أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيدي المولودي - - البرد والسلام-















المزيد.....

- البرد والسلام-


سعيدي المولودي

الحوار المتمدن-العدد: 4515 - 2014 / 7 / 17 - 23:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



في عرض رئيس الحكومة المغربية يوم 08 يوليوز 2014 عن الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة أمام البرلمان بمجلسيه، استعان برصيده المعتقدي ليضفي على عرضه المسحة الأيديولوجية والحزبية الخاصة والضرورية التي تجعله يُعرِّف ذاته من خلال الخلفيات الدينية، ويمنح حكومته مرجعيتها الأساسية والمركزية. ومن أبرز الفقرات المثيرة في العرض قول رئيس الحكومة: "لكن ما أن عينت الحكومة حتى دخل ذلك بردا وسلاما على المغرب، ونزل... وهدأت شوارعه وما تزال هادئة إلى اليوم."و هذه الفقرة عمليا لا يتضمنها نص العرض /الخطاب في صيغته الكتابية، كما هو منشور في موقع رئيس الحكومة الإلكتروني، فهي على ما يبدو "قيمة مضافة" مرتجلة استنجد بغلالتها رئيس الحكومة، وفعل استدعاء منه لـ" الشفهي" لتعضيد نجاعة "الكتابي" وعنفوانه، وهي مظهر للتحرر ربما من نمطية "الكتابي" والانفلات من قيوده الإجرائية وطريقة أدائه، ومن المفترض أن يضفي على فعل الإلقاء دينامية تجعله أبعد تأثيرا وأكثر إقناعا. والعملية في حد ذاتها تضعنا في صلب الإشكالية التاريخية العريقة التي تصل الكتابي بالشفهي وتنازعهما الأدوار والاختصاصات.
واستنادا إلى حالة رئيس الحكومة هذه فإن "الكتابي" يجسد حالة قصور أو عجز عن الوفاء بالمعنى أو الدلالة واستيفائهما على الوجه الأكمل، لذلك تم الالتجاء إلى سحر وقوة الشفهي لتدعيم هذا المعنى وتحصينه من الضياع أو الـتأويل أو التشتت، لأن الشفهي بتلقائيته يبدو أشد تميزا واختلافا، ويتيح على عكس الكتابي هامشا للمناورة والتلاعب بالكلمات، وإضفاء إيقاعات خاصة عليها لا تفترض أية مهارة أو تقنية خاصة. وبذلك يُسيِّج رئيس الحكومة خطابه بسياقين متقابلين: "كتابي" و"شفهي"، و ويفرض إيقاعاتهما لفهمه وتفسيره، وهي ازدواجية لا تخلو في الواقع من آليات خداع وتضليل من أجل التمويه على بعض الحقائق وصفائها.
والفقرة من هذا المنحى ليست من صلب النص الكتابي ، بل هي "حاشية" تم إلقاؤها شفاهة، ولذلك شاب عملية الإلقاء اضطراب وارتباك وتعثر اعترى أداء رئيس الحكومة، وعلى هذا المستوى يمكن القول إن الدلالات المنبثقة عن هذه الفقرة أو التي تتضمنها هي دلالات فرعية، قد نستطيع إدراجها ضمن استراتيجية استنفار "الذاكرة الدلالية" لرئيس الحكومة وحزبه، لتبليغ رسالته بكل الوضوح الأيديولوجي المطلوب. وما يمكن استنتاجه من هذا هو أن النص الكتابي في منظور، ومن خلال رد فعل، رئيس الحكومة، مفتقر إلى الكثير من العناصر الضرورية التي يرى أنها تجسد حقيقة عمل وحصيلة الحكومة المرحلية وغير المرحلية، ولذلك عمد إلى إقحام واستنزال مجموعة من الإشارات توخياً للدقة وتوسيعا لدائرة الموقف الدعائي والدعوي، مما يسمح بتمرير أكبر عدد ممكن من الرسائل المعبرة والقادرة على الإقناع.
و لاشك أن الفقرة حملت رئيس الحكومة على الخروج من منطقة عدم الانحياز أو الحياد المحتمل أن يكون النص الكتابي يحتمي به، والتخندق في مجرى الانحياز البائن، والتأكيد على هوية حكومته وحزبه، والفقرة مشحونة بهذا البعد بقوة لا غبار عليها، فالدلالات والألفاظ أو الإحالات التي استثمرتها ووظفتها تحيل بصورة مباشرة إلى المرجعية الدينية، ولفظتا "بردا وسلاما" منزوعتان كما هو معلوم من قصة أبراهام أو إبراهيم كما وردت في التوراة والقرآن، والذي ألقي به في النار، وانقلبت تلك النار "بردا وسلاما"، وإدراك أبعاد هذه الإحالة لا ينبغي أن يقف عند مستويات السطح الدلالي، بل يتوجب النفاذ إلى عمقه، ولاستكمال دورة هذا العمق نشير إلى أن الجزء الغائب من الدلالة هو اعتراف صريح لرئيس الحكومة، بأن حكومته كانت "النار" ولم تكن كما قال في سياق آخر من عرضه "حكومة عادية والسلام" ،النار التي اكتوى بلهيبها المغاربة، من خلال الإجهاز على الكثير من المكتسبات وضرب القوة الشرائية للمواطنين ، فقد نزل المغرب فعلا بفضل هذه الحكومة أتون النار، وإذا كانت قد تحولت إلى برد وسلام، فإن هذا الزعم يحتاج إلى ما يعضده على صعيد الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لبلادنا، والجميع يعرف الأوضاع المتردية التي تتخبط فيها.
