أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيدي المولودي - أمريكا وعقدة -الشين-















المزيد.....

أمريكا وعقدة -الشين-


سعيدي المولودي

الحوار المتمدن-العدد: 4047 - 2013 / 3 / 30 - 22:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أمريكا وعقدة "الشين"
حرف الشين كما يقول اللغويون أبرز الحروف الشجْرية، ويتصف بسمة مائزة أطلقوا عليها اسم "التفشي" أي ما يعني الاتساع والانتشار والشيوع وهي خاصية تعلق بكثير من الدوال التي يشكل عنصرا أساسيا وجوهريا بين مكوناتها. وليس مرامنا هنا البحث في دائرة الخصائص اللغوية أو الصوتية او الدلالية لهذا الحرف، بقدر ما يعنينا أن نشير إلى أنه بناء على بعض عناصر الملاحظة المجردة أصبح يجسد مظهرا لعقدة لها تجلياتها السياسية والاقتصادية والفكرية والعقائدية والروحية، قد نسميها عقدة "الشين"، عم بلاؤها الكثير من الدول والأنظمة، وفي مقدمتها أمريكا ذات الويلات المتعددة الأوجاع .
ولن نغالي إذا قلنا إن أمريكا في الزمن المعاصر على الأقل تعاني من عقدة اضطهاد "الشين"، إذ كلما ذكر "الشين" استنفرت احتياطيات جهوشها وضفادعها البشرية وغير البشرية، ووضعت يديها على آليات الدمار التي لا تبقي ولا تذر، وأشعلت نار حروب أسطورية لا تنتهي. ونزعم أن تاريخها إلى حد بعيد هو تاريخ صراع مع هذا الحرف وبمعنى أدق مع بعض المفاهيم الدالة التي تدفقت من صلبه وشكل ضمن بنيتها الصوتية والدلالية عنصرا فاعلا ومحوريا و إطارا رمزيا لدلالاتها وسياقاتها التداولية.
وإحدى هذه المفاهيم التي قضت المضجع الأمريكي هي "الشيوعية"، التي كانت على امتداد القرن العشرين نوارة السماء والإشراقة الغامضة التي حطت بغيمها على أطراف الكون، ومضت من قسوته إلى حيث قد تعود، وكان عطرها الشائع يغيظ أمريكا ويغازل حتفها، ولذلك عبأت أمريكا كل شساعتها وشراستها العسكرية والأيديولوجية حتى الامتلاء لتوقف نبضها وتخنق أنفاسها، وعملت بشتى الوسائل والمناورات والمؤامرات من أجل اختزال الكون في حدودها وإضفاء الطابع المثالي على اختياراتها السياسية والاقتصادية والثقافية، ونسبة الخير كله إلى امتداداتها، والشر كله إلى ما عداها وإلى الشيوعية بالذات وما والاها. وقد بذلت الأقسى والأقصى مما ملكت يداها من أجل تعكير صفو العالم وإرباك رنينه، وحشدت المرتزقة والأنذال في كل القارات وأسراب الجهات لتحشو اللحظات بشهقات الرصاص والقتل الغادر.وبنت جنونها على تمجيد الذات وتكييف كل الظلال نحو جحيم الاستقطاب ليرسم العالم تضاريس الرأسمالية كحلم مبلل بأراجيح السعادات والمواويل الفائرة.
وكان من المفترض أو الممكن أن يأخذ الصراع بين أمريكا وأعدائها أو خصومها المحتملين منحى آخر إيجابيا، ويقود العالم والعقل الإنساني إلى حافات تحقيق تطور متميز يعبر عن الإرادة الإنسانية في تجاوز المعضلات الكبرى التي تعوق بناء علاقات أممية قائمة على الثقة وعلى الإخاء والمحبة والسلام والأمن، وتحقيق التقدم والرقي على مستوى القيم والأفكار السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لولا أن أمريكا كانت على الدوام تستصرخ الحروب ونصبت نفسها عدوة للشعوب، وفجرت الصراع في اتجاه اللعب بالنار وشهوة امتلاك العالم وافتراس معالمه، وشقت الطريق لقهر الأمم واضطهاد الشعوب وتفكيك كياناتها وزرع المكائد في تجاويفها الشريدة، لترسخ تصورا شموليا مغلقا لا يمكن أن تتجه فيه الولاءات، زاد المرتزقة في كل مكان، إلا لأمريكا وحدها.
