|
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-5
عطا درغام
الحوار المتمدن-العدد: 4625 - 2014 / 11 / 6 - 11:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ نهاية الحرب البلقانية، تجدد الاهتمام الدولي بالقضية الأرمنية علي أيدي روسيا . وتمخض عن هذا الموقف موافقة الدولة العثمانية في أوائل عام 1914 علي برنامج إصلاحي واسع النطاق في الولايات الأرمنية . أدي هذا التطور في ميدان القضية الأرمنية إلي ارتفاع درجة حرارة الوطنية لدي الأرمن الرأسماليين في مصر لأنها فتحت أمامهم أرضا بكرا وسوقا رائجة يمكنهم ارتيادها : إنها الولايات الأرمنية العثمانية الست وقيليقية . ومن ثم ، طرحوا المشروعات تلو الاخري لإعادة هيكلة اقتصادية أرمينية. ومن أبرز هذه المشروعات ما اقترحه بوغوص نوبار وخيريان – تاجر كبير بالإسكندرية – في 24 فبراير 1914 حول تأسيس بنوك زراعية وطنية . وقد التمسا من الجاثليق الأرمني كيفورك الخامس تأييده المعنوي للمشروع بعد تجميله بالأهداف الوطنية. واشتمل المشروع علي تأسيس بنك زراعي في كل ولاية من ولايات أرمينية العثمانية وقيليقية علي أن تعهد إدارتهم إلي مديرين منتدبين من بنوك أوربا والقوقاز. كما اقترح المشروع ، جعل هذه البنوك مؤسسات روسية حتي لا تقع تحت طائلة التدخل العثماني من ناحية ، وضمان حماية الحكومة الروسية من ناحية أخري. بيد أن هذه المشروعات وغيرها كثير ، ظلت حبيسة الأدراج بسبب نشوب الحرب العالمية الأولي (1914-1918) ودخول القضية الأرمنية خلالها في منعطف حاسم تعمق إبانه دور أرمن مصر الذين عبأوا كافة جهودهم لمجابهة الكوارث التي ألمت بالأمة الأرمنية جمعاء. عندما قامت الحرب العالمية الأولي ، كان ثمة مشاعر عدائية منتشرة ضد العثمانيين في أرمينية بقسميها الغربي والشرقي.إذ أن مذابح عامي 1994-1896 ولأبريل 1919 ، كانت لا تزال ماثلة أمام عيونهم ، ناهيك عن الإجهاضات المتكررة لسائر البرامج الإصلاحية في أرمينية العثمانية . تجند الأرمن العثمانيون في الجيش العثماني كراهية وليس طواعية ، في حين هرول الأرمن الروس- بصفتهم رعايا الإمبراطورية القيصرية- وتجندوا في صفوف الجيش الروسي ، وحاربوا علي الجبهة الأوربية الشرقية. ليس هذا فحسب، بل تطوع الأرمن الروس لمساعدة القوات القيصرية علي جبهة القوقاز وشكلوا أربعة فيالق. في هذا الصدد لم يقف أرمن مصر غير مكترثين إزاء هذه الحركة التطوعية التي اتسعت لتحرير الأرمن العثمانيين من القبضة العثمانية وتامين مستقبلهم تحت الحماية الروسية. فقد شكل فرع حزب الطاشناق في مصر لجنة لجمع التبرعات من اجل مساعدة الأرمن المتطوعين فيما وراء القوقاز . ولكن بسبب الخلافات الواقعة بين الاحزاب السياسية الأرمنية ، انحسرت عملية جمع التبرعات في الدوائر الطاشناقية .وفي محاولة من مجلس غدارة مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة لتوسيع دوائر التبرع للمتطوعين ، اقترح فرض ضريبة عامة علي الأرمن لقضاء حاجات المتطوعين. وقد تأجل تنفيذ هذا الاقتراح لحين التفاهم مع لجنة الطاشناق في هذا الخصوص. بيد أن المحاولات التي بذلها المجلس في هذا الاتجاه قد منيت بالإخفاق. ثم تلقي المجس في مارس 1915 خطابين من حزب الرامجافار الدستوري وبعض الأرمن يطالبونه بجعل التبرعات لمساعدة متطوعي القوقاز ذات طبيعة عامة وجماعية. ورغم ذلك، فشل المجلس في التوفيق بين المطالب المتباينة لإيجاد هيكل ويوحد الجهود المشتتة من أجل مساعدة الحركة