أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 6















المزيد.....

سيرَة أُخرى 6


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5015 - 2015 / 12 / 16 - 14:00
المحور: الادب والفن
    


1
المطبخ الإيراني، تعرّفتُ عليه منذ بداية حلولي بالسويد. في حفلات معهد اللغة، كان زملاؤنا العجم يُدهشون الجميع بأصناف أكلاتهم الشهية. كان واضحاً تأثر تلك الأكلات بالمطبخ الهندي ( استعمال الكاري )، وأيضاً بالمطبخ الصيني ( طبق الأرز المفضّل ). المستغرب، أن الايرانيين ليسوا كجيرانهم اللدودين،الأتراك، لناحية الهيمنة على المطاعم في الدول الأوروبية. مرة واحدة حَسْب، تناولت الكباب في مطعم ايراني. كان كبابهم شهياً، بتتبيلة الزعفران، ولكنني خرجتُ جائعاً من المطعم الكريم. الوجبة، مع أنها تشكيلة جميلة من الخضار مع الخبز المشروح واللبن العيران، فإنها اكتفت بسيخ واحد من الكباب.
في كوريدور السكن الطلابي، كان الإيرانيون هم الأكثرية. المطبخ المشترك، كان يفوح دوماً بعبق أطباق أولئك الزملاء. كانوا جد مهذبين، وفي المقابل، نادراً ما يتواصلون مع غيرهم. من ناحيتي، تمكنت من مصادقة إحداهن. لحُسن حظي، فإنها كانت ماهرة بتحضير وجبات بلادها. الأرز، على السفرة، كان عادةً مصبوغاً بلون الزعفران الأحمر أو الأصفر. كذلك كان للأرز طعمٌ حلو وحامض في آن، نظراً لطريقة طبخه بالزبيب والليمون المجفف. الخضار ( يسمونها: سبزة ) تستعمل بوفرة في المأكولات، وغالباً مع اللحم الأحمر أو الدجاج. جودة الأكل، على ما لاحظته، تعتمد على المواد الفريدة من بهارات وفواكه مجففة وثمار غريبة. فالدجاج، يُحضَّر بطبخه مع الكشمش الحلو ( نوع من توت السياج ) والسماق الحامض ( يسمونه: زرشك ). وإذاً، فعلاوة على تعلّمي شيئاً من الفارسية فإنني بدأت اكتسب الخبرة في الطبخ.

2
قلائل من أهل دمشق، أو المقيمين فيها، لم يتعرفوا على " سناك سيروب " في جادة الصالحية؛ الشهير بتقديم البسطرما والسجق على طريقة سندويش panini مع اللبن العيران . هاتان الأكلتان، هما من ابداع الأرمن، وقد دخلتا إلى دول المشرق عن طريق جالياتهم. وإذا كان السجق متوافراً في أسواق أوروبا بفضل الأتراك، فإن البسطرما مفقودة هناك وربما بسبب صعوبة حفظها وكلفة استيرادها. البسطرما، من ناحية أخرى، تحتاج في شغلها للخبرة والمعلمية. كذلك، فإن اعدادها يتم على مراحل: مدة ساعة تحضير للحم والبهارات، ثم 48 ساعة للنقع، أما مدة التجفيف فهيَ 17 يوماً.
قلنا بالأمس، أن نصف طلبة فصلنا في معهد اللغة السويدية كانوا ايرانيين. ولكن، لم يدعنا أحد منهم طوال العام إلى منزله سوى امرأة أرمنية. كانت شابة ظريفة، تعيش مع طفلتها في شقة أنيقة بمركز المدينة. والدتها، هي من استقبلنا يومئذٍ عند باب الشقة. الغداء، اشتمل على أطباق رائعة من المطبخ الأرمني بما في ذلك الحلوى والمعجنات. أتذكّر، أنهم قدموا على المائدة ( علاوة على الكبة النية والسلطات ) نوعين من الدولما؛ ورق عنب وباذنجان. كلاهما، كان محشياً باللحم المفروم والبصل والأرز، وقد غمّس بصلصة الطماطم. إلا أنّ ما كان يميّزها عن دولما الشام، هو تنوّع البهارات فضلاً عن البقدونس والنعناع والديل والطرخون وعصير الليمون. الصديقة الأقرب لزميلتنا الأرمنية، لم تكن سوى امرأة تركية تدرس معنا. مع ذلك، قدمتني المضيفة لوالدتها وهي تقول ضاحكة: " أحضري السكين؛ هذا من الكرد! ".

