أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طيب تيزيني - ثورة الجياع في «الرستن»!














المزيد.....

ثورة الجياع في «الرستن»!


طيب تيزيني

الحوار المتمدن-العدد: 4907 - 2015 / 8 / 25 - 09:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


دخل يوم الثالث والعشرين من هذا الشهر أغسطس لعام 2015 رحاب التاريخ العالمي والسوري بحدث مذهل خطف أنظار العالم، وأنظار السوريين بمختلف انتماءاتهم ومكوناتهم بكيفية خاصة، ذلك هو اقتحام المجلس المحلي لمدينة الرَّسْتن- قريباً من حِمص- وحرقه، من قبل دعاة الحرية والطامحين إلى تعميم الخبز على الجميع. فقد خرجت قنوات الإعلام المرئي إلى العالم لتخبر شعوبه بأن هنالك شعباً سورياً طالما صمد أمام القتل والجراح في أزمنة ومراحل متعددة، ولكنه حين تحرك، فقد صمّم على الانتصار العادل.

أما المشهد الآخر، فقد قدمه الإعلام ممثلاً بخروج شعب الرستن- المنوّه بها فوق- باتجاه منظمات الإغاثة، هاتفاً ضد هذه المنظمات وضد الحكومة المؤقتة التابعة لـ«ائتلاف المعارضة»، في آن واحد، إنه مشهد لألوف الأطفال والنساء والرجال وهم يأخذون كل ما تصل إليه أيديهم من محتويات غذائية وأخرى غيرها ضمن منظمات الإغاثة في المدينة.


كان الجهد الهائل المبذول وشظايا الشعور بالتحدي الحارقة ترتسم على وجوه الغاضبين على نحو شكل حالة بشرية تذكر بجموع الجياع، الذين ذهبوا إلى القصر الملكي في باريس عام 1887، مطالبين بالخبز الذي افتقدوه طويلاً. وكان ردّ الملكة في حينه، مُفعماً بالسخرية والمأساوية السوداء، حيث أمرت خُدامها بإعلام الحشود من «البؤساء المذلولين الُمهانين»، بأنهم إن لم يجدوا خبزاً، فليأكلوا «شوكولاطة» أو «حلويات»! كان هذا المشهد قد تلبس أولئك الباحثين عن موت خفيف لأطفالهم خصوصاً، بعد أن تحول الطعام إلى علقم في أفواههم، وكم هو مذهل ذلك المنظر لرجال ونساء يحملون شيئاً أو آخر من «منظمات الإغاثة» بيد، وعدداً من أطفالهم بيد أخرى.

إن «البؤساء» ها هنا ظهروا على نحو آخر مختلف عن «بؤساء- هيجو». فقد ظهر تصميمهم على أن المرء يموت مرة واحدة، فَلْيمتها بشرف وكرامة. أما أولئك «الآخرون» الواقفون وراء هذا المشهد بروح من التشفي والشعور بالانتصار ممن «أوجدوا» ثورة هي برأيهم نتيجة «مؤامرة دولية خارجية» بقضها وقضيضها أن يدركوا أن المسألة ليست بهذه البساطة وأن التاريخ أعقد من ذلك وعلى نحو يجعل عاليها سافلها حسب الحكمة: على نفسها جنت براقش!

وينبغي التنويه بأن سكان مدينة «الرستن» المذكورة آنفاً، ظلوا ثلاث سنوات محاصرين من الآخرين بقوة السلاح البري والجوي وهي في أثناء ذلك، عاشت في ظرف يحول دون انتقال المرء من مكان إلى آخر، إلا ويكون هذا قد أضحى أسير الموت. وثمة هنالك ما هو شديد القسوة يخضع له سكان المدينة المكلومة، وهو أنهم مطالبون من مجموعات من الأغراب الذين اخترقوا المدينة إياها، مطالبين أهلها بالخروج منها، ليتركوها في قبضة نمط آخر من السكان ينتمون إلى أرض أخرى ولغة أخرى ومجموعة أخرى من المنظومات الأخلاقية والمذهبية وغيرها.

إن الفكرة المطروحة هنا والمطلوب من السوريين تنفيذها هي أن يقدموا وطنهم هدية باسم مذهب أو طائفة ما. وهؤلاء السوريون يدركون أن هذا المطلب غير محق لا باسم المذهب المعني ولا باسم الطائفة المعنية، وليس كذلك باسم التاريخ ولا الجغرافيا ولا اللغة، ولا باسم التكوين الديمغرافي.. إلخ.

إنها مغامرة لا تسمح لنفسها بالتحقق وبالانتظار ليوم قادم، لأن ذلك إن حدث، فسوف يمثل نشازاً غارقاً بالظلم والقسوة والتكلفة التاريخية الباهظة وفي النهاية، لن تجد حداً ما من حدود النجاح، لأنها تقف في وجه ما هو مسموح له أن يلقى نجاحاً في تاريخ العالم، خصوصاً حين يأخذ الناس بالقول الجميل: عاقل حكيم من اتعظ، وتمسك بحدود الكرامة الإنسانية والقوانين المجتمعية!



#طيب_تيزيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشروع عربي توحيدي
- جريمة صهيونية نكراء
- التنوير والأزمة العربية
- أرقام اللاجئين ومحنة السوريين
- وثيقة شرف وكرامة للسوريين
- سوريا: الحل السلمي والسياسي
- سوق «السُنّة»..المضحك المبكي!
- بيان في النهوض العربي
- هل هي «سايكس- بيكو» جديدة؟
- أربع سنوات هزت العالم
- «الربيع العربي».. الدين والسياسة
- نكون.. أو لا نكون!
- أدونيس.. مستسهِلاً ومختزِلاً
- العراق وتجسيد الاستبداد
- أوباما بين الجريمة والهزيمة
- فوكوياما والاختبار التاريخي
- تفكيك جذور الإرهاب
- «داعش» و«النظام العالمي»!
- أي أفق للاتحادات الليبرالية؟
- «الخوري».. فارس كبير ضد الطائفية


المزيد.....




- شاهد.. رياح قوية تدفع طائرة بعيدًا عن بوابة بمطار أمريكي
- ملياردير يشتري -البريد الملكي- البريطاني.. من هو وكم قيمة ال ...
- غزة ـ أكبر شبكة إنسانية في العالم تدعو إلى وقف إطلاق النار
- غزة ـ نيكي هايلي تكتب -اقضوا عليهم- على قذائف إسرائيلية
- مقتل 27 شخصا إثر سقوط حافلة ركاب في واد جنوب غربي باكستان (ف ...
- الخارجية الروسية تحذر من عواقب حظر غاز روسيا إلى أوروبا وتوج ...
- اليابان تخطط لإطلاق أول قمر صناعي خشبي في العالم
- وزير الدفاع الروسي يرسل برقيات إلى تشكيلات القوات المسلحة
- الهند.. حالة تأهب قصوى مع ارتفاع درجات الحرارة (صور)
- بينهم أجنبيات متهمات بالدعارة والتسول.. الشرطة العراقية تعتق ...


المزيد.....

- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طيب تيزيني - ثورة الجياع في «الرستن»!