التطوعية. ويرجع هذا إلي اللامبالاة وعدم الفعالية لدي بعض أعضاء المجلس إزاء حركة التطوع. ورغم هذا الفشل والخلافات الحادة بين الاحزاب، إلا أن جميع المؤسسات الأرمنية في مصر قد اتفقت كل منها بمفردها علي هدف واحد: تشكيل لجان خاصة بجمع التبرعات لمساعدة متطوعي القوقاز. أسفرت هذه الحركة عن نشاط ملحوظ في ميدان جمع التبرعات لصالح متطوعي القوقاز : فعلي سبيل المثال، أرسل حزب الطاشناق "300" جنيه مصري إلي هؤلاء المتطوعين. كما أرسل حزبا الهنشاك والرامجافار مبالغ مماثلة لهم. وفي ربيع 1915 ن أسس بوغوص نوبار "صندوق الدفاع عن المصالح القومية " تحت رعاية الجاثليق كيفورك الخامس . وعندئذ ، اتفق الهنشاك والرامجافار أن يرسلا حصيلة تبرعاتهما إلي بوغوص من اجل المصالح القومية. ولم تقتصر مساعدات أرمن مصر علي جمع التبرعات لمتطوعي القوقاز فحسب، بل شملت تطوع الشباب الأرمني لحرب ضد العثمانيين علي جبهة القوقاز . ففي صيف 1915 ، انبثقت حركة تطوعية مستقلة بين الشباب الأرمني في القاهرة والإسكندرية. وفعلا ، سافر بعضهم إلي القوقاز علي نفقته الخاصة بينما أعرب آخرون لمجلس إدارة مطرانية الأرمن بالقاهرة عن رغبتهم في اللحاق سريعا بميدان القتال في أرمينية حيث أضحت الحاجة ملحة جدا هناك لقوات جديدة ووفيرة ، كما طالبوا المطرانية أن تدفع لهم نفقات السفر. وفي أغسطس 1915، وافق مجلس الإدارة علي تخصيص أموال من خزائن مطرانيتي الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة والإسكندرية لصالح التطوع. وقتذاك، عقد الأرمن المصريون آمالا عسكرية وسياسية واسعة علي الأرمن المتطوعين في القوقاز. أما عسكريا ، فقد تطلعوا إلي تحرير أرمينية العثمانية من ربقة الحكم التركي. وسياسيا ، اعتقدوا أن في إمكانهم علي ضوء انتصارات دول الوفاق اكتساب الحق في تقديم مطالب خاصة بمستقبل أرمينية السياسي أثناء تسويات ما بعد الحرب. بيد أن شيئا من ذلك لم يتحقق . وبخلاف حركة متطوعي القوقاز، كانت أرمينية العثمانية خلال الحرب مسرحا للعمليات العسكرية المتباينة مما دفع كثيرا من سكانها الأرمن اللجوء إلي ما وراء القوقاز بمعاونة الجيوش الروسية. ورغم فشل حملة أنور الأناضولية ( ديسمبر 1914- يناير 1915) ، إلا أنها تسببت في نزوح ألاف من الأرمن إلي أرمينية الروسية هربا من المذابح في الحزام القتالي . ولهذا ، أسس الجاثليق كيفورك الخامس " اللجنة المركزية الأرمنية مساعدة منكوبي الحرب " في إيتشميادزين لإغاثة هؤلاء اللاجئين ، وناشد أرمن المهجر لإغاثة إخوانهم اللاجئين ومساعدة الفرق المتطوعة التي كانت تدافع عنهم ضد الهجمات العثمانية. استجاب أرمن مصر لنداء الجاثليق وانتشرت بينهم حركة جمع تبرعات مالية وعينية واسعة لإغاثة لاجئي القوقاز لم تقتصر علي نشاط المؤسسات الموجودة آنذاك فقط، بل استحدثت مؤسسات أخري لهذا الغرض . وبهذه الطريقة ، لبي الأرمن المصريون بعض الحاجات اللازمة للاجئين والمتطوعين في القوقاز . ففي الابتداء ، أرسل أرمن مصر "30" ألف روبل إلي هؤلاء اللاجئين . ومنذ أوائل فبراير 1915 ، مارست بالفعل " لجنة مساعدة لاجئي القوقاز " نشاطها . وفي مايو ، أرسل إليهم الاتحاد الخيري الأرمني العام "60" ألف روبل . ثم اندمج الاتحاد مع صندوق الدفاع عن المصالح القومية وأرسلا تبرعاتهما معا إلي لاجئي القوقاز. كما كانت لجنة المساهمة الذهبية .تعد من أنشط مؤسسات جمع التبرعات العاملة في الجالية الأرمنية المصرية. وفي مايو 1915 ، أسست بعض السيدات الأرمنيات الصليب الحمر للمرأة الأرمنية بالإسكندرية لعناية بأسر الأرمن المتطوعين في الجيش الروسي ، فضلا عن إعداد ملابس داخلية للمتطوعين أنفسهم. وفي يولية من نفس العام ، تأسس رسميا " الصليب الأحمر الأرمني " بالقاهرة بعد اجتماع عام لجميع المؤسسات الدينية والخيرية والتعليمية والحزبية . وصارت له فروع بالإسكندرية والشرقية والسودان . وقد تولي جمع التبرعات لصالح لاجئي القوقاز من جميع الأماكن التي يقطنها الأرمن بمصر والسودان. ورغم كل هذه الأنشطة في ميدان جمع التبرعات لمتطوعي القوقاز ولاجئيه ، إلا أن النتائج المنتظرة لم تكن علي مستوي التوقعات من جالية اشتهرت بين الأرمن جميعا بوصفها جالية ثرية . ومع أن بعض البسطاء قد تبرعوا بأقواتهم اليومية، إلا أن السواد الأعظم من الأرمن الأثرياء لم يشتركوا بفعالية في حركة التبرع . ولهذا ، تعرض أبناء هذه الطبقة ممن لم يشتركوا في التبرعات أو أسهموا بمبالغ رمزية إلي انتقادات حادة وصلت إلي وصفهم ب" الآبقين الخونة" وصاروا محل احتقار سائر طبقات الشعب الأرمني . وجدير بالذكر أن مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة التي تعد من أكبر ملاك العقارات بالجالية قد شرعت خلال عام 1915 في بيع جزء منها لتخصيص أمواله للحاجات الضرورية في القوقاز. ولكن بعد سلسلة من المجادلات بين مجالس الجالية ، ألغيت هذه الفكرة لأن بنود هبات هذه العقارات لم تسمح بشيء من هذا القبيل .
#عطا_درغام (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-4
-
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-3
-
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-2
-
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-1
-
الجمعيات الأرمنية في مصر-5
-
الجمعيات الأرمنية في مصر-4
-
الجمعيات الأرمنية في مصر-3
-
الأرمن في مصر ( 1896- 1961 )
-
الجمعيات الأرمنية في مصر-2
-
الجمعيات الأرمنية في مصر
-
ضبابية الموقف الأمريكي إزاء الإبادة الأرمنية
-
نشاط الأرمن في الصحافة والأدب في مصر - 3
-
نشاط الأرمن في الصحافة والأدب في مصر-2
-
نشاط الأرمن في الصحافة والأدب في مصر
-
الأرمن والفنون الجميلة في مصر-ألكسندر صاروخان-2
-
الأرمن والفنون الجميلة في مصر-ألكسندر صاروخان
-
الأرمن والفنون الجميلة في مصر- المبدعات الأرمنيات وخصائص الف
...
-
الأرمن والفنون الجميلة في مصر- أونيج آفيديسيان والأرمن السكن
...
-
الأرمن والفنون الجميلة في مصر- بوزانت جوجامانيان وسيمون سامس
...
-
الأرمن والفنون الجميلة في مصر- فهرام مانفليان وديران جرابيدي
...
المزيد.....
-
لحظة القبض على صبي عمره 12 عاما يتسابق مع مراهق بالسيارة.. ش
...
-
صحفيو غزة يدفعون ثمن الحقيقة
-
العراق.. السوداني يشرف على الخطط الأمنية لعقد القمتين العربي
...
-
الحوثيون يعلنون قصف هدف جنوب يافا
-
رئيسة البرلمان الألماني: لا ينبغي للكنيسة أن تتحول إلى حزب س
...
-
بسبب -تهديدات روسية- و-عودة ترامب-، مدنيون بولنديون يتوجهون
...
-
زيلينسكي يرفض وقف إطلاق النار ل3 أيام ويوجه رسالة لمن سيحضر
...
-
ترامب يُعلن كلا من 8 مايو و11 نوفمبر -يوم النصر- لأن -أميركا
...
-
بنغلادش.. مظاهرة حاشدة ضد إصلاحات قانونية تضمن المساواة بين
...
-
المغرب يطلق تحذيرا من خطر -سيبراني- كبير قد يطال المؤسسات ال
...
المزيد.....
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
المزيد.....
|