أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - باسم المرعبي - المِلح بالكردي والعربي














المزيد.....

المِلح بالكردي والعربي


باسم المرعبي

الحوار المتمدن-العدد: 4997 - 2015 / 11 / 26 - 12:31
المحور: الصحافة والاعلام
    


في الطريق الذي سلكته في العام 1991 لمغادرة العراق، مضطرّاً، عن طريق شمالنا الحبيب "اقليم كردستان" كان من بين مقتضيات وترتيبات هذا الخروج هو المرور أو المكوث بعدّة مدن وقرى وبلدات كردية أو مسيحية ما كان لي ان أراها لولا ذلك. وكانت فرصة نادرة بحق لاكتشاف والتعرف على هذه المناطق الساحرة، بما للكلمة من معنى، بطبيعتها وأُناسها، وقد اتسعت مساحة تنقلي وتعدّدتِ الأمكنة التي قصدتها بسبب من أن وجهتي المقرّرة الأولى كانت ايران، ظاناً أنّ دخولها أيسر من غيرها، لكني صرفت النظر عنها بعد أن نصحني صديق، بإخلاص، بالعدول عن ايران، صادف أن التقيته في شقلاوة وكان عائداً من هناك. تعدّدت المناطق التي زرتها، كما ذكرتُ من قبل، أو تلك التي مررتُ بها مجرد مرور، أمكنة لا يمكن نسيانها، بأيّ حال، ومنها السليمانية، سولاف، دهوك، ديانا، الحاج عمران، شقلاوة، زاخو، وفيشخابور، هذه التي كانت المحطة الأخيرة، قبل العبور الى سوريا، بعد إن عدلت عن وجهتي الأساسية ايران، رغم بلوغي خط حدودها، في محاولة دخول أولى. ليس هذا ما أردتُ قوله، على أهميته، ربما. لكن أردتُ استحضار الجو الذي أنفذ منه الى الحكاية التي انغرست عميقاً في ذاكرتي، بحروف عميقة مضيئة، حكاية صغيرة تنفع أن تكون درساً هو على بساطته يفصح عن قدر كبير من الحكمة والتبصّر، رغم ان صاحب هذا الدرس، بل قل "المعلّم" هو انسان بسيط وفقير بما تعنيه هاتان الكلمتان، بل حتى كان محدود التعليم، غير انه يتمتع ببُعد نظر، للأسف لا يملكه كثير ممن يُمكن أن يُطلق عليهم تسمية مثقفين أو متعلمين. شهدتُ هذا الدرس في مدينة السليمانية في حي آزادي في بيت صغير لرجل وامرأته وطفلهما الذي كان بعمر الأربع أو الخمس سنوات. عائلة صغيرة، عرفني عليها صديق كردي قريب لها، تركتْ أجمل وأبلغ أثرٍ لديّ، لطيبتها ولُطفها وتواضعها، مقروناً كلّ ذلك بالدرس ـ مدار هذه الكلمة ـ الذي قدمه الأب لطفله، درس، يجدر أن يتمثّله أحبتنا وأهلنا الكرد مع أطفالهم وأن يكون، أيضاً، باعثاً على زيادة حضور اللغة العربية في مرافق التعليم كافة في كردستان، لا أن يحدث العكس وهو انحسار العربية حدّ الانعدام، ربما، كما تُشير الوقائع الى ذلك. الدرس يتلخص في أنّ الأب حينما كان يكلّف ابنه الصغير أن يُحضر شيئاً، فكان يقول له اسم الشيء المطلوب أولاً بالكردي ومن ثمّ بالعربي: ملح، خبز، ماء، ملعقة... الخ. وحين سألته متعجباً عن سبب ذلك أجابني بكلمات تنم عن بصيرة وذكاء وفي الوقت ذاته عن احساس بالشراكة الحقّة في الوطن العراقي، احساس، شبه فطري. إن روحاً كهذه هي المرجعية الحق لا الشعارات الفارغة التي لا تؤدي الى شيء، بل تضمر النقيض في الغالب. كان جوابه ويكاد يكون حرفياً هنا: ان هذا هو وطنه ولابدّ أنه في يوم ما يحتاج الى التعامل بهذه اللغة. هذه صورة كأنها تأتي من زمن آخر لفرط "رومنسيتها" كما قد يحسب البعض قياساً الى الصورة النقيض، القاسية التي أخذت تبسط ظلها هناك في السنوات الأخيرة حدّ التطيّر من الحرف العربي، رسماً وصوتاً. ومقابل "طفل الملح" ثمة طفل كردي آخر، اليوم، بالكاد يسمع شيئا باللغة العربية، كما يشير الى ذلك تقرير بهذا الصدد، (فتكريد الثقافة كما يجري حاليا في كردستان، وإطلاق العنان للمشاعر القومية والاعتزاز بالهوية القومية، سيؤدي في المحصلة إلى نشوء جيل لا يفهم لغة الضاد إلّا عبر مترجم)، كما يؤكّد التقرير الآنف للكاتب والصحفي شيرزاد شيخاني. ولا يخفى أن للسياسة يداً شوهاء في القطيعة اللغوية والثقافية بين أبناء الوطن الواحد. والخسارة هنا متبادلة بين الطرفين العربي والكردي فللأول يعني فقدان امكانات ومواهب كبيرة ومتنوعة يمكن أن تغني الدولة العراقية وتضفي عليها التنوّع كما هو الشأن دائماً ومنذ تشكيل هذه الدولة في العشرينات، أما الكردي حسبه أن يخسر لغة القرآن. ومثلما هناك تعزيز لتعليم اللغة الكردية في المدارس العراقية الذي ابتدأ منذ السبعينات في المرحلة الاعدادية بفروعها كافة، يكون التطلع الى أن تحظى العربية في مدارس الإقليم بما يليق بها وبمقدار ما تعود به على الأشقاء من فائدة طالما هم شركاء.

اللغة هنا اضافة الى كل ما تقدّم تكتسي الدلالة ألأهم وهي الإخاء. وهو ما نشدته وتنشده الحالة العراقية، ماضياً والآن ومستقبلاً.



#باسم_المرعبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منشورات الثور المجنّح شذرات*
- رواية الوهم... مصادر -فرانكشتاين في بغداد-!
- العرب موحّدون كما لم يتوحّدوا من قبل!
- الفرق بين سردشت عثمان وفخري كريم
- يوميات/ مواقف وتأملات نقدية
- حين يُفيق الرئيس فلا يجد نفسه رئيساً أو أما آنَ للرئيس أن يم ...
- أما آنَ للرئيس أن يموت..؟
- أعوامُ الفلول هل حدثت الثورة، حقاً!
- دعوة الى تأسيس البرلمان الثقافي
- عن ثقافة التضليل والشعارات وفصائل المرتزقة من الكتّاب والمثق ...
- بلاد بين شارعين
- بغداد عاصمة لأي شيء؟ عن تداعيات مقال الكاتبة لطفية الدليمي، ...
- الرؤوس الكبيرة تتهاوى... فمَن يُدير آلة القتل في سوريا؟
- صورة لأطفال المزابل مع ضيوف المربد
- صفّحوا ضمائرَكُم قبلَ أن تُصفّحوا سياراتِكُم
- صوَر بالأبيض والأسوَد
- الجُناة يتضامنون، فمتى يتضامن الضحايا؟ عن قضية المفصولين من ...
- حتى لو اختفت امريكا من الوجود، القتل لن يتوقّف في العراق
- شمس صغيرة
- اعتذار الى الشعب السوري العظيم وجُملة أسئلة الى نوري المالكي


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - باسم المرعبي - المِلح بالكردي والعربي