أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - - ثيلوفا- ( بيان حكائي) -4 -















المزيد.....

- ثيلوفا- ( بيان حكائي) -4 -


سعيدي المولودي

الحوار المتمدن-العدد: 4484 - 2014 / 6 / 16 - 23:56
المحور: الادب والفن
    


"ثِيلُوفَا"
(بيان حكائي)

-4 -


"إيطو" ياسمينة مخذولة، دفتر غجري، لوعة تسري في لهيب الوطن، وشم يسكن حرمة الأبواب، لا اسم لها، ولا طريق، وضعتها أمها الدامية كما في الأساطير القديمة تحت ظل شجرة مغربية منسية في الأعماق، في خفقة رحيل أبدي في عريش الأرض وطينها، لملمت جسدها الصغير الضائع في أشلاء من إزار رث مثقل ببقع متلهفة من القطران والمخاط والتربة الحمراء الناعمة، وواصلت رغم كل الصعاب نشوة النمو والرحيل على شفق فجر كسيح يتقدم السفوح الخضراء الممتدة كالفراغ الأخير. لم تصرخ صرختها الأولى ضمدت جراحها بالصمت كقارة يائسة،أرضعتها التاريخ السائح، الدفين في ثدييها، واشتعلت "إيطو" كنبتة برية متوحشة،لا تعرفها تعاويذ الإصلاح الزراعي، ولا تمائم الإرشاد الفلاحي.جرعت عصير الزعتر والعرعار والنعناع البري وحمأة الكي الأصيل، فاضطرم حبوها في ثنايا العمر، تأكل حطام الثرى وجذوع الدوم، والجمرات الخالدة، واستطالت لهفة الأشواق في جسدها الشرس. حين كانت ترتفع درجات حرارتها وترتديها الحمى الموسمية القاتلة، تغمسها أمها في ساقية من حناء بلدي، ويخضر جسدها بلون الغسق، تشد رأسها بخرقة بالية متلاشية فتستلقي على ظهرها لتصد هجير الألم، وبكاء مغمور يغشاها.لايكفي أن تولد هنا، بل عليك أن تقوم من أجل أن تحيا وتصرخ: أنا الريح التي لا تهدأ. في سنوات العمر الأولى كانت تحتفي بخطوها، تحتلب البقرات السبع ، تعجن القمح البري وتتهجى مواعده، ويستريح عناء أمها بفضل حيويتها، إذ تنهض على يديها كل المسؤوليات الضرورية.استد عودها في قسوة الصخر، برعت في نسج الزرابي الأطلسية المستباحة، وكان يضرب بها المثل في الحبك والسبك والإحكام، رائدة مدرسة تشكيلية بارعة في الرسم والنقش على الحصير والزرابي والمنتجات الصوفية.حين كان شتيت أفراد عائلتها ينتشرون في مباهج الأرض والحقول يشقون غبار السنين ويملأونها حبا وأملا وحياة، يفلحون، يزرعون، يحصدون،ويرسمون ملامحهم الخشنة على الطريق، كانت هي تنفض يديها البارئتين من مشاغل الخيمة البسيطة فتسرح بالأغنام أو البقرات لمرعاها عبر المروج والبطاح المجاورة، تخطو خطواتها في هشيم التاريخ حيث تراود ذكرياتها المترامية:تلعب بين أقرانها وقريناتها، تركض ركضهم البعيد، وهم يجرون وراء سراب طفولات لا ترسو إلا على موج من خراب. تغني بكل براءتها أهازيج الصبوة الشريدة، فتهتز أركان الجبال المحيطة وتقشعر طبقات الأرض تحت قدميها، ويعم الصدى منافذها قبل أن تبعثره الريح ويذهب لخطْب النسيان.
سنوات داكنة ، عابرة، كانت " إيطو" حاضرة في همس الأساطير الرفرافة، تغني ، تحلم ، تضحك، تبكي، وتتعلم صلاة الأهواء، لم تدخل مدرسة إلا يوما واحدا في قبضة صيف لاسع،حين ضايقها الحر واستظلت بأطلال مدرسة تعود للأيام الغابرة، غدت اليوم خرابا يبايا...