3
في الأفلام والمسلسلات المصرية، كثيراً ما نسمع اسمَ " الشركسية " بوَصْفها أكلة مميزة تُطبخ في المناسبات، وتتكوّن من الدجاج والأرز مع البشاميل وخبز التوست . كذلك، فإن كثيرين لا يعرفون بأن " الألماسية " الشامية، التي تشبه الرز بالحليب، هيَ بالأصل من حلوى بلاد القوقاز ( يسمونها ألماظية في مصر ). مهاجرو تلك البلاد، استوطنوا منذ نهاية القرن 19 في بلاد الشام بعدما احتل الروس أرضهم وأبادوا أكثر من نصف السكان. مأساة الشركس، تكررت على أثر حرب حزيران 1967 حينما اضطروا مرة أخرى لترك أراضيهم في الجولان والتوزع في دمشق وغيرها من المدن السورية. قبل ذلك، كانت الجبنة الشركسية الفاخرة تباع في أسواق الشام مع غيرها من خيرات الجولان، وخصوصاً العنب والتفاح والكرز والموز.
" حارة الشراكسة " بسفح قاسيون في حيّ ركن الدين، تأسست بعد حرب حزيران. منذ ذلك الزمن، أضحى العديد من أبناء هذه الملة الجميلة جيراننا وزملاء لنا في المدرسة. وكما تسنى لي ملاحظته، من خلال هذه العلاقة الشخصية، كان الشركس محتفظين حتى ذاك الوقت بأكلاتهم الخاصة علاوة على خبزهم وحلواهم. من أشهر تلك الأكلات، " شبس و باستا "، وهيَ شبيهة بالمنسف البدوي لناحية كونها منذورة للولائم، إلا أنها تتكوّن أساساً من الدجاج والبرغل والطحين المحمّص مع التوابل والثوم. الواقع، فإنني لم أتذوق هذه الأكلة. إلا أنني أظن بأن جدّي لأمي، الذي كان متزوجاً من شركسية دمشقية، ربما تناول " شبس و باستا " عوضاً عن حفيده العتيد.

4
يوم أمس، تذكّرت أكلة " دجاج هندي " وكان قد مضى فترة طويلة على آخر مرة تذوقتها فيها. جارة هندية لعائلة صديقة، هيَ من كان لها الفضل بتعلّمي هذه الأكلة. طريقة التحضير بسيطة، مثلما أن المواد متوفرة. دجاج فيليه، يُتبّل بالبهارات والثوم والحامض والخردل؛ حبّة فليفلة حلوة تُقطع شرائح؛ ورأس بصل أحمر يقطَّع بالطريقة ذاتها. في وعاء زجاجي خاص بالفرن، نسكب أولاً صلصة الطماطم مع قليل من الماء ثم نوزع قطع الدجاج وشرائح الفليفلة والبصل. يحضَّر الرز، فيما تكون الطبخة بالفرن. إذا كنتَ من هواة الفلفل الحار، مثل الهنود، فإن الوجبة ستكون مثالية.
أكلة " كباب هندي "، تُعتبر مناسبة لمن يعيش في دولةٍ ذاتَ مناخٍ بارد شتاءً وصيفاً. فهيَ لا تحتاج لأسياخ الشوي والفحم، بل للفرن المنزلي. يُحضّر اللحم الكفتة على طريقة الشيش كباب؛ أي مع البقدونس المفروم والتوابل ذاتها وخصوصاً القرنفل. بقية المراحل، تُشبه طريقة " الدجاج الهندي "؛ فليفلة فبصلة فصلصة طماطم، ثمّ توضع بالفرن بنفس الطريقة بينما الرز ينضج على النار. قبل بضعة أعوام، كنتُ مع بعض الأصدقاء قد تبادلنا الدعوة على شيش كباب. آنذاك، كانت شقتي في الطابق الأرضي وتنفتح على حديقة حافلة بالأزهار والعرائش. على ذلك، فعندما وصل دورُ العزيمة إلى صديق لديه فيلا، فإنني أخذت معي الأركيلة. بعد وصولنا بنصف ساعة، كان صاحب المنزل ما يزال يدردش معنا في الحديقة. قلنا له: " أين عدة الشوي، يا صاح؟ ". فأجابنا بشيء من الحَرَج: " والله أم الأولاد قررت أن تطعمنا اليوم كباباً هندياً! ".

