|
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-3
عطا درغام
الحوار المتمدن-العدد: 4624 - 2014 / 11 / 4 - 10:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم تثمر سياسة الهنشاكيين الجدد الميالة لأوربا . فلم ترغب بريطانيا وفرنسا التدخل لصالح الأرمن لأنهم كانوا ينتهزون أية فرصة ممكنة لاستمالة السلطان عبد الحميد المولع بالسياسة الألمانية . ولم تفطن قيادة الهنشاكيين الجدد إلي أن الدول الأوربية المشتركة في برلين 1878 قد اجتمعت ليس لتقرير مصير الشعوب الصغيرة ، بل لعقد اتفاقيات خاصة بهم دون النظر إطلاقا إلي إرادة هذه الشعوب. أكثر من هذا ، انتهجت هذه الدول سياسة عدائية ضد المصالح الأساسية لتلك الشعوب. ويلاحظ أن البيان الموحد قد تجاهل روسيا . والحقيقة أن الهنشاكيين الجدد كنوا لا يتوقعون أي مكاسب من روسيا بسبب سياستها الاستعمارية. ولذا ، تمادوا في انتقادها رافعين شعار ك " ممن نأمل تحقيق آمالنا ؟ . هل من روسيا التي احتلت فنلندا واستولت علي أملاكها ؟!" . وقد تبلور اتجاه أعضاء الحزب لنبذ السياسة الروسية في ردهم علي المرسوم الذي أصدره القيصر نيقولا الثاني (1894- 1917) في 25 يونية 1903 بمصادرة الأوقاف العامة للكنيسة الأرمنية بأرمينية الروسية. ففي القاهرة والإسكندرية ، عقد الهنشاكيون الجدد اجتماعات ونظموا مظاهرات لإدانة استيلاء روسيا علي أملاك الكنيسة الأرمنية . ووصف الكاتب الأرمني يرفانت أوديان هذه المظاهرات بقوله :" كانت المظاهرات قوية حيث اضطر قنصل روسيا السيد ماكسيموف أن يغادر القاهرة إلي الإسكندرية ليدعونا إلي إيقاف المظاهرات المناهضة لروسيا " . بيد أن محاولات القنصل الروسي منيت بالفشل وظل الأرمن يتظاهرون أمام القنصلية . ولذا، هدد القنصل المتظاهرين ، وفعلا قبضت الشرطة المصرية علي بعضهم وحكم بالسجن من شهرين إلي خمسة شهور. ومع ذلك، لم يحقق حزب الهنشاك المعاد تكوينه نجاحا ملحوظا في مصر بشان القضية الأرمنية رغم أنه ترك الاشتراكية الجذابة ذات الآراء الحالمة وألقي بنفسه في أحضان السياسة الأوربية . ناهيك أن سياسة الحزب وفلسفته كانت خالية من أية مضامين واضحة مما أدبي إلي اضمحلاله . وبدلا من توجيه طاقات الحزب إلي خدمة القضية الأرمنية أو انتهاج سياسة وطنية لصالح الأرمن ، انغمس الهنشاكيون الجدد في صراع عنيف مع الهنشاكيين القدامي الديمقراطيين الاشتراكيين ، ولم يصفح الجدد عن القدامي المتعاونين مع الروس الاشتراكيين في القوقاز ، وأعلنوا بان علاقة مثل هؤلاء الأرمن بأولئك الاشتراكيين سوف تثير غضب الحكومة القيصرية وشعبها ضد الأرمن وينبئ بمخاطر لا تحمد عقباها بالنسبة لمستقبل الأرمن السياسي. كما نتج عن هذا الصراع كشف خفايا مثيرة بين الجانبين علي صفحات الجرائد الناطقة بلسانهم. وقد استغل قائد شرطة الأستانة ما كشفه آربياريان في مقالاته عن أعضاء حزب الهنشاك وقبض علي بعضهم . وردا علي هذا ، اتهم الحزب آربياريان بالتواطؤ والمخابرة ، وأطلقوا علي أتباعه لقب النظاميين ؛ أي المأجورين من جهاز الشرطة العثمانية. لم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل تعداه إلي تخطيط الاغتيالات والإرهاب المنظم . فقد اغتال القدامي اثنين من الجدد ، فانتقم الأخيرون باغتيال ثلاثة من القدامي الذين لم يقفوا مكتوفي الأيدي وبادروا في 12 فبراير 1908 باغتيال آربياريان في شارع المناخ بالقاهرة. وقد أثبتت تحقيقات القضاء المصري في قضية مقتل آربياريان ان القاتل بدروس هاسونيان أتي من أمريكا موفدا لإتمام جريمته. وذكر الجاني انه قتل المجني عليه انتقاما منه لأنه طعن في جريدته علي حزب " الهنشاك" وكان يضرب فيها علي نغمات الفوضويين ( الاشتراكيين ). كما اعترف القاتل بان أرمينيا يسمي زاريه كوتشيان – تاجر خردوات بشارع كلوت بك- قد حرضه علي قتل آربياريان لأنه يطعن في الأرمن من أعضاء حزبنا ويقبح سياستنا وأعمالنا، وقتله خدمة عظيمة للامة الأرمنية. وأعطاه مالا ومسدسا ووعد بإنقاذه من العقاب. وعندما قبضت الشرطة علي وتشيان ضبطت عنده كمية من المراسلات والصور الفوتوغرافية والمنشورات الدالة علي اشتراكه في جمعيات الثورة الأرمنية وان له يدا في قتل آربياريان . كشفت تحقيقات قضية مقتل آربياريان الإرهاب الذي تعرض له أثرياء أرمن مصر من قبل الأحزاب الثورية الأرمنية التي هددت حياتهم مقابل المال. فقد ظهر أن القاتل عضو في جمعية إرهاب تهدد الأغنياء بالقتل إذا لم يدفعوا لها مطلوبها من المال. وقد كان القتيل من أكبر مناهضي الجمعية المذكورة التي أسست لها شعبة في مصر وهددت كثيرين من أعيان الأرمن ووجهائهم وفي مقدمتهم بوغوص نوبار باشا ؛ إذ طلبوا منه افتداء حياته مبلغ خمسين ألف جنيها. كما أكدت التحقيقات أن مصدر تهديد هؤلاء الأغنياء من الأستانة وليس مصر. ولم يقتصر تهديدهم علي الأغنياء فقط ، بل امتد إلي معارضيهم أيديولوجيا وسياسيا لدرجة التنكيل بكل من يناوئهم . هذا ، وقد أحدثت قضية مقتل آربياريان أصداء متفاوتة ليس في الدوائر الأرمنية فحسب ، بل تجاوزتها إلي الشارع المصري والحكومة المصرية. ففي الأوساط الأرمنية المصرية ، اجتمع الأرمن الأرثوذكس في أول مارس 1908 بكنيستهم وقرروا رفع عريضة إلي الباب العالي والسير الدون جورست المعتمد البريطاني في مصر(1907-1911) يطلبون فيها :" إبعاد أشقياء الأرمن الذين ينتمون إلي الجمعيات السرية عن القطر المصري دفعا لشرهم واجتنابا لأذاهم..وإن في العاصمة عدة من هؤلاء.. وقد جعلوا همهم كتابة التهديد والوعيد إلي كبار الأرمن. فوجودهم في هذه العاصمة خطر علي الأمن العام". وتعالت الأصوات في الصحافة عقب القبض علي هاسونيان تطالب السلطات الحكومية بضرورة القبض علي الزعماء المحرضين لأنه ليس صاحب الشأن الأول في الجناية ، بل بمثابة اليد والآخرون بمثابة الرأس . إنه آلة بيد غيره". وبسبب الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة المصرية بخصوص مراقبة الأرمن في أعقاب حادثة القتل ، فقد خشي الأرمن أن تتجاوز الحكومة حد المعاقبة والاقتصاص إلي الحجر علي الحرية الشخصية وحرية الاجتماع.. ونفي كل من يشتبه بسيرته...