"إيطو" يمامة،غمامة، تزرع عنفوانها في هجير المحال، كانت أمها تهدهدها وتغري صغرها بالأناشيد المغلقة:
- آ ثَاشِيشَاوْثِينُو ( يا كتكوتتي)
- آ ثاسَكُّونْ وَاضِيلْ ( ياعنقودة العنب)
فترسو مواقد فرحة على ملامحها الذابلة، وتفيض نهاياتها وكل أطرافها من فرط الشدة، واللذة والرغبة والشهوة العارمة.
في خط عمرها الصغير نزلت بها أمها أيام اليد الكبير وافدة على خيمة خالتها، فافتتنت بطفولتها الشاردة الشاهدة، وآسرتها ملامحها البريئة، فوضعت بين عينيها الدافقتين الصغيرتين وشما ماثلا، أصبح جزءا من اسمها وهويتها الكبرى، فكبرت " إيطو" ورسخ الوشم في مغناها، كبرت وتدفقت على مناكبها جدائل شعر فاحم تطاولت بلا حدود، وترامت على مهوى القرط والأفنان، استيقظ برج صدرها، واكتنزت مرافقها وسارت بذكر طيبها الركبان، وأصداء القبيلة، لم تخجل كانت تفضح عمرها كشتيت الصبايا اللائي يتوارثن مواجع القبيلة وأسرارها وأحزانها النبيلة. في لقاء عابر كلحظة مس ، أو غفوة، أو حلم غادر، لم تعد تتذكر معالمه المهجورة، تحت ظل شجرة دفلى ذاوية غريبة، في يوم ربيعي ساحر، قتلت طفولتها ، واستباحت عذريتها، ومضت في الحياة مزهوة بأنوثتها تحصي ذرات حلم يرتديها، ويجعل منها الغنيمة..
تقدم إلى رضاها ابن عمتها ذات عام، الشاب المهووس بالأرض، المسكون بغبار الأحجار وقساوة القهر، وأسراب المعاناة، التقى بها مرات، لحظات من هباء وتنفس لونها الطارق، كان يفترس صدرها الخشن الحرون، يفتت ثماره، يعصر نهديها النافرين كالبرتقال الطبيعي مائة بالمائة، يرشف رضابها العسلي فتستعر فيه فحولة الأعراب، يستظل ضفائرها السنبلات الوديعات، ويغزو نبضها كالوحي الداني، ورغم ذلك كان ثمة شيء ما في داخلها يكبح هواها، ويباعد بينها وبينه، وأغمضت صبرها، وقلبها ينبض في اتجاه المجهول.
في ليلة استوائية خريفية مشوبة بضباب متلبد غريب يمعن في حتفها يحجب زرقة العين وماء السماء، قرر الأهل أن يقيموا مأتم "إيطو" ، وفاحت الفرحة في جليد الأحباب والمقربين والأبعدين. لا تذكر اليوم ، أي يوم هو ذلك اليوم الأغبر في رحيلها لرغبة الآخرين، لكنه كان يوما رائعا وجميلا، أسود ، أبيض، وبكل الألوان، أقبلت كتائب ابن عمتها لتعلن ميلادها وتبدأ حياة خريف أخرى راعية ، حارسة ، أمينة، طائعة، ستكبر فيها أنوثتها، وتتعهد الذرية القادمة والشائعات المتهالكة والعادات المباركة والبقرات المحبوبات والكلاب الوفية، وتقف على قدميها لتكتب ضياعها على كراسات الصمت الآسن خارج المقررات والكتب المدرسية المضللة.
أقيمت حفلة زفاف من زمن الأساطير العاصفة وخرجت "إيطو" من قبر إلى قبر، من عناء لعناء، ومن تعب لتعب، واستوطنت عجائب مملكة عمتها، تكتب اسمها على الأجراس الذاوية. عمتها الآن تبدو على حقيقتها أفعى في صورة آدمية ومنذ هبوطها الأيام الأولى وجدت عمرها في المحبة الجرداء، كأنما عمتها أعلنت عليها الحرب، صباح مساء تنهرها ، تزجرها ، تؤنبها تقول لها:
- أَمَانْ آيطو . ( الماء يا إيطو)
- ثِيفُوناسِينْ آيطو. ( البقرات يا إيطو)