وما تحاول دلالات الفقرة أن ترسخه أيضا هو أن الحكومة هي مظهر لتعايش الأضداد ( الماء/ النار) وقد تسعفنا قراءة عابرة لمجمل خطابات رئيس الحكومة للوقوف على هذا المظهر، إذ إن الخيارت الي يعانقها ترشح بمراهنات خفية وظاهرة على هذه الازدواجية، ومن هنا يمكن على سبيل المثال إدراك دلالات وما تحت ظلال بعض التلويحات التي تظهر من حين لآخر وتتضمن التهديد باحتمالات الانتقال أو الانقلاب السريع والمفاجيء من النقيض غلى النقيض، من صناعة الاستقرار إلى التهديد بالنزول إلى الشارع وتقويض هذا الاستقرار، وما جرى هذا المجرى.
ومظهر تعايش الأضداد يمكن ملامسته كذلك على مستوى تشكيلة الحكومة ، والتناقضات الأيديولوجية والسياسية والفكرية التي تتفاعل داخل الأحزاب المكونة لها، فالتشكيلة تبدو مجرد "تلفيق سياسي"، يجمع بين كيانات حزبية لا جامع بينها، و لعل هذا ما يفسر عجز الحكومة لحد الآن عن فرض أي بديل سياسي حقيقي قادر على تطوير البلاد والنهوض بها ، ويفسر كذلك طبيعة الوسائل المتناقضة التي تعتمدها لمواجهة متطلبات وحاجيات المجتمع المغربي وإكراهاته.
في تصور رئيس الحكومة، حكومته هي النار التي انقلبت بردا وسلاما، ويكاد يوهمنا أن الأمر يتعلق بعملية انتصار لا تضاهى ، انتصار الماء على النار، لكن الحقيقة غير ذلك، فمثلما للنار وجهها السلبي ( تؤلم ، تحرق ، تحطم..) فإن للبرد وجهه السلبي أيضا ( يِؤلم ، يحطم، يدمر..) والمثل السائر يقول : "استعدوا للبرد كما تستعدون للعدو" ومادامت هذه الحكومة برْداً، فإن على الجميع الاستعداد لمواجهتها والتصدي لها كما يتم التصدي للعدو، هذا على الأقل بعض مما يقتضيه السياق الدلالي الذي حاول رئيس الحكومة الرهان فيه على استثمار الجانب السطحي على المستوى الديني والأيديولوجي.
وحسب ما ورد في قصة أبراهام / إبراهيم، فإن النار التي ألقي بها ، تحولت إلى روضة غناء ، ونبتت حواليه أشجار خضرة نضرة، وكان ملائكة الظل يمسحون عن وجهه العرق، ونسأل رئيس الحكومة:البرد والسلام: أين رياضها الفيحاء، وأين أشجارها الباسقات ونوارها وأزهارها، وخمائلها، وحدائقها وثمارها اليانعة، ومن يمسح عن وجهها العرق، ومن يمسح العرق عن هذه السلالات من الفقراء والكادحين والمنبوذين العابرين لمتاهات هذا الوطن النائمين على أرصفته التي لا تنتهي...
وتقول القصة أيضا إن أبراهام/ إبراهيم، في جوف النار التي ألقي بها، كان يتوفر على سرير وفراش وثير، والمؤكد أن رئيس الحكومة وحكومته يتمتعان فعلا في جوف النار التي تلتهم كل ما حوالينا وتقودنا إلى مهوى الفجيعة، بكَرَاسٍ وثيرة، آمنة، وأن كل مساعيهما الآن تصب في البحث عما يستجيب لضرورات البقاء والاحتفاظ بهذه الكراسي المغرية.
وورد في القصة أيضا أن أبراهام / إبراهيم، في جوف النار التي ألقي بها ، غلب عليه البرد فاصطكت أسنانه من البرد، فهل اصطكت أسنان رئيس الحكومة وحكومته مثلما اصطكت أسنان أطفال "آنْفْكو"، و"إيمي لْ شِيلْ" و"ُثِيقَّاجْوينْ"، و"إيغَالّْنْ إيحْبارِييَنْ" ..و بقية الأعالي المخبوءة في مزارات الريح.؟؟
***
في الفترة نفسها التي ألقى فيها رئيس الحكومة:البرد والسلام، خطابه المرحلي، نزلت صاعقة رعدية هوجاء على المنطقة التي أنتمي إليها بأعالي جبال الأطلس المثخنة بالجراح والبؤس، وأتى بَرْدُها وبَرَدُها و سيولها الجبارة الجارفة على الأخضر واليابس، وألقت بالأهالي في مهب الخراب، الأهالي المشغولون بتكديس االآلام والأحزان، ولا أحد حرَّك ساكنا أو التفت لدخان صرخاتهم أو غبارهم.
ولعله من المفيد بالمناسبة أن يضيف رئيس الحكومة إلى فقرته: (البَرَد) إضافة إلى (البرْد)، لتكون حكومته برْداً وبَرَداً وسلاما، فذلك سيشعرنا بالمتعة الصاخبة أكثر.
سعيدي المولودي



