أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - يحكى أن . . . . . .














المزيد.....

يحكى أن . . . . . .


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 1125 - 2005 / 3 / 2 - 10:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يحكى أنه من قديم الزمان، وسالف العصر والأوان، يقول البعض من سبعة، والبعض من خمسة آلاف عام، كانت مزرعة هي أول المزارع، عبرت عليها دهور ودهور، حتى وصلت إلى يوم الناس هذا، وقد كثر فيها النسل وتضاءل الزرع، لا تعدم قائل بأن التلف والانحلال أصابها من غزو شرقي أو غربي، أو قائل بأن أسوأ خلف قد ورث أعظم سلف، رغم تأكيدات الكثيرين بأنها انتقلت منذ نيف وعشرة قرون من الظلام إلى النور، وما عليها إلا أن تعود لنورها الذي حاول الحساد إطفاء مشكاته، ولكن هيهات!!
لكن الفتى "مبروك"، بركة المزرعة أو عبيطها، والذي لا يعرف أحد متى ولد أو متى سيوافيه الأجل، يجوب الطرقات الضيقة بين مساكن الأهلين، ويهيم فيما تبقى من المزارع، أو في الصحارى وبين شواهد القبور، يخرف والزبد يسيل من فمه، بكلمات ما أنزل الله بها من سلطان، فلا يحاول الإنصات له عاقل، لكنه لا ينتهي ولا يمل، يقول لأهله وناسه: يا أمة من العبيد منذ وجدتم، وكما كنتم منذ البدء كذلك ما أنتم عليه الآن، تتناسلون كالعبيد، وتأكلون وتشربون كالعبيد، تبنون بيوتكم ومعابدكم كالعبيد، تعملون وتكدحون كذلك كالعبيد، وحتى حين تغنون، تطربون وتسعدون ببكائيات العبيد!!
يقول الفتى "مبروك" أيضاً: أن كل ما حاق بالمزرعة وناسها عبر الأيام والسنين، كان حصاد الغرس بالعبودية، والري بالعبودية، فماذا يكون بعد غير العبودية ثماراً، وتلف الحال مآلاً، سواء كانت البذور شرقية، أو كانت غربية؟! وهل يفيد تجديد البذور، والأرض قد تخمرت، والناس قد تخدرت، وساروا يجرون سيقانهم جراً، يرفعون قدماً، ليغرسون الآخر في مستنقع العبودية، الذي لا تدرك العين مداه؟!
نفر يعدون على أصابع اليد الواحدة من ناس المزرعة، كانوا يستمعون "للمبروك" كما لو كان هذيانه مما يمكن أن يؤخذ به، وراحوا يتحاورون ويتجادلون، كما لو كان "المبروك" حكيماً من حكماء المزرعة، من ذوي اللحى الطويلة البيضاء، والحكمة القديمة المقدسة، والعجيب أن هؤلاء المفتونين "بالمبروك" كان من المفترض أن يحسبوا ضمن العقلاء، لكن الأرجح أن لوثة أصابت عقولهم، فتطاولوا على الأجداد العظام، فصار العتاب عليهم هم، لا على الفتى العبيط "المبروك".
يقولون لناس المزرعة لا تتسموا بعد بصابر وصابرين، فلستم صابرين على الذل والقهر لأنكم أدمنتموه، عشقتموه، صار هواءكم وماءكم الذي تتنفسون وتشربون، يقولون أيضاً: لماذا تضيقون بازدراد الخبز الجاف والماء الملوث ببقايا البعوض والذباب، أليس هذا طعام العبيد منذ سالف العصور؟! كما تكونون يكون غذاؤكم، فكلوا واشربوا مما فيه تخوضون.
