة أو شبه المقدسة، بطريقة فجة، في مجال العقار، مثلا، نصادف هذه النماذج: "إقامة ما شاء الله"، "إقامة تبارك الله"، "إقامة سبحان الله"، تجزئة: "باسم الله"، وفي المقاهي والمطاعم: "محلبة باسم الله"، "مطعم حراء"،"سناك المدينة المنورة"، وفي المكتبات: "مكتبة قباء"، "مكتبة الأئمة الأربعة"...وفي المحلات الخاصة: "مجزرة باسم الله".. وغير هذا غزير.
والواقع أن هذا السلوك طاريء على حياتنا العادية وانتشر مع استفحال وتنامي التوجهات والاتجاهات الدينية التي يظهر وكأنها تمارس طغيانها واستبدادها في عمق الحركية الاجتماعية، مستغلة الظروف والشروط والتحولات التاريخية التي تشهدها بلادنا ،في محاولة لفرض الدين بديلا عن كل شيء، وضرورة تحكُّمه في مجرى العلاقات الاجتماعية والسلوك اليومي للأفراد، ومن ثمة تغدو هذه السلوكات/ الممارسات مظهرا صريحا لتكريس نسق معين من الخيارات الثقافية والقيمية والمذهبية، وفرض أسلوب معين في التفكير والتأثير والإقناع الجبري، مما قد يتولد عنه ترسيخ ضرب من الحتمية التاريخية والثقافية تجعل المواطن أسير "جغرافية ثقافية معينة" تحد من أفق انتظاراته وتعطل لديه فاعلية العقل والتعقل، ليظل حبيس حرية مقيدة لا يجد عنها بديلا في قائمة الاختيارات المحتملة، كما تغلق أمامه حيز الذاكرة الجمعية وتصادر قدرته على الفهم والوعي المتقدم المغاير والمخالف.
وضمن هذا السياق كذلك، نصادف كثيرا من المحلات التجارية تزخر واجهاتها ومداخلها بشعارات ذات منحى ديني بارز، ترهيبية في عمقها الدلالي، وأقرب إلى التطرف والتهديد أو الوعيد ،مثل : "مفتوح ما عدا في أوقات الصلاة"، "مغلق من أجل الصلاة"، "مغلق: حان وقت الصلاة"...إضافة إلى أن بعض هذه المحلات تصبح محلات دينية محضة، تتساكن في فضاءاتها البخور الآسيوية والبهارات الشرقية والكتب الدينية الرخيصة والعطور والأعشاب الطبية والملابس المشرقية الهجينة، وتتعالق في رحابها كل هذه الأشياء لتجسد السلطة الرمزية للبعد الديني الذي يسعى أصحابها لفرض نظامه المعرفي عن طريق الاحتفاء بهذه المنتجات بوصفها منتجات دينية أو مرتبطة بالدين.
ورغم ان هذه المحلات معدة أصلا للتجارة وجني الأرباح وفقا لمنطق الاختيارات الليبرالية التي تتبناها بلادنا، إلا أن استثمارها الشعارات والرموز الدينية يعكس توجها غريبا عن التقاليد المغربية، وله علاقة مباشرة بالتوجهات الدينية المتطرفة السائدة أساسا في شبه الجزيرة العربية، إذ هو أحد مظاهر محاكاة وتقليد الاختيارات الوهابية بمملكة آل سعود، ويستهدف على المدى البعيد التأثير على السلوك اليومي للمواطن وتوجيه القيم الاجتماعية نحو الانغلاق ومصادرة الحرية الفردية والجماعية ودعم أسباب وعناصر التفكير الخرافي والأسطوري.
وتوظيف هذه الآليات الإشهارية والدعائية والأيديولوجية علاوة على أنها تتوخى السيطرة وامتلاك قلوب وعقول المواطنين والأفراد، تنهض بدور رئيسي في ممارسة الخداع والتضليل الثاوي في صلب كل عملية إشهارية أو دعائية، لتوحي، بشكل من الأشكال، أن هذه المحلات أقرب إلى المقدس وأنها مثقلة بوظائفها الدينية، وهي النموذج المفترض للمعاملات الاقتصادية والتجارية، فالحالة الدينية التي ترعاها الشعارات تنأى بها عن مناطق الارتياب، وتمنح المواطن العابر أوضاعا لا حدود لها من الدفء والاطمئنان والثقة العمياء، مع ما يمكن أن تحيل إليه أيضا من قيم إنسانية مثل: النزاهة، الأمانة ، الوفاء ، الصدق ، الإخلاص.. الخ وعلى هذا الصعيد تسهم هذه الآليات في ترسيخ خصوصيات العقيدة وسلطتها الشاملة على السلوك الاقتصادي والمعاملات، وهو عمليا ما يتنافى مع الواقع، لأن كل هذا لا يجسد غير مظاهر زائفة للورع الديني الذي يشق طريقه نحو الاغتناء والربح السريع.
يندرج ضمن هذا الإطار أيضا ما تزخر به العديد من الواجهات الزجاجية لشتاتٍ من السيارات و العربات التي تستثمر شعارات دينية، مثل: "لا تنس ذكر الله"، "صل على الحبيب"، " صلوا على المصطفى الحبيب"،"عطِّرْ فمك بالصلاة على الحبيب"... وقد لا تخلو بعض هذه الشعارات من بعد استفزازي متحذلق مثل صيغة : "هذا من فضل ربي" وهو تعبير مشحون بإرادة المباهاة والتعالي والتفاخر والسخرية والتحدي، وتصب دلالاته في نهاية المطاف في دائرة التفسير والتأويل الخرافي للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتبرير سياق التفاوت الطبقي والامتيازات الاجتماعية وما يرتبط بها، ومنطوق العبارة يعني بشكل صريح أن الذين يحتمون بهذا الشعار يستحقون الوضع الذي هم فيه ، أما الآخرون فليشربوا البحار فهم لا يملكون أية مشيئة لتغيير مجرى هذا الوضع أو تجاوزه، وعلى هذا المستوى يكرس التعبير منطق قدَرية وجبْرية مطلقتين لا فكاك منهما.
ومن الممكن تتبع ورصد كثير من مظاهر وآليات توظيف الشعارات الدينية واستغلالها في كثير من مناحي حياتنا العامة، بحيث نجد لها امتدادات شاسعة داخل شبكة وحركية العلاقات الاجتماعية، حتى غدت كل مناسبة منها خاصة أو عامة حقلا خصبا للترويج لخطابات وشعارات دينيية أيديولوجية تنهض بأدوار تعبوية وتحريضية،تحاول تنميط العلاقات الشخصية بين الأفراد والتحكم في طبيعة توجهاتهم، وإخضاع السلوك الجمعي لمعايير خاصة يتم فيها مصادرة الحريات والإرادات ، واغتيال العقل وكبح وظائفه الحيوية.
ونخلص من خلال هذه الإشارات إلى أن استثمار الشعارات الدينية ارتفعت وتيرة توظيفها واستغلالها بشكل مفرط، وتأخذ موقعها الأيديولوجي الفائق ضمن العلاقات الاجتماعية والثقافية، وشاع التذرع بها قناعا لتحقيق الأغراض الدنيوية والسياسية، وهي ما تفتأ تكافح عير تجليات متفاوتة لوضع العلاقات الاجتماعية تحت هيمنتها وسلطتها، و قد نجحت شرائح اجتماعية تولت المتاجرة بالقيم والمعتقدات الدينية في تسخير هذه "الأدوات المقدسة" لتحقيق مجدها الرخيص وخلق تلاحم متشابك وزائف بين العقيدة ومصالحها الطبقية والمادية. على أننا نشدد هنا أن طرائق الاستثمار والتوظيف تعتمد أدوات ملتبسة، وليست لها في الغالب جذور تاريخية أو اجتماعية في بلادنا، إذ هي طرائق مستوردة، وينبوعها الرئيسي هو الفكر الوهابي وعاداته ورؤاه وتصوراته وممارساته التي أمنت بها الجماعات الدينية المتطرفة والإرهابية التي تتبنى الفزع الأيديولوجي وتتحرك بقسوة من أجل احتلال المجتمع واحتوائه والدفع به نحو الاختناق والانحطاط.

