|
الحكايتان
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5013 - 2015 / 12 / 14 - 16:55
المحور:
الادب والفن
الضبعُ المرقّط: عند سياج الحظيرة، التقى الذئبُ بمن يعدّه أكثر الأعداء شراسة. الضبع، كان قد خرجَ كعادته كلّ ليلة بحثاً عن عشاء، لما صادَفَ " ذلك المخلوق " يحومُ حول حظيرة الأغنام: " يا له من مخلوقٍ لجوج وكريه..! "، فكّرَ وقد برقت بشدّة عيناه المائلتان. القمر، ثمة في الأعالي، كانت ابتسامته الساخرة تضيء المشهدَ العتم. " لقد وصلتُ أولاً. وأظن أنّ من حقي أن استأثرَ بالغنيمة؟ "، خاطبَ الذئبُ خصمَهُ المخيف. هذا الأخير، أجابَ حالاً وكأنما كان يحدُسُ السؤال: " ولكنها غنائم، يا صديقي! ". ثم أردفَ وهوَ يرفع قليلاً قائمتيه الخلفيتين، القصيرتين " أعرفُ ماذا ستفعل بتلك المخلوقات، المسكينة. فإنك لن تتورع عن ارتكاب مجزرة بدلاً عن الإكتفاء بإحداها ". في تلك اللحظة، وقبل أن يتسنى للذئب الكلام، ارتفعَ ثغاءُ زوجٍ من الخراف على التوالي. قال الذئبُ وقد لمعت عيناه ببريقٍ متفكّه: " وأنت، أيها الفاسق! ألا تشعر بالخجل من الإعتداء على شرف الطريدة قبل افتراسها؟ " " هذه كذبة، شبيهة بأخرى تزعم أنني أبول على الطريدة فأجعلها مستسلمة لإرادتي "، ردّ الضبعُ بنبرة مماثلة. الجملة الأخيرة، ربما هيَ من جعلَ الذئب يتراجع قليلاً إلى الوراء. لاحظ خصمه ذلك، فهز رأسَهُ المنتهي برقبة طويلة وغليظة: " إن سلاحي الحقيقي، هوَ فكّ ذو أسنان حديدية تهرس أقوى العظام طراً "، قالها مُكشّراً في شيء من الزهو. هنا، أجابَ الآخر على التحدي باستخفاف: " ولكنك تفتقدُ للرشاقة، يا صاحبَ الجلد المرقط والكريه الرائحة، لدرجة أنّ أي آكل عشب يدعك تمر من أمامه دونما خوف ". عندئذٍ، زمجرَ الضبعُ وقد شعرَ بالإهانة: " لسانك السليط والقذر، يجعلني أهملُ فكرة تركك بسلام. اللهم إلا أن تعتذرَ ثمّ تمضي لشأنك! ". الخراف، نامت مطمئنة تلك الليلة. صباحاً، حامت الجوارح حول جيفتين طازجتين.
الغابة الغاضبة: جنّة غنّاء، تترامى بدِعَة بين البحر والبادية، حلّت عليها اللعنة فجأة. على ذمة الرواة، فقد عاش الضواري مع آكلي العشب، ثمّة في الغابة، بسلام مثاليّ طوال عهود متتالية. اللعنة، تمثلتْ بسبعٍ جبار، غيرَ معروف المنشأ، ما لبث أن بدأ بترويع ساكني الغابة. هذا الغشوم، حينما كان يعجز عن افتراس طرائده، فإنه ما كان يجد غضاضة في التنكيل بصغارهم. الخنزير البريّ، كان عاجزاً وهوَ ينظر من بعيد إلى جهة جحره لما كان السبعُ يُخرج الخنوص وراء الآخر. الضواري، لم تسلم أيضاً من الشرّ. كانت تكتفي بالنحيب فوق أجساد الأبناء القتلى، أو المحتضرين ببطء، بعدما قرَفَ الظالمُ أعناقهم بدون شفقة. جماعة الثيران، جاء دورها كي تخورَ بصوتٍ واحد على عجولها، الممزقة. قال كبيرهم بأسى: " عَجْزُنا، مردّه جبننا وتشتت قوتنا ". رداً على نظرات الآخرين، المندهشة، تابعَ كلامه بلهجة قاسية: " لا تتطلعوا فيّ كالبلهاء! مرات كثيرة، طلبت منكم أن تصمدوا وألا تتفرقوا أيدي سبأ. فلو اتحدت قوى ثلاثين ثوراً، فكيف لأسدٍ واحد أن يقهرها؟ ". الجملة الختامية، ندّت عن الكبير كالصراخ. الثعلب، وكان ماراً عندئذٍ بالصدفة في المرعى، أنصتَ لتلك الجملة بانتباه. فما كان منه سوى الجري، كي ينقلها إلى آكلي اللحوم. على الأثر، أضحى الثعلب رسولَ هؤلاء الأخيرين لجماعة الثيران. الغاشم، من ناحيته، استهترَ بالأنباء المتواترة عن بوادر تمرّدٍ، والتي نقلها له أشباله الثلاثة: " تتساءلون، ما عليّ فعله. لا شيء في الحقيقة. سأكتفي بقتل جراء ذاك الرسول الماكر "، قالها بخفّة. هنا، إذا بصوتٍ قويّ ينبعثُ خِلَل الأجَمَة المجاورة للعرين: " سنرى أولاً، ما إذا كنتَ بقادر على حماية أشبالك! ". ذلك، كان صوتُ كبير الثيران. قبل أن يفيق الأسد من وقع الصدمة، كان العديد من مخلوقات الغابة قد كرّوا باتجاهه. عند ذلك، أركَنَ للفرار تاركاً أشباله تتقاذفهم قرون الغاضبين. يائساً وخائر القوى، لم يرَ الهاربُ بداً من اللجوء إلى شجرة قمئية، متوحّدة مثله، تنهضُ على طرف الغابة. كان قد مضى أسبوعٌ على حصاره، حينما هوى الأسدُ على غرّة من أعلى الشجرة.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من أمستردام إلى مالمو
-
سيرَة أُخرى 5
-
حكايات
-
أمستردام
-
سيرَة أُخرى 4
-
مراهق
-
حكايتان
-
ثلاث حكايات
-
سيرَة أُخرى 3
-
مجنون عبّاد الشمس
-
قانون فرعوني
-
مثير الغبار
-
سيرَة أُخرى 2
-
الطليعي
-
البطة الطائشة
-
أدباء وعملاء
-
سيرَة أُخرى
-
تحت شجرة بلوط
-
الفلك
-
الفخ
المزيد.....
-
يونس عتبان.. الاستعانة بالتخيل المستقبلي علاج وتمرين صحي للف
...
-
في رحاب قلعة أربيل.. قصة 73 عاما من حفظ الأصالة الموسيقية في
...
-
-فيلة صغيرة في بيت كبير- لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميل
...
-
باللغة الفارسية.. شيخ الأزهر يدين استمرار الغارات الإسرائيلي
...
-
“اخر كـلام “موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان 195 الموسم السابع في
...
-
فيلم -المخطط الفينيقي-.. كم تدفع لتصبح غنيا؟
-
حرارة الأحداث.. حين يصبح الصيف بطلا صامتا في الأفلام
-
-بردة النبي- رحلة كتاب روائي في عقل إيران الثورة
-
تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك 2025 بتحديثه الجديد على النايل
...
-
قصة الرجل الذي بث الحياة في أوليفر تويست وديفيد كوبرفيلد
المزيد.....
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
المزيد.....
|