5
طعام أهل اليمن، تعرفتُ عليه بفضل طلبتهم في موسكو الثمانينات. أحدهم، كان يقيم معنا في نفس الشقة بالسكن الجامعي. كذلك، فإن فتيات يمنيات أقمن مع زميلتين كرديتين على نفس الطابق. من غرفة تلك البنات، كان يتصاعد دوماً عبق الندّ والبخور جنباً إلى جنب مع رائحة الأطعمة اليمنية وخصوصاً الأسماك. لأجل تلك الأكلات، كان لا بدّ أن يُحضّر الخبز اليمنيّ المميز. هذا الخبز، تذوقت مثله لاحقاً عند أحد الأصدقاء الأرتريين هنا في السويد. الخبز، طريقة تخميره تجعله غير ناضجٍ، مثلما أنهم لا يضعونه في فرن أو تنور بل في قعر طنجرة ساخنة.
أولئك الزملاء، كانوا هم المجموعة الطلابية الأكبر. وطبعاً، كانوا بأغلبيتهم من دولة جنوب اليمن ( سابقاً ). كان من عاداتهم أن يتناوبوا في مآدب الغداء، والذي يتم تناوله مساءً بسبب التأخر في العودة من الدوام. ذات مرة، ذهبتُ إلى أحد الزملاء اليمنيين كي أستعير منه كتاباً. ما أن فتحتُ باب الشقة، حتى تبين لي من صخب الأصوات ورائحة الطعام أن ثمّة مأدبة للشباب. حينما أطللت عليهم وهممتُ بإلقاء السلام، صدَمني منظرٌ مرعب. كانت هياكل السمك مكوّمة فوق عدة طاولات مرصوصة بوسط الحجرة الكبيرة على نسق واحد، وقد تحلّق حولها المولمون الجالسون على أطراف أسرة النوم. أفواههم كانت منتفخة بشكل غريب أثناء تبادلهم الحديث، حتى أن الكلمات كانت تخرج بشكل ممطوط. تراجعتُ إلى الخلف، ثم حرجتُ على رؤوس أقدامي. هناك في شقتنا، قال لي الزميل اليمني ضاحكاً: " إنها جلسة القات، الأسبوعية، وهي تكون عادةً بعد الغداء! "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحكايتان
- من أمستردام إلى مالمو
- سيرَة أُخرى 5
- حكايات
- أمستردام
- سيرَة أُخرى 4
- مراهق
- حكايتان
- ثلاث حكايات
- سيرَة أُخرى 3
- مجنون عبّاد الشمس
- قانون فرعوني
- مثير الغبار
- سيرَة أُخرى 2
- الطليعي
- البطة الطائشة
- أدباء وعملاء
- سيرَة أُخرى
- تحت شجرة بلوط
- الفلك


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 6