- تعالي ، قفي ، تأملي ، هاتي ، احذري ، لا تفعلي، انتظري ،مالك لا تسمعين، لا تستعجلي ، اخرسي، أسرعي، أغلقي، افتحي، انظري ، تأكدي، انتظري. ضاقت إمارة "إيطو" بمناوشات عمتها، وتعاملت معها بصبر غزير، لكن عمتها تطارد هدوءها وتحشد ضجيجها لمحاصرتها. استوقفت حجيج العشيرة ونساءها، ولم يعبأ أحد بانكساراتها ، وبألمها الخفي، والوقت يمضي سريعا، وعمتها تقاتلها دونما رحمة.
بعلها الفج ، يفتح عينيه على الجذور، وما طال النهار، يعشقها حتى سدرة الجنون، يقول لها إني أتنفس بظلك هواء الحلم وعطر الحياة، يذهب كعادته إلى السوق كل يوم في الأسبوع فيصطحبها ويقضيان معا امتداد النهار في حضنه، كأنما يمرحان في نزهة عابرة، يضحكان، يهزآن من صدأ الخطو، ويتدفق بين يديها الحب المحض، غير أن ذلك لا يشفع له فهو سلبي، عدمي أمام جبروت عمتها، ولا يبالي، وكان ذلك يغيظها وتكتم مقتها الجارف.
في فضاءات السوق البهية اكتشفت "إيطو" رماد المدائن الصغيرة التي تحبو لمغاني الحياة، رأت كم هو جميل هذا الضياء، هذه السماء، هذه الأرض، هذه الغابات الموحشة، والحضارات البديعة الملعونة، وكم هو جميل هذا الغبار الذي يكتسح الضواحي ويمسح عباب السنين، شموس تغدو وتروح، أعباء صغيرة جدائل وحبائل عتيقة، وكواكب زرقاء، وتعب يسري كالرهبة للقرار حيث لا قرار.ميلاد آخر متوج بهموم حانية، يعصر خطواتها ويحملها على بساط من تيه، يرعى أحلامها العتيقة السفلى.
مضت سنون قليلة كطاعون آبد، ضاقت الأرجاء أمام عينيها احترقت في صمتها حتى كادت الروح منها تخرج لتسافر بعيدا عنها، قلبت الأمر مرارا، ما هذا الزيف الذي يدكها؟ ما هذا السيف الذي يتوعدها، لطالما غنت ، ناحت وبكت، ولم تسعفها بشارات الأهل. ما أضيق العيش لولا فسحة الهرب..
في ليلة سوداء غريبة من ليالي الشتاء الباردة، حزمت "إيطو" حقائبها الشاردة ورغبتها الراحلة في البراري، خرجت من عش زنزانة عمتها، ألقت نظرتها اليائسة على رؤوس الجبال العتيدة، آسرتها النجوم الساحرة، والقمر العاشق للريح، سقطت من عينيها دمعات نزيف سريع، وتمنت لو أنها لم تولد، ولكن عزمها كان أقوى للرحيل والهروب إلى قارات الضياع. في داخلها كان كل شيء يلتهب، تهتز أطرافها ومفاتنها لهذا الرعب، ولكنه الاختيار الصعب..
سنوات بعد ذلك أضحت " إيطو" ذكرى من الماضي، ضاعت ملامحها في شجر النسيان، ونسيتها التضاريس الحارقة والسفوح الخضراء وأهلها الطيبون والمنحدرات السعيدة، ودفن بعلها ذكرياتها الصغيرة في مقبرة الأشجان. آلمه ذلك وارتجت منه الأعماق، وفي كل مرة كان يرفع وجهه نحو السماء متوسلا: يا إلهي.ماالذي يجعل الحياة هكذا سوداء ضارية.
حين رست مراكب " إيطو" في مشانق تلك المدينة الكئيبة الصغيرة، راودها شيء كالندم، أو الحزن، أو الحنق، أو الموت، أو الانهيار، وبدأت تخطو على غير هدى، تتذكر رنين معارف وأهالي مقربين، ويقف في بوحها النبض، يداهمها الدمع في كل خطوة، وتكاد تقترب من الهياج.. خابت في الشوارع القانية التي لا تكاد تعرف أسرارها، ولكنه الثمن الصغير لدورة الاغتراب. تذكرت وجوها و أسماء، وبدأت تتهجى تاريخها، مرة قد تكون وبعض من أقاربها تبادلوا الحديث عن امرأة صالحة من دمهم، ترقد في هذه المدينة، وبذلت جهدا كبيرا للوصول إليها، طرقت الباب والخوف يغمرها والعرق يتصبب نهرا منسابا في كل جسدها، سأل صوت امرأة من الداخل : من الطارق؟ وأحست بالهلع والخجل والفزع المريب، ترددت في الرد، فهي قد لا تعرفها، تلكأت بعض الوقت ، انفتح الباب، قالت في ارتباك وارف: مساء الخير سيدتي، اعذريني فأنا قادمة من جهة الخلاء، أحمل دم القبيلة، أهلي من هذه الأغلبية القانتة. غريبة في هذه المدينة الموحشة، سىآوي إليك بعض الوقت، إني أحمل هما ثقيلا بلون وجه الأرض. اعذريني سيدتي.سنون وأنا أسكن الفجيعة. رقت المرأة لبراءتها الساطعة، سألتها عن القبيلة ، ومن أي عوائلها هي. وثقت في سذاجتها وبساطتها، وصراحتها، فمنحتها الأمان، وقالت لها إنها أقرب من جهة الأم لعائلتها الصغيرة. وانا وحيدة هنا. أستطيع أن أقول: إنك ستؤنسينني. انقشعت سحائب الخوف عن محياها وارتمت عليها حاضنة، تسبقها دموعها النافرة واليأس الذي يملأها، وحظها العاثر الذي قادها لهذه الهاوية.
أياما معدودات قضتها "إيطو" في حماية قريبتها، خجلى، صامتة كالبحر، مكسورة الجناح، تمضغ مأساتها في يأس مريع، استشعرت دفء المدينة واستعادت بعض طمأنينتها وفتحت أسرارها لقريبتها، وحكت لها جحيمها الذي هربت منه، وكيف أنها لاتجيد المشي في متاهاته، قد تكون أخطأت الطريق، خانت اسمها ،تاريخها، وعدها،حبها، وأناشيد القرية ، وأهلها الأنبياء، ولكن لا مفر، قضي الأمر، ولتجتر هذه المرارة إلى آخر عتبة. رق لها قلب قريبتها، وحاولت عبثا أن تثنيها عن عزمها وأنها على استعداد لتقوم بمهام الوساطة وإصلاح ذات البين ولكن " إيطو" أصرت على قرارها، وسلمت أمرها لريح الوحشة والاغتراب، وقالت: أنا تلك السحابة التي لا تعود أبدا إلى كيمياء البحر.صارت أكثر خوفا، أكثر حزنا، أكثر يأسا، أكثر انتشاء، وزادتها الأيام والليالي اقترابا من المفاجآت وأشياء الحياة الغامضة.
استقرت الغادة المهزومة في عقر المدينة، تعلمت على المضض لغاتها وحركاتها، واكتسبت بعض العادات الحضرية، عرفت كيف تدخل الحمام، وتخرج منه بسلام، وتتسوق على حذر من محيطها، وتخرج أحيانا لتعرض قامتها الشامخة وتطلق غواياتها على هامات التائهين، وتزرع خطاها الشائكة في أنفاس الممرات.حصلت على بطاقة تعريف وطنية مقابل ليلة متعة وشراب قضاها على حسابها موظف بسيط أعمى الذاكرة، يختبيء وراء لهفة الأشياء المقلقة، وكانت الخطوة الأولى في برية المتاهات وروح المغامرة، كأنما سرت الأرض من جديد في عروقها، أحست أنها عزلاء مرة أخرى، وتحفر اسمها في نشوة العاصفة. أضحى الآن بمقدورها أن تخرج للعراء، أن تسافر، أن تضيء طفولتها الغافية وتسرح في مدائن النور والغبار.
فار التنور، وانقلب إيقاع الوقت ورواسيه، ذرعت المدائن والأمصار وألأشباه، أعواما متتالية، تسدد جسدها المرمري نحو جنون العابرين، وكانت المرأة المشتهاة، المدماة بأسماء مستعارة في الطرقات وأمام الأبواب، ساخت في كل تضاريس هذا الوطن الكسير، جامعها البر والبحر والهواء،والمطر والعشب، وعانقها فيض البشر من العملاء والمرتزقة والخونة والحصادين والمعلمين والتجار والوزراء ورؤساء المصالح والجنود والشرطة والمهاجرين والأنصار، وعلى مفاتنها النابضة بالبساطة والبراءة كانت تتهاوى الوجوه والصور المثقلة بصمغ الأشباح. قال لها رجل خليجي أهوج: هذه يدي ممدودة مثل ريح السموم، فاقتربي من بداوتي، إني جئت متأخرا، ولكني سأجمع أشلائي بين يديك فارحميني. ولكنها لم تعره أدنى اهتمام، لأن النفط يوحي لها بالرعب والذل والسفالة والمهابة الجوفاء. وفي صيف ما جميل، قال لها عالِم، بحران من العلم والزهد: الجنة تحت إبطيك ، تحت قدميك ، بين فخذيك.. أيتها الحورية المتوجة بعبق النور، والملائكة الأطهار.
****
في صباح اليوم الموالي انتعل بهجته الذابلة ، واستأذن غربتها وخرج مذعورا تتناسل على محياه طحالب عتمات من يأس قارس، ودعته بكلمات بيضاء قليلة، والتمست منه العودة كلما سنحت الظروف.
في تلك الليلة لجهمة الطارئة عاد "حوسا" مفجوعا بعد ان قضى يومه في سراح مؤقت ، وتحرر من بعض مهماته الرسمية، لم يصل في فضاء " إِيغْرَمْ" إلى جواب شاف لسؤال ما غامض يخالجه، وفي الطريق المغمور إلى الخيمة حيث يرافقه أخوه " الجامعي" انتفض حتى الكفر الصغير، وفكر في أشياء لا قبل له بها ، وأثار أخوه انتباهه إلى أنه يتدخل في شؤون داخلية لدول أخرى، لكنه كان منبسطا، يفكر بصوته النافر، ويغني بحرية، يتعالى صوته الطفولي متوغلا في صمت الجبال اللامعة، فتتردد أصداؤه كرنين جرس مدرسي هائل.
حين بلغا الخيمة وجدا أباهما متمددا كتاريخ عريق على بساط من الأرض العاري، متوسدا ذراعية كالعادة، تهاوى الجسدان الصغيران كل على طريقته، وأخذا مكانهما من الأرض، وأمهما كأنما لم تلتفت إليهما ، بادرها " حوسا":
- شَا وْغْرومْ ( قليلا من الخبز)
ناولتهما كسائر من الخبز ، أكلا ، شربا، واحسا بقليل من الهدوء، مازحهما أبوهما وضحك الجميع حتى منتهى الحبور. وبينما كان المرح يشتعل بين ظهرانيهم كانت السفوح الهادئة تتردد في أبهائها أغاريد الأطفال الخافتة التي كانت تملأ الأفق الأسود بإيقاعات الحزن العريق الذي يغمر الأرض وضباب الخيمات المنساب كالشعر في جنح الظلام. وشرع " حوسا" يتهيأ للخروج ليرحل لدفق أحبابه الصغار ويقاسمهم نشوة الليل، والقمر الذي يكسوه.

سعيدي المولودي



#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إدارة كلية الآداب بمكناس والتحريض على العنف
- وزارة التعليم العالي: الإجهاز على حق الأساتذة الباحثين في ال ...
- - مغاربة العراء-
- - المستنقع الميداني-
- التعليم العالي : خبطة الإصلاح البيداغوجي الجديد
- - هولاند بن عبد العزيز-
- نقد- مفاهم حضارية- في الأدب العربي
- وزارة التعليم العالي: حافات الارتباك.
- كيمياء العدوان
- -ثيلوفا- ( بيان حكائي) -3-
- -ثيلوفا-.2.
- -ثيلوفا- (بيان حكائي) 1
- ( الرجيع العربي)
- أمريكا وعقدة -الشين-
- ضد هدر - الكرامة الأصيلة- لسكان جبال الأطلس
- وزارة التعليم العالي و- الأسواق المدرجات-
- -أصدقاء السوء-
- - تجديد النخالات-
- -أمريكا تجني ثمار ما زرعت-
- - النفط قائدا ومناضلا-


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - - ثيلوفا- ( بيان حكائي) -4 -