أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - الغراب وشجرة الصمغ الاحمر














المزيد.....

الغراب وشجرة الصمغ الاحمر


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 4724 - 2015 / 2 / 18 - 12:14
المحور: الادب والفن
    


الغراب وشجرة الصمغ الاحمر
سعد محمد موسى

أثناء دراستي في غرب استراليا .. كنت عادة ماأتناول غدائي في الساعة الثانية عشر ظهراً في الحديقة القريبة من معهد لتعليم وتطوير اللغة الانكَليزية في مدينة بيرث.
وكان هنالك ثمة غراب أثار انتباهي وهو يطير من أعلى شجرة (الصمغ الاحمر) كي يحط قرب مقعد الحديقة ثم يدنو مني محدقاً بنظراته الحادة وانا ألقي اليه بقطعة خبز او خضار.. فيلتقطها بمنقاره ويطير نحو شجرته.
ثم يترصد جميع الاتجاهات بحذر شديد كي يتأكد من خلو المنطقة من الطيور الاخرى بعدها يقوم باخفاء طعامه بين اغصان الشجرة ويغطيه بالاوراق.
وقد واظب حضور الغراب بتواجدي اليومي ماعدا ايام العطل التي يغلق بها المعهد.. فيتقرب من مقعد الحديقة الذي كنت اشغله في كل ظهيرة وبتوقيت دقيق دون ان يسجل غياب ولو ليوم واحد وقد اعتدنا على بعضنا وبات الغراب يأمن التقرب الي اكثر حتى انه كان ينقر حذائي احيانا حين اتجاهله او انشغل بقراءة كتاب. وقد راقبت الغراب فيما بعد وهو يحط بعد ثلاثة ساعات تقريبا قرب الطعام المخفي كي يتناوله .. واستمر هذا المشهد اليومي مع الغراب حتى نهاية دراستي وكأنه يقلد طبائع الكلاب التي تدفن قوتها في الارض.
وكأني أحاور الغراب احياناً متذكراً حكاياته في مدينة الطفولة البعيدة والتي كنت اسمعها من نساء المحلة ومن ضمنها قصة جارتنا التي كانت تتشكى بان هنالك غراب تكررت سرقاته لقطع الصابون الملقى فوق حافات حوض الغسيل وقد ذكرت المرأة بانها شاهدت الغراب اكثر من مرة وهو يهبط بسرعة الى وسط الدار ويختطف بمنقاره الصابون ثم يرتحل نحو البساتين المحيطة بالمدينة كي يخفيها في عشه بين سعف النخيل.. وترددت قصص اخرى أيضاً عن دهاء الغراب وسرقاته للمعادن اللماعة والتي بوسع منقاره ان يلتقطها لاسيما قطع الحلي والخواتم والمجوهرات!!
هذا الطائر الغامض الذي يعد من الطيور التي تتمتع بذاكرة مذهلة والذي يحمل اسرار المعلم الاول الذي علم الانسان كيف يدفن موتاه .. فكان أول شاهد لجريمة الانسان منذ بدأ الخليقة حين قتل هابيل أخاه قابيل...؟؟؟
وكذلك حين ارسله النبي نوح اثناء الطوفان كي يستكشف الارض اليابسة .. لكنه طار ولم يرجع ..؟؟؟
واعتبرت بعض الاقوام ان مشاهدة الغراب يعد نذير شؤوم او سماع نعيقه لاسيما في المساء يكون مكروهاً.

....
بعد أسابيع من نهاية كورس تعليم اللغة الانكَليزية مررت ذات يوم من امام المعهد وتذكرت طائر الغراب لكني صدمت حين شاهدت بقايا لاثار حريق في جزء من الحديقة لاسيما شجرة الصمغ الاحمر التي بان عليها آثار الحرق اكثر من بقية الاشجار!!؟؟؟
ثم سألت حارس المعهد عما حصل .. فأخبرني بقصة الحريق الحزينة.
التي ارتكبها صبي ملعون يسكن قريباً من الحديقة .. فذات يوم قصد هذا الصبي الشجرة وتسلقها وعبث بعش الغراب وسرق البيوض وحين باغته الغراب القي بنفسه من الشجرة ثم انهزم وهو يلوح للغراب بالعصا ثم طارده الغراب حتى تخفى الصبي المشاكس في دارهم .. فبقي الغراب الغاضب يترقب الصبي من فوق اسلاك الكهرباء وكلما غادر البيت او ذهب للمدرسة يتعقبه ويهجم عليه فعاش الفتى في رعب بعد ان كان الغراب يميز الصبي من بعد امتار فيطير نحوه قاصدا نقره او صفعه بجناحه دون ان يؤذي الاخرين من رفاقه!!!
حتى قرر الصبي الشرير ذات ظهيرة قائضة ان يتسلل خفية الى الحديقة كي يحرق شجرة الغراب لينال منه ويتخلص من الرعب اليومي ومطاردته له.
رش الصبي الكيروسين حول جذع الشجرة من قنينة كان يخبئها في حقيبته المدرسية وبعد ان رصد خلو الحديقة من الاخرين أشعل عود الثقاب والقاه فوق الاغصان والاوراق اليابسة المشبعة بالكيروسين .. ثم أطلق العنان لساقيه مخلفاً النار التي التهمت الشجرة ثم سرعان ما انتشر الهشيم الى بقية الاشجار المجاورة .. هاجت الطيور والغربان من اعشاشها مذعورة وهي تجاهد في الطيران وسط الحرائق والدخان المتصاعد وسط الحديقة.
أما الغراب فحين شاهد افراخه تلتهمها النيران في العش حام حول الشجرة ناعقاً وهو يحاول انقاذهم دون جدوى حتى التهمت النيران ريش اجنحته فتهاوى محترقاً.

شعرت بالاسى بعد سماعي لقصة الغراب والقيت نظرة أخيرة نحوشجرة الصمغ الاحمر المتفحمة ثم غادرت الحديقة.



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجليات الفانوس
- يوميات الارصفة والمقاهي
- حكايات البخلاء
- قراءة الكاتب رضا الاعرجي حول تجاربي الفنية
- ليس للمقامر مايخسره
- جار وحديقة
- مكالمات هاتفية عابرة في هذا الصباح
- مابيني وبينك كان أكثر من عناق
- ليس للمزاميرِ مواسمُ للرقصِ
- تأملات في أبجديات الحرف والطين واللون
- مرثية الرماد والرصيف
- قارب الموت
- نهاية شرهان وقدره المأساوي
- وكأنك ليس سوى أنا
- ثلاثية العشق والجنون
- مذبحة سبايكر
- غزوات ضد الفن
- اغتيال الطفولة في قبائل العنف
- الحرب تصادر أرصفة الاحلام
- رثاء الى نخلة سومرية


المزيد.....




- تركي آل الشيخ يكشف عن رسالة لن ينساها من -الزعيم-
- الاحتفاء بالأديب حسب الله يحيى.. رحلة ثقافية وفكرية حافلة
- رغم انشغاله بالغناء.. ويل سميث يدرس تجسيد شخصية أوباما سينما ...
- قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي ال ...
- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...
- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - الغراب وشجرة الصمغ الاحمر