ومن المفارقات المرعبة أن تصطف كل الأنظمة الثيوقراطية السوداء في العراء العراء (بي) إلى جانب زاوية النظر والخيارات الأمريكية الرهيبة، وتتمترس بتهورها في خندق معاداة الشيوعية، تسليما مجانيا بما يتم تسويقه من معطيات مضللة عبر الرشح الأيديولوجي للفكر الرأسمالي، من أن الشيوعية نظام عنيد لا يسعى إلا لترسيخ قيم الإلحاد ومناهضة الأديان ونسف مقومات الإيمان بالغيبيات لدى الأمم والشعوب، وتم اجتذاب هذه الأنظمة التي يتغذى عقلها السياسي من الخواء الفطري وتسخيرها لبناء جبهة سامة تتوهم الاندفاع نحو الحقيقة، وافتراس الشيوعية وأكل صغارها، وأغرب من هذا أن شراذم موبوءة كشرت عن عواصفها الكبيتة لتدافع عن أن الشيوعية هي ثمرة الفكر اليهودي وأن عداءها ركن من أركان هذا الدين السريري، وعلى الرغم من أن أمريكا حامية الوجود والكيان الإسرائيلي وغطرسته وتحديه للقوانين والأعراف الدولية، وتسهم بشكل منقطع النظير في تسويق صورة مثلى له في جغرافية العلاقات الدولية، إلا أن العقل الديني المعبأ بالهراء الأمريكي مشبع بغبار العداوات لدرجة استطاب معه الجهاد ضد الشيوعية من خلال المجاهدين الأوباش الأفغان ذيول الاستخبارات الأمريكية الذين أضفى عليهم دين النفط والغباوات هالات من القداسة والإغراء والإطراء العنيف.
والتبعية الهوجاء التي انتهجتها الأنظمة السوداء المفلسة، وانبهارها الهابط بسحر وقوة الفكر الرأسمالي من أجل معاداة الشيوعية باعتبارها خطرا داخليا وخارجيا على الصعيد السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والروحي، لم تكن في واقع الأمر إلا انعكاسا لوقع حوافر التخلف المبين الذي تحياه هذه الأنظمة البارعة في عمليات الهبوط والصعود في سلم ريشتر الدين، لمواجهة جاذبية العقل والمنطق وآفاق أزمنة التنوير والانعتاق والتحرر، ولذلك فإن المهام الدفاعية التي قامت بها هذه الأنظمة الفاقدة لكل صلاحية لم تكن إلا تعبيرا عن نزوع أصيل إلى تكريس كل أشكال الاستبداد والطغيان وتوطيد معالم الجهل والأساليب البدائية الهجينة في الحكم.
اليوم بعد أن أفل نجم "الشيوعية"، أو هكذا بدا للمرتزقة المكلفين بنظافة العالم والتاريخ، وتكاد الأنظمة السوداء تنام على جنبها الأيمن وتقر عينها أن الجهاد المقامر في أفغانستان وفي سواها من بؤر التوتر المصطنعة في العالم، قد طهر الكون وطريق الإنسانية من كل وجع المطارق والمناجل وسواعد الشر الكادحة التي كانت ترعاها الشيوعية، وتم تحرير ربوعه المترامية من كل أزيائها وألوانها لتعود سيرتها الأولى، عادت أمريكا لتبحث عن عدو جديد تعلق عليه مواجعها وأحقادها النابغة، ومن باب الصدف أن يكون العدو الوليد مرة أخرى قائما على إيقاعات حرف "الشين"، فبدل "الشيوعية" غدت "الشيعة" العدو المعاصر، الظاهر والباطن، الماثل في كل البقاع يتعقب الظلال ويسكن الجدران والممرات، واستطاعت أمريكا أن تؤسس أساطيرها الصغرى والكبرى حول هذا العدو الجديد وأن تعد له تراثا ضخما وتاريخا من مواسم الدم وأجنحة الدمار، وانساقت الأنظمة السوداء بشكل غريزي وراء الكوابيس الساقطة الجاهزة التي روجت لها أمريكا، وأكدت مجددا عبوديتها الطوعية وخنوعها وولاءها السقيم لأمريكا، وهو ما يعني أن إمارات النفط والقطران المتنكرة لا تحقق وجودها إلا عبر آليات الخضوع والتبعية، وذلك ما يمنحها هويتها و أي معنى، إن كان لها معنى أصلا.
وعلى الرغم من تعذر إيجاد أية أواصر أو قواسم مشتركة بين "الشيوعية" و"الشيعة"، ورسم معالم تضاريس لمناطق نفوذ مشتركة بينهما على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والفكرية، فإن أمريكا استطاعت أن تستثمر عواطف وانفعالات ورواسب الغرائز الهمجية لدى ضعاف العقول وأشباه السياسيين والحيوانات المرضى بالغرور الديني، وشتات قبائل وأفخاذ إمارات البراميل النفطية الذليلة، وتتولى توظيفها لتمرير خطاباتها وتأجيج العداوات وإشعال الفتن والحروب من أجل بسط هيمنتها وحماية مصالحها الاقتصادية والعسكرية.
في ظل هذا الوضع يمكن التعامل مع الإنسان العربي المغلوب على أمره ومصيره، بأنه ضحية عقدة هذه "الشينات" بحيث يبدو له العالم غيما أسود من الغزاة، شيوعيين وشيعة، يقترب من سقف جهالته وجهاته الأربعة، ولا يرى جبنه غير الحضن الأمريكي ملاذا، وغير كلاب أمريكا النابحة التي ستنجيه من الغرق، يضع تاريخه في مهبها لتوظف غباوته الجاهزة في اللحظات السياسية الحاسمة، وكلما خفت ضوء "شين" شحنت قهره الملتهب ضد "شين" وليد.
فطوبى لهذه الملايين من القتلى المغفلين الذين تمشي أمريكا في جنازاتهم وترسم طريقهم نحو المقبرة بكل برودة الدماء إلى ما لانهاية.