#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بكائية للقامة العتيدة
- رسالة مفتوحة إلى وزير التعليم العالي (2)
- رسالة مفتوحة إلى وزير التعليم العالي
- -ثيلوفا-- بيان حكائي- - 6-
- - ثيلوفا- ( بيان حكائي) -5 -
- - ثيلوفا- ( بيان حكائي) -4 -
- إدارة كلية الآداب بمكناس والتحريض على العنف
- وزارة التعليم العالي: الإجهاز على حق الأساتذة الباحثين في ال ...
- - مغاربة العراء-
- - المستنقع الميداني-
- التعليم العالي : خبطة الإصلاح البيداغوجي الجديد
- - هولاند بن عبد العزيز-
- نقد- مفاهم حضارية- في الأدب العربي
- وزارة التعليم العالي: حافات الارتباك.
- كيمياء العدوان
- -ثيلوفا- ( بيان حكائي) -3-
- -ثيلوفا-.2.
- -ثيلوفا- (بيان حكائي) 1
- ( الرجيع العربي)
- أمريكا وعقدة -الشين-


المزيد.....




- الأرض أم المريخ؟ شاهد سماء هذه المدينة الأمريكية وهي تتحول ل ...
- وصف طلوع محمد بن سلمان -بشيء إلهي-.. تداول نبأ وفاة الأمير ا ...
- استطلاع رأي: غالبية الإسرائيليين يفضلون صفقة رهائن على اجتيا ...
- وصول إسرائيل في الوقت الحالي إلى أماكن اختباء الضيف والسنوار ...
- شاهد: شوارع إندونيسيا تتحوّل إلى أنهار.. فيضانات وانهيارات أ ...
- محتجون يفترشون الأرض لمنع حافلة تقل مهاجرين من العبور في لند ...
- وفاة أحد أهم شعراء السعودية (صورة)
- -من الأزمة إلى الازدهار-.. الكشف عن رؤية نتنياهو لغزة 2035
- نواب ديمقراطيون يحضون بايدن على تشديد الضغط على إسرائيل بشأن ...
- فولودين: يجب استدعاء بايدن وزيلينسكي للخدمة في الجيش الأوكرا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيدي المولودي - - البرد والسلام-