سعيدي المولودي



#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -السماء ترفع دعمها عن بلاد المغرب-
- هل المغرب -دولة عربية-؟
- فضيحة - علمية- بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس
- - سنوات الرصاص: طبعة جديدة ، مزيدة ومنقحة-
- - دُّو سْ تَوِيلْ آوَا دُّو سْ تَوِيلْ.. أيهذا الخراب...
- مقتطفات من كتاب : الترجمانة الكبرى لأبي القاسم الزياني (1734 ...
- التأهيل الجامعي وولوج إطار أستاذ التعليم العالي: تكريس لحيف ...
- -الحالة الصحية للقطيع-
- عاصفة النفط
- استباحة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس: من يلعب بالنار ...
- -ثيلوفا- -9-
- كلية الآداب والعلوم الإنسانية.مكناس: -العمل النقابي وثقافة ا ...
- - شجرة الغياب- إلى روح رفيقي وصديقي: بوطيب الحانون.
- كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس و-العدمية النقابية-
- كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس و-نبش القبور-
- حول التشغيل القسري للمتقاعدين
- -ثيلوفا- ( بيان حكائي) - 8-
- -ثيلوفا- بيان حكائي. - 7-
- - البرد والسلام-
- بكائية للقامة العتيدة


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيدي المولودي - - القيم الإرْوَهَّابية-