يقول الفتية الملتاثون أيضاً: إذا أردتم ثماراً غير ما تجنون، فعليكم بعزيق حقولكم وتعريضها للشمس، على أن تحفروا حولها مصارف تمتص مياه العبودية الراكدة منذ آلاف السنين، عليكم غسيلها بمياه أمطار نقية وطاهرة وحرة، وعليكم معها غسيل رؤوسكم، وتجديد دماء شرايينكم، وأن تبدأوا التدرب على التصرف كالأحرار، تعملوا كالأحرار، تتناسلوا كالأحرار، تفكروا كالأحرار، حاولوا، فربما بعد ألف عام، تستحيلون إلى أمة من الأحرار!!
لحسن حظ أهل مزرعتنا القديمة المجيدة، أن هؤلاء المارقين كانوا قلة تافهة لا يعتد بها، وربما هم ليسوا أتباع الفتى العبيط "مبروك"، وإنما هم دسيسة من العصابات التي دأبت طول الزمان على الإغارة على مزرعتنا الزاهرة لنهبها واسترقاق أهلها، ولقد كنا ومازلنا لهم بالمرصاد!!
لكن العجب العجاب ما فعله هؤلاء الملاحيس المتاعيس، حين وصلت إلى آذان سيد مزرعتنا تخاريفهم عن الحرية والعبودية، وقرر أن يقطع ألسنتهم، ويرد كيدهم لنحورهم، فأعلن بحكمته الجليلة، وحصافته النبيلة، أن مزرعتنا صارت حرة منذ اليوم فصاعداً، العجيب أن هؤلاء الأنجاس ما أن سمعوا بالخبر السعيد حتى صاروا كأن مساً من الجنون قد أصابهم، فأخذوا يقهقهون ويقهقهون، إلى حد انطراح الشحط منهم أرضاً من فرط الاستغراق في القهقهة، أما الفتى "مبروك" فوحده كان يبكي، ولم نجد أحداً بالمزرعة يقول أنه قد رأى "المبروك" من قبل يبكي.
قال "المبروك" وصدره مازال يرتج من آثار البكاء:
يا ناس، كيف تكونون أحراراً بين يوم وليلة، وأنتم العبيد أولاد العبيد؟!
من منكم قد جرب الحرية أو عرف طعمها؟
من منكم يعرف كيف يتصرف الأحرار؟
من منكم يعرف أن يفكر كالأحرار؟
أسركم اعتادت علاقات العبيد.
أطفالكم يرضعون العبودية مع اللبن.
مزارعكم تزرع بالعبودية.
مجالسكم ترزح في العبودية.
مدارسكم تعلم أولادكم وتدربهم على العبودية.
شعراؤكم يتغنون بالعبودية، ويترحمون على أزهى عصورها.
. . . . . . . . . . . . . . . .
لم ندع "المبروك" يتم هذيانه، فلقد ألبسناه قميصاً أبيض، وأخذناه لحيث يجد الرعاية والعلاج الكفيل برد عقله إليه . . . . . . مسكين "المبروك"، كان بركة المزرعة فصار لعنتها!!



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الليبرالية الجديدة وثنائية الشكل والمضمون
- الخطاب الإعلامي العربي بين الوصاية والتضليل والليبرالية المف ...
- د. سيار الجميل . . عفواً
- ثوابت الأمة والخلط بين الواقعية والانهزامية
- مستنقع الكذب وضبابه
- فيصل القاسم يسفر عن وجهه الليبرالي
- الاتجاه المعاكس- والإجهاز على المشكاة
- فيصل القاسم . . من وإلى أين؟
- مشهدان من مسرحية عروبية ساقطة
- أمريكا أمريكا . . تلك الأرض المقدسة
- البعض يريد كليباً حياً
- إبراهيم نافع والفاشيون العرب
- حوار مع صديقي الملحد -2
- الليبراليون الجدد يوقدون الشموع
- المسألة القبطية ومنهج الرقعة الجديدة على ثوب عتيق
- حوار مع صديقي الملحد
- غلب حماري
- خواطر من عرس ابنتي
- ليس رداً على صنديد العروبة عبد الباري عطوان- العراق وفلسطين ...
- هموم مشرقية 2 - تقييم الذات بين الحقيقة والادعاء


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - يحكى أن . . . . . .