أو من تلقي إليه تهمة الانتماء إلي عصابة إرهاب وتهديد " بيد أن الحكومة طمأنت الأرمن بأنها تصد من وراء إجراءاتها حفظ الراحة العمومية وأن مصر لا تزال مضيافة لكل عامل نافع. وبعد انتهاء التحقيقات أصدرت محكمة الجنايات حكمها في 10 يونية 1908 بإعدام بدروس هاسونيان وبراءة شريكه زاريه كوتشيان. ولكن البوليس السري قبض علي الأخير وأودعه السجن لان الحكومة قررت نفيه من القطر. هذا وقد نفذ حكم الإعدام في هاسونيان شنقا يوم الخميس 20 أغسطس 1908 . واعترف القاتل قبيل شنقه للمطران الأرمني بأنه لم يعرف آربياريان إطلاقا ولم يره أبدا قبل يوم مقتله . وذكر له بان المحرضين الهنشاكيين قد أفهموه بان آربياريان ينتقد أعمال المنظمات الثورية الأرمنية ونشاطاتها وانه عميل للسلطان عبد الحميد. وأضاف بأنه شرع في قتله ليخلص شعبه من العدو. ولم يكن يعرف أن آربياريان شخص نزيه علي عكس ما قيل له. سعي أتباع آربياريان إلي اغتيال نازاربيجيان وصباح كوليان من حزب الهنشاك ، ولكن محاولاتهم أصيبت بالفشل. ومهما يكن من أمر، باغتيال آربياريان – رأس الهنشاكيين الجدد- أخذ تيارهم يضعف تدريجيا في مصر خاصة في ظل التغييرات التي حدثت في الحياة السياسية الأرمنية عشية اندلاع ثورة تركيا الفتاة وما بعدها. ............................................................
#عطا_درغام (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-2
-
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-1
-
الجمعيات الأرمنية في مصر-5
-
الجمعيات الأرمنية في مصر-4
-
الجمعيات الأرمنية في مصر-3
-
الأرمن في مصر ( 1896- 1961 )
-
الجمعيات الأرمنية في مصر-2
-
الجمعيات الأرمنية في مصر
-
ضبابية الموقف الأمريكي إزاء الإبادة الأرمنية
-
نشاط الأرمن في الصحافة والأدب في مصر - 3
-
نشاط الأرمن في الصحافة والأدب في مصر-2
-
نشاط الأرمن في الصحافة والأدب في مصر
-
الأرمن والفنون الجميلة في مصر-ألكسندر صاروخان-2
-
الأرمن والفنون الجميلة في مصر-ألكسندر صاروخان
-
الأرمن والفنون الجميلة في مصر- المبدعات الأرمنيات وخصائص الف
...
-
الأرمن والفنون الجميلة في مصر- أونيج آفيديسيان والأرمن السكن
...
-
الأرمن والفنون الجميلة في مصر- بوزانت جوجامانيان وسيمون سامس
...
-
الأرمن والفنون الجميلة في مصر- فهرام مانفليان وديران جرابيدي
...
-
الأرمن والفنون الجميلة في مصر- يرفانت دميرجيان
-
النشاط الموسيقي والغنائي للأرمن في مصر-3
المزيد.....
-
مسؤول روسي يُغضب ترامب ويلوح بـ-اليد الميتة-، فكيف تعمل؟
-
صحف عالمية: إسرائيل أصبحت علامة سامة ولا يمكن الدفاع عما تقو
...
-
ذوبان الأنهار الجليدية في تركيا مؤشر على أزمة مناخية
-
مصر.. حملة أمنية واسعة لضبط صناع المحتوى -الخادش للحياء-
-
فيديو.. لص حاول سرقة هاتف مراسلة في البرازيل
-
مظاهرات في تل أبيب بعد فيديو -الرهائن الجوعى-
-
3 أشياء سامة بغرفة نومك.. تخلص منها فورا
-
لجنة التحقيق في أحداث السويداء تبدأ عملها وتقدم -تعهدات-
-
تعرف على عادتين بسيطتين تحسنان صحتك النفسية
-
إعلام أميركي: ماسك أنفق ملايين الدولارات لاستعادة ود ترامب
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|