سعيدي المولودي



#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضد هدر - الكرامة الأصيلة- لسكان جبال الأطلس
- وزارة التعليم العالي و- الأسواق المدرجات-
- -أصدقاء السوء-
- - تجديد النخالات-
- -أمريكا تجني ثمار ما زرعت-
- - النفط قائدا ومناضلا-
- وزارة التعليم العالي: التلويح بمحاربة الفساد باليمنى، و-التش ...
- وزارة التعليم العالي تخلف وعد -مراسيمها-
- صناعة -السيبة- في كلية الآداب بمكناس
- - العملاء ورثة الأنبياء-
- في مديح - الفيتو-
- -دعاء الاستوزار-
- الحملة والشعارات الانتخابية
- - تنزيل الدستور وما يليه-
- - إن ينصركم الناتو فلا غالب لكم-
- في نقد حصيلة الحوار الاجتماعي: الأساتذة الباحثون والقبض على ...
- -الرافد العبري-
- انتخابات برج القوس
- الانتماء المغاربي لسعدي يوسف ( قراءة في نصوص الشمال الإفريقي ...
- -الضحالة المغربية-


المزيد.....




- جبريل في بلا قيود:الغرب تجاهل السودان بسبب تسيسه للوضع الإنس ...
- العلاقات بين إيران وإسرائيل: من -السر المعلن- في زمن الشاه إ ...
- إيرانيون يملأون شوارع طهران ويرددون -الموت لإسرائيل- بعد ساع ...
- شاهد: الإسرائيليون خائفون من نشوب حرب كبرى في المنطقة
- هل تلقيح السحب هو سبب فيضانات دبي؟ DW تتحقق
- الخارجية الروسية: انهيار الولايات المتحدة لم يعد أمرا مستحيل ...
- لأول مرة .. يريفان وباكو تتفقان على ترسيم الحدود في شمال شرق ...
- ستولتنبرغ: أوكرانيا تمتلك الحق بضرب أهداف خارج أراضيها
- فضائح متتالية في البرلمان البريطاني تهز ثقة الناخبين في المم ...
- قتيلان في اقتحام القوات الإسرائيلية مخيم نور شمس في طولكرم ش ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيدي المولودي - أمريكا وعقدة -الشين-