- مغاربة العراء-

سعيدي المولودي

الحوار المتمدن-العدد: 4466 - 2014 / 5 / 28 - 21:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تتقدم الفجيعة خطوات لعمق المدى،تغرس يديها في سكة القرب والبعد، ويتساقط سحاب طائش ينصت لألم غريب يسري في الفلوات، الوطن الهشيم يقف مذعورا، مغمض العينين يتوسد جرحا لا ينام ويقرأ خيباته على إيقاعات الديموقراطية الفاحشة.في الممرات الموصدة والأرصفة الموقدة يقرع الفقراء المخذولون أبوابه الطويلة، ولا يعبرون، قريبا منهم يمضى الأعداء رجال الوقت مدججين بالسحنات الدواكن، والقبضات المجنونة الهائجة التي لا ترتوي،ويختفون في مسالك وحقول بعيدة،غامضة يرعاها الوطن، ويناديهم أيها الأصدقاء: ضعوا بنادقكم كالعادة في الخطوط الأمامية وليذهب الحفاة العراة إلى الضاحية كي يتعلموا البحث عن النار...
تقول الفجيعة: أنا سليلة المتعبين، والفقراء المثخنين بالجراح الأبدية. سأحفظ السر في هذه الآبار التي لا تنتج نفط الجهالة. الخط متواصل كالعادة السرية، والوطن يلبس جلد الوقت الأرعن، ويقتدي بهوادج الظلام التائه:يعفو عن اللحى، ويقص الشوارب، ويرتدي اللباس الأفغاني العقيم،والحجاب الخامية الظليلة،ويسير على مهل لحافات الموت،يحكي حكايات الوباءات والجهاد الأسود والدجل المقطر والحروب العمياء المسربلة بالغباء.
هاهو الوطن آمن في خوفه، يخفي ريح الأحلام الضائعة تحت جناحيه، ويقترب من المقبرة. يتحول إلى قفص في مفترق طرق مهجورة، تملأ وجعَه المستطاب الشعاراتُ الغريبة: لاتنس ذكر المسافات، لا تنس ذكر الالآم، لا تنس ذكر الآهات، صلِّ على شهوة الأشباح الغربان القادمين من تراب التاريخ الحاقد، وعلى الزيف المشاع، وعلى الصحابة الأرذلين،بيادق "الناتو" المبجلين، والدماء المستعارة التي تراقص خطو اليباب.
تتوغل الفجيعة في امتداد الأرجاء، تهتف " إِيمِي لْ شِيلْ " من هولها، حتى منتهى الدموع، ويخرج أهاليها في انكسارات، طوابير من جوع ، يرسمون سحائب التنمية البشرية ، وخرائط الندوب الهوجاء.
لا آلهة ترعى هذا الهواء.
الشمس تمضي لمستقر ليس لها،
والجاذبية الغراء تهرب من قبضة الماء.
ينام أطفال "آنْفْكُو" في حضن الهباء، يرسمون خرائط الموت البلدي الأصيل، وينعون وطنا يهرق خطواتهم في نوبة النسيان، ويلقي بهم في قارعة الجراح، ولا يد تغسل أقدامهم الشبيهة بالأرض.
تتهاوى الجبال.
ولا حكومة تسع هوانا، ولا دولة تأخذنا لغابات الدفء، كأننا من كوكب غريب، يجلس الناس تحت أجراس الجوع، والبرَد المصقول كأحجار من سجون، ولا قافلة تستعجل خطاها.
تذهب الوعود أدراج الرياح، والقبور على دين سكانها، وفي كل شبر تولد صخور الخطيئة، نضع أيدينا في ماء الله، وفي باب "على الله"، وفي الفراغ الذي يصغي لرائحة الأحزاب،وهوس الصفقات والمناورات الصغيرة والدسائس البائسة،والانقلابات النيئة والمطبوخة،وزيف النبوءات المتكسرة التي تتراقص شظايا في عقر الظلمات، باسم الشعب الذي يأكل ويشرب مخاوفه، وينام باكرا، ويغني للخراب الذي لا يأتي.
تتوقد الفجيعة وتلبس دماء مغاربة هذا العراء، الممتد من الأعالي للأعالي ومن السفح للسفح ومن الغدير للغدير، ومن الجمر للجمر،ومن القهر للقهر ومن الفقر للفقر، للوجع الهائم.
مغاربة العراء ، نحن، القادمون من اللحظات المثقلة بالوزر، نملك هوى الأوطان، جوعا أو قتلا أو سجنا، ولا لغة لنا غير لغة السيبات والحروب المؤبدة. "الداهية" التي غادرتنا دون عودة، أمنا التي أسلمتنا مفاتيح النبض، أورثتنا عبادة الأرض."كوسيلا" الذي ركب طريق الموج، وأطفا شمعة الخوف، أبونا القابض على الرصاص الهادف، لا نزال نهتف باسمه وننام على صوته الصدى بين الغربة والضياء، والرهبة والكبرياء. "صالح بن طريف" المنارة العريقة في اللالأء، نبينا الطليق في الأنداء، المتألق بين النجوم، سنرحل لضفافه البعيدة، لنبدأ صرخة الميلاد والميعاد.
مغاربة العراء، نحن،الراسخون في المكان، نفيق على الحصون الجوفاء والشوارع الصماء، وثقوب الجباة التي تجرفنا، وتحملنا للمدارس المعفنة حفاة، وللديموقراطيات الزائفة عبيدا ينتظرون الإشارات المديدة، ويتلذذون بكيد المرابين الذين يمضون بنا كل مغيب لكبوة الخسران.
مغاربة العراء، نحن،
عبثا نمضي،
وهذا الوطن الموحش أغبر، لا يوشك أن ينتهي.

#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل