أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيدي المولودي - -السماء ترفع دعمها عن بلاد المغرب-














المزيد.....

-السماء ترفع دعمها عن بلاد المغرب-


سعيدي المولودي

الحوار المتمدن-العدد: 5089 - 2016 / 2 / 29 - 07:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"السماء ترفع دعمها عن بلاد المغرب.."

ترسخ في ذاكرة أجيال متتالية في بلادنا أن أشياء وأمورا تحدث وفق منطق خاص خارج أنماط السلوك والقيم المتعارف عليها، وترسخ بالموازاة مع ذلك أن هذا المنطق منتوج مغربي خالص، منقوش بصور وآليات وتجليات متعددة في كثير من المجالات، بل هو إحدى الصناعات الثقيلة المغربية في مجرى الاختيارات السياسية والاقتصادية، و إحدى الركائز الأيديولوجية للدولة. وضمن دائرة هذا المنطق استقر في أذهاننا، مثلا، وبدرجات متفاوتة أن العامل الرئيسي إن لم نقل العامل الوحيد في تدبير "المناخ" هو الدولة ، بما أوتيت من قوة وهيبة وسطوة لا تضاهى، ومن هنا ظلت كل الحكومات تتحدث بشموخ وفائض قيمة ثقة بالنفس والإرادة حين كان المناخ يسير وفق دوراته الطبيعية وحافظت فصول السنة على مقوماتها وخصوصياتها التي كنا نبرع في رصد معالمها البيئية والاجتماعية والاقتصادية في إنشاءاتنا المدرسية الصغيرة، فتهطل الأمطار أو تتساقط الثلوج في فصل الشتاء ويهيمن خطاب فائق حدَّ التفاؤل يحيل إلى اعتبار الدولة المحرك الأول لذلك، فهي من فرط وَلهِها الزائد بالوطن وحبها العاصف للأهالي وللفقراء والمستضعفين تطلق يد الطبيعة وعنان السماء لتغمرنا بخيرها ومائها السائل والجامد، وأن الوضع لولا حزم الدولة سيكون أقرب إلى الكارثة. وتكون الفرصة السانحة لتوكيد الوجود والذات، وتبرير الاختيارات، ومنافذ التملص من المسؤولية، ما دامت الطبيعة وفرت وسائل هذا التملص. ولذلك ظل الاقتصاد المغربي في جزء منه، وما يهم بالأخص فئات اجتماعية عريضة، رهين "مزاج" المناخ الذي يقوم مقام الدولة ويؤدي بعضا من أدوارها، في الوقت الذي تقف فيه موقف المتابع المتفرج عاجزة عن اعتماد برامج تنموية جريئة في المجال الفلاحي باعتباره المجال الأكثر ارتباطا بالمناخ وتقلباته وبحياة أغلبية الشعب، ويوفر أهم الموارد الاقتصادية للبلاد.

ومع التحولات الجذرية التي شهدها المناخ منذ عقود، تهدَّم إيقاع الفصول التقليدية واختل ناموسها، وفقدت سماتها الخاصة، وتلاشت أو اضمحلت معالمها والظواهر المرتبطة بها، وانصهر بعضها بالبعض بشكل مثير، بحيث استوى منها الربيع بالخريف والخريف بالصيف والصيف بالشتاء والشتاء بالصيف، وغدوْنا أقرب إلى التعامل مع فصول من طبيعة مغايرة وبمواصفات غير مسبوقة، وصار بروز ظاهرة الفيضانات الطائشة والقر والحر القاتلين في كثير من المناطق الآهلة، والقحط المرعب، أمرا عاديا وشبه طبيعي، وسقط القناع وطفت الحقيقة المرة على السطح، لتؤكد مظهر العجز البائن الذي تعاني منه الدولة وقصورها في تبني اختيارات استراتيجية فعالة لمواجهة مثل هذه الحالات. فدعم الطبيعة لها لم يعد يخضع للمعايير التقليدية وشروطها.

ومع ذلك حتى في ظل هذه الأوضاع فإن هيبة الدولة وسلطتها لا تتراجع أو تستسلم، إذ تملك القدرة على أن تلبس لكل حال لِبْسها ولبوسها، فحين تنحبس أمطار الطبيعة ويتراجع وطء وابلها على البلاد والعباد تتدخل الدولة لتلعب دور المغيث الأول و الأخير المسكون بهموم المواطنين وانشغالاتهم ، وتصطنع آليات تحمل إيحاءات تصب في اتجاه أن الدولة تستطيع أن تواجه تحديات الطبيعة وأن تتفوق في عمليات التصدي لكل معالم الاختلال الطبيعي وغير الطبيعي، وفي حالات انحباس الغيث يكون طقس الاستسقاء البدائي السحري إحدى الوسائل التي يتم الاحتماء بها، ويقدم الطقس على أنه "قرار سياسي" و"اختيار حكومي"، وأن الدولة بمقدورها أن تسترضي السماء وأن تؤثر في شحها بصلواتها المسيلة للدموع أو المياه، وأن تخصب الأرض ويصبح خيرها ابن ماء السماء.

وحدث هذا العام أن أقيم طقس الاستسقاء السحري مرتين في بلادنا، لكن السماء يبدو وكأنها لم تقبل قواعد اللعبة، فكفكفت دموعها واحتكرت ماءها وغيثها وأرغمتهما على عدم النزول، ولم تتحزب بالسرعة المطلوبة لهوى الحكومة أو الاستجابة لشعائر تحويل الأردية التي لم تنقلب لها شهوتها الكبرى.
ويظهر أن السماء هذه المرة قررت رفع الدعم عن بلاد المغرب، واعتقلت ماءها عنه، وعن العباد منه والبهيمة، وهي بذلك تتولى تقليد أبرز إجراء كرسته الحكومة الحالية وتتولى تنفيذ أقوى شعاراتها : "رفع الدعم" عن كل شيء يعود بالفائدة للجماهير، أو على الأقل، يمكن أن يوفر لها قسطا من الأمان أو يمنحها العدة لمواجهة الانعكاسات المحتملة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة. وقد بدأت معركة رفع الدعم لدى الحكومة بمبادرة "قتل" صندوق المقاصة، وهو صندوق يعود تاريخ إنشائه لما يفوق سبعين عاما، وكان مفترضا أن يوفر الدعم للفئات الاجتماعية المقهورة عن طريق دعم أسعار المواد الأولية الموجهة للاستهلاك وحماية القدرة الشرائية للمواطنين، لكن الحكومات المتعاقبة تركت الحبل على الغارب في شؤون تدبير الصندوق وتحول إلى كنز مرصود غنمت موارده وخيراته الأيادي السوداء الناهبة. وتُسوِّق الحكومة الحالية عملية "قتل" هذا الصندوق كخيار سياسي، قلما يجود به الزمان، وهو تسويق لا يخلو من ديماغوجية وأساليب التفاف تضليلية ، فالصندوق في الواقع كان في مرمى الحكومات المغربية منذ الثمانينيات من القرن الماضي، مع سياسة التقويم الهيكلي المعروفة والتي انطلقت معها مبادرات تحرير أسعار المواد المدعمة ( ولنتذكر الحليب والزبدة والزيت...) وتقلص نشاط الصندوق بذلك ليقتصر على دعم مادة السكر والغاز والمحروقات، والحكومة الحالية بكل بساطة تواصل استكمال مهمة تحرير أسعار هذه المواد المتبقية، ومن ثمة فإن خياراتها مرة أخرى هي خيارات سنوات التقويم الهيكلي ، ونخطيء حين نتوهم أن هذه الاختيارات تجسد أفق انتظارات دستور 2011.

سعيدي المولودي



#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل المغرب -دولة عربية-؟
- فضيحة - علمية- بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس
- - سنوات الرصاص: طبعة جديدة ، مزيدة ومنقحة-
- - دُّو سْ تَوِيلْ آوَا دُّو سْ تَوِيلْ.. أيهذا الخراب...
- مقتطفات من كتاب : الترجمانة الكبرى لأبي القاسم الزياني (1734 ...
- التأهيل الجامعي وولوج إطار أستاذ التعليم العالي: تكريس لحيف ...
- -الحالة الصحية للقطيع-
- عاصفة النفط
- استباحة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس: من يلعب بالنار ...
- -ثيلوفا- -9-
- كلية الآداب والعلوم الإنسانية.مكناس: -العمل النقابي وثقافة ا ...
- - شجرة الغياب- إلى روح رفيقي وصديقي: بوطيب الحانون.
- كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس و-العدمية النقابية-
- كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس و-نبش القبور-
- حول التشغيل القسري للمتقاعدين
- -ثيلوفا- ( بيان حكائي) - 8-
- -ثيلوفا- بيان حكائي. - 7-
- - البرد والسلام-
- بكائية للقامة العتيدة
- رسالة مفتوحة إلى وزير التعليم العالي (2)


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيدي المولودي - -السماء ترفع دعمها عن بلاد المغرب-