أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - السباحة في بحر الظلمات إهداء إلى د. سيد القمني.














المزيد.....

السباحة في بحر الظلمات إهداء إلى د. سيد القمني.


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 1266 - 2005 / 7 / 25 - 10:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مازالت تعلق بذاكرتي، وربما كذلك كل جيلي، عبارة من تمثيلية إذاعية قديمة، تحكي أن جنياً أو ما شابه، قد اختطف شخصاً يدعى "مرزوق"، الذي عندما تساءل سؤاله الشهير: "يا ترى أنت فين يا مرزوق؟!!"، جاوبه الجني: "في بحر الظلمات"، فارتجف المسكين قائلاً: "بحر الظلمات؟!! . . . . يا لطيف اللطف يا رب!!".

تعبير "بحر الظلمات" مأخوذ بالطبع من الخرافات القديمة عن مياه المحيط الهندي، قبل دوران فاسكو دي جاما حول رأس الرجاء الصالح، ولقد احتفظت بعبارات "مرزوق" في ذاكرتي لطرافة العبارة، ولإجادة الممثل لدوره الذي بدا كوميدياً، ولم أتصور أنني سأستدعي هذه العبارة يوماً من مخزون ذاكرتي، لأنقل مفهومها من الدلالة على بحار مجهولة لم تطأها أقدام بشر، تعج بالشياطين والقار المغلي والظلمة، لأطابقه على حال مساحة هائلة من اليابسة، مسكونة منذ بداية التاريخ بالبشر الذين لا يجيدون أمراً في الحياة قدر إجادتهم للتناسل، وتفريخ الشياطين وإفراز الظلمات.

"بحر الظلمات" الآن في أوج مجده، تتلاطم أمواجه العاتية، تكتسح الحدود والسدود، تمتد فيوضه من مقره فيما يسمونه "الشرق الكبير"، لتزرع الدمار في أوروبا وأمريكا، ورغم أن "مرزوق" يؤرقه فيضان الظلمات وشياطينها، لتعم العالم المتقدم في نيويورك ومدريد وأخيراً - وليس الآخر – لندن، إلا أن همَّه ومشكلته الأساسية تبقى كما هي، وهي أنه شخصياً يسبح أو يغرق في "بحر الظلمات"!!

"مرزوق" يتملكه الشعور بالوحدة، رغم أنه بين أهله وناسه، بل لهذا هو مأخوذ بالرعب والحزن، وقد اكتشف أن ورطته ليست اختطاف الجني له، ليتغرب في "بحر الظلمات"، ولكن أن تلك البحار موطنه، والظلمات بشياطينها خيار ونتاج مواطنيه!!

حين استيقظ "مرزوق" صباح اليوم 23 يوليو 2005 ، أيقن أن الشياطين التي تلهو بالدمار في "شرم الشيخ"، قد صارت أقرب إليه من أرنبة أنفه، فكرر عبارته: "يا لطيف اللطف يارب"، لكنه تمالك ما يسمى رباطة جأشه، واطمأن تليفونياً على سلامة بعض شباب العائلة والمعارف، الذين يعملون في "شرم الشيخ" خلال الإجازة الصيفية، وقرر أن يمارس هواية تعذيب الذات عن طريق التليفزيون، والذي اعتاد أن تندلق منه إلى غرفة المعيشة، أنفاس السموم التي يبثها شياطينه، تنقل بين القنوات اللعينة ذاتها، واستمع بمازوشية إلى الوجوه ذاتها، تكرر بشيطنة وغباء وجسارة لا مثيل لها ذات الأقوال، ذات الروح والمنطق الشيطاني، هذه قناة رسمية، وهذا رئيس تحرير شاب وحديث لمجلة رسمية أسبوعية، ينفث النفاق ذاته، والتمويه على الفاعلين بالإشارة إلى ذات الاتجاهات التي تعود شياطين الشرق نسبة جرائمهم إليها، الدماء مازالت ساخنة على أرض "شرم الشيخ"، فيما يتقن رئيس التحرير الشاب دور السنِّيد الذي يصاحب النشالين في أوتوبيسات هيئة النقل العام، يساعده على الهرب، ثم يشير للجماهير لتبحث عنه في الاتجاه الذي لم يذهب إليه!!

قناة تليفزيونية فضائية هي الأوسع شهرة، تستضيف أيضاً ذات الوجوه، ذات المبررين والسنيدة، الذين تلقبهم بالمحللين السياسيين، فهذا محامي ومبرر الجماعات الشيطانية يطل على "مرزوق" بجثته الضخمة، يمارس بفجاجة دور السنِّيد، وهذا كاتب قومي، والآخر سفير سابق أو أستاذ في الجامعة، الجميع بلا حياء يؤكدون "لمرزوق"، أن من الأفضل له الكف عن محاولة السباحة في "بحر الظلمات"، وأن يقنع بالغوص في أعماقه استسلاماً لقدره، لكنه عندما يفعل، ويدير التليفزيون إلى قناة تذيع فيلماً، يجد أمامه الفنان "أحمد زكي" يعيد تمثيل مأساة "ناصر 56"، ولما لا؟! فاليوم هو يوم الذكرى، ذكرى اختطاف "مرزوق" إلى "بحر الظلمات"، ليس بواسطة جني شرير، لكن بنفر من العسكر المتسلحين بالجهالة والظلمات!!

صاحبكم "مرزوق" يوشك أن يكف عن التجديف، وهو يغرق الآن في غياهب "بحر الظلمات"، يبحث حوله عن طوق نجاة، فلا يجد إلا قشة يتعلق بها، وكانت القشة هي جهاز الكومبيوتر، فجلس يصف مشاهد الغرق العظيم، ويبثه إلى لا أحد في الشرق الكبير، المنتج والمستمتع بالظلمات.

"مرزوق" الآن يبث أنفاسه، التي ربما كانت الأخيرة، ليسمعها من فروا من بحار الظلمة، ليديروا ظهورهم، ويصرفوا النظر عن الشرق ومن فيه، ليركزوا اهتمامهم فقط على حماية أنفسهم وحرياتهم، وحماية مواطن الحضارة التي احتضنتهم وآوتهم، يحمونها من تسلل الظلمات، ومن عبث الشياطين.

يقول "مرزوق" لكل من يهمه الأمر:

لا تحزنوا علي!

لا تتعاطفوا معي!

فهذا هو المصير العادل لكل ساذج يحاول أن يصنع ثقباً في جدار الظلمة!!

إني الآن أتنفس تحت الماء.

إني أغرق.

أغرق.

أغرق.



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- د. سيد القمني لا تحزن من سفالتهم
- العظيم سيد القمني والبيان القنبلة
- الليبرالية الإنسانية-دعوة إلى صرخة في واد
- ألف باء ليبرالية
- د. شاكر النابلسي عفواً
- الإخوان المسلمون والإخوان الحالمون
- الليبراليون الجدد في مواجهة خلط الأوراق
- العلمانية ومفهوم الوطنية
- الخصوصية والذاتية وجذور الليبرالية
- رسالة مفتوحة إلى د. أحمد صبحي منصور
- العلمانية ومفهوم الهوية
- العلمانية وجذور الصراع مع الغرب
- شعوب الشرق وخيار شمهورش
- الغرب والقفز إلى المجهول
- هل يُلْدغ الغرب من جحر مرتين؟
- البرجماتية غائبة. . ولكن
- وطنية نعم، فاشية لا
- الليبرالية الجديدة والتناول المغلوط
- يحكى أن . . . . . .
- الليبرالية الجديدة وثنائية الشكل والمضمون


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - السباحة في بحر الظلمات إهداء إلى د. سيد القمني.